طَلْعٌ نَضِيدٌ 26/2/1446هـ
طَلْعٌ نَضِيدٌ 26/2/1446هـ
الحـمدُ للهِ دَائِمِ الفَضلِ والإحـسَانِ، أَشـهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحـدَهُ لا شَـريكَ لَهُ، ذِي العَطَاءِ الوَاسِعِ والامتِنَانِ، وأَشـهَدُ أنَّ نَبِيَّا مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُـولُهُ صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحـمُودِ، والحَوضِ الْمَورودِ, اللهمَّ صَلِّ وَسَـلِّم وَبَارِك عَليه، وعَلى آلِهِ وأَصحـَابِهِ والتَّابِعـينَ لَهم بِإحـسَانٍ إلى اليَومِ الْمَشْهُودٍ. أَمَّا بَعْدُ. مَعَاشِرَ الْمُؤمِنِينَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَرَاقِبُوهُ, واعْلَمُوا أنَّ عَاقِبَةَ التَّقوى رَشِيدَةٌ، وَنِهَايَةُ أَهلِهَا حَمِيدَةٌ، واشْكُرُوهُ على مَا أَولاكُم وَخَـوَّلَكُم وَحَبَاكُمْ مِنْ نِعَمٍ عَدِيْدَةٍ، فَاللهُ جَلَّ وَعَلا تَأَذَّنْ لِمَنْ شَكَرَ أنْ يَزِيدَهُ فَقَالَ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (.
عِبَادَ اللهِ: لِنَتَأَمَّلَ الآياتِ الكَريماتِ ولنَرْبِطْهَا بِمَا نَعِيشُهُ الآنَ فِي مَوسِمِ خَرَافِ التَّمْرِ وَقَطْفِ الرُّطَبِ وَأَصْنَافِهِ مِنْ النَّخِيلِ, فَقَدْ قَالَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ). قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أنْبَتَ اللهُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ماَ تُعْجِبُ مُبْصِرَهَا، وَخَصَّ مِنْهَا النَّخَلَ البَاسِقَاتِ الطِّوَالِ، التَي يَطُولُ نَفْعُها، فَتُخْرِجُ الطَّلْعَ النَّضِيدَ، الْمُتَرَاكِبَ الْمُتَرَاكِمَ الْمَنْضُودَ بَعضُهُ على بَعْضٍ فِي أَكْمَامِهِ وَقِنْوَانِهِ، مَا هُو رِزْقٌ لِلعِبَادِ، قُوتًا وَفَاكِهَةً, يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَدَّخِرُونَ.
اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ: إي واللهِ إنَّنا لَفِي نِعمٍ عَظِيمَةٍ تَستَوجِبُ شُكرَ الْمُنعِمِ سُبحَانَهُ، فَإنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا».
عِبَادَ اللهِ: إنَّهُ يَأْخُذُنَا العَجَبُ وَنَحنُ نَرَى الأصنَافَ والألوانَ واختِلافَ الْمَذَاقَاتِ وتِلكَ الكَمِّيَّاتِ! فَلْنَتَذَكَّرْ حِينَها قَولَ القَادِرِ البَدِيعِ: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَـعٌ مُتَجَـاوِرَاتٌ وَجَـنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِـيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). سُبْحَانَ اللهِ: أرَاضٍ مُتَجَاوِرَةٍ هَذِهِ طَيِّبَةٌ تُنبِتُ بإذنِ اللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَتِلْكَ سَبَخَةٌ وأُخرى مَالِحَةٌ لا تُنْبِتُ شَيئَاً. والأرضُ التي تُنبِتُ الأَشْجَارَ أنواعٌ فيها مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ! والنَّخِيلُ بَعضُها صِنْوَانٌ أَيْ: عِدَّةُ نَخَلاتٍ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَغَيْرُ صِنْوَانٍ نَخَلاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كُلُّ شَجَرَةٍ على حِدَتِهَا، وسُبحانَ اللهِ كُلُّهَا تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَأَرْضُهُ وَاحِدَةُ وَجَوُّهُ واحِدٌ وَقَد فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الثَّمَرِ وَالطَّعْمِ. والَّلونِ والنَّفْعِ, والَّلذَّةِ والشَّكْلِ! حَقَّا: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ لَهُم عُقُولٌ تَهدِيهم إلى مَا يَنفَعُهم مِنْ إتِّباعِ وَصَايَا اللهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، أَمَّا أَهْلُ الإعرَاضِ، وَالبَلادَةِ فَهُم فِي ظُلُمَاتِهِم يَعمَهُونَ، لا يَهتَدُونَ إِلى رَبِّهم سَبِيلا ولا يَعُونَ لَهُ قِيلاً.
عبَادَ اللهِ: ولِعَظِيمِ شَأنِ النَّخلَةِ فَقَد ضَرَبَ اللهُ تَعالى بِها مَثَلاً بالإيمَانِ وَشَهَادَةِ أنْ لا إلهِ إلَّا اللهَ فَقَالَ عَزَّ مِن قَائِلٍ حَكَيمَا: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) جَلَس نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَومًا مَعَ أَصْحَابِهِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ جَلسَةَ مُؤَانَسَةٍ؛ إذْ أُتِيَ بِجُمَّارَ نَخْلٍ فَجَعَلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَأْكُلُ مِنْهُ! أَتَعرِفُ أيُّها الشَّابُ مَا الجُمَّارُ؟ إِنَّهُ قَلْبُ النَّخْلَةِ. فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنْ يَخْتَبِرَ أصْحَابَهُ فَقَالَ: "أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا, بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ؟". فَوَقَعَ الصَّحَابَةُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي! وَرَسُولُ اللهِ يَقُولُ لا لا فَلَمَّا لَمْ يُجِبِ القَومُ قالَ:(هِيَ النَّخْلَةُ). اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ: كُلُّ هَذِهِ الأوصَافِ الجَميلَةِ فِيكَ أيُّها الْمُؤمِنُ! فَمَا أوَجُهُ التَّشَابُهِ بَينَنَا؟ هذا ما نَتَطَرَّقُ إليهِ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالى, فاللهمَّ انْفَعنَا وارْفَعنَا بِالقُرآنِ العَظِيمِ, وَبِهَديِ سَيِّدِ الْمُرسَلِينَ, واجْعَلنا مُبارَكينَ أينَما كُنَّا ياربَّ العَالَمينَ, وأستغفِرُ اللهَ لي ولَكُم ولِسائِر الْمُسلمينَ فاستَغْفِرُوهُ وتُوبوا إليهِ إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحَمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ, أَشـهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحـدَهُ لا شَـريكَ لَهُ، الخَلاَّقُ العَلِيمُ, وأَشـهَدُ أنَّ نَبِيَّا مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُـولُهُ, الصَّادِقُ البَرُّ الأَمِينُ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَاركَ عليهِ وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وأتباعِهِ بِإحسانٍ وإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أمَّا بَعدُ فاتَّقوا اللهَ يا مؤمِنونَ حَقَّ التَّقوى واشكروهُ على نِعمٍ ظَاهِرةٍ وباطِنَةٍ, ومَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبْقَى. ألا وإنَّ مِن أَوضَحِ أَوْجُهِ الشَّبَهِ بَينَ الْمُؤمِنِ والنَّخلَةِ: الثَّبَاتُ والاستِقامَةُ فاَلنَّخْلَةُ ثَابِتَةٌ فِي أَصلِهَا، كَمَا الْمُؤمِنُ, يَطُولُ عُمُرُهُ وَيَحْسُنُ عَمَلُهُ! تُحيطُ بِهِ الفِتَنُ والشُّبُهاتُ والشَّهَواتُ، فَيَزْدَادُ تَمَسُكَاً بِرَبِّهِ وَدِينِهِ, وَصَدَقُ اللهُ: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَ بِ:" يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ". " يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ ".
عبادَ اللهِ: وَمِنْ أَوْجُهِ الشَّبَهِ: البَقَاءُ على الهَيئَةِ؛ كَمَا أنَّ النَّخْلَةَ لاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا صَيفًا وَلا شِتَاءً فَهِي بِكَامِلِ زِيْنَتِهَا. فَكَذَلِكَ الْمُؤمِنُ لَيسَ لَهُ وَجْهَانَ: وَجْهُ أمَامَ النَّاسِ طَاعَةٌ وَتَبَتُّلٌ! وَوَجْهٌ قَبِيحٌ إذا خَلا بِمَحارِمِ اللهِ وَلَغَ فِيهَا! الْمُؤمِنُ: يَتَعَامَلُ مَعَ الخَلقِ بِكُلِّ صَفَاءٍ وَنُصْحٍ وإخلاصٍ. لأنَّهُ يَعلَمُ قَولَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ». فاللهم ثَبِّتنَا على دِينِكَ وعلى صِرَاطَكَ الْمُستَقيمَ.
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: قَلْبُ الْمُؤمِنِ أَبيضٌ صَافٍ, كَجُمَّارِ النَّخلَةِ أَبيَضٌ حُلْوٌ لا يَحمِلُ غِلاًّ ولا حِقدَاً على إخوانِه, إنْ رأى عِندَهُمْ خَيراً فَرِحَ لَهم وباركَ لَهُم, وإنْ أتاهُم مَا يَسُوؤُهُم؛ حَزِنَ لِحُزْنِهِم, على لِسَانِهِ دَومًا: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا). إنْ تَدَنَّسَ قَلبُهُ بِمَعصِيَةٍ بَادَرَها بِالتَّوبَةِ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).
عبادَ اللهِ: النَّخْلَةُ فُرُوعُها مُمْتَدَّةٌ فِي السَّمَاءِ وَهَكَذا الْمُؤمِنُ لَهُ أعمَالٌ مُتَنَوِّعَةٌ, نَفعُها وَخيرُها يَصِلُ إلى كُلِّ النَّاسِ, فَهُوَ مُبَارَكٌ عَلى نَفْسِهِ وَغَيرِهِ، لَيسَ أنانِيًّا, فَهُوَ الْمُعِينُ لِإخوَانِهِ السَّاعِي لِمَصَالِحِهِم, البَاذِلُ مَاَلَهُ؛ يَتَصَدَّقُ عَلى هَذا, وَيُقرِضُ ذَاكَ، وَيَعْفُوَ عَنْ الْمُعسِرِ, ويُنْظِرُ الْمُتَعَثِّرَ. يَبْذُلُ جَاهَهُ لِنَفْعِ إخوانِهِ مُتَمَثِّلاً قَولَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا».
النَّخْلَةُ مَأمُونَةُ الجَانِبِ! وَهَكَذَا الْمُؤمِنُ لا يَأتيكَ مِنهُ إلا الطَّيِّبُ. أَخلاقٌ فَاضِلَةٌ ومُعَامَلاتٌ كَرِيمَةٌ وآدَابٌ حَسَنَةٌ وَكَمَا قَالَ نَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (والْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَدِمَائِهِمْ).
أيُّها الكِرامُ: النَّخْلَةُ تَحتَاجُ إلى مَاءٍ يَسْقِيَهَا, وَهَكَذا الْمُؤمِنُ حَيَاتُهُ بِإِيمَانِهِ وَقُرْآنِهِ وإتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ كَمَا قَالَ رَبُّنا تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).
النَّخْلُ لَيسَ على رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ بَينَهَا تَفَاضُلٌ كَبِيرٌ! وَهَكَذا أَهْلُ الإيْمَانِ لَيسُوا على دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ). وَقَدَ قَالَ نَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:" لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ".
النَّخْلَةُ كُلُّها نَافِعَةٌ وَمُفِيدَةٌ جِذْعُهَا وَلِيفُهَا وأجزَاؤها، وَهَكَذا الْمُؤْمِنُ: (كَحَامِلِ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً).
مِنْ بَرَكَةِ النَّخلِ تَعَلَّمنا عَدَداً من القَواعِدِ والأحكَامِ الفِقهِيَّةِ فلا يُباعُ ثَمَرٌ حتى يَبدوَ صَلاحُهُ, وأنَّهُ لا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ في بَيعِ التَّمْرِ بالتَّمْرِ وأنَّ هذا عَينُ الرِّبا, كَما تَعَلَّمْنَا مِنْهُ تَحريمَ الغِشِّ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ». قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَي يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى». وهذا تَحذيرٌ لِلباعَةِ! ومع الأسَفِ كَثُرَ الغِشُّ في بَيْعِ التَّمرِ خاصَّةً مَعَ تَولِّي عَددٍ مِن العَمَالَةِ زِمامَ الأُمُورِ. وجَزى اللهُ الإخوةَ الْمُنَظِّمينَ لِلسُّوقِ والدَّلَّالِينَ فَليسَ عِنْدَهُم تَهاونٌ في ذلِكَ. يَا أهلَ النَّخِيلِ والْمَزَارعِ والاستِرَاحَاتِ يَقُولُ اللهُ تَعالى: (وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ). وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ اَلْأُمَّةِ أَنَّ اَلتَّمْرَ إِذَا بَلَغَ نِصَابًا وَجَبَتْ فِيهِ اَلزَّكَاةُ، وَنِصَابَ اَلتَّمْرِ بَيَّنَهُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «ليسَ فِيما أَقَلُّ مِن خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ». وَهُوَ بِالْحِسَابِ اَلْمُعَاصِرِ تَقْرِيبًا سِتُّ مِائَةِ كِيلُو. فَإنْ كَانَ يُسْقَى بِكُلْفَةِ فَالوَاجِبُ فِيهَا نِصْفُ اَلْعُشْرِ وَهُوَ 5 % مِنْ نَاتِجٍ هَذِهِ اَلنَّخِيلِ كَمَا قَالَهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا سَقَتِ اَلسَّمَاءُ اَلْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ اَلْعُشْرِ».
فاللهمَّ لَكَ الحمدُ على نِعَمِكَ العظِيمَةِ وآلائِكَ الجَسِيمَةَ اجعلنا لِنِعَمِكَ مِن الشَّاكِرينَ ولكَ مِنْ الذاكِرينَ, ولآياتِكَ مِن الْمُتَفَكِّرينَ, اللهم زَيِّنا بِزينَةِ الإيمانِ والتَّقوى, وَارزقنا مِن العَمَلِ مَا ترضى يا رحمانُ, اللهمَّ اهدِنا لأحسن الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ واصرفْ عَنَّا سَيِّئَهَا ياربَّ العالَمينَ. اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين في كلِّ مكانٍ كن لهم ناصِراً ومُعيناً. اللهم وعليك بأعداء الدِّينِ، الذينَ يُفسِدونَ في الأرضِ ولا يُصلِحونَ. اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهُم على البِرِّ والتقوى, وَاجْزِهِمْ خَيرًا عَلى خِدْمَةِ الإسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ. اللهم احمِ حُدُودَنا وانْصُر جُنودَنا وبلادَ الْمسلمينَ. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا والمسلمينَ أجمعينَ. اللهم أصلح لنا نيَّاتِنَا وَذُريَّاتِنَا والمسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).