خُطُورَةُ العَضْلِ, والدَّعَاوى الكَيدِيَّةِ 2/5/ 1442هـ
خُطُورَةُ العَضْلِ, والدَّعَاوى الكَيدِيَّةِ 2/5/ 1442هـ
الحَمدُ لِلهِ جَعَلَ لَنَا مِّنْ أَنفُسِنَا أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَنَا بَنِينَ وَحَفَدَةً, أَشْهَدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا, الرَّحمَةُ المُهدَاةُ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ, وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ إلى يومِ النَّجَاةِ. أمَّا بعدُ. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
عِبَادَ اللهِ: مِنْ نِعمَةِ اللهِ تَعالى بالإسْلامِ مَعَ المَرْأَةِ خَاصَّةً أنْ أَنَارَ عُقُولَنا بِشَرْيعةٍ مُحْكَمَةٍ، أَعْطَى فِيهَا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. أَمَّا أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى فَكَانَت المَرْأَةُ عِنْدَهُمْ تُملَكُ وَلا تَمْلِكُ، وَتُورَثُ وَلا تَرِثُ، أَمَّا عَنْ زِوَاجِها فَحَدِّثْ وَلا كَرَامَةَ، فَهِيَ تُزوَّجُ مَنْ لا تَرْتَضِيهِ، فَتَارَةً شِغَارًا, وأُخرى بَدَلاً, إِذا غَضِبَ عَليهَا زَوْجُهَا طَلَقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا، بِلا عَدَدٍ وَلا عِدَدٍ وَلا حَدٍّ، أَو يَتْرُكَهَا مُعَلَّقَةً! فَجَاءَ دِينُ اللهِ تَعَالى, فَأَوقَفَ مَهَازِلَ الظُّلْمِ وَالبَغِي! وَنَادَى جِبْرِيلُ الأَمِينُ بَعْدَ آيَاتِ الطِّلقِ بِقَولِ اللهِ تَعَالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
عِبَادَ اللهِ: وَأَعظَمُ حُقُوقٍ بُيِّنَتْ, وَمَوَاثِيقُ أُغلِظَتْ إنَّمَا هِيَ لِلْمَرْأَةِ في الإسلامِ! وَلْتَعْلَمُوا أَنَّهُ كُلَّمَا جَاءَ حَدِيثٌ عَن الرِّجَالِ, أَتْبَعَهُ اللهُ بِالنِّساءِ! وَاللهُ تَعَالى لا يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ! وَقَالَ تَعَالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ).
فَالمَرْأَةُ عِنْدَنَا كَيَانٌ مٌحتَرَمٌ، مَحْفُوظَةٌ كَرَامَتُها، أُمًّا كَانَتْ وَبِنْتًا, وَزَوْجَةً وَأُخْتًا، فَحَقُّهَا المُعَاشَرَةُ بِالمَعْرُوفِ، وَالصَّبْرُ عَلى السَّيِّئِ مِنْ أَخْلاقِهَا! حَقَّاً: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِلْمَعْرُوفِ).
عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ هَذهِ التَّوجِيهاتِ الأكِيدَةِ, إلاَّ أَنَّ أُنَاسًا حَادُوا عن الإيمانِ, وَسَلَكُوا البَغيَ والعُدْوانَ, قَادَهُمْ طَمَعٌ أَعْمَى, وَتَصَرُّفَاتٌ خَرْقَاءُ! أتَدْرُونَ أيُّها الشُّرَفاءُ, مَنْ هَؤلاءِ الِّلئَامِ؟ إنَّهُمْ قُسَاةٌ عَضَلُوا نِسَاءَهُم! وَعَضَلُ المَرْأَةِ مَعْنَاهُ: حَبَسُهَا، وَمَنَعُهَا مِنْ الزِّوَاجِ بِكُفْئِهَا!
مَعَاشِرَ المُسلِمينَ: لِلعَضْلِ صُوَرٌ وَأَحوَالٌ! فَمِنْها مَا ذَكَرَهُ اللهُ بِقَولِهِ: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوجَهُنَّ إِذَا تَرضَوْاْ بَيْنَهُم بِلْمَعْرُوفِ). مَفادُ الآيَةِ: أَنَّ المُطَلَّقَةَ دُونَ الثَّلاثِ إِذَا أَرَادَ زَوجُها أَنْ يَنْكِحَهَا، وَرَضِيتْ بِذَلِكَ، فَلا يَجُوزُ لِوَلِيِّها، أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّزْوِيجِ بِهِ حَنَقًا عَلَيه, أَو بِدَعْوى جَرْحِ كَرَامَتِنا فَاللهُ:(يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
وَمِنْ صُوَرِ العَضْلِ مَا ذكَرَهُ اللهُ بِقَولِهِ: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ). قَدْ أُنْزِلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلا يَتَزَوُّجَهَا وَلا يُزَوِّجُهَا رَغْبَةً بِمَالِهَا وَمَا قَدْ يُصْرَفُ لَهَا! وَمِنْ أَخَسِّ أنوَاعِ العَضْلِ مَا يُمَارِسُهُ بَعْضُ الأنْذالِ مِن التِّضْيِيقِ على زَوْجَتِهِ فَيُسِيءُ عِشْرَتَها، وَيَمْنَعُها مِن حَقِّها! لأجْلِ أَنْ تَفْدِيَ نَفْسَها بِمُخَالَعَةٍ, أو تَنَازُلٍ, لِذا حَذَرَ اللهُ مِن ذَلِكَ فَقَال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ). بِهَذا العَضْلِ الَّلئِيمِ, يَستَرْجِعُ اللُّؤَمَاءُ مَا دَفَعُوهُ، وَرُبَّمَا اسْتَرَدُّوا أَكَثرَ مِمَّا دَفَعُوهُ، فاللهُمَّ اكْفِنَا شَرَّ أَنفُسِنَا والشَّيطَانِ, وَأَستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ ولِلمُسلِمِينَ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطبَةُ الثانية:
الحَمدُ لِله حَمْدَ مَنْ خَافَهُ وَاتَّقَاهُ، وَأَشهَدُ ألاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اهْتَدَى بِهُدَاَهُ. أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم عَلى رَبِّكُم مَوقُوفُونُ، وَبِأَعْمَالِكُم مَجْزِيُّون،
أيُّها المُؤمِنُونَ: إنَّ أَقْسَى أنْوَعَ الظُّلْمِ هُوَ القَضَاءُ على طُمُوحِ فَتَاةٍ تَحْلُمُ بِبيْتٍ وَطِفْلٍ وَزَوْجٍ يَرْعَاهَا! وَمَا ذاكَ إلاَّ بِسَبَبٍ وَليٍّ ظَالِمٍ طَامِعٍ فِي مَالِها وَرَاتِبِهَا أو خِدْمَتِها! أَلَمْ يَسْمَعُوا تَحْذِيراتِ نِبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ".
ألمْ تَسْمَعوا للفَتَاةِ التي نَادَتْ أَبَاهَا عِنْدَ مَوتِها بَعْدَ حِرْمَانِها: حَرَمَكَ اللهُ الجَنَّةَ كَمَا حَرَمْتَنِي مِن السَّعَادَةِ! ألَمْ يَسْمَعُوا شَكْوى مَنْ كَتَبَتْ:
يَا وَالِدِي لا تَحْـِرمَنَّ شَـِبيبَتِي * فَلَقَدْ مَضَى عُمْرٌ مِنْ الأَحْزَانِ.
لَمَّا أَرَى الأَطْفَالَ تَذْرُفُ دَمْعَتِي* وَيَئِنُّ قَلْبِي مِـْن لَظَى الحِرْمَانِ.
إنْ كُنْتَ تَبْغِي رَاتِبِي وَوَظِيفَتِي* فَخُذِ الذي تَبْـغِي بـِلا أَثْمَانِ.
أَبَتَاهُ حَسْبُكَ لا تُضِعْ مُستَقْبَلِي* أوَ مَا كَفَى مَا ضَاعَ مِنْ أَزْمَانِ.
يَومَ القِيَامَةِ نَلْتَـِقي ِلِحِسَابِنَا * عِنـدَ الإلَـِه الـوَاحِدِ الدَّيَّـانِ.
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ دَأَبَ بَعْضُ مَرْضَى القُلُوبِ عَلى الدَّعَاوى والشَّكَاوى الكَيدِيَّةِ, أَذَيَّةً لِلعِبَادِ وَإشْغَالاً لِلعامِلينَ! وَمَا عَلِمُوا أَنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ, وَأَنَّ مَنْ يُؤذِ مُؤمِنَاً فَقَدْ احْتَمَلَ بُهْتَانَاً عَظِيمًا. وَفي صَحيحِ البُخَاريِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ). وَمِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِ أَنَّهُ: إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. فَكَيفَ إذَا كَانَتْ هذِهِ الدَّعَاوى الكَيدِيَّةِ بَينَ مَنْ أَفْضَى بَعضُهُمْ إلى بَعْضٍ, وَأخَذُوا مِيثَاقَاً غَليظًا!
فاللهُمَّ أغنِنَا وَإيَّاهُم بِحلالِكَ عن حَرامِكَ, وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ. أعنَّا جَمِيعَاً على أَدَاءِ الأمَانَةِ, وَوفِقّْنا لحُسْنِ القِوَامَةِ والرِّعايَةِ. الَّلهُمَّ أَصلِح شَبَابَ الإسلامِ وَنِسَاءهُم, جَنِّبْهُمُ الفَوَاحِشَ وَالفِتَنَ مَا ظَهَر مِنْها وما بَطَنَ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عبادَ الله: اذكروا اللهَ يذكُركم واشكروه على عمومِ نعمه يَزِدْكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.