إكمَالا لِوصَايا جِبْرِيلَ لِمُحَمَّدٍ عَليهِمَا الصَّلاةُ والسَّلامُ وشيءٌ عن شَعبانَ 28/7/1445هـ
إكمَالا لِوصَايا جِبْرِيلَ لِمُحَمَّدٍ عَليهِمَا الصَّلاةُ والسَّلامُ وشيءٌ عن شَعبانَ 28/7/1445هـ
الحمدُ للهِ أَمَرَنَا بِالإحْسَانِ إلى الجارِ، وَنَهانَا عن التَّعدِّي عليهِ وَالإضْرَارِ، أَشْهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الْمَلِكُ القهَّارِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسولُهُ الْمُصْطَفى الْمُختَارُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ الأَبْرارِ والتَّابِعينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الْقَرَارِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُسْلِمُونَ فَمِلاكُ الأَمْرِ بِتَقْوَى اللِه، والْعِصْمَةُ فِي تَقْوَاهُ, فَاجْعَلْهَا عُدَّةً لِصَلاحِ أَمْرِكَ.
عِبَادَ اللهِ: إكْمَالًا لِحُقُوقِ الجَارِ, وَلِمَا لِلْجَارِ مِنْ مَكَانَةٍ وَمِقْدَارٍ، جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا الْغَرَّاءُ تُذَكِّرُكُمُ اللهَ بِأَنْ تَحْذَرُوا مِنْ أَذِيَّةِ جِيرَانِكُمْ بِأَيِّ أَذىً حِسِّيٍّ أَو مَعْنَويٍّ, فَإنَّهُ مِن الْمُحَرَّمَات وأَعْظَمِ الْمُوبِقَاتِ! قَالَ اللهُ تَعَالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا). فَإذَا كَانَ ذَلِكَ لِعُمُومِ الْمُؤمِنينَ فَمَا بَالُكُمْ بِمَنْ عَظَّمَ اللهُ أَمْرَهُ وَأَوجَبَ حَقَّهُ، فَالْجَارُ أَولى وَأحْرَى! أيُّها الأخُ الْمُؤمنُ: جِيرَانُكَ ذُخرُكَ ورأسُ مَالِكَ, أَحْسِنْ عِشْرَتَهُمْ, وَكُنْ رَحْمَةً عليهم! اُطلُبْ لِنَفسِكَ جِيرَانًا تُجَاوِرُهم *** لا تَصلُحُ الدَّارُ حتى يَصلُحَ الجَارُ
عِبَادَ اللهِ: نَسمعُ أَحيانًا عَمَّنْ قَصَّرَ في حَقِّ جِيرَانِهِ، وَلَرُبَّما انتَقَصَ مِنهمْ، فَلَرُبَّمَا رَأَيتَ جَارَينِ لا يُسَلِّمُ أَحَدُهُما على الآخَرِ! ولا يَعلَمُ عَنْهُ شيئًا! وتَكادُ تُجَنُّ إذا سَمِعتَ عن أحدٍ يُؤذِي جِيرَانَهُ، وَيَطَّلِعُ على حُرُمَاتِهم، واللهِ إنَّنَا لَنَحزنُ حينَ يكونُ بينَ جارَينِ مُضارَّةٌ ونِزاعٌ على أتفهِ الأسبابِ! أيُعقَلُ أن يكونَ نِزَاعٌ على مَكانِ نِفاياتِ الْمَنزِلِ؟ أو مَوقِفِ سَيَّاراتِ؟ أو مَظَلَّةٍ بَرَزَتْ على الجِدارِ؟ أو ماءٍ جرى بالقُربِ من البابِ؟ في حَدِيثِ صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ -رحمهُ اللهُ- أنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ فُلاَنَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "لاَ خَيْرَ فِيهَا". وعندَ مُسلِمٍ -رحمهُ اللهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ". أَي شَرَّهُ وَأَذَاهُ!
عِبَادَ اللهِ: ولِعِظَمِ حَقِّ الجارِ ضَاعَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جُرْمَ مَنْ خَانَ جَارَهُ؛ فَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ". قيلَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ:"أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ " قِيلَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ" يَعْنِي زَوجَةَ الجَارِ! لأنَّ الوَاجِبَ أَنْ يحفَظَ الْجَارَ في عِرْضِهِ وَمَالِهِ وَأهْلِهِ! وفي حَدِيثٍ سَنَدُهُ جَيِّدٌ عَن الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟" قَالُوا: حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: "لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ" "مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟" قَالُوا: حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: "لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ".
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ صُورِ الأَذَى: ارْتِفَاعُ الأَصْوَاتِ الْمُزْعِجَةِ، وَيَعْظُمُ الجُرْمُ إذَا كَانَتْ أَصوَاتًا مُحرَّمَّةً، كَمَزَامِيرِ الشَّيطَانِ, أَو نُبَاحِ الْكِلابِ! وَمِنْ صُورِ الأَذَى: التَّعَدِّي عَلى مُلْكِ جَارِهِ وَحُدُودِهِ، وَعَقَارِهِ! وَفي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَاضِينَ». وَمِنْ صُورِ الأَذَى لِلْجِيرَانِ: التَّجَسُّسُ عَلَيهِمْ، وَالاسْتِمَاعُ لِمُشَاجَرَاتِهِمْ! وَمِنْ أبْشَعِ صُورِ الأَذَى لِلْجِيرَانِ: تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلى مَحَارِمِهِمْ، وَتَرَقُّبُ دُخُولِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ! وَمِنْهَا تَرْكُ الأَطْفَالِ يَلْعَبُونَ وَيُزْعِجُونَ، بَلْ وَلَرُبَّمَا يُفْسِدُونَ وَلا يُحَرِّكُ عِنْدَ الأَبِ سَاكِنًا! وَمِنْ صُورِ الأَذَى: جَعْلُ النَّوَافِذِ مُطِلِّةٍ كَاشِفَةٍ لِبَيتِ جَارِهِ! وَمِنْ صُورِ الأَذَى لِلْجِيرَانِ: تَأْجِيرُ مَنْ لا يَرْغَبُونَهُ بَينَهُمْ لِمُبَرِّرٍ شَرْعِيٍّ! عِبَادَ اللهِ: وإذا تَجَاوزَ الجَارُ فِي حُدُودِهِ وآذى جِيرَانَهُ وجَبَ على الجَمِيع أن يَقِفُوا في وجهِهِ, في الحدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ"، فَانْطَلَقَ، فَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ, فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟! قَالَ: لِيَ جَارٌ يُؤْذِينِي, فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، اللَّهُمَّ أَخْزِهِ، فَبَلَغَهُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ، فَوَاللهِ لا أُؤْذِيكَ. وَلِذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ دُعَاءِ النَّبِيٍّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
عِبَادَ اللهِ: أَعظَمُ الأَخْلاقِ وَأَزْكَاها: أنْ تَتَحمَّل أَذَى جَارِكَ فَلا تُقَابِلْ إساءَتهُ بِمِثْلِها، بَلْ تَصْبِرُ على ذلكَ مَا استَطَعْتَ. فاللهُ تَعَالى يَقُولُ: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). جَاءَ رَجُلٌ إلى ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقالَ: إنَّ لِي جَارًا يُؤذِينِي وَيَشتُمُني وَيُضَيِّقُ عليَّ، فَقالَ: (اذْهَبْ فَإنَّهُ عَصَى اللهَ فِيكَ فَأَطِعِ اللهَ فِيهِ). فاللهمَّ وفِّقنا جَميعًا لِما تُحِبُّ وتَرضى، وأعنَّا على البِرِّ والتَّقوى, واجعلنا هُداةً مُهتدينَ، غيرَ ضالينَ ولا مُضلِّينَ،.أقولُ ما سَمِعتم وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكم ولِلمُسلمينَ، إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ فَضَّلَ شَهْراً على شَهرٍ، أَشهدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ نبِيَّنا مُحمَّدًا، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ, وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تبِعَهم بِإحسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُم عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقوى اللهِ تعالى.
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: أَرْبَعُ جُمَعٍ تَفْصِلُنَا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَمِنْ تَعْظِيمِ اللهِ لِرَمَضَانَ, أَنْ هَيَّأَ لَهُ شَهْرَ شَعبَانَ, ولهذا كانَ لِشَعْبَانَ عندَ رَسولِنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من الحَفَاوَةِ وَالعَمَلِ ما يفُوقُ الْمَقَالَ! فَلْنُكْرِمْ سَفِيرَ حَبِيبِنا، فَمِن حَقِّ رَمَضَانَ عَلينَا أَنْ نَصِلَ قَرِيبَهُ وَقَرِينَهُ!
