فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي 7/9/1443هـ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي 7/9/1443ه
ـ
الحمدُ لله مُجيبِ الدَّعواتِ، إليهِ وَحدَهُ تُرفعُ الحَاجَاتِ, أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ربُّ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمُرسَلُ بالبَيِّنَاتِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله الهُدَاةِ، وَأَصْحَابِهِ الثِّقاتِ، والتَّابِعينَ لَهم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمَمَاتِ. أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ, فَتَقْوَى اللهِ أَمَانٌ مِنَ الرَّزايا وَسَلامَةٌ مِن البَلايَا.
أيُّها الصَّائِمونَ: تَقَبَّلَ اللهُ صِيَامَكُمْ وَقِيَامَكُمْ وَسَائِرَ أَعْمَالِكُمْ, في الْجُمُعَةِ الْمَاضِيَةِ كُنَّا نُبَشِّرُ بِقُدُومِ رَمَضَانَ, واليَومَ نُذَكِّرُ بِذَهَابِ رُبُعِهِ فَمَا أَسْرَعَ تَصَرُّمِ أَيَّامِهِ حَقَّاً إنَّهَا أَيَّامٌ مَعْدُودَاتً!
أَتَدْرُونَ يَا كِرَامُ مَا أَعْظَمَ مُبَشِّرٍ لَنَا فِي شَهْرِنَا؟ أَعْظَمُ مُبَشِّرٍ أَنَّنَا نَمْلِكُ فِيهِ بِحَمْدِ اللهِ عِبَادَةً عَظِيمَةً: هِيَ صِلَةٌ بِرَبِّنا, وَأُنْسُ قُلُوبِـَنا, وَسِلاحٌ لَنا فِي شِّدَّتِنَا وَرَخَائِنَا! هَذِهِ العِبَادَةُ لا يَمْلِكُهُا إلَّا أَنْتُم يَا مُؤمِنُونَ, يَقُولُ البَارِي جَلَّ وَعَلا:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). نَعَمْ إنَّهً الدُّعاءُ الذي نجَّى به نوحًا وَمُوسى وَمُحمَّدًا عَليهِم الصَّلاةُ والسَّلامُ! فالدُّعَاءُ دَأَبُ الأَنْبِياءِ عَليهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَمَا حَكَى اللهُ عَنْهُمُ بِقَولِهِ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
وَأَبْشِروا يا مُؤمِنُونَ: فَلَن يَهلِكَ مَعَ الدُّعاءِ أَحَدٌ، فَكَم من بليَّةٍ رَفَعَهَا اللهُ بالدُّعاء! وَكَمْ مِن مَعْصِيَةٍ غَفَرَهَا اللهُ بِالدُّعَاءِ! وَكَمْ مِن نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ كَانَت بِسَبَبِ الدُّعَاءِ! عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو، لَيْسَ بِإِثْمٍ وَلَا بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا "، قَالَ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ». صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
أيُّها الصَّائِمُونَ: ولـَمَّا كان رمضانُ حريًّا أن تُعمَر أوقاتُه بالعبادةِ, فإنَّ الدُّعاءَ أولى العباداتِ بذلِكَ فقد قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(الدُّعاءُ هو العبادةُ) ثمَّ تلا:(وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ).
قَالَ الشَّيخُ ابنُ العثيمينِ رحمه الله: "إنَّ الصِّيامَ مَظِنَّةُ إجابةِ الدُّعاءِ؛ لأنَّ اللهَ ذَكَرَ قَولَهُ تَعَالىَ:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ). فِي آخِرِ آيَاتِ الصِّيَامِ, فَيُسْتَفادُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِي آخِرِ يَومِ الصَّائِمِ، أي: عِنْدَ الإفْطَارِ". وَلا تنسوا أَنَّ لِلصَّائِمِ دَعوَةً لا تُردُّ!
عِبَادَ اللهِ: الدُّعاءُ يَا مُؤمِنُونَ كَرَمُ البَارِي وَإحسَانُهُ, فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الدُّعَاءُ أَكْرَمُ شَيءٍ وَأَحَبُّ شَيءٍ على اللهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(ليسَ شَيءٌ أَكْرَمَ على اللهِ من الدِّعاءِ). أتَدْرِي لِمَاذَا؟ لأنَّكَ تَعْلَمُ أنَّ لَكَ رَبَّاً سَمِيعَاً عَلِيمَاً قَرِيبَاً مُجِيبَاً! صحَّ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنَّه قَالَ:(مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيهِ) (وَأَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عن الدُّعاء).
يَا صَائِمُونَ: لِمَ لا نُكثرُ مِن دُعَاءِ الله؟ وَرِبحُهُ ظَاهرٌ ومَضْمُونٌ! فَمَا أَكرَمَ الخَالِقَ وَأَقرَبَهُ, وَمَا أَغفَلَ العَبدَ وَأَبعَدَهُ! صَحَّ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: (يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعَالى: أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني).فَهَلُمَّ يا عِبَادَ اللهِ إلى الدُّعَاءِ, فَارْفَعُوا لِرَبِّكُمْ جَمِيعَ الحَاجَاتِ، ف:(إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسأَلِ اللهَ يَغضَبْ عَلَيهِ)، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ، فَقَد قالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :(يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ، يَقُولُ: دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي).وَقَدْ أوصَاَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:(اُدعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ).
أَيُّها الصَّائِمُ: أَطِبْ مَطعَمَكَ، واحذَرِ الظُّلمَ, وَتَعَفَّـف عَن الشُّبهاتِ، وقدِّم بين يدي دُعَائِكَ عَمَلاً صَالِحاً, ونادِ ربَّكَ بِقلبٍ حاضِرٍ, وتخيَّرْ من الدُّعَاءِ أَحْسَنَهُ وَأَجمعَهُ، وَتحرَّ مِنَ الأَوقَاتِ أَفْضَلَها، وَمِنْ الأَحْوَالِ أَرْجَاهَا، فَالثُّلثُ الأَخِيرُ مِن اللَّيلِ مَظِنَّةُ الإجَابَةَ, وَعِنْدَ الأَذَانِ، وَبَينَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ؛ وَأَقْربُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ, وَللصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لا تُرَدُّ! وَفِي يَومِ الجُمُعَةِ، (سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصلِّي، يَسْأَلُ اللهَ شَيئًا؛ إلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ).ولْنحرصْ على رَفْع اليَدَينِ أَثْنَاءَ الدُّعاءِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :(إنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحِيي إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إليهِ يَدَيهِ أنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَينِ).
يَا رَبُّ عَفْوُكَ ليس غيرُكَ يُقصدُ*يـا من له كلُّ الخلائِقِ تَصمُدُ. أَبْوَابُ كُلِّ مُمَلَّكٍ قد أوصِدَتْ* ورأيتُ بابَك واسعَاً لا يُوصَدُ. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ/
الحَمْدُ للهِ أَرْشَدَ خَلْقَهُ إلى أَكْمَلِ الآدَابِ، وَفَتَحَ لَهُمْ مِن خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ كُلَّ بَابٍ، أَشْهَدُ أنْ لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، الْمَلِكُ الوَهَّابُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ بُعِثَ بِأَكْمَلِ الآدَابِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى جَمِيعِ الآلِ وَالأصْحَابِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإحْسَانِ إلى يَومِ المَآبِ، أَمَّا بَعْدُ. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَرَاعُوا وَحَافِظُوا عَلَى صِيَامِكُمْ, وَاعْلَمُوا أنَّ لِلصِّيامِ آدَابَاً وَاجِبَةً وَمُسْتَحَبَّةً فَلْنُحَافِظْ عَلَيهَ. فَمن الآدَابِ الوَاجِبةِ أنْ يَقومَ الصائمُ بما أوجبَ اللهُ عليهِ من العِبادَاتِ القَولِيَّةِ وَالفِعْلِيَّةِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا الصَّلاةُ المَفْرُوضَةُ! فَمِنَ الصَّائِمِينَ مَنْ يَتَهَاوَنُ بِصَلاةِ الجُمُعَةِ وَالجَمَاعَةِ! قَدْ يَحْرِصُ عَلى التَّرَاوِيحِ وَيَتَكَاسَلُ عَن الفَرْضِ! مِن إخوانَنا الصائِمِينَ مَن لا يَتَوَرَّعُ عَن فِعلِ الحرَامِ أَو قَول الحَرَامِ وَيَنْسَى أنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: (مَن لَم يَدَعْ قَولَ الزُّورَ وَالعَمَلَ بِهِ فَليسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ).وَمِن الآدَابِ المُستَحَبَّةِ أَكْلُ السُّحُورِ وَهُوَ الأَكْلُ فِي آخِرِ الَّليلِ وَفَرْقٌ بَينَهُ وبَينَ العَشَاءِ المُتَأخِّرِ فلا يُسَمَّى سَحُورَاً إلا مَا كَانَ قُبَيلَ طُلُوعِ الفَجْرِ, وَقَد أَمَرَ بِهِ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:(تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ). وَأَثْنَى عَلى السُّحُورِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ:(نِعمَ سُحُورِ المُؤمِنِ التَّمْرُ). وَينْبِغي لِلمُتَسَحِّرِ أنْ يَنوِيَ بِسُحورِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ النَّبِيِّ وَالاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَيَا صَائِمُونَ (السُّحُورُ كُلُّهُ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلو أنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُم جُرْعَةً مِن مَاءٍ فَإنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِينِ).وَمِن الآدَابِ الْمُستَحَبَّةِ تَعجِيلُ الفُطُورِ إذَا تَحَقَّقَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ قَالَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ:(لا يَزالُ النَّاسُ بِخَيرِ مَا عَجَّلُوا الفِطْر). وَالسُّنًّةُ أنْ يُفطِرَ عَلَى رُطَبٍ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ فَتَمْرٌ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ فَمَاءٌ، وَيُسَنُّ أنْ يَدْعُوَ عِنْدَ فِطْرِهِ بِمَا أَحَبَّ،(فَإنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعوةٌ مَا تُرَدُّ (فَاللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا, اللهم أغننا بالعلم وزيِّنا بالحلم وأكرمنا بالتقوى، وطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، اللهم ثبتنا بِالقَولِ الثَّابِتِ, اللهم كُنْ لإخْوَانِنا المُسلِمينَ ولا تَكُنْ عليهم, وانصُرهم ولا تَنْصُرْ عَلَيهم، اللَّهُمَّ احفظ حُدُودَنا وانْصُرْ جُنُودَنا وتَقَبَّلهم في الصَّالِحينَ, وَوَفِّقْ ولاةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَترضى وَأعنْهُم على البرِّ والتَّقوى, ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.