مَفَاتِيحٌ عَمَلِيَّةٌ لِبِرِّ الْوَالِدَينِ 1/5/1444هـ
مَفَاتِيحٌ عَمَلِيَّةٌ لِبِرِّ الْوَالِدَينِ 1/5/1444هـ
الحمدُ للهِ القَائِلِ: إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا . أَشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، أَمَرَنا بالإحسانِ بِالوالِدَينِ والقَولِ لَهما قَولا كَرِيمَاً, وأَشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، أَرسلَهُ اللهُ هادِياً ومُبَشِّرَاً وَسِرَاجًا مُنِيرًا، صلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأَتبَاعِهِ بِإحسَانٍ وَسَلَّمَ تَسلِيماً مَزِيداً. أمَّا بعدُ. يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا . أيُّها الأَكَارِمُ: حينَ تَحدَّثنا في جُمُعٍ مَاضِيَةٍ عنِ الْوَالِدِينِ وَمَكَانَتِمَهَا وَفَضلِهِمَا, طَلَبَ عدَدٌ من الإخوةِ صُوَراً عَمَليَّةً لِلبِرِّ والإحسانِ, وَفِعلاً نَحْنُ بِحاجةٍ إلى نَمَاذِجَ عَمَلِيَّةٍ وقَصَصٍ واقِعيِّةٍ تَدفَعُنا لِلعملِ, فتأمَّلتُ في القرآنِ الكريمِ فإذا فيهِ من النَّماذِجِ ما يكفي لأُولِي الألباب! وإذْ بالسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ تَزخَرُ بالقَّصَصِ التي تَبهَرُ العُقُولَ! وتَحدُوا لِلعملِ! ذلكَ لأنَّ أنبِيَاءَ اللهِ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ هُمْ أهلُ الوَفَاءِ والبِرِّ والإحسانِ مَعَ النَّاسِ عُمُوماً وَبِالوالِدَينِ خُصُوصَاً! فَنوحٌ عليهِ السَّلامُ يَخُصُّ والدِيهِ بِالدُّعَاءِ بِقولِهِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ . وعِيسى عليهِ السَّلامُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ امْتَنَّ عَليهِ بِأَنَّهُ: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا .ويحيى عليهِ السَّلامُ قالَ اللهُ عنه: وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا .أَمَّا مَا كانَ من أَمرِ إبراهيمَ الخليلِ عليهِ السَّلامُ معَ أَبِيهِ الكافِرَ فأمْرٌ قد بَلَغَ في البرِّ غَايَتَهُ وفِي الإِحسَانِ نِهَايَتَهُ، فَلَمَّا هَدَّدَهُ أَبُوهُ بالرَّجْمِ, قَابَلَهُ بِقَولِهِ: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي . أمَّا هَديُ نَبِيِّنَا فَقَدْ كَانَ يُربِّي صَحَابَتَهُ وأُمَّتَهُ بِفِعْلِهِ وَبقَصَصٍ تُربِّيهِمْ على البِرَّ والإحسَانَ كما في قِصَّةِ أصحَابِ الغَارِ الذينَ انطَبَقَتْ على فَمِ غَارِهِمْ صخرَةٌ فَتَوسَّلوا إلى اللهِ بِصالِحِ أعمَالِهم فكانَ أحدُهم من أَهلِ البِرِّ والإِحسَانِ, فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ! وقد أَتَى رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُ أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَلَقَدْ أَتَيْتُ وَإِنَّ وَالِدَيَّ لَيَبْكِيَانِ، _ يَعْنِي مِنْ أَلَمِ فِرَاقِ ابْنِهِمَا_ فقَالَ :(فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا) صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ.
وَالصَّحابةُ الكِرَامُ يُدرِكونَ أنَّ بِرَّ الوالِدِينِ يعنِي عندَ اللهِ وعِندَ رَسُولِه الشَّيءَ العَظِيمَ فقد جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ : (نَعَمْ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، _ يعني الدُّعَاءُ لَهُمَا_ وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا) أَخْرَجَهُ الإمَامُ أَحْمَدُ وَغَيرُهُ وَأَثْبَتُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالى. وفي صَحيحِ مُسلِمٍ, أنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ تُخْبِرُهُ بِمَوْتِ أُمِّهَا وأنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ:(صُومِي عَنْهَا)، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:(حُجِّي عَنْهَا)!
أيُّها الكِرامُ: تَفَضَّلُوا بَعْضَ الجوانِبِ العَمَلِيَّةِ لِلبرِّ بالوالِدينِ, وهذهِ الخُطُواتُ قد تُناسِبُكَ كُلُّها وقد يُناسِبُكَ بَعضُها, الْمُهمُّ أنْ يَكُونَ جَادًّا في ذلِكَ واللهُ تَعَالى سَيُعِنُكَ وَيُيَسِّرُ لَكَ أَسْبَابَ الْبِرِّ كَمَا وَعَدَ سُبْحَانَهُ بِقَولِهِ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ . وصَدَقَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا حِينَ قَالَ: (الْبِرُّ شَيْءٌ هَيِّنٌ ,وَجْهٌ طَلِيقٌ, وَكَلامٌ لَيِّنٌ).
عِبَادَ اللهِ: الْمُتأَمِّلُ لحالِ كَثِيرٍ مِمَّنْ وُفِّقُوا لِلبرِّ يَجِدُ أنَّ العَمَلَ الذي يَقُومُونَ بِهِ يَسيرٌ، وأُنَّ الجُهدَ الْمَبْذُولَ سَهْلٌ! لأنَّهم يَحمِلُونَ أرْبَعَةَ أَشيَاءَ! قُلُوبَاً رَحِيمَةً, وعُقُولاً فَطِنَةً. وَوُجُوهَاً مُبْتَسِمَةً، وَاحْتِسَابَاً لِلأَجْرِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ, فَكَانَ النَّجَاحُ حَلِيفَهُم، والتَّوفِيقُ رَفِيقَهُم.
فَمِن أَعْمَالِ البِرِّ: التَّعبدُ للهِ تَعَالى بِالدُّعَاءِ لَهَا, رَدِّدْ دَائِمًا: رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . فَمِنْ أَعْظَمِ البِرِّ (أَوْ ولَدٍ صَالِحٍ يَدْعُوا لَهُمَا). فَمَا أَحْوَجَ وَالِدَيكَ في الْحَيَاةِ وَبَعْدَهَا إلى دُعَاءٍ صَالِحٍ تُرْفَعُ بِهِ دَرَجَاتُهُمَا، وَفي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ:(إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟! فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ).
وَمِن أَعْمَالِ البِرِّ: اختِيَارُ هَدِيَةٍ مُنَاسِبَةٍ لِكُلِّ مُنَاسَبَةٍ, فَتُقَدِّمُهَا لَهُمَا وَأَنْتَ سَعِيدٌ: كَأَيَّامِ العِيدِ، وَالزِّوَاجِ, والنَّجَاحِ, وَدُخُولِ الشِّتَاءِ، وقُدُومِكَ من السَّفَرِ!
وَمِن نَمَاذِجِ البِرِّ: أَنْ تَتَعبَّدَ للهِ بِوَضعِ حِسَابٍ بَنْكِيٍّ لِكُلٍّ مِنْ الْوَالِدِينِ، يَشتَرِكُ فِيهِ إخوَانُكَ وَيُوضَعُ مَبلَغٌ شَهرِيٌ لِكَي يَفِيَ بِاحتِيَاجَاتِهِمَا وإهدَاءاتِهمَا فَلا تَضطَرُّوهُمَا لِلطَّلَبِ مِنكُم.
