اللهُ تَعَالى فَضَّلَ بَعْضَنَا على بَعْضٍ في الرِّزْقِ 20/5/1443هـ
اللهُ تَعَالى فَضَّلَ بَعْضَنَا على بَعْضٍ في الرِّزْقِ 20/5/1443هـ
الحمْدُ للهِ عَظِيمِ الفَضْلِ وَالكَرَمِ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ذُو الجُودِ وَالنِّعَم، وَأَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، سيِّدُ الكُرَمَاءِ، وَأَنْبَلُ الشُّرَفَاءِ، صلَّى الله وسلَّم وَباركَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ الأَوفِيَاءِ, وَمَن تَبِعَهُم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ البَعْثِ والجَزَاءِ.
أمَّا بَعْدُ: فَيا مُسلِمُونَ: اتَّقوا اللهَ تَعَالى؛ فَقد نَجَا مَن اتَّقَى، وَضَلَّ مَنْ قَادَهُ الشِّيطَانُ والهوَى.
عبادَ الله: لقد حَبَانَا اللهُ تَعَالى مِنَ الخَيرَاتِ وَالنِّعَمِ، ما لَمْ تَكُن لِغَيرنَا, فَقَدْ أَطعَمَنا مِن جُوعٍ وَأَمَّنَنا مِن خَوفٍ، وَوَسَّعَ عَلَينا في أرْزَاقِنَا، فَلَهُ الشُّكرُ، وَنَسأَلُهُ المَزيدَ مِن فَضلِهِ وَإنعَامِهِ. وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ .نَعمْ كُلُّ النِّعَمِ مِنَ اللهِ وَحَدْهُ.
أيُّها المُسلِمُونَ: لَقَد تَعَلَّقَ كَثِيرٌ مِنَّا بالأَسبَابِ المَادِيَّةِ والتَّحَالِيل الاقْتِصَادِيَّةِ المُجَرَّدَةِ, حتَّى سَيْطَرَتْ عَلَينَا الهُمُومُ, وَأَصَابَنَا الرُّعْبُ والوهَنُ.
إخواني: مِنْ المُؤسِفِ الغَفْلَةُ عن النِّعَمِ التي نحنُ فيها, وَعَدَمُ تَقييدِها بِشُكرِ الوَاهِبِ سُبحانَهُ القَائِلُ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ .
ألا وإنَّ مِن مَظَاهِرِ كُفْرِ النِّعمَةِ, الحَسَدُ وَضَعْفُ اليَقِينِ, وَقِلَّةُ التَّوَكُّلِ على اللهِ تَعَالى، مُتَنَاسِينَ أَنَّ فَضلَ اللهِ وَاسِعٌ وَخَيرَهُ عَمِيمٌ، وَأنَّهُ لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ فَضَّل بَعْضَنَا على بَعْضٍ في الرِّزْقِ. فَمَهْمَا عَمِلْتَ فَلَنْ تَأخُذَ مَالَمْ يُكْتَبُ لَكَ! وَلَنْ تَرُدَّ رِزْقَاً سَاقَهُ اللهُ لِأَحَدٍ. فَهَوِّنْ على نَفْسِكَ واسْتَمْعْ لِقَولِ رَبِّكَ: أَوَلم يَرَوا أَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقدِرُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ .فلا إلهَ إلَّا اللهُ لا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ ولا مَانِعَ لما أَعطَى.
أيُّها الأخُ الْمُؤمِنُ: ثِقْ أَنَّكَ لَنْ تَنَالَ فَوقَ مَا قُدِّرَ لَكَ, وَلَنْ يَزِيدَ في رِزقِكَ حِرصُكَ وَلا حَسَدُكَ لأَخِيكَ، فَاحذَرْ إنَّهَا وَسَاوِسٌ شَيطَانِيَّةٌ, يَزرَعُها الشَّيطَانُ في قُلُوبِ مَن ضَعُفَ بِاللهِ إِيمَانُهُم، وَقَلَّت بِاللهِ ثِقَتُهُم. فَمَا أَجملَ أَن نَتَحَلَّى بِالقَنَاعَةِ وَسَمَاحَةِ النَّفْسِ، فَنَطلُبُ الرِّزقَ مِن وَاهِبِهِ وَنَسأَلُهُ مِن فَضلِهِ العَمِيمِ، أنَسِينَا أَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ، وَأَنَّ خَزَائِنَهُ مَلأى لا تَغِيضُ؟ فَسُبحَانَ اللهِ القَائِلَ: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ» رَواهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ» رَواهُ البُخَارِيُّ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ.
فَعَلامَ التَّسَخُّطُ وَالتَّحَاسُدُ والنَّظَرُ إلى مَا في أَيْدِي النَّاسِ؟ أَمَا آنَ لِلقُلُوبِ أَن تَرضَى بِمَا قَسَمَ لها عِلاَّمُ الغُيُوبِ؟ أَمَا آنَ لِلنُّفُوسِ أَن تَقنَعَ بما آتَاهَا الكَرِيمُ المَنَّانُ؟ أَلا يحسُنُ بِكُلٍّ مِنَّا أَن يَسعَى في طَلَبِ رِزقِهِ وَتَدبِيرِ شُؤُونِهِ بَعِيدًا عَنِ الاشتِغَالِ بالآخَرِينَ؟! فامْشُوا في مَنَاكِبِ الأَرضِ وَكُلُوا مِن رِزْقِ اللهِ وإليهِ النُّشُورُ. فَالَّلهُمَّ لا تَجَعَلِ الدُّنيا أكبَر هَمِّنا ولا مَبْلَغَ عِلْمِنا ولا إلى النَّارِ مَصِيرَنَا. وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا .وأستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وللمُسْلِمينَ فاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، مَا أَنْزَلَ دَاءً وَبَلاءً، إلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً وَعَافِيَةً، أَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، خَلَقَنَا وَهَدَانَا وَأَعْطَانَا، وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الكَرِيمُ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأتَبَاعهِ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ، وَاقنَعُوا بِمَا حَبَاكُمْ, وَطَهِّرُوهَا أَنفُسَكُمْ مِن الشُّحِّ وَحُبِّ الذَّاتِ.
عِبَادَ اللهِ: يَكْثُرُ عِندَ ضِعَافِ النُّفُوسِ, وَأَهْلِ الشُّحِّ وَالطَّمَعِ, البُخْلُ والتَّقْصِيرُ على الأَهْلِ وَالأَولادِ, بِحُجَجٍ وَاهِيَةٍ! فَمَا أَشْقَى هذا الصِّنْفَ وَأَخْزَاهُ، فَقَدْ قَتَّرَ عَلى القَرِيبِ، وَحَرَمَ أَهلُهُ الْعَيَشَ الْرَّغِيدَ! فَأَينَ هذا الصِّنْفُ مِن قَولِ نَبِيِّنا وَحَبِيبِنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «خَيرُكُمْ خَيرُكُم لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُمْ لِأَهْلِي» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
عِبَادَ اللهِ: هَلْ هُنَاكَ أَبْغَضُ فِي قُلُوبِ أولادِهِ مِنْهُ؟ حَقَّاً لَقَدْ بَاعَ سَعَادَتَهُ، وَخَسِرَ أَبْنَاءَهُ، وَأَسْخَطَ رَبَّهُ، ألا يَعْلَمُ ذَاكَ الْمَحْرُومُ أَنَّ أَعْظَمَ دِينَارٍ هُوَ مَا أَنْفَقْهُ عَلَى أَهْلِهِ, كَمَا قَالَهُ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ! وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» رَواهُ مُسْلِمٌ.
أيُّها المُسلِمُونَ: مَنْ عمَّ أَهْلَهُ خَيرُهُ، وَوَسِعَهُم بِرُّه، وَبَسَطَ لَهُم وَجَهَهُ، فَذَلِكَ الشَّهْمُ الوَفِيُّ، وَالمُعاشِرُ السَّخِيُّ، وَمَنْ قَصَّرَ وَبَخِلَ فَذَاكَ الشَّقِيُّ, وَسَبَبُ التَّبَاعُدِ والنُّفُورِ، وَخَرابُ الأُسَرِ وَالدُّورِ.
عِبَادَ اللهِ: اجْعَلُوا دَائِمًا نُصْبَ أعيُنِكُمْ قَولَ اللهِ تَعَالى:(وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ). وَتَصَوَّرُوا قَولَ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ» رَواهُ البُخَارِيُّ. قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: " إنَّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الذِي لَيْسَ فِيهِ إحْسَانٌ، أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا". اهـ. نَسألُ اللهَ أنْ يُعيذَنَا مِن البُخْلِ وَالطَّمَعِ، وَالجَشَعِ وَالهَلَعِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِن المُنْفِقِينَ في سَبِيلِهِ، ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا على الشَّافِعِ الأَمِينِ, فَمَنْ صَلَّى عَلَيهِ صَلاةً وَاحِدَةً صلَّى اللهُ عَليهِ بِهَا عَشْرًا.
لِلْخَلْقِ أُرسِلَ رَحْمَةً وَرَحِيمًا***صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا,
فَالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ, وعلى جَمِيعِ الآلِ والأصحَابِ وَتَابعِيهم بِإحسَانٍ إلى يومِ المآبِ. اللهمَّ لا تَجعل الدُّنيا أَكبرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمِنَا، ولا تَجعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، اللهمَّ اجعلنا مِمَّن بَرَّ واتَّقى، وَصَدَّق بالحًسنى، اللهمَّ اجعلنا مَمَّن يَتَذكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكرى, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ وَحُسنَ عِبَادَتِكَ، نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ, وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأَمنِ والإيمانِ, أصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم. اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ. ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .