فَصَبْرٌ جَمِيلٌ 20/5/1438هـ
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ 20/5/1438ه
الحَمدُ للهِ وَعَدَ الصَّابِرينَ أَجراً بِغَيرِ حِسابٍ،وَأَثَابَ الشَّاكِرِينَ لَهُ فَنِعمَ الثَّوَابُ,نَشهدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ,لهُ الحُكمُ وإليهِ المَتَابُ،ونَشهدُ أنَّ مُحمدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خَيرُ مَن صَبَرَ وصَابَرَ بِلا ارتِيَابٍ,الَّلهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وبارِك عليهِ وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَٱتَّقُواْ رَبَّهم إلى يَومِ المَآبِ.أمَّا بَعدُ:فاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ؛فَإنَّ طَاعَتَهُ أَقوَمُ وأَقْوى،وَتَزَوَّدُوا بالصَّبر والتَّقوَى,فَاللهُ تَعالى يَقُولُ: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ .أيُّها المُسلمونَ،لقد قدَّرَ اللهُ المَقَادِيرَ وَالآجَالَ،وَنَسخ الآثَارَ والأعمَالَ،وَقَسَّمَ المَعَايِشَ وَالأمَوَالَ،وَخَلَقَ المَوتَ وَالحياةَ لِيَبْلُوَنَا أَيُّنا أَحْسَنُ عَمَلاً.فَهُوَ القَائِلُ: الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ [الملك:1].عبادَ اللهِ:والإيمانُ بِقضاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ رُكنٌ مِن أَركانِ الإيمَانِ،فَمَا فِي الأَرْض مِن حَرَكَةٍ ولا سُكُونٍ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللهِ وَإرَادَتِهِ،وهذهِ الدُّنيا الدَّنِيَّةِ طَافِحَةٌ بِالأنْكَادِ وَالأَكْدَارِ, فيها العَوارِضُ وَالمِحَنُ,وَالأهْوَالُ والأخْطَارُ, وَرَبُّنا يَقُولُ: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ وَٱلأنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ [البقرة:155]، وَسُبحانِ اللهِ العَظِيمِ:النَّفسُ البَشَرِيَّةُ لا تَزْكُو ولا تَصْحُو إلَّا بِالتَّمْحِيصِ،فَالبَلايا تُظهِرُ الرِّجَالَ،نَسْألُ اللهَ السَّلامَةَ والعَافِيَةَ. يَقولُ ابنُ الجَوزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ:"مَنْ أَرَادَ أَنْ تَدُومَ لَهُ السَّلامَةَ وَالعَافِيَةَ مِنْ غَيرِ بَلاءٍ فَمَا عَرَفَ التَّكْلِيفَ وَلا أَدْرَكَ التَّسلِيمَ".فَلا بُدَّ مِنْ حُصُولِ أَلَمٍ لِكُلِّ نَفْسٍ،سَواءٌ آمنْتَ أَمْ كَفَرْتَ،سَخِطَّتَ أمْ جَزِعْتَ. فَيَاأيُّها المُؤمِنُ:وَطِّنْ نَفْسَكَ على المَصَائِبِ قَبْلَ وُقُوعِهَا,لِيَهُنْ عَليكَ وَقْعُهَا،فَلِلْبَلايَا أَمَدٌ مَحْدُودٌ عندَ اللهِ تَعالى،ولا تَسْخَط بِمَقَالٍ،فَرُبَّ كَلِمَةٍ جَرَى بِها الِّلسَانُ هَلَكَ بِها الإنْسانُ،وَفي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه،أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».وَالمُؤمِنُ الحَازِمُ يَثْبُتُ لِلعَظَائِمِ،وَلا يَتَغَيَّرُ فُؤَادُهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ,وَلا يَنْطِقُ لِسَانُهُ بِالتَّشَكِّي،فَمَا زَالَ العُظَمَاءُ وَالعُقَلاءُ يُظهِرُونَ تَجَلُّدَاً, وَيَكْتُمُونَ المَصَائِبَ وَالأَوْجَاعَ,لَئلاَّ يشَمْتَ بِهِمُ الأَعْدَاءُ،وَلِيَنَالُوا عَظِيمَ الأجْرِ والثَّوابِ. وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:96]،
