اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي 5/7/1444هـ
اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي 5/7/1444هـ
الحمْدُ للهِ عَظِيمِ الفَضْلِ وَالكَرَمِ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا الله وحده لا شريكَ لَهُ ذُو العَطَاءِ والإنعامِ، وَأَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، خَيرُ الأَنَامِ، صلَّى الله وسلَّم وَباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وَمَن تَبِعَهُم بِإحسانٍ وإيمانٍ على الدَّوامِ. أمَّا بَعْدُ: فَيا مُسلِمُونَ: اتَّقوا اللهَ تَعَالى؛ فَقَدْ نَجَا مَن اتَّقَى، وَضَلَّ من قادَهُ الشِّيطَانُ والهوَى.
عِبَادَ اللهِ: لقد حَبَنَا اللهُ مِنَ الخَيرَاتِ وَالنِّعَمِ، وَاختَصَّنا بِمَا لم يَكُنْ لِغَيرنَا, فَقَدْ أَطعَمَنا مِن جُوعٍ, وَأَمَّنَنا مِن خَوفٍ، وَوَسَّعَ عَلَينا بَعدَ ضِيقٍ, وَأَغْنَانَا بَعدَ فَقرٍ وَفَاقَةٍ، فَلَهُ سُبحانَه الحَمدُ وَالشُّكرُ، وَنَسأَلُهُ الْمَزيدَ مِن فَضلِهِ وَإنعَامِهِ. حَقًّا: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ فَقَيِّدُوا النِّعَمَ بِشُكرِ الوَاهِبِ سُبحانَه؛ فَإنَّ النِّعَمَ إِذَا شُكِرَت قَرَّت، وَإذَا كُفِرَت فَرَّت: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ .
أيُّها الْمُسلِمُونَ: لَقَد تَعَلَّقَ كَثِيرٌ مِنَّا بِالأَسْبَابِ الْمَادِيَّةِ البَحْتَةِ, والْمَعَايِرِ والتَّحَالِيل الاقْتِصَادِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ, حتَّى سَيْطَرَتْ عَلينَا الهُمُومُ والهَواجِسُ, وَأَصَابَنا الرُّعْبُ والوهَنُ! نَعَمْ الْمُسْلِمُ حَصِيفٌ وَفَطِنٌ, يُخَطِّطُ لِمُسْتَقْبَلِهِ, وَلَكِنَّهُ لا يَغْفُلُ عَنْ الأَسبَابِ الشَّرْعِيَّةِ, وَيَجْعَلُ الدُّنَيا أكْبَرَ هَمِّهِ, فَيَقَعُ فِيمَا حَذَرَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، بِقَولِهِ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ».
عِبَادَ اللهِ: مِن مَظَاهِرِ كُفرِ النِّعمَةِ, حَسَدُ الآخَرِينَ عَلى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ نِعَمٍ, وَضَعفُ اليَقِينِ, مُتَنَاسِينَ أَنَّ فَضلَ اللهِ وَاسِعٌ، وَأنَّهُ لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ فَضَّل بَعْضَنا على بَعْضٍ في الرِّزْقِ, فَهَوِّنْ على نَفْسِكَ واسْتَمْعْ لِقَولِ رَبِّكَ: أَوَلم يَرَوا أَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقدِرُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ .
يَا مُؤمِنُونَ: لَقَدْ فَنِيَ أَجيَالٌ، وَمَا نَالَ أَحَدٌ مِنهُم فَوقَ مَا قُدِّرَ لَهُ، وَسَنمُوتُ كَمَا مَاتُوا. وَلَن يَزِيدَ في رِزقِ أَحَدٍ مِنَّا حِرصُهُ وَلا طَمَعُهُ، وَلا حَسَدُهُ لإخْوَانِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَنْ يَنقُصَ عَلَينَا ممَّا قُسِمَ لَنا شَيئاً! لَكِنَّهَا وَسَاوِسُ شَيطَانِيَّةٌ, يَزرَعُها الشَّيطَانُ في قُلُوبِ مَن ضَعُفَ بِاللهِ إِيمَانُهُم، وَقَلَّت بِاللهِ ثِقَتُهُم، فَلَم يَرَوا مِنَ الأَسبَابِ إِلاَّ مَا ظَهَرَ لأَعيُنِهِم، وَلَمْ يَقنَعُوا بِمَا كَتَبَ اللهُ لَهُمْ: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا .
فَمَا أَجملَ أَن نَتَحَلَّى بِالقَنَاعَةِ وَسَمَاحَةِ النَّفْسِ، فَنَطلُبُ الرِّزقَ مِن وَاهِبِهِ وَنَسأَلُهُ مِن فَضلِهِ، ولا نَشتَغِلَ بِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ! أَنَسِينَا أَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ، وَأَنَّ خَزَائِنَهُ مَلأَى لا تَغِيضُ؟ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رَوعِي أَنَّ نَفسًا لَنْ تَمُوتَ حتَّى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلا يحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَنْ يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ».
يا سُبْحَانَ اللهِ: أَنَخَافُ أَنْ نَمُوتَ وَمَا اسْتَكْمَلْنَا رِزْقَنَا؟ أَمْ نَخَافُ أَنْ تَنْتَهِيَ أَرْزَاقُ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلا؟ فَأَبْشِرُوا وَأَيْقِنُوا فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبحَانَهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ».
