بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً 14/7/1445هـ
بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً 14/7/1445ه*ـ
الحمدُ للهِ أَكرَمَنَا بِالإسلامِ، وَأَنْعَمَ عَلينَا بِالإيمَانِ وَالأَمَانِ, أَشهدُ ألَّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ, وَعدَ الدُّعاةَ إليهِ ثَوَابًا جَزِيلاً, وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه عَبْدَا وَنَبِيًّا وَخَلِيلاً، دَعَا إلى اللهِ على بَصِيرةٍ، فَفَتَحَ اللهُ بِهِ القُلُوبَ, فَكَانَ بَشِيرًا وَسِرَاجًا مُنِيرًا, فَصَلَوَات ربِّي وسلامُهُ عليه وآلِهِ وأَصحَابِهِ، وأَتبَاعِهِ بِإحسَانٍ، وإِيمَانٍ بُكرَةً، وأَصِيلاً. أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ حَقَّ التَّقوى ,فَقَدْ أَرسَلَ اللهُ رَسولَهُ: شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا . فَرِسالتُه بَاقيَةٌ إلى يَومِ الدِّينِ، غَايتُها هِدَايَةُ الخَلقِ أَجمعينَ كَمَا قَالَ رَبُّ العَالَمِينَ؛ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . فَبَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَأَمَرَ الْمُسلِمينَ بِالسَّيرِ على نَهجِهِ, والدَّعوَةِ إلى دِينِهِ, فَقَالَ كَمَا في الصَّحِيحِ: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً). وَمِنْ أَجَلِّ صِفَاتِ نَبِيِّنَا أنَّهُ دَاعٍ إِلَى اللَّهِ كَمَا قَالَ عَنْهُ جَلَّ وَعَلا: قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ . وَقَدْ كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ الغُلامُ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ وَهْوَ يَقُولُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بي مِنَ النَّارِ). حَدِيثٌ صَحيحٌ.
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: السَّعيُ إلى هِدَايَةِ الخَلقِ أَشْرَفُ عَمَلٍ, وقَدْ أَمَرَ اللهُ بِهِ الْمُسلِمينَ فَقَالَ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ . وَكُلُّنا مَأمُورُونَ بالاقتدِاء بِالرسُولِ فِي الدَّعوةِ والعَمَلِ كَمَا قَالَ رَبُّنا جَلَّ وَعَلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي . وَفِي زَمَنِنَا هَذا تَتَأَكَّدُ الدَّعوَةُ وَتَجِبُ عَلى كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا كُلٌّ حَسْبَ قُدْرَتِهِ وَجَهْدِهِ. فَإخْرَاجُ أُنَّاسٍ مِنْ الكُفْرِ إلى الإسْلامِ, ومِنْ مَعَاصٍ وَعَمَى إلى استِقَامَةِ وهُدَى, خَيرُ الأَعمَالِ وَأثْقَلُها فِي الْمِيزَانِ كَمَا قَالَ الْمَلِكُ الدَّيَّانُ: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَمِمَّا قَالَهُ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لا أَحدَ أَحسَنَ كَلامًا وَطَريقَةً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ, بِتَعلِيمِ الجَاهِلِينَ، وَوَعْظِ الغَافِلِينَ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ تَمَامُهَا لِلصِّدِّيقِينَ، كَمَا أَنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ قَولاً مَنْ كَانَ مِنْ دُعَاةِ الضَّلالَةِ السَّالِكِينَ سَبِيلَهُ. وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ .
أيُّها الأخُ الْمُبَارَكُ: أَبْشِر فَكُلُّ عَمَلٍ دَعَوِيٍّ أَو خَيرِيٍّ أَو اجْتِمَاعِيٍّ تَقُومُ بِهِ أَو تُشَارِكُ فِيهِ بِنَفْسِكَ أو مَالِكَ, فَلَكَ مِنْه نَصِيبٌ وَافِرٌ! فِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا». فَإسلامُ رَجُلٍ واحِدٍ بِسَبَبِ دَعوتِكَ خَيرٌ لَكَ مِنْ أَنْفَسِ الأَموَالِ وَأَغْلاهَا! يَقُولُ رَسُولُ الهُدى عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (فوَاللهِ، لأَنْ يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَم) رَواهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
أيُّها الْمُؤمِنونَ: نُرِيدُ عَطَاءً لِلدِّينِ, وَبَذْلاً لِنَشْرِ سُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ, فَقَدْ خَفَّ فِي نُفُوسِ بَعْضِنَا ذَلِكَ، فَلا لِلمَعَاذِيرِ! وَالتَّلاوُمِ! وَتَحْمِيلِ الآخَرِينَ, فَكُلٌّ مِنَّا قَادِرٌ وَمَسْؤولٌ, جَعَلَنا اللهُ جَمِيعاً هُدَاةً مُهتَدِينَ غَيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ, وَمِمَّن يَستَمِعُ القَولَ فَيَتَّبِعُ أحسَنَهُ, أَقُولُ مَا سَمِعتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِلمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ وَخَطِيئَةٍ، فَاستَغْفِرُوه وَتُوبُوا إِليه، إنَّه هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية/
الحَمدُ لِلهِ البَرِّ الرَّحِيمِ، يهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقِيمٍ, أَشهدُ ألَّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ العَلِيُّ العَظِيمُ، وأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هَدَانَا لِدِينٍ قَويمٍ, الَّلهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ, وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أمَّا بَعدُ: فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وأَبْشِرُوا فَدِينُ اللهِ مَنصُورٌ. إيمَانًا بِوعْدِ اللهِ القَائِلِ: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . أَمَا سَمِعْتُم بِشَارَةَ رَسُولِ اللَّه إذْ يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ _ وَالْمَدَرُ بُيُوتُ: أَهْلِ القُرَى وَالْمُدُنِ. وَالْوَبَرُ: هُمْ أَهْلُ البَادِيَةِ وَالصَّحْرَاءِ _ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ». حَدِيثٌ صَحيحٌ. اللهُ أَكْبَرُ عِبَادَ اللهِ: هَنيئًا لِمَنْ وُفِّقَ لِخِدْمَةِ دِينِ اللهِ تَعَالى؟
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: سُؤالٌ يُرَدِّدُهُ بَعْضُنَا, فَيَقُولُ: أنَا لستَ مُتَخَصِّصًا في الدَعوَةِ إلى اللهِ. وقَائِلٌ لَسْتُ خطِيبًا يُسمَعُ لِي. وقَائِلٌ لَسْتُ مُؤلِّفًا فَيُقْرأُ لِي! فَنَقُولُ لِهؤلاء الإخوَةِ وغَيرِهم مِمَّن عِندَّهُم حِرصٌ وَهَمٌّ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا . فَمِن رَأفَةِ اللهِ بِنَا أنَّ سُبُلَ الدَّعوةِ وطُرُقَها متَنَوِّعَةٌ, يَستَطِيعُها كُلٌّ مِنَّا، فَمُنَاصَحَةُ الأَفْرَادِ دَعْوَةٌ، وَتَوجِيهُ الأبْنَاءِ دَعْوةٌ، وَتوزيعُ كُتُبٍ, وَدَعْمُ سُبُلِ الخَيرِ والْمَشَارِيعِ الدَّعَوِيَّةِ والاجْتِمَاعِيَّةِ بِالْمَالِ فَضِيلَةٌ وَقُرْبَةٌ وَدَعْوَةٌ, والوَسَائِلُ والوَسَائِطُ الحَدِيثَةُ بَابٌ عَظِيمٌ, وَمَيدَانُ يَسَعُ الجَمِيعَ. قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
أتَدْرِي أخي الكَرِيمَ: تَبَسُّمُكَ فِي وُجُوهِ الآخَرِينَ قُرْبَةٌ وَدَعْوَةٌ. فَإنْ كُنتَ لا تَستَطِيعُ ذَلِكَ: «فَكُفَّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». فلا تَكُنْ مُنَفِّرًا للآخَرِينَ عَنْ دِينِ اللهِ تَعَالى بِسُوءِ أخْلاقِكَ! أو بِظُلمِ أَولادِكَ وَعُمَّالِكَ!.
أيُّها الحَرِيصُونَ على تَبْلِيغِ دِينِ اللهِ: عَلَيكُم بالصَّبْرِ الجَمِيلِ فَسُنَّةُ اللهِ قَضَت أنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ فَلا تَضعُفْ عن النُّصْحِ وَلَو كَثُرَ الانْحِرَافُ، ولا تَيأَسْ وَلَو انْتَفَشَ البَاطِلُ فَمَا عَليكَ إلاَّ البَلاغُ، وَأَكْثِروا الدُّعَاءَ لِلمَدْعُوِّينَ, ولازِمِوا الصَّبْرَ عَلى مَا تُلاقُونَ فَالعَاقِبَةُ لِلصَّبْرِ والتَّقْوَى. أيُّها الأَخْيَارُ: بَلَدُنا بِفَضْلِ اللهِ مُنطَلَقُ الدَّعوةِ والهُدَى! فَلِزَامًا عَلينا مُضاعَفَةُ الجُهُودِ والخُطى, فَقُومُوا بِمَا أوجَبَ اللهُ عَليكُمْ بِقَولِهِ: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ . فاللهم اجعلنا جَمِيعًا هُدَاةً مُهتَدِينَ غَيرَ ضَالينَ ولا مُضلِّينَ, اللهم وَفِّقْ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ والدُّعاةَ الْمُخلِصِين، الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا وَأَصْلِح أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أمُورِنَا واجعلهم هداة مهتدين. اللهُمْ احفظْ حُدُودَنَا وانصر جُنُودَنَا والْمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالْمعروف وينهى فيه عن الْمنكر. رَبَّنَا ظَلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .