نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ 23/12/1443هــ
نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ 23/12/1443هـ
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ فَسَوَّى؛ أَظْهَرَ عَجَائِبَهُ وَعَظَمَتَهُ بِمَخْلُوقَاتِهِ، وَأَمَرَ بِالتَّدَبُّرِ وَالنَّظَرِ في أَرضِهِ وَسَمَاوَاتِهِ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ نِعَمُهُ تَتْرَى، وَفَضْلُهُ لا يُحْصَى، أَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِينَا مُحمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَصْدَقُ العِبَاد للهِ شُكْراً، وأَعظَمُهُم لِرِبِّهِ ذِكْراً، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِه وَالتَّابِعِينَ لهُمْ بِإحْسَانٍ وإيمَانٍ إلى يومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوى فَهِيَ وصيةُ اللهِ للأَوَّلِينَ وَالآخِرِينِ، وَهِيَ مُسْتَمْسَكُ الصَّالِحينَ، وَسَبِيلُ النَّجَاةِ في الدُّنَيا وَيومِ الدِّينِ. مَعَاشِرَ الْمُسلِمينَ:في تَقلُّبِ الزَّمَانِ مُدَّكرٌ، وَفي التَّحَوُّلِ مِنْ شِتَاءٍ إلى صَيفٍ مُحْرِقٍ مَا يُنبِّهُ الْمَتَذَكِّرِينَ, وَيُنِيرُ عُقُولَهُمْ تَفَكُّرًا بِعَظَمَةِ البَارِي وَسَعَةِ سُلْطَانِهِ, ونُفوذِ قُدْرَتِهِ وَمَشيئَتِهِ, وَعُمُومِ عِلْمِهِ وَحِلْمِهِ,وَشُمُولِ مُلْكِهِ وَحِكْمَتِهِ.الْقَائِلِ فِي كِتَابِهِ:(يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ).وَهَذا التَّقَلُّبَ يَسُوقُنَا إلى شُكْرِ اللهِ عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ, فَلَقَدْ نَبَّهَ اللهُ الْمُؤمِنِينَ لِذَلكَ فَقَالَ:(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا). فالْمَسَاكْنُ والْمَسَاجِدُ والْمَرَاكِبُ وَأَمَاكِنُ الْعَمَلِ فِي بَرْدٍ مُعْتَدَلٍ وَتَكْييفٍ لَطِيفٍ فَللهِ الْحَمْدُ والْمِنَّةُ. عِبَادَ اللهِ:نَعيشُ أَيَّامَنَا مَعَ وَاعظِ الصَّيفِ وَخَطِيبِهِ،فَهْل أَصْغَتْ قُلُوبُنَا لِمَوعِظَتِهِ؟وَوَعَينَا دُرُوسَهُ وَحِكَمَهُ؟فَمَنْ مِنَّا لَم يُؤذِهِ حَرُّ الصَّيفِ؟مَنْ مِنَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِمِئاتِ الْبَشَرِ مِمَّنْ أَهْلَكَهُمُ الْحَرُّ وَأَفْنَاهُمْ في دُولٍ غَرْبِيَّةٍ وأُورُوبِّيَّةٍ,مَنْ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرَ حَرائِقَ الْغَابَاتِ التي لَمْ يُسَيْطِرْ عَليهَا الْبَشَرُ؟فأيُّ شيءٍ نَتَعَلَّمُهُ مِن ذَلِكَ؟هَلْ يَكُونُ حَظُّنَا مُتَابَعَةُ الأَخْبَارِ الْمُجَرَّدَةِ؟ كلا فَالْمُؤمِنُ يَتَذَكَّرُ وَيَتَّعِظُ وَيَعْتَبِرُ. رَأَى عُمَرُ بنُ عَبدْ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ قَومًا في جَنَازَةٍ قَدْ تَوَقَّوا مِن حَرِّ الشَّمْسِ إلى الظِّلِّ، فَأَبْكَاهُ الْمَنْظَرُ فَأَنْشَد قَائِلاً:مَنْ كانَ حِينَ تُصيبُ الشَّمْسُ جَبْهتَهُ*أَو الغُبَارُ يخافُ الشَّيْـنَ وَالشَعَثـَا.وَيَأَلَفُ الظِّـــلَّ كَي تَبْقَى بَشَاشَتُهُ*فَسَوفَ يَسْكُنُ يَومـًا رَاغِمًا جَدَثًا. تجهَّـزِي بجَهَــازٍ تَبْلُغِيـنَ بِـِـه*يَا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لم تُخْلَقِي عَبَثَـا.عِبَادَ اللهِ:يَسْاَلُ البَعْضُ مِنْ أَينَ يَأْتي الحَرُّ؟فَقَدْ أَجَابَ عنْ ذَلِكَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمِ كَما في الصَّحِيحَينِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،قَالَ:" قَالَتِ النَّارُ:رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ،فَأْذِنْ لَهَا بِنَفَسَيْنِ،نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ،وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ،أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ، أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ".وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».أَعَرَفْتُمْ يَا رَعَاكُمُ اللهُ أَنَّ مَصْدَرَهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ!أَعَاذَنَا اللهُ جَمِيعًا مِنْهَا.إِذَا حُقَّ لَنَا أَنَّ نُذَكِّرَ بِأَنَّ الصَّيفَ مَوعِظَةٌ، وَأَيُّ مَوعِظَةٍ! مَوعِظَةٌ بِأَنْ نَسْتَعِذَ باللهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَهَّذا مَنْهَجُ رَبِّنَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ يُذَكِّرُنَا بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ وَيُخَوِّفُونَا مِنْ عَذَابِ النَّارِ. التي وَصَفَهَا اللهُ بِقَولِهِ:(إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً(.عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغِلُّ أَيَّ فُرْصَةٍ لِتَذْكِيرِ أَصْحَابِهِ, فَإنْ رَأى غَيمًا ذَكَّرِ بِقَومِ عَادٍ, وَإنْ آنَسَ حَرًّا أَو رَأَى نَارًا عَظِيمَةً ذَكَّرَ فَقَالَ: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ: «فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا». وَإنْ رَأَى مَرِيضٍا بِالْحُمَّى ذَكَّرَ بِفَيْحِ جَهَنَّمَ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ». وَلَمَّا دَخَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ يَزُورُهَا قَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» الأحَادِيثُ رَوَاهَا الإمَامُ مُسْلِمٌ. أَيُّهَا الأَخُ الْمُسْلِمُ: حَقٌّ عَليكَ أَنْ تَسْأَلَ نَفْسَكَ وَأنْتَ تَتَّقِي حَرَّ الدُّنْيَا: كَيفَ تَتَّقِي حَرَّ الآخِرَةِ؟ التي قَالَ اللهُ عَنْهَا:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ). وَإذَا كَانَ حَرُّ الدُّنْيَا مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ فَهُوَ أَيضًا بِسَبَبِ دُنُوَّ الشَّمْسِ نَحْوَ الأَرضِ قَليلاً! فَمَا بَالُكُمْ بِمَشْهَدٍ وَصَفَهُ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ منْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. يَا مُؤمِنُونَ: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، فَهَذِهِ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ لَنَا. وَفَّقَنَا اللهُ جَميعًا للأَعمَالِ الصَّالحةِ وَالأَقْوالِ الطيِّبةِ وَأَعَاذَنَا بِرَحْمَتهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ. أقولُ مَا سَمِعْتُمْ، وأستغفِر الله لي ولَكم ولِسائرِ المسلِمين مِن كلّ ذَنبٍ، فاستَغفِروه إنّه هوَ الغفورُ الرّحيم
الخطبة الثانية
الحمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ:( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) سُبْحَانَهُ وَهُوَ الَّلطِيفُ الْخَبِيرُ, وَأَشْهَدٌ أَنَّ نَبِيَّنا محَمّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إمَامُ الأَنْبِياءِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِه وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وَعَنَّا مَعَهُمْ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ, وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ, فَاليومَ مُهْلَةٌ وَعَمَلٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَلَ، فَاسْتَبِقُوا الخَيرَاتِ، وَتَزَوَّدُا مِنَ الصَّالِحَاتِ فَهِيَ البَاقِيَاتُ.
إخوةَ الإيمان: في تَقَلُّبِ الزَّمَانِ وَتَحوُّلِ الحَالِ فُرْصَةٌ للنَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ وِالاعْتِبَارِ كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ).
العَالَمُ اليومَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ الاحْتِبَاسِ الحرَارِيّ فِي الأَرْضِ، وَيُتَابِعُونَ بِدِقَّةٍ دَرَجَاتِ الْحَرَارَةِ وَيَتَّخِذُونَ كَافَّةَ الْوَسِائلِ والاحْتِيَاطَاتِ, ويَنسَوْنَ أنَّ الأَمرَ كُلَّه للهِ وبيدِ اللهِ يُقلِّبُهَ كَيفَ يَشاءُ، فَعَلى العِبَادِ أَنْ يَعلَمُوا أَنَّ الأَرضَ اليومَ تعُجُّ بالشِّرْكِ والْمعَاصِي, والشُّذُوذِ والسُّفُورِ, وَأَنَّ الظُّلمَ قَد سَامَ الْعِبَادَ، وَكَثُر الهَرْجُ وَالْمَرْجُ، وَاستُهينَ بِالدِّماء، وَاسْتُبِيحَتِ الأَعْرَاضُ، فَعَلى الخَلْقِ أنْ يَعُودوا إلى اللهِ، وَأنْ يَعُودُوا لِمَنْهَجِ اللهِ القَويمِ، وَصِرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ, وَلْيَتَذَكَّرُوا قَولَ اللهَ تَعَالى: ( ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وسُنَّةُ اللهِ على الْعِبَادِ مَاضِيَةٌ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً. فَقَدْ عَذَّبَ اللهُ قَومَ شُعَيبٍ عَليهِ السَّلامُ بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ فَقَدْ أرسَلَ الله إليهم سَمُومًا من جَهنَّمَ، فَأَطَافَ بهم سَبْعَةَ أَيَّامٍ حتى أَنْضَجَهمُ الحرُّ، فحَمِيَت بُيُوتُهُمْ وَغَلَتْ مِيَاهُهُم في الآبَارِ وَالعُيُونِ، فَخَرَجوا مِنْ مَنَازِلهم هَارِبينَ وَالسَّمُومُ يُطَارِدُهُمْ، فَسلَّطَ اللهُ عليهم الشَّمسَ من فَوقِهِمْ وَالرَّمضاءَ مِن تحتِ أَرجُلِهم حتى تَسَاقَطَتْ لحومُ أَرجُلِهم!
أَيُّهَا الْمُؤمنِونُ: أَعْظَمُ ما يُدفَعُ بِهِ العَذَابْ وَتُتقى بِه النَّارْ الاكْثَارُ مِن الحسَنَاتَ وَالتَّخَفُّفُ مِن السَّيئَاتِ، فالمؤمِنونَ فَالْمُوقِنُونَ بوَعدِ اللهِ وَوَعِيدِهِ دَائِمًا خَائِفُونَ مِن عَذَابِ السَّمُومِ، ذَلِكَ لأَنَّ اللهَ مَنَّ عَلَيْهِمْ فَوَقَاهُمْ عَذَابَ السَّمُومِ, (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ).
عِبَادَ اللهِ: أَطْفِئُوا حَرَّ الصَّيفِ بِموَاسَاةِ الْفُقَراء وَالصَّدَقَةِ عَليهِمْ، وَتَواصُوا بِالبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ، وَارْحَمُوا العَمَالَةَ الكَادِحَةِ مِن حَرِّ الظَّهِيرَةِ، فَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا لا يُطِيقُونَ، وَارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ، يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السَّمَاءِ. ولا تَنْسَوا أَنَّ "سَبْعَةً يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ, وَمِنْهُمْ: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ " فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الإمَامُ الأَلبَانِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ قَالَ: حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ يَزِيدُ: فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً وَلَوْ بَصَلَةً.
عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ نَنْعَمُ بِحَمْدِ اللهِ بِبُيُوتٍ وَتَكْيِيفٍ وَتَبْرِيدٍ, وَفِي بُيُوتٍ مَآسٍ لا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تَعَالى أرَامِلَ وَمُطَلَّقَاتٍ, وَعَاطِلُونَ وَمَدْيُونُونَ, قَدْ يُقْطَعُ عَنْهُمُ التَّيَّارُ وَليسَ لَهُمْ بَعْدِ إلا أَنتُمْ. فَهَلاَّ تَفَقَّدْنَا الأَقَارِبَ والْجِيرَانَ والْفُقَرَاءَ والْمُعْوزَينَ, واللهُ فِي عَونِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَونِ أخيهِ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا).
فَالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ, وَارْزُقْنَا إتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَباطِنَا, وَارْزُقْنَا حُسْنَ القَولِ وَالعَمَلِ, الَّلهُمَّ جَمِّلْ بَوَاطِنَنَا بِالإخْلاصِ وَالتَّقْوى. وَظَوَاهِرَنَا بِالطُّهْرِ والنَّظَافَةِ وَالنَّقَاءِ. الَّلهُمَّ اغْفِر لَنَا ولِوالِدِينَا والمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ. الَّلهُمَّ أَدِمْ عَلينَا الأَمْنَ والأَمَانَ وَالإيمَانَ وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحبُّ يَا رَحْمَانُ, وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِخِدْمَةِ دِينِكَ واتِّبَاعِ سُنَّةِ نِبِيِّكَ, وَيَسِّرْ لَهُمُ الهُدَى. الَّلهُمَّ وانْصُرْ جُنُودَنَا واحفظْ بِلادَنَا وَحُدُودَنَا, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عِبَادَ اللهِ أُذْكُروا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.