فيا مُؤمِنُونَ: عَلامَ التَّسَخُّطُ؟ وَإِلى متى التَّحَاسُدُ وَالتَّبَاغُضُ؟ والنَّظَرُ إلى ما في أيدي النَّاسِ؟ أَمَا آنَ لِلقُلُوبِ أَن تَرضَى بِمَا قَسَمَ لها عِلاَّمُ الغُيُوبِ؟ أَمَا آنَ لِلنُّفُوسِ أَن تَقنَعَ بما آتَاهَا الكَرِيمُ الْمَنَّانُ؟ أَمَا آنَ لِلصُّدُورِ أَن تمتَلِئَ يَقِينًا وَتَوَكُّلاً عَلَى اللهِ؟ أَلا يحسُنُ بِنَا أَنْ نَسعَى لِطَلَبِ رِزقِنَا وَتَدبِيرِ شُؤُونِنَا بَعِيدًا عَنِ اشتِغَالِنَا بالآخَرِينَ؟ فَامْشُوا في مَنَاكِبِ الأَرْضِ وَانْتَشِرُوا فِيهَا وَكُلُوا مِن رِزْقِ اللهِ وإليهِ النُّشُورُ. فَالَّلهُمَّ لا تَجَعَلِ الدُّنيا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا ولا إلى النَّارِ مَصِيرَنَا. وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا . وأستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وللمُسْلِمينَ فاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، مَا أَنْزَلَ دَاءً وَبَلاءً، إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً وَعَافِيَةً، أَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، خَلَقَنَا وَرَزَقَنا وَهَدَانَا، وَأَشهدُ أَنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الكَرِيمُ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأتَبَاعهِ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ، وَاقنَعُوا بِمَا حَبَاكُمْ, وَعَلى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ، وَغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِكُم لِمَا هُوَ خَيْرٌ وَأبْقى، وَطَهِّرُوهَا مِن الشُّحِّ وَالأَثَرَةِ وَحُبِّ الذَّاتِ.
عِبَادَ اللهِ: مُشكِلَةٌ تَكْثُرُ عِندَ ضِعَافِ النُّفُوسِ, وَأَخَافُ مِنْ كَثْرَتِهَا في مِثْلِ هذِهِ الظُّرُوفِ! أَلا وَهيَ البُخْلُ على الأَهْلِ وَالأَولادِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, بِحُجَّةِ ظُرُوفٍ اقْتَصَادِيَّةٍ مَوهُمَةٍ! أَو تَخَوُّفَاتٍ مَزْعُومَةٍ! فَمَا أَشْقَى هذا الصِّنْفَ وَأَخْزَاهُ، قتَّرَ عَلى البَعِيدِ وَظَلَمَ القَرِيبَ، وَنَسُوا قَولَ اللهِ تَعَالَى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ .
فخَيرُ النَّاسِ خَيرُهُمْ لِأَهْلِهِ.
مِسْكِينٌ هَذا الْصِّنْفُ مِنَ النَّاسِ لَقَدْ بَاعَ سَعَادَتَهُ، وَخَسِرَ أَبْنَاءَهُ، وَأَسْخَطَ رَبَّهُ، فَلا هُوَ اسْتَفَادَ وَأَفَادَ، وَلا قَدَّمَهَا لِيومِ الْمَعَادِ. لَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ: "اللهمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ".
أَيُّهَا الْمُسلِمُونَ: مَنْ عمَّ أَهلَهُ خَيرُهُ، وَوَسِعَهُم بِرُّه، فَذَاكَ الشَّهْمُ الوَفِيُّ. وَمَنْ غَلُظَ طَبْعُه، وَعَامَلَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ وَالإهْمَالِ، فَهُوَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ وَأَخْزَاهُمْ. فَاحْذَرْ أنْ تُصِبْكَ دَعْوَةُ النَّبِيِّ الأكْرَم حِينَ قَالَ: " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ". قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الذِي لَيْسَ فِيهِ إحْسَانٌ، أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا". اهـ. نَسألُ اللهَ أنْ يُعيذَنَا مِن البُخْلِ وَالطَّمَعِ، وَالجَشَعِ وَالهَلَعِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِن الْمُنْفِقِينَ في سَبِيلِهِ، ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا على النَّبِيِّ الأَمِينِ, فَمَنْ صَلَّى عَلَيهِ صَلاةً وَاحِدَةً صلَّى اللهُ عَليهِ بِهَا عَشْرًا. للخلقِ أُرسِلَ رَحْمَةً وَرَحِيمًا***صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا,
فَاللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ، وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وَأَتْبَعِهم بِإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ اللهمَّ لا تَجعل الدُّنيا أَكبرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمِنَا، ولا تَجعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، اللهمَّ اجعلنا مِمَّن بَرَّ واتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، اللهمَّ وأَصلِح لَنا دِينَنا الذي هو عِصمَةُ أَمرِنا, وَدُنيانا التي فيها مَعَاشُنا، وَآخِرَتَنا التي إِليها مَعَادُنا، واجعَل الحَيَاةَ زِيادَةً لنا في كُلِّ خَيرِ، والْمَوتَ رَاحَة لَنا مِن كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والرَّخاءِ والاستقرارِ, وأصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم. اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ. ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .