• ×

09:19 مساءً , الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024

ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ 22/4/1438ه


زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمْدُ للهِ عَظِيمِ الفَضْلِ وَالكَرَمِ،مُدِرِّ الخَيرِ وَالنِّعَم،نَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا الله وحده لا شريكَ له الجَوَادُ المَنَّانُ،ذو العَطَاءِ والإنعامِ،وَنَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ،سيِّدُ الكُرَمَاءِ،وَأَنْبَلُ الشُّرَفَاءِ،صلَّى الله وسلَّم وَباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وَمَن تَبِعَهُم بِإحسانٍ وإيمانٍ. أمَّا بَعْدُ:

فَيا مُسلِمُونَ:اتَّقوا اللهَ تَعَالى؛فقد نجا من اتَّقَى،وضلَّ من قادَهُ الشِّيطَانُ والهوَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

عبادَ الله:لقد حَبَا اللهُ بِلادَنا المُبَارَكَةَ مِنَ الخَيرَاتِ وَالنِّعَمِ،وَاختَصَّنا مِنَ العَطَايَا وَالمِنَنِ،مالم يكُن لِغَيرنَا,فَقَدْ جَعَلَنا اللهُ قِبْلَةَ المُؤمِنين وَشَرَّفَنا بِخِدْمَةِ الحَرَمِينِ,أَطعَمَنا مِن جُوعٍ وَأمَّنَنا مِن خَوفٍ،وَوَسَّعَ عَلَينا بَعدَ ضِيقٍ وَأَغنَاننا بَعدَ فَقرٍ، فَلَهُ سُبحانَه الحَمدُ وَالشُّكرُ،وَنَسأَلُهُ المَزيدَ مِن فَضلِهِ وَإنعَامِهِ. وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ .نَعمْ كُلُّ النِّعَمِ مِنَ اللهِ وَحَدْهُ.لا يَجُوزُ لِبَشَرٍ أنْ يَنْسِبَ النِّعَمَ لِحَاكِمٍ مُعَيَّنٍ, ولا دَولَةٍ مَخْصُوصَةٍ,ولا مَسئولٍ بِعَينِهِ,كَمَا لا يَجُوزُ أنْ نَعتَقِدَ أنَّ العَطَاء أو المَنْعَ مِنْ أحَدٍ مُعَيَّنٍ!

أيُّها المُسلِمُونَ:لَقَد تَعَلَّقَ كَثِيرٌ مِنَّا بالأسبَابِ المَادِيَّةِ البَحْتَةِ,والمَعَايِرِ والتَّحَالِيل الاقْتِصَادِيَّةِ المُجَرَّدَةِ,حتَّى سَيْطَرَتْ علينا الهُمُومُ والهَواجِسُ, وَأصَابَنا الرُّعْبُ والوهَنُ بِسَبَبِ الاكْثَارِ مِنْ تَتَبُّعِ أخْبَارِ المُحَلِّلينَ الاقْتِصَادِيِّنَ كَمَا هُوَ وَاقِعُ كَثِيرٍ مِنَّا وِمِنْ مَجَالِسِنا هَذِهِ الأيَّامِ!

نَعَمْ يَاكِرَامُ:المُسْلِمُ حَصِيفٌ وَفَطِنٌ,يُتابِعُ وَيُخَطِّطُ لِمُسْتَقْبَلِهِ,وَلَكِنَّهُ لا يَغْفُلُ عَنْ الأسبَابِ الشَّرْعِيَّةِ,وَيَجْعَلُ الدُّنيا أكْبَرَ هَمِّهِ,وَمُنْتَهى مَطْلَبِهِ!

إخواني الكِرَامُ:مِنْ المُؤسِفِ أنَّ فِئَامًا مِنَّا في غَفلَةٍ عن النِّعَمِ التي نحنُ فيها بَلْ وَعِنْدَهُم تَفريطٌ فِيهَا وَعَدَمُ تَقييدِها بِشُكرِ الوَاهِبِ سُبحانَه؛فَإنَّهُ مِنَ المُتَقَرِّرِ أَنَّ النِّعَمَ إِذَا شُكِرَت قَرَّت، وَإذَا كُفِرَت فَرَّت: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ .

عِبَادَ اللهِ:مِن مَظَاهِرِ كُفرِ النِّعمَةِ التي لُوحِظَ أَنها تَزدَادُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الظُّرُوفِ الاقْتِصَادِيَّةِ ,الحَسَدُ وَالغِيرَةُ,وَضَعفُ اليَقِينِ,وَقِلَّةُ التَّوَكُّلِ على اللهِ تَعَالى،حتى صَدَرَ مِن بَعضِ النَّاسِ تَصَرُّفَاتٌ رَعنَاءُ تُنبِئُ عن قُصُورٍ في الفَهمِ,وخَلَلٍ في التَّفكِيرِ،مُتَنَاسِينَ أَنَّ فَضلَ اللهِ وَاسِعٌ وَخَيرَهُ عَمِيمٌ،وَأنَّهُ لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ فَضَّل بَعْضَنا على بَعْضٍ في الرِّزْقِ,فَمَهْمَا عَمِلْتَ فَلَنْ تَرُدَّ رِزْقَاً سَاقَهُ اللهُ لأحَدٍ. فَهَوِّنْ على نَفْسِكَ واسْتَمْعْ بِقَلْبِكَ لِقَولِ رَبِّكَ: أَوَلم يَرَوا أَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقدِرُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ .فلا إلهَ إلَّا اللهُ لا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ ولا مَانِعَ لما أَعطَى.

يَامُؤمِنُونَ:لَقَدْ فَنِيَ أَجيَالٌ وَأَجيَالٌ،وَمَا نَالَ أَحَدٌ مِنهُم فَوقَ مَا قُدِّرَ لَهُ،وَسَنمُوتُ كَمَا مَاتُوا.وَلَن يَزِيدَ في رِزقِ أَحَدٍ مِنَّا حِرصُهُ وَلا طَمَعُهُ،وَلا حَسَدُهُ لأَخيهِ،كَمَا أَنَّهُ لَن يَنقُصَ ممَّا قُسِمَ لَنا شَيئاً! لَكِنَّهَا وَسَاوِسُ شَيطَانِيَّةٌ,وَإِرجَافَاتٌ إِبلِيسِيَّةٌ،يَزرَعُها الشَّيطَانُ في قُلُوبِ مَن ضَعُفَ بِاللهِ إِيمَانُهُم، وَقَلَّت بِاللهِ ثِقَتُهُم،فَلَم يَرَوا مِنَ الأَسبَابِ إِلاَّ مَا ظَهَرَ لأَعيُنِهِم،ولم يَقنَعُوا مِن الأَرزَاقِ إِلاَّ بما حَسَّبَتهُ عُقُولُهُم.

أيُّها المُسْلِمونَ:مَا أَجملَ أَن نَتَحَلَّى بِالقَنَاعَةِ وَسَمَاحَةِ النَّفْسِ،فَنَطلُبُ الرِّزقَ مِن وَاهِبِهِ وَنَسأَلُهُ مِن فَضلِهِ،ولا نَشتَغِلَ بِتَحلِيلاتِ فُلانٍ أو فُلانٍ!أنَسِينَا أَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ،وَأَنَّ خَزَائِنَهُ مَلأى لاتَغِيضُ؟ أَيخَافُ هؤلاء أَن يمُوتُوا وَمَا استَكمَلُوا ما لهم مِن رِزْقٍ؟ سُبحَانَ اللهِ القَائِلَ:(يَا عِبَادِي،لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوني فَأَعطَيتُ كُلَّ إِنسَانٍ مَسأَلَتَهُ،مَا نَقَصَ ذَلِكَ ممَّا عِندِي إِلاَّ كَمَا يَنقُصُ المِخيَطُ إِذَا أُدخِلَ البَحرَ).وَقَالَ :(إِنَّ يمينَ اللهِ مَلأَى لا يَغِيضُها نَفَقَةٌ،سَحَّاءَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ،أَرَأَيتُم مَا أَنفَقَ مُنذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ؟فَإِنَّهُ لم يَنقُصْ مَا في يمينِهِ).وَقَالَ :(إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رَوعِي أَنَّ نَفسًا لَن تموتَ حتى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا،فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ،وَلا يحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَنْ يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ،فَإِنَّ اللهَ تعالى لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).فيامُؤمِنُونَ:عَلامَ التَّسَخُّطُ؟وَإِلى متى التَّحَاسُدُ وَالتَّبَاغُضُ؟والنَّظَرُ إلى ما في أيدي النَّاسِ؟ أَمَا آنَ لِلقُلُوبِ أَن تَرضَى بِمَا قَسَمَ لها عِلاَّمُ الغُيُوبِ؟أَمَا آنَ لِلنُّفُوسِ أَن تَقنَعَ بما آتَاهَا الكَرِيمُ المَنَّانُ؟أَمَا آنَ لِلصُّدُورِ أَن تمتَلِئَ يَقِينًا وَتَوَكُّلاً عَلَى اللهِ؟ أَلا يحسُنُ بِكُلِّ امرِئٍ أَن يَسعَى في طَلَبِ رِزقِهِ وَتَدبِيرِ شُؤُونِ مَعِيشَتِهِ بَعِيدًا عَنِ الاشتِغَالِ بالآخَرِينَ وَتَنغِيصِ مَعَايِشِهِم؟!فامْشُوا في مَنَاكِبِ الأَرضِ وانتِشِرُوا فِيها وَكُلُوا مِن رِزْقِ اللهِ وإليهِ النُّشُورُ.

يا مُسْلِمُونَ:الحَيَاةُ أَغلَى مِن أَنْ تُضَاعَ في حَسدِ الآخَرِينَ وَالنَّظَرِ إلى مَا في أَيدِيهِمْ، وَإِنَّ الدُّنيا لأَقَلُّ شَأنًا مِن أَنْ نَجعَلَهَا هَدَفًا لَنا,وَنَتَّخِذَهَا غَرَضًا نَسْعَى لإجْلِهَا،نَغضَبُ لِفَقْدِ شيءٍ مِنْها،وَلا نَرْضى إِلاَّ بِالتَّمسُّكِ بِزُخرُفِهَا وَغُرُورِهَا.أمَا سَمِعْتُمْ بِالمَثَلِ العَجِيبِ الذي ضَرَبَهُ لَنا نَبيُّنا بِأَنَّهُ لا أَفسَدَ لِدِينِ المَرءِ مِن حِرصِهِ عَلَى الدُّنيا والمَالِ؟حِينَ قَالَ:(مَا ذِئبَانِ جَائِعَانِ أُرسِلا في غَنَمٍ بِأَفسَدَ لها مِن حِرصِ المَرءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ).تَصَوَّروا ذِئبَانِ أهْلَكَهُما الجُوعُ,وَقَدْ وَجَدَا قَطِيعَاً مِن الأَغْنَامِ بِدونِ رَاعٍ ولا حَامٍ, تُرى مَاذا سَيفْعَلانِ بالغَنَمِ؟بالتَّأكيدِ سَيأكُلانِ جُزْءً وَيَعْبَثَانِ بِالبَاقِي تَخْرِيبَاً وَإفسْادًا!
كذلكَ مَنْ صَارَتِ الدُّنيا أكْبَرَ هَمِّهِ شتَّتَ اللهُ شَمْلَهُ,وَجَعَلَ فَقْرَهُ بينَ عينيهِ,وَأفْسَدَتْ عليهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ! فاللهمَّ لا تَجَعَلِ الدُّنيا أكبَر هَمِّنا ولا مَبْلَغَ عِلْمِنا ولا إلى النَّارِ مَصِيرَنَا. وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا .وأستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وللمُسْلِمينَ فاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ،مَا أَنْزَلَ دَاءً وَبَلاءً،إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً وَعَافِيَةً،نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،خَلَقَنَا وَرَزَقَنا وَهَدَانَا صِرَاَطَهُ المُسْتَقِيمَ،ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الشَّهْمُ الكَرِيمُ,صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ،وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأتَبَاعهِ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.أمَّا بَعْدُ.

