﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ 14/4/1443ه ـ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُحسِنِ الكَرِيمِ, ذي الفضْلِ العَظِيمِ, والْخيرِ العَمِيمِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ شَرَعَ لنا الفَضَائِلَ لِيُصْلِحَ بِهَا الْعِبَادَ، وَيَدُلَّنَا عَلَى النَّجَاةِ يَوْمَ الْمَعَادِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّكُمْ تُعَامِلُونَ رَبًّا كَرِيمًا، يَجْزِي جَزَاءً عَظِيمًا عَلَى أَيِّ عَمَلٍ مِنْكُم ولو كَانَ عَمَلاً قَلِيلاً. عِبَادَ اللهِ: مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلينَا أَنَّهُ يُعَامِلُنَا بِرَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ؛ فَخَزَائِنُهُ سُبْحَانَهُ لَا تَنْفَدُ، وَعَطَاؤُهُ لَا يَنْقَطِعُ؛ فَقَدْ بَشَّرَنَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ»، فَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى مُعَامَلَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِالْفَضْلِ وَالْجُودِ تَأَمَّلُوا: أَجْرُ الصَّلَاةِ فَقَدْ قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَدا إلى الْمَسجِدِ أَو رَاحَ أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الْجَنَّةِ نُزلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ». وَأَجْرُ الزَّكَاةِ قَدْ كَتَبَ اللهُ رَحْمَتَهُ: (لِلَّذينَ يَتَّقونَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَالَّذينَ هُم بِآياتِنا يُؤمِنونَ). و (صَنائِعُ المَعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، وصَدَقةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غضَبَ الرَّبِّ) وَ (مَنْ نَفَّسَ عنْ أَخِيهِ كُربةً من كُرَبِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ). أَمَّا أَجْرُ الصَّائِمِينَ فَقَدْ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ بَابًا فِي الجَنَّة يُقَالُ لَهُ: بَابُ الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، والحجُّ الْمَبْرُورُ ليسَ لَهُ جَزَاءٌ إلا الجَنَّةُ! وَغَيْرِها مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي أُجُورُهَا أَعْظَمُ مِنْ كُلْفَتِهَا بِكَثِيرٍ. فَالْحَمْدُ للهِ فَ: (اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ). عِبَادَ اللهِ: كُلُّكُمْ يَعْلَمُ أَنَّ أَعْظَمَ عَمَلٍ وَتَضْحِيَةٍ أَنْ يُقَدِّمَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ للهِ تَعَالى بِأَنْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِهِ. أَتَدْرُونَ يَا مُؤمِنُونَ: أَنَّ هَذَا الْمَقْتُولَ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ قد قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ لِمَا يَرى مِنْ كَرَامَاتِ اللهِ لَهُ، لِذا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. بلُ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ عَلينَا أَنَّ: «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. عِبَادَ اللهِ: وَيَظْهَرُ فَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَينَا فِي كَثِيرٍ مِنَ عِبَادَاتِنا؛ فَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مَعَ أَنَّهُ فَاتَهُ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْجَمَاعَةِ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ؛ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُنا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَالَّلهُمَّ يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ عَامِلْنَا بِما أَنتَ أهْلُهُ أَنتَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ. أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ولِلمُؤمِنِينَ والْمُؤمِنَاتِ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. الخطبة الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ مُعَامَلَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِالْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالْكَرَمِ أَنَّ الْعَامِلَ يُؤْجَرُ بِنِيَّتِهِ إِذَا مَنَعَهُ الْعُذْرُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَإِذَا دَعَا الْعَبْدُ لِأَخِيهِ جُوزِيَ بِدُعَاءِ الْمَلَكِ لَهُ، وَذَلِكَ أَحْرَى بِالْإِجَابَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمِنْ مُعَامَلَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِالْفَضْلِ: أَنَّ مَنْ نَصَرَ دِينَهُ كَتَبَ لَهُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِ، مَعَ مَا يَكْتُبُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَرَادَ الْخَيْرَ أَعَانَهُ اللهُ، يَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ» رَوَاهَا البُخَارِيُّ. وَمَنْ أَحْسَنَ إلى الْمُؤْمِنِينَ، أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِمِثْلِهِ، بَلْ بِأَعْظَمَ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ وَلِذَا قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: وَمِنْ مُعَامَلَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِالْفَضْلِ: أَنَّهُ إِذَا أَصَابَهُمْ بِمُصِيبَةٍ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الصَّبْرَ وَالْمَعُونَةَ، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ والْمَثُوبَةِ؛ قَالَ اللهُ تَعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾. فَمَصِيبَةُ تَأَخُّرِ الأَمْطَارِ وَغَورِ الآبَارِ وَغَلاءِ الأَسْعَارِ، يَعْقُبُهَا فَرَجٌ مِنْ العَزِيزِ الغَفَّارِ، فَاللهُ تَعَالى لا يُعَامِلُنَا بِالمِثْلِ مِن أَعْمَالِناَ فَهُو أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ. فَمَا حَرَمَنَا إِلَّا لِيُعْطِيَنَا، وَلَا أَمْرَضَنَا إِلَّا لِيَشْفِيَنا، وَلَا أَفْقَرَنا إِلَّا لِيُغْنِيَنَا مِنْ فَضْلِهِ! فَثِقُوا بِاللهِ الكَرِيمِ، وَارفَعُوا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ إليهِ إلى اللهِ وادْعُوهُ وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا». «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ». «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ». «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَق». ربَّنا ظَلمْنَا أَنفُسَنا، وإنْ لَم تَغفِرْ لَنا وَتَرْحمْنا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرينَ. ربَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً، وفي الآخرةِ حَسَنَةً، وقِنا عَذابَ النَّارِ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.