فَقَلِيلٌ دَائِمٌ خيرٌ من كَثِيرٍ مُنقَطِعٍ! واللهُ سَيَخْلِفُ لَكُمْ خَيْرًا مِمَّا بَذَلْتُمْ. فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى, أقولُ ما سَمِعتُم واستَغفِرُ اللهَ لي ولَكُم ولِسائِرِ الْمُسلِمينَ من كلِّ ذَنبِّ وَتَقْصِيرٍ فَاسْتَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية/
الحمدُ للهِ جَعَلَ الجَزَاءَ من جِنسِ العَمَلِ, أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلكُ وَلَهُ الحمدُ وَمِنْهُ الْثَّوَابُ, وَعَليهِ الْمُتَّكَلُ, وأَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ دَعَانَا لِلْبِرِّ وَحُسْنِ الْجَزَاءِ والْعَمَلِ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإحْسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمنِونَ وَأحْسِنُوا لِلوَالِدَينِ, فَإنَّما هُمَا جنَّتُكَ وَنَارُكَ! وَسَعَادَتُكَ أَو شَقَاؤُكَ! سُئِلَ الحَسَنُ البَصرِيُّ رحِمَهُ اللهُ: ما دَعُاءُ الوالِدَينِ لِلولَدِ؟ فَقَالَ: نَجَاةٌ، قِيلَ: فَالدَعُاءُ عَليهِ؟ قَالَ: استئصَالُهُ، يَعني هَلاكُهُ. والعياذُ باللهِ,
أيُّها الْمؤمِنُونَ: وحينَ نَتَكَلَّمُ عن صُوَرِ البِرِّ وأنواعِهِ فاستَحضِروا دائِماً قولَ اللهِ تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا . فَهَذِهِ أَجمَعُ آيَةٍ في البِرِّ والإِحسَانِ, قَالَ عَنْهَا الشيخُ السَّعدِيُّ رحِمَهُ اللهُ ما مفادُهُ: أَحْسِنُوا إلى الْوَالِدَيْنِ بِجميعِ وُجُوهِ الإِحسَانِ القَولِيِّ والفِعلِيِّ. فَهُما يَحتَاجَانِ من الُّلطفِ والإحسانِ ما هو مَعرُوفٌ, فَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا بِلفظٍ يُحبَّانِهِ وَيَلَذُّ على قُلُوبِهمَا وَتطمَئِّنُ بِهِ نُفُوسُهُمَا، وَتَواضعْ لَهما ذُلاَّ لَهُما وَرَحمَةً واحتِسَابَا للأجْرِ لا لأجلِ الخَوفِ مِنْهُمَا أَو رَجَاءً لِمَا في أَيْدِيهِمَا, وَادْعُ لَهُمَا بِالرَّحمَةِ أَحيَاءً وأَمواتَاً، جَزَاءً على تَربِيَتِهما إيَّاكَ صَغِيراً. انتهى.
أيُّها الكِرامُ: ومن طُرِقِ الإحسانِ والبِرِّ: احرِص على تَودِيعِها عِندَ سَفَرِكَ, فَسَتَحظَى بِدَعوَاتِهِمَا الْمُستَجَابَةِ بِإذْنِ اللهِ تَعَالى, وعِندَ قُدُومِكَ لِتَكُنْ أَوَّلَ مَنْ تُقَابِلُ، فَتُسَلِّمُ عَليهِمَا وتُؤَنِسُهُمَا، وفي سَفَرِكَ اتَّصِل بِهِمَا يَومِيَّا, وَلا تَسْتَكْثِرْ عَليهِمَا ذَلِكَ, فَكم تَبُثُّ تِلكَ الْمُكَالماتُ فيهِمَا من السَّعَادَةِ، وتُشعِرُهمَا بالرِّضا! وَأَنْتَ في بَلَدِهِمَا احْرِصْ على مُقَابَلَتِها يَومِيًّا, ولا تُبعِدكَ مَشَاغِلُ الدَّنيا عَنْهمَا. وَلْتَكُن مُقَابَلَةً تَلِيقُ بِمقدَارِ حُبِّهمَا، فَلا تَأْتِ عَلى عَجَلٍ أَو بِيدِكَ جوَّالاً تُكَلِّمُ فيهِ أو تَتَصفَّحُ فيهِ, ثُمَّ هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وأنتَ لا تَنظُرُ إليهِما ولا تَستَمعُ لِحَدِيثِهِمَا! فكم في هذا التَّصَرُّفِ من الغَمطِ وَالْمَهانَةِ مَا لا يَخْفَى؟!
أَخِي: احْرَصْ على تَلبِيةِ طَلَبَاتِهمَا أَوَّلاً بِأَوَّلٍ، ولا تَعِدْهْمَا ثُمَّ تُخلِفُ, وَاحْذَرْ مَعَ طَلَبَاتِهِمَا مِنْ كَلِمَةِ نَسِيتُ! فقَدْ تَعْظُمُ فِي نُفُوسِهِمَا.
أَيُّهَا الفَاضِلُ: انْسُبْ كُلَّ نَجَاحٍ في حَيَاتِكَ لِفضْلِ اللهِ ثُمَّ لِفضلِ تَربِيَتِهِمَا لَكَ، فإنَّ ذَلِكَ يُشعِرُهُمَا بِالفَخرِ والسَّعَادَةِ! اجعَلهُمَا أَوَّلَ مَنْ يَعلَمُ بِكُلِّ خَبَرِ سَعِيدٍ في حَيَاتِكَ حتى ولو كانَ بَيعًا أو شِرَاءً، فَسَيَجعَلُكَ مُقَرَّبَاً إلى قَلبِيهِمَا. وَشَارِكْهُمَا مَعَكَ بِالأَجْرِ فِي كُلِّ عَمَلٍ خَيْرِيٍّ مِنْ صَدَقَةٍ أو وَقْفٍ, وَتَصَدَّقْ بِاسْمِهِمَا وَاسْأَلْ رَبَّكَ الْقَبُولَ ف: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الفَاضِلُ: حَافِظ على رِعَايَتِهِمَا الصِّحِيَّةِ، وَفِّر أَجهِزَةَ الضَّغْطِ، والسَّكَرِ، وما يَحْتَاجانِهِ مِن عرَبَةٍ وعُكَّازٍ, أَعِنهُمَا على صِلَةِ الرَّحِمِ, وَالأَصْدِقَاءِ فَإنَّهُ يُدْخِلُ السُّرورَ عَليهِمَا. لا تَبُثَّ أَحزَانَكَ عَليهِمَا أو تَتَشَكَّى عِنْدَهُمَا، فَإنَّ ذَلِكَ يُحزِنُهُمَا ويَضُرُّهُمَا! ولكنْ أَخبِرهُمَا دَائِمًا بما يَسُرّهُمَا.
وتَنَبَّه أَخي الكَرِيمَ لأمْرٍ هَامٍّ جِدَّاً: اجْعَلْ عَلاقَتَكَ مع إِخوَتِكَ وَأَخَوَاتِكَ قَوِيَّةً جِدًّا وبِدُونِ مَشَاكِلَ، وَعَلى الأَقَلِّ لا تَجعَلْ تِلْكَ الْمَشَاكِلَ أَمَامَهُمَا فَإنَّهُ يُحْزِنُهُمَا، وَالأَحْسَنُ وَالأَكْرَمُ أَنْ تُقَدِّمَ أَعذَارًا لإخوَانِكَ الْمُخطِئينَ.
أَخي الكَرِيمَ: لا تُفَاجِئْهُمَا بِأَخْبَارٍ مُفجِعَةٍ ولا حَزِينَةٍ، بَل قَدِّمْ لهمَا مَا يُخَفِّفُ الأَثَرَ عَلَيهمَا، تَفَاعَل مع مَواقِفِهمَا الْمُحزِنَةِ والسَّارَّةِ، ولا تَكُن جَامِدَ الْمَشَاعِرِ والأَحاسِيسِ. إيَّاكَ وَالْمِنَّةَ بِأَيِّ عَمَلٍ تَعْمَلُهُ, فَالْمِنَّةُ للهِ أَنْ هَيَّءَ لكَ بَابًا مِن الْبِرِّ. فَاللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنا وَأُمَّهَاتِنا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَوفَاهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ كَمَا رَبـُّونا صِغَاراً، اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَيّاً فَمَتِّعْهُ بِالصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ عَلَى طَاعَتِكْ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي دَارِ الْحَقِّ فَتَوَلَّهُ بِرَحْمَتِكَ وَأَنْزِلْ عَلَيْهِ مِنْ وَاسِعِ رَحْمَتِكَ، اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَرِيضاً فَاشْفِهِ وَعَافِهِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَأَسْبِلْ عَلَيْهِ ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ يا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا بِهِمَا مِنَ البَارِّينَ، وَاجْعَلْنَا قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُما فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَارْزُقْنا بِـرَّ أَبْنائِنا وَبَناتِنا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ والدِّينِ، اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، اللَّهُمَّ أغثْنَا, اللَّهُمَّ أغثْنَا, اللَّهُمَّ أغثْنَا, اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. رَبَّنَا احْفَظْ عَلينَا دِينَنَا وَأَمْنَناَ وَأخْلاقَنَا وَأَوْطَانَنَا وَحُدُودَنَا وَجُنُودَنَا, وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَل تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا رَبَّ العَالَمِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، والمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).