فَاتَّقُوا اللهَ يَامُؤمِنُونَ،وَاقنَعُوا بِمَا حَبَاكُمْ,وَعَلى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ، وَغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِكُم لِمَا هُوَ خَيْرٌ وَأبْقى،وَطَهِّرُوهَا مِن الشُّحِّ وَالأَثَرَةِ وَحُبِّ الذَّاتِ،فَإنَّ اللهَ تَعالى يَقُولُ: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم .

عِبَادَ اللهِ:مُشكِلَةٌ تَكْثُرُ عِندَ ضِعَافِ النُّفُوسِ,وَواللهِ أخَافُ مِنْ كَثْرَتِهَا في مِثْلِ هذِهِ الظُّرُوفِ!ألا وَهيَ الشُّحُّ والبُخْلُ على الأهْلِ والأولادِ,والتَّقْصِيرُ عليهمْ في الواجِبَاتِ!بِحُجَّةِ الظُّرُوفِ الاقْتَصَادِيَّةِ الرَّاهِنَةِ!إخْوانِي:لا أُخْفِيكُمْ سِرَّاً أنَّ هذا الدَّاءَ العُضَالَ,وَتِلْكَ الخَصْلَةَ الذَّمِيمَةَ تُوجَدُ وَبِكَثْرَةٍ سَابِقَاً.فَكَيفَ سَتَكُونُ الآنَ؟فَلا إِلَهَ إلَّا اللهُ،مَا أَشْقَى هذا الصِّنْفَ وَأَخْزَاهُ،قتَّرَ عَلى البَعِيدِ وَظَلَمَ القَرِيبَ،وَحَرَمَ الابْنَ وَالحَبِيبَ أَهلُهُ وَأَبْنَاؤُهُ مِنْهُ فِي شَقَاءٍ وَبَلاءٍ،يَرَونَ أَمْوالاً مُكَدَّسةً,وَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْهَا!تَتَقَطَّعُ قُلُوبُهُمْ لِعَيشٍ رَغِيدٍ،وَبَيتٍ وَمَرْكَبٍ سَعِيدٍ،وَلَكِنْ هَيهاتَ هَيهاتَ!أينَ هذا الصِّنْفُ مِنَ النَّاسِ مِن قولِ نَبِيِّنا وَحَبِيبِنا "خَيرُكُمْ خَيرُكُم لِأَهْلِهِ،وَأَنَا خَيرُكُمْ لِأَهْلِي". أخرجه الترمذي.فَهَلْ هُنَاكَ أَخْسَرُ حَالاً مِنْهُ؟وَهَلْ هُنَاكَ أَبْغَضُ فِي قُلُوبِ أولادِهِ مِنْهُ؟حَقَّاً لَقَدْ بَاعَ سَعَادَتَهُ،وَخَسِرَ أَبْنَاءَهُ،وَظَلَمَ نَفْسَهُ وَأهْلَهُ,وَأَسْخَطَ رَبَّهُ،فَلا هُوَ اسْتَفَادَ وَأَفَادَ،وَلا قَدَّمَهَا لِيومِ المَعَادِ. لَقَدْ كَانَ نَبِيِّنا يَدْعُو وَيَقُولُ:"اللهمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ".أيُّها المُسلِمُونَ:مَنْ عمَّ أَهلَهُ خَيرُهُ،وَوَسِعَهُم بِرُّه،وَبَسَطَ لَهُم وَجَهَهُ، فَذَلِكَ الشَّهْمُ الوَفِيُّ،وَالمُعاشِرُ السَّخِيُّ،وَمَنْ غَلُظَ طَبْعُه، وَاشْتَدَّتْ عَلى أَهلِهِ قَسَاوَتُه,وَعَامَلَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ وَالتَّحْقِيرِ,وَالإذْلالِ وَالإهْمَالِ،فَقَدْ أَسَاءَ المُخالَطَةَ، وَتِلْكَ لَعَمْرُ اللهِ:سَبَبُ التَّبَاعُدِ والنُّفُورِ،وَخَرابُ الأُسَرِ وَالدُّورِ.فَيَا عِبَادَ اللهِ:تَعَامَلُوا مَعَ أهْلِيكُم وَذَويكُمْ :بالعطفِ واللُّطفِ، والشَّفَقةِ والمُسامَحة،والرَّحمَةِ والإحسانِ،تَحُوزوا على عَظِيمِ الأُجور وَالحَسَناتِ، وَتَحفَظوا بُيُوتَكُمْ مِن الضَّيَاعِ وَالشَّتَاتِ.وَاجْعَلُوا نُصْبَ أعيُنِكُمْ قَولَ اللهِ تَعَالى:(وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ:39].وَاحْذَرْ ثُمَّ احْذَرْ أنْ تُصِبْكَ دَعْوَةُ النَّبِيِّ الأكْرَمِ حِينَ قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ،إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ،تَعِسَ وَانْتَكَسَ،وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ".رواه البخاري.قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:"الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا،وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا،وَالْبَخِيلُ الذِي لَيْسَ فِيهِ إحْسَانٌ،أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا،وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا،وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا.وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ مَثَلاً لِلْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدّقِ،كَمَثَلِ رَجُلَيُنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ،أي دِرعان،كُلَّمَا هَمّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةِ،اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ،وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصّدَقَةِ،لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا،وَلَمْ تَتَّسِعْ عَلَيْهِ،فَهَذَا مَثَلُ انْشِرَاحِ صَدْرِ الْمُؤْمِنِ الْمُتَصَدّقِ،وَانْفِسَاحِ قَلْبِهِ،وَمَثَلُ ضِيقِ صَدْرِ الْبَخِيلِ وَانْحِصَارِ قَلْبِهِ".اهـ.نَسألُ اللهَ أنْ يُعيذَنَا مِن البُخْلِ وَالطَّمَعِ،وَالجَشَعِ وَالهَلَعِ،وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِن المُنْفِقِينَ في سَبِيلِهِ،ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا على النَّبِيِّ الشَّافِعِ الأمِينِ,فَمَنْ صَلَّى عَلَيهِ صَلاةً وَاحِدَةً صلَّى اللهُ عَليهِ بِهَا عَشْرًا.

