تابع/ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ تَعَالَى 23/1/1439ه الحمدُ للهِ بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.نَشهدُ ألَّا إله إلَّا الله وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ العالَمِينَ.وَنَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداَ عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ المُصْطَفى الأمِينُ.اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأتْبَاعِهِ بإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.أمَّا بَعْدُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أيُّها المُؤمِنُونَ:حينَ تَحَدَّثْنَا عَنْ أحَبِّ الأعْمَالِ إلى اللهِ تَعَالى تَشَجَّعْنَا إلى تَتَيُّعِ تِلْكَ الأَعْمَالِ لِنَنالَ مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالى بِأيْسَرِ الأسْبَابِ.فَالأعمَالُ الصَّالِحَةُ لَيسَت كُلَّهَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الفَضْلِ وَحُبِّ اللهِ تَعَالَى لَهَا فَقَدْ فَاضَلَ المَولَى بَيْنَهَا كَمَا سَبَقَ وَكَمَا يَظْهَرُ بِإذْنِ اللهِ لَنَا!وَإنْ كَانَ الأَصْلُ أنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الطَّاعَاتِ وَأَهْلَهَا،وَيَكْرَهُ الْمُحَرَّمَاتِ وَأهْلَهَا،إلَّا أنَّ الأعْمَالَ الصَّالِحَةَ مَرَاتِبُ تَتَفَاوَتُ؛فَمِنَ العَمَلِ مَا هُوَ مَفْضُولٌ، وَمِنْهُ الفَاضِلُ، وَمِنْهُ الأَفْضَلُ!والنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي سُلُوكِهِم لِهَذِهِ الأَعْمَالِ بِحَسَبِ تَوْفِيقِ اللهِ للعَبْدِ مِنْ جِهَةٍ،ثُمَّ بِحَسَبِ قُوَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِاللهِ تَعَالَى وَبِالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِهَا!فَعَلى سَبِيلِ المِثَالِ:الصَّلاةُ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأحَبِّهَا إلى اللهِ تَعَالَى,وَلَكِنَّها فِي مَوَاضِعَ تَكُونُ مَرْجُوحَةً,أو مَنْهِيًّا عَنْها؛وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ أَفْضَلُ الذِّكْرِ،وَلَكِنْ عِنْدَ سَمَاعِ الأَذَانِ التَّرْدِيدُ أَفْضَلُ!ثُمَّ الاسْتِمَاعُ لِلخُطْبَةِ؛أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وذِكْرٍ وَدُعَاءٍ.فَكَيفَ إذَا انْشَغَلَ عَنْ الخُطْبَةِ بِعَبَثٍ بِجَوَّالٍ أو غَيْرِهِ؟ وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ:أَنْصِتْ،فَقَدْ لَغَا".وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا».عِبَادَ اللهِ:وَالعَمَلُ الصَّالِحُ الذي نَفْعُهُ وَأَثَرُهُ مُتَعَدِّيًا لِلغَيرِ؛أفْضَلُ مِنْ عَمَلٍ يَقْتَصِرُ نَفْعُهُ على صَاحِبِهِ فَحَسْبٌ,فَالدَّعْوَةُ إلى اللهِ تَعَالَى،وَالصَّدَقَةُ فِي سَبِيلِهِ.أفْضَلُ مِنْ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ!.أيُّهَا المُؤمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ:تَعَالَوا بِنَا نَتَلَمَّسُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْأَقْوَالِ لِنَقُولَهَا،وَمِنَ الْأَعْمَالِ لِنَعْمَلَهَا،وَمِنَ الصِّفَاتِ لِنَتَّصِفَ بِهَا؛فَهَذِهِ الحِكْمَةُ بِعَينِهَا واللهُ تَعَالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).ألا وَإنَّ مِمَّا يُحُبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَبِيَّهُ وَمُصْطَفَاهُ:(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).ألمْ تَعْلَمُوا أنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا؟وَكَذَلِكَ«أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ؟«أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ.عِبَادَ اللهِ:إنَّ الخِلْقَةَ الظَّاهِرَةَ والشَّكْلَ العَامَّ للإنْسَانِ لا يَمُكِنُ تَغْيِيرُهُ؛بَينَمَا الأَخْلاقُ بِحَمْدِ اللهِ تَقْبَلُ التَّحَسُّنَ وَالتَّغْييرَ؛ لِذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ دُعَاءِ نَبِيِّنَا:«اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ».ألا وَإنَّ مِنْ أجْمَعِ عَلامَاتِ حُسْنِ الخُلُقِ أنْ يَكُونَ:كَثِيرَ الحَيَاءِ،قَلِيلَ الأَذَىَ،كَثِيرَ الصَّلاحِ، قَلِيلَ الزَّلَلِ،قَلِيلَ الفُضُولِ، بَرَّاً وَصُولاً،وَقُورًا صَبُورًا شَكُورًا، رَضِيًّا رَفِيقًا،لا عَجُولاً وَلا حَقُودًا،وَلا بَخِيلاً وَلا حَسُودًا.فَهَنِيئَاً لِمَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ فَليبْشِرْ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ:«مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ،وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ».صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.وَإنَّمَا أُعطِي صَاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ هَذَا الفَضْلَ العَظِيمَ؛لأنَّ الصَّائِمَ وَالمُصَلِيَّ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ؛أَمَّا مَنْ يُحَسِّنُ خُلُقَهُ مَعَ النَّاسِ مَعَ تَبَايُنِ طَبَائِعِهُمْ وَأَخْلاقِهُمْ إنَّمَا يُجَاهِدُ نُفُوسًا كَثِيرَةً!فاللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ.اللهمَّ ارْزُقْنَا البِرَّ والتَّقْوى وَمِنْ العَمَلِ مَاتَرْضَى. أقُولُ مَا سَمِعتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِلمُسْلِمينَ مِن كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةِ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إليهِ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ. الخطبة الثانية: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ،وَأَحْسِنُوا بِرَبِّكُمْ وَلا تَعْصُوهُ فَهُوَ القَائِلُ: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).فَجَاهِدُوا في إصْلاحِ أنْفُسِكُمْ فَاللهُ هُوَ خَيرُ مُسَدِّدٍ وَمُعِينٍ. يَامُؤمِنُونَ:إنَّ مِنْ أحَبِّ العِبَادِ إلى تَعَالى مَنْ ذَكَرَهُمْ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«إِنَّ أَحَبَّ عِبَادَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ الْغَنِيُّ الْخَفِيُّ التَّقِيُّ».فَالغِنَي هُنَا غِنَى النَّفْسِ؛لا كَثْرَةَ المَالِ!قَالَ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ:«وَإنِمَّا يَحْصُلُ غِنَى النَّفْسِ بِغِنَى القَلْبِ؛بِأَنْ يَفْتَقِرَ إلى رَبِّه فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ؛ فَيَتَحَقَّقُ أَنَّهُ المُعْطِي المَانِعَ؛فَيَرْضَى بِقَضَائِهِ،وَيَشْكُرُهُ عَلى نَعْمَائِهِ».أمَّا الخَفِيُّ:فَهُو المُنْقَطِعُ لِلعِبَادَةِ مُشْتَغِلٌ بِأُمُورِ نَفْسِهِ؛ لا يَتَظَاهَرُ بِالخَيْرِ وَإظْهَارِ العَمَلِ،وَلا يَطْلُبَ الجَاهَ عِنْدَ الخَلْقِ؛كَمَنْ وَصَفَهُم رَسُولُ اللهِ :«رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ».أمَّا التَّقِيُّ:فَمَنْ يَتَّقِي مَحَارِمَ اللهِ،وَيَتَّبِعُ شَرِيعَةَ نَبِيِّهِ. عِبَادَ اللهِ:وَمِمَّا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ الرَّجُلَ السَّمْحَ,فَكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى هَذَا الخُلُقَ الرَّفِيعَ فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ المَشَاكِلُ عِنْدَ أدْنى سَبَبٍ حتَّى لا تَكادُ تَدْخُلَ دُكَّانًا,ولا تَقِفُ عِنْدَ مَحَطَّةِ وَقُودٍ,إلَّا وَتَرَا خِصَامَاً,وَتَسْمَعُ سِبَابَاً!فَأَينَ هَؤلاءِ مِنْ قَولِ نَبِيِّنَا:"إِنَّ اللهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ،سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ الْقَضَاءِ".ألا يُمْكِنُ أنْ يَتَرَفَعَ اثْنَانِ لِلقَضَاءِ بِدُونِ خِصَامٍ وَلِجَاجٍ وَفُجُورٍ؟ بَلى واللهِ وَهَذَا هُوَ الأصْلِ بالمُسْلِمِينَ,السَّمَاحَةُ يَارَعَاكُمُ اللهُ:جُودٌ وَكَرَمٌ،السَّمَاحَةُ:مُطُالَبَةٌ بِحَقٍّ بِرِفْقٍ وَلِينٍ،السَّمَاحَةُ: ألاَّ تُلْحِقَ بِخَصْمِكَ ضَرَراً لَيسَ أهلاً لَهُ,السَّمَاحَةُ:عُلُوٌّ وَتَسَامٍ على حُظُوظِ النَّفْسِ,وَاتِّبَاعِ نَزَغَاتِ الشَّياطِينِ.أتَدْرُونَ مَنْ يَقْدِرُ على هَذِهِ الأخْلاقِ إنَّهُمْ رِجَالُ العَفْوِ والصَّفْحِ, أهْلُ التَّقْوى والإيمانِ :(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).مَنْ نَالُوا مَحَبَّةَ اللهِ وَمَغْفِرَتَهُ كَمَا قَالَ المَولى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).حَقَّاً مَنْ أرَادَ رِفْعَةَ الدَّارَينَ فَليَتَمَثَّلَ العَفْوَ الذي مَعَهُ الصَّلاحَ والإصْلاحَ يَقُولُ نَبِيِّنَا:«وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا».نُؤمِنُ بِقولِ الرِّسُولِ الأكْرَمِ: «إِنَّ اللَّهَ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ».فَالعَفْوُ:تَرْكُ المُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِّ،وَالصَّفْحُ: إزَالَةُ أَثَرِهِ عَن النَّفْسِ.فاللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ.اللهمَّ ارْزُقْنَا البِرَّ والتَّقْوى وَمِنْ العَمَلِ مَاتَرْضَى. اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين.اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا,رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.