جِبْرِيلُ الأَمِينُ يُوصِي مُحَمَّدًا الأَمِينُ عَليهِمَا الصَّلاةُ والسَّلامُ 21/7/1445هـ
جِبْرِيلُ الأَمِينُ يُوصِي مُحَمَّدًا الأَمِينُ عَليهِمَا الصَّلاةُ والسَّلامُ 21/7/1445هـ
الحمدُ للهِ ألَّف بينَ الْمؤمِنِينَ، أَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لَهُ الرَّحمَانُ الرَّحِيمُ، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْبَرُّ الْكَرِيمُ، دَارُهُ خَيرُ دَارٍ, وَجِوَارُهُ أَكْرمُ جِوَارٍ، الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِك عَليهِ وَعلى آلِهِ الأَبرارِ وَأَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ, وَمنْ تَبِعهم بِإحْسَانٍ إلى يَومِ القَرارِ. أمَّا بعدُ: فَاتَّقوا رَبَّكُمُ الْقَائِلُ في مُحكَمِ القُرآنِ: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: دَعُونِي أَبْدأُ بِحَدِيثٍ نَحْفَظُهُ جَمِيعًا وَنُرَدِّدُهُ كَثِيرًا ألا وَهُوَ قَولُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ). وَلَكنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ حَدَثٌ وَقِصَّةٌ, رَواهَا الإمَامُ أَحْمَدُ -رحمهُ اللهُ- في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. تَبْدَاُ بِأَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِي أُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بِهِ قَائِمٌ وَرَجُلٌ مَعَهُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْبِلٌ عَلَى صَاحِبِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجَةً، فَوَاللهِ لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللهِ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ: لَقَدْ قَامَ بِكَ الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتَهُ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟! قُلْتُ: لَا. قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ: مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ. ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ». اللهُ أَكْبَرُ عَبَادَ اللهِ هَلْ تَصَوَّرْتُمْ طُولَ الْقِيَامِ؟ وَعَدَدَ الْوَصَايَا وَأَنْوَاعَهَا؟ بَينَ أَمِينَ السَّمَاءِ مَعَ أَمِينِ الأَرْضِ عَليهِمَا الصَّلاةُ والسَّلامُ! هُنَا نُدْرِكُ لِمَا عَدَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْجَارَ الْصَّالِحَ مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ حِينَ قَالَ: (أَرْبَعٌ مِنَ السَّعادَةِ: الْمَرأَةُ الصَّالحةُ، وَالْمَسْكَنُ الوَاسِعُ، والجارُ الصَّالِحُ، والْمَركَبُ الهَنِيءُ ( صحَّحه الألبانيُّ.
عِبَادَ اللهِ: الجارُ الصَّالِحُ نعمةٌ وسعادةٌ, كيف لا يكونُ كذلكَ وهو بابٌ واسعٌ من أبوابِ الأجرِ والثَّوابِ؟! بل بشَّر الْمُصطَفَى صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بالخيريَّةِ لِمَن أَحْسنَ وَأَكرَمَ جِيرانَهُ فَقَالَ: "خيرُ الأصحابِ عندَ اللهِ خيرُهُم لِصَاحِبِه، وَخيرُ الجيرانِ عندَ اللهِ خيرُهم لِجَارِهِ" حَدِيثٌ صحيحٌ.
وعدَّ من صِدْقِ الإيمانِ وَكَمَالِهِ إكرَامُ الجيرانِ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ" رواه مسلمٌ.
عِبَادَ اللهِ: لقد رَسَمَ لنا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أكرمَ صورةٍ وأوفَاهَا مع جِيرَانِهِ, فَكانَ يُهدِي لَهُمْ وَيَقْبَلُ هَدَايَاهُمْ, وَيَقُولُ لِأَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ:" إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً, فَأَكْثِرْ مَاءَهَا, وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ". ليسَ عن قِلَّةٍ وحاجَةٍ على النَّاسِ، إنَّما زرعًا لِلمَحبَّةِ والإخَاءِ بَينَ الجيرانِ.
أيُّها الْمسلمُ الكريمُ: تَفَضَّلْ صُورًا تَنمُّ عن حُسنِ الجِوارِ, فَخُذْ منها ما يناسِبُكَ ومَا تَسْتَطِيعُهُ. تَعرَّف على جِيرانِك وكن مُبَادِرًا لَهم إذا حَلُّوا في جِوارِكَ, وَابْتَعِد عَن السَّلبيَّةِ أَو قَولِ: لَيسَ لي دَخلٌ بِأَحَدٍ، أو كُلٌّ مُشغُولٌ في حالِهِ, فَابْدَأْهُم بالتَّعرُّفِ والسَّلام إذا خَرَجتَ وإذا دَخَلتَ, فَسَتزرَعُ مَحبَّةً في قلبِهِ وَأُنْسًا وطُمأنِينَةً خاصَّةً مع طلاقةِ الوَجه وبَشَاشَتِهِ!
ومن صور حُسنِ الجِوار: الإهداءُ إليه وبذلُ الْمعروفِ لَهُ، نعم النَّاسُ بحمدِ اللهِ بخيرٍ وغير مُحتاجينَ لِطَعَامٍ وَلا لِشَرابٍ، ولكنَّ الهديَّةَ لها مَعْنىً وَمَغزىً, وهذه صورةٌ قلَّتْ في زَمَنِنَا بَينَمَا كَانَ لها ذِكْرَيَاتٌ لا تُنْسَى!
ومن صور حسن الجِوار: محبَّةُ الخيرِ لجارِكَ كما تحبُّها لنفسِكَ، فَعندَ مُسلمٍ رَحِمَهُ اللهُ بِسَنَدِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أكرمَ قَالَ:" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
أَيُّهَا الْجَارُ الْوَفِيُّ: سَاعِدْ جِيرَانَكَ بما تَسْتَطِيعُهُ مَادِيًّا, وَمَعْنَويًّا, بِمَالِكَ وَجَاهِكَ ,فَقَدْ كان الأَشْعَرِيِّونَ بِالْمَدِينَةِ -رضي الله عنهم- إِذَا قَلَّ طَعَامُهم جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، حِيَنَهَا قَالَ عَنْهُمْ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ". وفي حَدِيثٍ حَسَنٍ قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "حَقُّ الْجَارِ: إِذَا اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِذَا اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِذَا افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ". فاللهمَّ وفِّقنا جَميعًا لِما تُحِبُّ وتَرضى، وأعنَّا على البِرِّ والتَّقوى, واجعلنا هُداةً مُهتدينَ،.أقولُ ما سَمِعتم وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكم ولِلمُسلمينَ، إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وفَّقَ مَنْ شَاءَ لِمَكارِم الأخلاقِ, أَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ, الْمَلِكُ الخَلاَّق، وأَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ أَفضَلُ الْبَشَرِ على الإطلاقِ, صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِه وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إلى يَومِ التَّلاقِ. أمَّا بَعد: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وَتَزوَّدوا مِن الصَّالِحَات لِلأُخرَى.
أيُّها الكرامُ: ومن أعظمِ حُقوقِ الجَارِ النَّصحُ لَهُ بالْمعروفِ، خاصَّةً إنْ تَكَاسَلَ عن صَلاةِ الجَمَاعَةِ، فإنَّه مَا مِن جارٍ إلا سيَتَعَلَّقُ بِجارِهِ يومَ القيامةِ يطالبُه بحقِّه، روى البخاريُّ -رحمه الله- في الأدب المفردِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ: هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ".
عِبَادَ اللهِ: ومن حُسنِ الجِوارِ أنْ تَكونَ حَسَنَ الْمَعشَرِ، مُتَّسِعَ القلْبِ, لا تَمنَعُ جَرَكَ من جميعِ مَرافِقِكَ متى ما احتَاجَ لِذلِكَ, مُسْتَهْدِيًا بِقَولِ نَبِيِّنَا وَحَبِيبِنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "لا يمنعُ جارٌ جارَهُ أنْ يَغرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ".
أما علمتم -يا مؤمنون- أنَّ الإحسانَ إلى الجار والقيامَ بحقه سببٌ لِمغفرةِ الذُّنُوبِ وتَكفيرِ الخطايا، قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاَّ قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-:" قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ" حسَّنه الألبانيُّ.
عِبَادَ اللهِ: الإحسانُ إلى الجار يَدلُّ على كمالِ الإيمانِ وحسنِ الإسلامِ. حُسنُ عَلَاقَتِكَ مع جِيرَانِكَ إرضاءٌ لله وإسخاطٌ للشَّيطان, حسنُ الجوار بابٌ من أبواب الجِنانِ. فَاسْلُكُوهُ يا مُؤمِنُونَ تَنَالُوا مَرْضَاةَ ربِّكُمْ، وأَحْسِنُوا إليهِمْ تُفْلِحُوا في دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ؛ وَاحْذَرْ مِنْ الإيذَاءِ بِأيِّ نَوعٍ لَهُمْ فَإنَّهُ مِن الْمُحَرَّمَات وأَعْظَمِ الْمُوبِقَاتِ مَعَ عُمُومِ الْمُؤمِنينَ فَالْجَارُ أَولى وَأحْرَى! قَالَ اللهُ تَعَالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا). وَلِلْإيذَاءِ أَنْوَاعٌ عَلَّنَا نُوفَّقُ فِي بَيانِهَا.
فاللهم إنِّا نعوذ بك من جار السُّوء في دار الْمُقامةِ اللهم اهدنا وجيرَانِنَا ووفقنا لِما تحبُّ وترضى، وارزقنا الألفةَ والمحبةَ والتَّقوى, اللهم إنَّا نعوذ بك من الشقاق وسيئِ الأخلاق. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين, اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ووفِّق أئمتنا وولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى, اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، واختم بالصالحات أعمالنا، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.