المَحَبَّةُ الحَقَّةُ لِلرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ 13/3/1439هـ
المَحَبَّةُ الحَقَّةُ لِلرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ 13/3/1439ه
الحمدُ للهِ بعثَ لَنا نَبِيَّاً كَريمَاً,بَشِيراً وَنَذِيرَاً,وَدَاعِيَاً إلى اللهِ بِإذنِهِ وَسِراجَاً مُنِيراً,نَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ:(وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).وَنَشهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وأتبَاعِهِ بإحسانٍ وسلَّمَ تسليماً مَزِيداً.أمَّا بعدُ:فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ فَهِيَ خيرُ الوَصَايا وَأنفَعُها وأَجمَعُها.أيُّها المُؤمنونَ:إنَّهُ لا عِيشَةً رَضِيَّةً,إلَّا بِتَحقِيقِ المَحَبَّةِ للهِ ولِرَسُولِهِ.وَمَحَبَّتُنا لَهُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالى,لأنَّها طَرِيقٌ لِمَحَبَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ القَائِلِ:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ والله غَفُورٌ رَحِيمٌ).فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ وَمِنْهَا:أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا».أيُّها المُحبِّونَ للهِ ولِرَسُولِهِ كَثِيرٌ مِنْ الرِّوَايَاتِ تَقُولُ:أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ,وُلِدَ في مِثلِ هَذا الشَّهرِ,فَكَانَ مَولِدُهُ نُورَاً,وَليسَ لِمَولِدِهِ عِبَادَةٌ أو مُنَاسَبَةٌ,وَكَانَ مَبْعَثُهُ فَتحَاً وَسُرُوراً,وَصَدَقَ اللهُ:(لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). فالكونُ أَشرَقَ والفَضَاءُ تَعَطَّرَا والأُفقُ ظَلَّلَهُ السُّرورُ فَهل تَرَى؟إنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المَحمُودُ عندَ اللهِ ومَلائِكَتِهِ والأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ,وَصَفَ نَفسَهُ فَقَالَ:«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرٌ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ وَلاَ فَخْرٌ،بِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ،وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلاَ فَخْرٌ». نَبِيٌّ تَقِيٌّ,طَاهِرٌ نَقِيٌّ,زَكَّى البَارِي لِسَانَه فلا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى,مَا زَاغَ بَصَرَهُ وَمَا طَغَى!بَعثَهُ اللهُ لَنَا رَحمَةً وَأَمَانَاً فَقَالَ:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).وَقَالَ:«إنَّما أَنَا رَحْمَةٌ مُهدَاةٌ».أيُّها المُؤمِنُونَ: كُلُّ نِعمَةٍ بِنا فَإنَّمَا هِيَ بِفَضلِ اللهِ عَلَينَا ثُمَّ بِفَضلِ بِعثَةِ رَسُولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَنَا.
أَيُّها المُحِبُّونَ:مَحَبَّةُ رَسُولِنا عَاقِبَتُها خَيرٌ عَظِيمٌ,وَنَعِيمٌ مُقِيمٌ,فَعَنْ أَنَس بنِ مالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ،أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ عليهِ السَّلامَ عَنِ السَّاعَةِ،فَقَالَ:مَتَى السَّاعَةُ؟قَالَ:«وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا».قَالَ:لاَ شَيْءَ،إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ فَقَالَ:«أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».عبادَ اللهِ:حَقِيقَةُ المَحَبَّةِ بِأَنْ تَكُونَ مَحَبَّةً قَلبِيَّةً,وَكَذَا طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ,واجتِنَابُ ما نَهَى عنْهُ وَزَجَرَ,وَأَلاَّ يُعبدَ اللهَ إلاَّ بِمَا شَرَعَ.