للخلقِ أُرسِلَ رَحْمَةً وَرَحِيمًا***صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

فاللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ بَشِيرِ الرَّحْمَةِ وَالثَّوَابِ،الشَّافِعِ المُشفَّعِ يَومَ الحِسَابِ،وعلى جَمِيعِ الآلِ والأصحَابِ وَتَابعِيهم بِإحسَانٍ إلى يومِ المآبِ.

اللهمَّ لا تَجعل الدُّنيا أَكبرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمِنَا،ولا تَجعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا،اللهمَّ اجعلنا مِمَّن بَرَّ واتَّقى،وَصَدَّق بالحًسنى،اللهمَّ اجعلنا مَمَّن يَتَذكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكرى, اجعَل سَعيَنا مَشكُورَا،وَذَنْبَنَا مَغفُورَا،وأَصلِح لَنا دِينَنا الذي هو عِصمَةُ أَمرِنا,وَدُنيانا التي فيها مَعَاشُنا، وَآخِرَتَنا التي إِليها مَعَادُنا،واجعَل الحَيَاةَ زِيادَةً لنا في كُلِّ خَيرِ، والمَوتَ رَاحَة لَنا مِن كُلِّ شَرٍّ،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمرِ وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرَّشدِ،نَسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِكَ،وَنَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ وَحُسنَ عِبَادَتِكَ،اللَّهُمَّ اعصِمْنَا من الزَّلَلِ,اللَّهُمَّ وحِّد صفوفَنا,واجمع كَلِمَتَنَا على الحقِّ والهدى,اللَّهُمَّ هيئ للمُسْلِمِينَ قادةً صالحينَ مُصلِحينَ.اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ،اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والرَّخاءِ والاستقرارِ,وأصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم.اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ.ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .

 0  0  1.0K  04-22-1438
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:19 مساءً الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024.