أَيُّها المُسلِمُ المُبْتَلى:ما ابْتَلاكَ اللهُ تَعَالَى إلَّا لِتُعَافَى،وَلا امْتَحَنَكَ إلَّا لِيَصْطَفِيَكَ،فَلا تُضَيِّع زَمَانَكَ بِهَمِّكَ،فَمَا دَامَ الأَجَلُ بَاقِيَاً فالرِّزْقُ آتِيَاً،قَالَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا،فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ». واللهُ يَقُولُ: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6].يَامُؤمِنُ:طَريقُ الابْتِلاءِ مَحْتُومٌ، تَعِبَ فِيهِ آدَمُ،وَرُمِيَ فِي النَّارِ إبْرَاهِيمُ،وَأُضْجِعَ لِلذَّبْحِ إسْمَاعِيلُ،وَأُلقِيَ فِي بَطْنِ الحُوتِ يُونُسُ، وَقَاسَى الضُّرَّ أَيُّوبُ،وَبِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يُوسُفُ،وَأُلقِيَ فِي السِّجْنِ ظُلْمَاً،وقَاسَى أَنْوَاعَ الأَذَى نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ عليهِ وعلى سَائِرِ الأنبِياءِ أفضَلُ الصَّلاةِ وَأزْكَى التَّسْلِيمِ.وَأَنْتَ أيُّها المُسلِمُ الكَرِيمُ عَلى سُنَّةِ الابْتِلاءِ سَائِرٌ!يَقُولُ المُصْطَفَى :«مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ».رواه البخاري.عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟قَالَ:"الْأَنْبِيَاءُ،ثُمَّ الصَّالِحُونَ،ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ،يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ،فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ،وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ،وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ". أيُّها المُؤمِنُ:المُصِيبَةُ حَقَّاً إنَّمَا هِيَ مُصِيبَةُ الدِّينِ،إنْ غَفَلْتَ عَن اللهِ فَأنتَ خَاسِرٌ!إنْ قَارَفْتَ المَعَاصِي وَتَلَذَّذْتَ لَهَا فَأنتَ خَاسِرٌ!وَمَا سِوى مُصِيبَةُ الدِّينِ فَهِي عَافِيَةٌ،فَلا تَأْسَ عَلى مَا فَاتَكَ مِنْ أحْبَابٍ وَأمْوَالٍ،فَرَبُّنَا وَحْدَهُ لَهُ الحَمْدُ،وَإِليهِ المُشْتَكى،وَإذَا تَكَالَبَتْ عَليكَ الأَيَّامُ،فَلا تَرْجُ إلَّا اللهَ فِي رَفْعِ مُصِيبَتِكَ وَدَفْعِ بَلِيَّتِكَ،فَقَلِّبْ وَجْهَكَ فِي السُّجُودِ،وَارْفَعْ أَكُفَّ الضَرَاعَةِ لِمَولاكَ،وَنَادِ ياكَريمُ فَرِّجْ كُرَبِي،وَسَهِّلْ أَمْورِي: أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوءَ [النمل:62].أَكْثِرْ مِن دَعْوَةِ ذِي النُّونِ: لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [الأنبياء:87]،قَال العُلَمَاءُ:ما دَعَا بِها مَكرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللهُ كَرْبَهُ،وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:"وَقد جُرِّبَ أنَّ مَنْ قَالَ: أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، سَبْعَ مَرَّاتٍ كَشَفَ اللهُ ضُرَّهُ".فَيَا عَبْدَ اللهِ:أَلْقِ كَنَفَكَ بَينَ يَدي اللهِ،وَعَلِّق رَجَاءَكَ بِهِ،وَسَلِّم أَمْرَكَ لِلرَّحِيمِ الرَّحَمنِ،وَتَحَرَّ أَوقَاتَ الإجَابَةِ،وَإيَّاكَ أنْ تَستَطِيلَ زَمَنَ البَلاءِ،وَتَمَلَّ مِن كَثْرَةِ الدُّعَاءِ،فَإِنَّكَ مُتَعبَّدٌ بِالصَّبْرِ وَالدُّعَاءِ: وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ [يونس:107]فَهو الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ.وَرَسُولُنا قَالَ:"يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ:دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".وَتَفَقَّدْ المَسَاكِينَ،فَالصَّدَقَةُ تَرْفَعُ وَتَدْفَعُ البَلاءَ.وَبَعْدُ فالمُؤمِنُ الحَقُّ مَنْ أَيقَنَ دَومَاً بِقَدَرِ اللهِ وَخَلْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ،وَصَبَرَ عَلى بَلائِهِ وَحُكْمِهِ،وَاسْتَسْلَمَ لِأَمْرِهِ.أعوذُ بِاللهِ مِن الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـٰنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51].بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،وَنَفَعَنا بِمَا فِيهما من الآياتِ والذِّكْرِ الحَكِيمِ، أقولُ ما تَسمعون،وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكُم وَلِلمسلِمِينَ مِن كلِّ ذَنْبٍّ فاستغفروه،إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية/الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ،نَشهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبينُ ،ونَشهَدُ أنَّ نَبيَّنا مُحمدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ،اللهمَّ صَلِّ وسَلِّم وَبَارِك عليهِ وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ والتَّابعينَ لَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ.أَمَّا بَعدُ:فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ والتَزِمُوا أمرَهُ وَلا تَعصُوهُ.فَالسَّعِيدُ مَن لازَمَ التَّقوى،إنْ اسْتَغْنَى بِهَا زَانَتْهُ،وَإنْ افْتَقَرَ إليها أَغْنَتْهُ،قَالَ دَاودُ بنُ سُليمَانَ رَحِمَهُ اللهُ:"يُستَدَلُّ عَلى تَقْوَى المُؤمِنِ بِثَلاثٍ:حُسْنِ التَّوَكُّلِ فِيمَا لَمْ يَنَلْ,وَحُسْنِ الرِّضَا فِيمَا قَد نَالَ،وَحُسْنِ الصَّبْرِ فِيمَا قَد فَاتَ".عِبَادَ اللهِ:ثَمَّةَ وَصَايَا نَافِعَةٍ لِكُلِّ مُبْتَلَىً وَحَزِينٍ،أوَّلُها:تَطْبِيقُ قَولِ اللهِ تَعَالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ [البقرة 155].قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي اللهُ عنها:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ:اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا،إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا".وَمِن العِلاجِ أَنْ تَنْظُرَ إلى ما قَدْ أَبْقَى لَكَ رَبُّكَ مِنْ النِّعَمِ الأخرَى!وَمِنَ العِلاجِ أَنْ تُوقِنَ أنَّ الجَزَعَ لا يَرُدُّ شَيئَاً بَلْ يَزِيدُها شَقَاءً وَبَلاءً،فَهَلْ تَشَكِّي المَرِيِضِ شَفَاهُ،وَهَلْ لاطِمُ خَدِّهِ أغْنَاهُ!فَالفَضِيلَةُ والسُّرُورُ لِلصَّابِرِينَ.لا تَنْسَ أيُّها المْبْتَلى أَنَّ الجَزَعَ يُشْمِتُ بِكَ العَدُوَّ وُيُسِيءُ إلى الصَّدِيقِ وَيُغْضِبُ الرَّبَّ وَيُحبِطُ الأَجْرَ. فَلِصَّابِرِ بَيتَاً في الجَنَّةِ اسمُهُ بَيتَ الحَمْدِ.عِبَادَ اللهِ:إنَّ أَنْفَعَ عِلاجٍ أنْ تَرضَى وَتُحِبَّ مَا أَحَبَّهُ لَكَ وَرَضِيهُ لَكَ فَإنَّهُ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ,وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:186].أيُّها المُسلِمُ:اصْبِرْ على طَاعَةِ اللهِ عَنْ مَحَبَّةٍ وَرِضَى،وَاصْبِرْ عن المَعَاصِي بُغْضَاً لَهَا وَكُرْاهاً،اصْبِر على قَضَاءِ وَقَدَرهِ إيمَاناً وَاحْتِسَابَاً،فالعِبَادَاتِ شَاقَّةٌ على النُّفُوسِ؛وتَحتاجُ إلى مُصابَرَةٍ ومُجَاهَدَةٍ!فالصلاةُ والصِّيامُ, والحَجُّ والزَّكَاةُ,والأمرُ والنَّهيُ,كُلُّها تحتاجُ إلى الصَّبرِ, قَالَ اللهُ تَعَالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا .والثَّانِي:الصَّبرُ عن الوُقُوعِ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ تَعالى،وَذَلِكَ بِكَفِّ النَّفسِ عن أنْ تَفعَلَ مُحَرَّمَاً أو تُقَصِّرَ في واجبٍ.عبادَ اللهِ:وآفَةُ المُنكراتِ في هذا الزَّمنِ,أنْ سَهُلَ الوُصُولُ للحرامِ فكانَ أقرَبَ إلى أَحَدِنَا من يَدِهِ لِعينِيهِ!فالقَنواتُ والشَّبكاتُ والأجهِزَةُ الذَّكِيَّةُ, إنْ لَمْ نَصبِرِ عن الحرامِ الذي فيها,أوردتنا المهالكَ والمَضآرَّ!ذالِكَ أنَّ النَّفسَ مَيَّالَةٌ إلى الآثامِ،تَوَّاقَةٌ إلى الشَّهوَاتِ،فإنْ لم نُلجِمهَا بِتَقوى اللهِ والصَّبرِ عن مَعَاصِيهِ,تَلَطَّخنا بِالأَوزَارِ!وأعظَمُ عِلاجٍ قَولُ اللهِ في مُحكَمِ التَّنزِيلِ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .فَعَاقِبَةُ الصَّـبرِ الجَمِيلِ جَمِيلةٌ وأَحسَنُ أَخلاقِ الرِّجَالِ التَّحَفُظُ.وأَمَّا القِسمُ الثَّالِثُ:فَهُو صَبرٌ على أَقدَارِ اللهِ المُؤلِمَةِ وعلى مَصَائِبِ الحَيَاةِ المُتَنَوِّعَةِ،فمن من البشَرِ سَلِمَ من ذالِكَ؟ُمَن منَّا مَنْ لَم يُصبْ بِمَرَضٍ؟كُلٌّ مِنَّا فَقَدَ مَالاً؟أو قَرِيبَاً أو عزيزاً؟ولهذا قالَ سُبْحَانَهُ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ .فهذهِ سُنَّةُ اللهِ في عِبَادِهِ؛أنْ ابْتَلاهُم بِشَيءٍ من الخَوفِ،ولَم يَقُل:بِالخَوف كُلِّهِ؛لأنَّهُ لو قَالَ:بالخَوفِ لأَهلَكَهُم!اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ،وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ،وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ,آمنَّا باللهِ وتَوكَّلنا عليه. رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ .اللهمَّ اشفِ مَرضَانَا,وعَافِ مُبتَلانا، وارحم مَوتانا,وفُكَّ أسرانَا,واهدِ ضَالَّنا,ورُدَّ غَائِبَنا,وارزقنا حُسنَ القولِ والعَمَلِ,اللهم اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذُرِّياتِنَا رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءَ,اللهمَّ ثَبِّتنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا ويَومَ يقومُ الأشهادُ. اللهم آمنَّا في أوطانِنِا،وأَصلِح ووفِّق أَئِمَّتَنا وولاةَ أمورِنا،خُذ بِنَواصِيهم لِلبرِّ والتَّقوى,وأصلح لهم البِطَانَةِ.اللهم أَصلِح حَالَنا وأَحسِن مآلنا،اللهم عليك بالمفسدين واقطع دَابِرَهُم وأوقِعْ بِهم وافضح مُخَطَّطاتِهِم.ووفِّقَ رجالَ أمننا لكُلِّ عَمَلٍ يُرضيكَ واحفظ حُدُودَنا وانصُر جُنُودَنا ياربَّ العالمينَ. عباد الله:اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.