عِبَادَ اللهِ: إنَّ شَعْبَانَ "شَهرٌ يغفُلُ النَّاسُ عنه" كمَا وَصَفَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَمُسْتَحَبٌّ عِمَارَةُ أَوقَاتِ غَفْلَةِ النَّاسِ بالطَّاعاتِ، فَهُوَ أَحبُّ عندَ اللهِ لأنَّهُ أَخفَى لِلعمَلِ وَأَدْعَى للإخْلاصِ! قَالَتْ أُمُّنَا عَائِشَةُ رَضِي اللهُ عنها لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ: "يَصُومُ، شَعبَانَ، حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلاَّ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيتُهُ فِي شَهْرٍ أَكثرَ صِيَامَاً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ" رواه البخاري ومسلم. وَعَن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِي اللهُ عنهما قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ:" ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" حسَّنهُ الألبانيُّ.
فَيا مُؤمِنُون: لِنَعْقِدِ العَزَمَ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِهِ عَلى الطَّاعاتِ وَالْمُنافَسَةِ للخَيْرَاتِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). قَالَ الإمَامُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: "صَومُ شعبَانَ كالتَّمرِينِ على صِيَامِ رَمَضَانَ؛ لئِلَّا يَدخُلَ في صومِ رَمَضَانَ عَلَى مَشَقَّةٍ وَكَلَفَةٍ" انتهى كلامه. فَاحْرِصُوا وَلَو على بَعْضِ أَيَّامِهِ.
عِبَادَ اللهِ: قَالَ أَنَسٌ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنهما: "كانَ الْمُسلِمُون إذا دَخَلَ شَعبَانُ أَكَبُّوا على الْمَصَاحِفِ فَقَرؤُهَا, وأَخَرجُوا زَكاةَ أَموالِهم؛ تَقوِيَةً لِضَعِفِيهم على الصَّومِ". اللهُ أكبرُ: مَا أَدَقَّ فَهْمَ السَلَفِ لِشرعِ اللهِ! وَمَا أَحْرَصَهُم عَلى تَحْقِيقِ التَّقوى والإيمَانِ! كُلُّ ذلِكَ تَمريناً لِلنَّفسِ وتَهيِئَةً لَهَا عَلى البَقَاءِ مَعَ القُرَآنِ لِفترةٍ أَطولَ! ومِمَّا يَنبَغي أنْ نَتواصى بِهِ هَذِهِ الأيَّامَ أنْ نُعَوِّد أنفُسَنَا على قِيامِ الَّليلِ, فَلقدَ قَدُمَ عَهْدُ بَعْضِنَا بِهِ! ولو أَنْ نَبْدَأَ مِن الَّليلَةِ بِثَلاثِ رَكَعَاتٍ, ثمَّ بِخَمْسٍ، وَهَكَذَا, حَتى نَنْشَطَ عليه فِي رَمَضَانَ. وما أَسْرَعَ تَصَرُّمَ الأَيَّامِ!
إذَا أَنْتَ لَمْ تَزْرَعْ وَأَبْصَرْتَ حَاصِدَاً *** نَدِمْتَ عَلَى التَّفْرِيط ِفِي زَمَن ِالبَذْرِ.
عباد اللهِ: مَنْ كَان عَليهِ أَيَّامٌ مِن رَمَضَانَ الْمَاضِي فَلْيُبَادِرْ بِقَضَائِهَا مِن الآنَ, وَذَكِّروا أَهْلَ بَيْتِكُمْ وَتَفَقَّدُوهُمْ بالسُّؤالِ. فَفي الْوقتِ مُتَّسَعٌ والْجَوُّ مُعْتَدِلٌ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. اللهم آتِ نُفُوسَنَا تقواها، وزَكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زَكَّاها، أنتَ وَلِيُّها ومَولاها. اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المستغفرين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ربنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، ووفقنا لما تحبُّ وترضى يا رحمان, اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى، وأعنهم على البرِّ والتقوى, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمين. اللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا, اللهم بلغنا رمضان، وارزقنا فيه حُسنَ القولِ والعملِ. اللهمَّ أعزَّ الإسْلامَ والْمُسْلِمِينَ وانْصُرْ مَنْ نَصَرَ الدِّينَ, اللهم انصُرْ جُنُودَنا واحفَظْ حُدُودَنا, وَتَقَبَّلَ شُهَدَاءَنا فِي الصَّالِحِينَ , وَرُدَّ كَيدَ الكَائِدِينَ يَاربَّ العالمِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.