فَمَنْ قَدَّمَ هَديَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ على رَغَبَاتِ نَفْسِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ, مَنْ تَحَاكَمَ إلى سُنَّتِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ,مَنْ حَقَّقَ الطَّاعةَ وَلَزِمَ الجَمَاعَةَ وَسَلَكَ سَبِيلَ المُؤمِنينَ فَهُوَ مُحِبٌّ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ ولِلمُؤمنينَ,مَنْ تَأَسَّ بِأخلاقِهِ وَآدَابِهِ وَمُعَامَلاتِهِ وعِبَادَاتِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
مَعاشِرَ المُؤمنينَ:لقد أحَبَّ الصَّحابَةُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَفَدَوهُ بِكُلِّ شَيئٍ,فعَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها،قَالَتْ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله،وَالله إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي،وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي،وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي،وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ،فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ،فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ،وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي ومَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ،وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ.فَلَمْ يُرِدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ حَتَّى نَزَّلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ:(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا*ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ الله وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا). فاللهم ارزقنا حبَّ نبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِراً وَبَاطِنَاً.أقول ما سمعتمِ،وأَستَغفِرُ اللهَ لي ولَكم وللمسلِمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ،فاستَغفِروهُ وتُوبُوا إليهِ إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيمُ.الخطبة الثانية :الحمدُ للهِ مَنَّ علينا بِالمَكرُمَاتِ,نَشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ الأَرضِ والسَّمَواتِ وَنَشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُه الرَّحمَةُ المُهداةُ,صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأِصحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهجِهِم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ المَمَاتِ.أَمَّا بَعدُ:فَاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ لعَلَّكُم تَهتَدُونَ.نَعْلَمُ حُبَّ الصَّحابَةِ والمُؤمِنينَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حُبَّاً صَادِقَاً عَادِلاً,لا زَيفَ فِيهِ ولا ادِّعَاءٍ!ذَلِكَ لأنَّهُ معَ الأسَفِ الشَّدِيدِ بَعضُ مَنْ يَنتَسِبُ للإسلاَمِ غَالَوا في حُبِّهم حتى خَرَجُوا بِهِ عن حُدودِ الشَّرِيعَةِ وَوَقَعُوا في بَرَاثِنِ الشَّركِ والإخلالِ بالعقيدَةِ.لِذا حَرِصَ رَسُولُنا عليه الصلاة والسلام على حِمَايَةِ جَنَابِ التَّوحيدِ وَخَافَ على أُمَّتِهِ من الضَّلالِ والغُلُوِّ فَقَالَ:«لاَ تُطْرُونِي،كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ،فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ،فَقُولُوا عَبْدُ الله،وَرَسُولُهُ»رواهُ البخاريُّ.إنَّهُ مِنَ الظُّلمِ العَظِيمِ أنْ تَقُودَ مَحَبَّةٌ إلى مُصَادَمَةِ ومُخَالَفَةِ الكتابِ والسُّنَّةِ! أتعلمونَ يا مؤمنونَ:أنَّ بعضَ من ينتَسِبُ للإسلامِ يدَّعِي أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَعلَمُ الغَيبَ!وَيَكشِفُ الضُّرَ! وَيَجلِبُ النَّفْعَ!وَذَلِكَ واللهِ شِرْكٌ عَظيمٌ وَتَكْذِيبٌ لِرَبِّ العالَمِينَ القائِلِ في كِتَابِهِ المُبينِ عنِ رَسُولِهِ الأمينِ:(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ الله وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).فإنَّ مِن أَشَّدِ المُنكَرَاتِ,مَا بُلِيت بِهِ كَثِيرٌ مِن بِلادِنا الإسلامِيَّةِ,مِن إقَامَةِ لَيالِي المَوالِدِ,وإنشادِ القَصَائِدِ,والخُطَبِ والمَدَائِحِ,التي وَصِلَت إلى الغُلُوِّ والشَّركِ باللهِ ربِّ العالَمينَ, كلُّ ذلِكَ صَارَ يُبَثُّ عبْرَ القنَواتِ والشَّبَكاتِ ممَّا يَجعلُ البِدعَةَ تَنتَشرُ في بِلادِ المُسلِمينَ!عياذَاً باللهِ تعالى,يَامُؤمِنُونَ:المَحَبَّةُ الصَّادِقَةُ تكُونُ بِاتِّبَاع سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ والأخذِ بِوصِيَّتِهِ حينَ قَالَ:(عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا،وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ،وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ،فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».ألا فَلنَعلم:أنَّ حقيقَةَ المَحبَّةِ تكُونُ في حُسنِ الإتِّباعِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعالَى:(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).فاللهُمَّ يا رَبَّنا ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً, اللهم وارضَ عن صَحَابَتِهِ الكِرَامِ,والتَّابِعينَ لهم بِإحسَانٍ وإيمَانٍ,وعنَّا معهم يا رحيمُ يا رَحمَانُ, اللهم إنَّا نشهدُ أنَّ مُحَمَّدَاً بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمَانَةَ ونصحَ الأمةَ وجاهدَ في الله حقَ جهادِه حتى أتاه اليقينُ,رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ,رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ,رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .