أَمْطَارُ خَيرٍ وَرَحْمَةٍ 26/4/1445هـ
أَمْطَارُ خَيرٍ وَرَحْمَةٍ 26/4/1445هـ
الحمدُ للهِ واسِعِ العَطَاءِ, مُجيبِ الدُّعاءِ, أَشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ وَاسِعُ الكَرمِ وَالْجُودِ, وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صاحِبُ الحوضِ الْمَورودِ, صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وَأَصْحابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إلى اليومِ الْمَوعُودِ. أَمَّا بعدُ. فَأوصيكم عِبَادَ اللهِ وَنفسي بِتقوى اللهِ تَعالى, فَمَن سَألَ رَبَّهُ منَحَهُ وأَعطَاهُ: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ .
عبادَ اللهِ: إنَّنَا لَنَحْمَدُ اللهَ وَنَشكُرُهُ فَنحنُ في نِعَمٍ زَاخرةٍ وخَيراتٍ وَافِرَةٍ, سَمَاؤُنَا تُمطِرُ ,وَآبَارُنَا تَمتَلئُ, فَحَمْدًا لكَ ياربُّ وَشُكْرًا, فَلقد أَنزَلتَ علينا غَيثَاً مُغِيثَاً, عَمَّ الأَرَاضي رِيِّاً, وَلَمْ تَزلْ بِنَا رَؤفاً حَفِيَّاً, فَأصبَحنا وأَمسَينا مُستبَشِرِينَ وبِرَحمَتِكَ ورِزقِكَ فَرِحينَ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ .وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ .فَسُبحَانَ:(مَنْ يَدُهُ مَلأَى لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ سَحَّاءُ الَّليلِ والنَّهَارِ).
سُبحَانَ مَن أَنزلَ سَيلاً في البَلَدِ * فَكيفَ لو صَبَّ جِبَالاً مِن بَرَدٍ.
أَنزَلَهُ رِفْقَاً بِنَا قَطَّارا * وبعضُهُ سَخَّرَهُ أَنهَارَاً.
رَبُّنا يَا مُؤمِنُونَ: رَحيمٌ حَلِيمٌ, يُنزِلُ الْمَطَرَ بِدعوَةٍ صَادِقَةٍ صَالِحَةٍ, أو صَبِيِّ لم تُكتَبْ عليهِ ذُنوبٌ، أَلَمْ يَقُلْ نبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ:(هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ). رَواهُ البُخَارِيُّ. إخْوَةَ الإسْلامِ: كُلَّما جَدَّدَ لَكم رَبُّكم نِعَمًا فَجَدِّدوا لها حَمْدًا وشُكرَا, وكُلَّما صَرَفَ عنكُم الْمَكَارِهَ فَقُومُوا بِحقِّ طَاعَتِهِ ثَنَاءً لَهُ وذِكْرا, وَتَذَكَّرُوا: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ .وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ:(يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ: خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَنَزَلْنَ بِكُمْ وأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يَعْمَلُوا بِهَا إِلاَّ ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا الزَّكَاةَ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ مَنْ غَيْرِهِمْ وَأَخَذُوا بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَلْقَى اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) صَحَّحَهُ ابنُ مَاجَةَ وَحَسَّنَهُ الألبَانِيُّ. عِبَادَ اللهِ: نُزولُ الْمَطَرِ آيَةٌ تَدلُّ على قُدَرَةِ اللهِ على البَعْثِ والنُّشورِ! قَالَ اللهُ تَعَالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
عِبَادَ اللهِ: نُزولُ الْمَطَرِ فَأْلٌ بِنَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَحِينَ قَالَ اللهُ تَعَالى فِي سُورَةِ الرُّومِ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) الآيَةَ. بَشَّرَ بَعْدَهَا بِقَولِهِ: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ). ثُمَّ بَشَّرَ بِالْمَطَرِ مَرَّةً أُخْرَىَ فَقَالَ: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ). فَدُخُولُ آيَةِ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} بَينَ آيَتَينِ في التَّبْشِيرِ بِالغَيثِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إلى التَّبْشِيرِ بِالنَّصْرِ بَعْدَ بُلُوغِ اليَأْسِ مِنْهُ! حَقًّا كَمَا خَتَمَ اللهُ السُّورَةَ بِقَولِهِ: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ). وَاعْلَمُوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ: أنَّ الْمَاءَ من جُندِ اللهِ تعالى! فإمَّا أنْ يكونَ رَحمَةً وطَلاًّ, وإمَّا عَذَاباً وَبِيلاً! فقد كان نبيُّنا كمَا قَالت أُمُّنا عَائِشَةُ رضي اللهُ عنها أَنَّهُ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَتْ لهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا».
عبادَ اللهِ: وممَّا يُخْشَى مِنْهُ عِنْدَ نُزولُ الْمَطَرِ سَبُّ الرِّيحِ، فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ". وَينْبَغِي أَخذُ الحَيطَةِ والحَذَرِ أثنَاءَ هُبوبِ الرِّيحِ والأعاصيرِ فلا تُلقِ بِنَفْسِكَ ومَنْ معكَ إلى التَّهلُكَةِ بِمُطارَدَتها والدُّخول فيها بقصدِ التَّصوير والْمُغامَرَةِ, كَمَا يَنْبَغِي أنْ نَلزَمَ الْمَنازِلَ أثناءَ الغُبارِ والأَمْطَارِ, خاصَّةً في الَّليلِ فَبِهِ تَكثُرُ الحَّوادِثُ والأَخطارُ! فاللهمَّ انفعنا وارفعنا بالقرآنِ العظيمِ, وَبِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرسَلِينَ, واستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِلمُسلِمِينَ من كلِّ ذَنبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ مُسبلِ النِّعمِ علينا عَظُمَ حِلمُه فَستَرَ، وَبَسطَ يَدَهُ بِالعطَاءِ فَأكثَرَ، أَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليه، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَن سَارَ على الهُدَى. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: واحْمَدُوا اللهَ على هَذِهِ الأمْطَارِ, وَاسْأَلُوهُ خَيْرَهَا وَبَرَكَتَهَا, حَقًّا كَمَا قَالَ جلَّ وَعَلا: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ .
أيَّها الْمؤمنُ: ولِلمطَرِ سُننٌ قَولِيةٌ وأُخرى فِعلِيَّةٌ, فَقد كانَ رَسُولُ اللهِ إذا رَأى الغَيثَ قالَ: (الَّلهمَّ صَيِّبَاً نَافِعَاً). وَقَالَ: (مُطرنا بِفضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ). وكانَ إذا اشتَدَّ الْمَطَرُ وَخَشِيَ الضَّرَرَ قالَ: (اللهمَّ حَوالَينَا ولا عَلَينَا, اللهمَّ على الآكَامِ والظِّرَابِ وبُطُونِ الأَودِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ). الآكَامُ هِيَ: الجبَالُ الصَّغيرَةُ ما ارتفعَ مِنَ الأَرْضِ. وَالظِّرَابُ: الجَبَلُ الْمُنْبَسِطِ عَلى الأَرْضِ. وَكَانَ يَكشِفُ بَعضَ بَدِنِهِ لِيصيبَهُ الْمَطرُ. ويَحَسِرُ ثَوبَهُ، ويَكشِفُ عن عِمَامَتِهِ لِيُصِيبَ الْمَطَرُ جَسَدَهُ, ويُسَنُّ الدُّعَاءُ حالَ نُزُولِهِ لِقولهِ :( ثِنْتَانِ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ, وَتَحْتَ الْمَطَرِ) حَسَّنَهُ الألبَانِيُّ.
مَعْشَرَ الأَولِيَاءِ: وعندَ نُزُولِ الأَمطَارِ هُناكَ تَهَوُّرَاتٌ وأَخطارٌ تَقعُ مِن بَعْضِ شَبَابِنَا, دَافِعُها التَّفَاخُرُ وحُبُّ المُغَامَرَةِ, كالسُّرعَةِ الْمُفرَطَةِ, وتَجَاوزاتٍ مُتَهوِرَةٍ, وبعضُهُمْ يُغامِرُ بِدُخُولِ سَيَارِاتِهم إلى الشـِّعابِ والأَودِيَةِ ممَّا يَنتُجُ عنه خُطورة ٌبَالِغَةٌ, فَكيفَ بِمن يُهْمِلُ الأَطفالَ والنِّساءَ ويَسمَحُ لهم بِذَلِكَ! رَغْمَ تَحذِيرَاتِ مَرَاكِزِ الدِّفاعِ الْمَدَنِيِّ! إلَّا أنَّكَ تَرَى تَفرِيطًا وتَهَوُّرًا عَجِيبًا! فَخُذوا حِذْرَكُم: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ الأَخْطَار الْمَبِيتُ في بُطُونِ الأَودِيَةِ, خَشْيَةَ جَرَيَانِ الأَمْطَارِ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ. فلا يَنْبِغي لأحَدِنَا أَن يُعَرِّضَ نَفْسَهُ وَمَنْ مَعَهُ لِلأخْطَارِ. واحْرِصُوا يا رعاكُمُ اللهُ على نَظَافَةِ أمَاكِنِ الْمُتَنَزَّهَاتِ, ولا تُعَرِّضُوا الأشْجَارَ لِلتَّلَفِ, فَإنَّهَا حَقٌّ لِلجَمِيعِ. (فَلا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ).
أَيُّها الأَخُ الْمُسْلِمُ لا تَنْس أَنْ تَقُولَ عِنْدَ خُرُوجِكَ مِنْ مَنْزِلِكَ مَا أَرْشَدَكَ إليهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ"، فَإنَّهَا دَعْوةٌ نَافِعَةٌ تُحَقِّقُ لَكَ السَّلامَةَ وَالأَمَانَ بِإذْنِ اللهِ تَعَالى.
ثُمَّ نَخْتِمُ بِمَسْألَةٍ هَامَّةٍ وَعَامَّةٍ ألا وَهِيَ جَمْعُ الصَّلاةِ لأجْلِ الْمَطَرِ فالأصْلُ فِي الصَّلاةِ قَولُ اللهِ تَعَالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). فَكُلُّ فَرْضِ صَلاةٍ لَهُ بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ فَلا تَتَعَجَّلُوا بِالْجَمْعِ لأَدْنَى عَارِضٍ فَمَطَرُنَا بِحَمْدِ اللهِ فِي زَمَنِنَا يَنْزِلُ عَلى طُرُقَاتٍ مُهَيَّئَةٍ, وَمَسَاجِدُنَا بِحَمْدِ اللهِ مُحْكَمَةٌ. وَإنَّمَا الْجَمْعُ لِلْمَشَقَّةِ التي تَكُونُ مَعَ حُضُورِ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ الْمَسَاجِدِ, فَيَجُوزُ لِمَنْ تَشُقُّ عَليهِ صَلاةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يجَمْعَ بَينَ الظُّهْرَينِ أَوِ العِشَائَينِ. وَإذَا شَكَّ الإنْسَانُ هَل هَذَا الْمَطَرُ فِيهِ مَشَقَّةٌ تُبِيحُ الجمْعَ أو لا مَشَقَّةَ فِيهِ فَالأَصْلُ عَدَمُ الْمَشَقَّةِ وَوجُوبُ الصَّلاةِ في وَقْتِهَا. فَيَا عِبَادَ اللهِ: لا تَتَعَجَّلُوا ولا تَتَسَاهَلُوا بِالْجَمْعِ, وَلا تَحْمِلُوا إمَامَكُمْ عَلى جَمْعٍ غَيرَ مُقْتَنِعٍ فِيهِ، فَهُو مَسْؤولٌ أَمَامَ اللهِ عَنْكُمْ وَعَنْ صَلاتِكُمْ. كَمَا لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ مَحَلَّ اخْتِلافِ وَتَنازُعٍ وَجَدَلٍ لا يَلِيقُ بِبُيُوتِ اللهِ تَعَالى. وَإذَا اجْتَهَدَ الإمَامُ وَجَمَعَ الصَّلاةَ فَإيَّاكَ أَنْ تُغَادِرَ الْجَمَاعَةَ وَتَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، بَلْ صَلِّ مَعَهُمْ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ؛ فَهِيَ أَجْرٌ وَثَوَابٌ, وَمُوَافَقةٌ لِوِحْدَةِ الصَّفِّ وَجَمْعِ الْكَلِمَةِ. وَخُرُوجُكَ يَتَضَمَّنُ الشِّقَاقَ وَالاخْتِلافَ. كَمَا نَبَّهَتِ الَّلجْنَةُ الدَّائِمَةُ للإفْتَاءِ عَنْدَنا: أَنَّ جَمَعَ الصَّلاةِ يُشْرَعُ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ، أمَّا الْجَمْعُ لِجَمَاعَةٍ في بَيتٍ وَاحِدٍ وَاحِدٍ فلا يَجُوزُ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ في الشَّرْعِ، وَعَدَمِ وُجُودِ العُذْرِ الْمُسبِّبِ لِلجَمْعِ. فَالحِكمَةُ مِنَ الجمْعِ رَفْعُ الحَرَجِ وَدَفْعُ الْمَشَقَّةِ، وَأَيُّ حَرَجٍ أَو مَشَقَّةٍ في حَقِّ مَنْ صَلَّى في بَيتِهِ؟!
فاللهمَّ اجعلنا لِنِعَمِكَ من الشَّاكِرينَ وَلَكَ من الذَّاكِرينَ, اللهمَّ واجعل مَا أَنزلْتَهُ عَلينا رَحمَةً لَنا وبَلاغَاً إلى حِينٍ, اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بك من زَوالِ نِعمَتِكَ وَتَحوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقمَتِكَ وَجَميعِ سَخَطِكَ، اللهمَّ لا تَجعلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنَا ولا تَجعلْ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّنَا، اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَّا وَعَنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ والرِّبَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الأَبْدَانِ، وَالأَمْنَ فِي الأَوْطَانِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَنَا وَاحْفَظْ نِسَائَنَا مِن كُلِّ مُنْكَرٍّ وَشَرٍّ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. اللهُمَّ وَانْصُرْ جُنُودَنَا وَاحْفَظْ حُدُودَنَا والْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ. رَبَّنَا أَعِنْ إخوَانَنَا في فِلَسطِينَ ولا تُعِنْ عَلَيهم، وانصُرهم ولا تَنْصُرْ عَلَيهم، وامكُرْ لهم ولا تَمْكُرْ عَلَيهم، واهدهم ويَسِّر الهُدَى لهم، وانصرهم على من بَغَى عَلَيهم. اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، مُجْرِىَ السَّحَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ, هَازِمَ الأَحْزَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الصَّهَاينَةَ وجُنْدَهم، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ، وَانْصُر إخوانَنَا عَلَيْهِمْ. اللَّهُمَّ وحِّد صفوفَ إخوانِنا في فِلَسطِينَ, واجمع كلمتَهم على الحقِّ والدِّينِ, وَهَيئ لهم قَادَةً صَالِحِينَ مُصلِحينَ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .