هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ١٤٤٢/٤/١٢هـ
هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ١٤٤٢/٤/١٢هـ
الحمدُ للهِ العَلِيِّ الأَعلى، أَشهدُ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى, وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُه, أَخشى النَّاسِ لِلهِ وَأَتْقَى، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ, وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِه، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وَإيمانٍ. أمَّا بَعدُ: فَيَا عِبادَ اللهِ أُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ, فَلنُصْلِحْ بَوَاطِنَنَا, كَمَا عِنَايَتُنَا بِظَوَاهِرِنَا! فإنَّ رَسُولَنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ
إخوَةَ الإيمَانِ، لَقَدْ حَذَّرَ القُرَآنُ مِنْ فِئَةٍ فَضَحَهُمُ اللهُ فَضْحَاً عَظِيمَاً, وَوَصَفَهُمْ وَصْفِاً دَقِيقَاً! لِنَحْذَرَ صَنِيعَهُم، وَلِنَتَّقِيَ شَرَّهُمْ، فِئَةٌ انْدَسَّتْ قَدِيمًا، وَلا تَزَالُ حَدِيثًا:(هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). اشْتَدَّ خَوفُ نَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ خِدَاعِهِمْ فَقَالَ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ". صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ.
أَيُّها المُسلمونَ: الحَديثُ عن المُنَافِقينَ لا يَنْتَهي، كَيفَ قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "كَادَ القُرآنُ أنْ يَكُونَ كُلُّهُ فِي شَأْنِهِم". لِذا جَعَلَ اللهُ عُقُوبَتَهُم أنَّهُم: (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا). عِبادَ اللهِ: إنَّهُمْ حَفْنَةٌ لا يُدْرِكُ خَطَرَهُم إلَّا القَلِيلُ مِنَّا! وَلا يَتَصَدَّى لِحَرْبِهِمْ إلَّا مَنْ جَمَعَ بَينَ الوَعْيِ الكَامِلِ وَالإيمَانِ القَوِيِّ، فَقَدْ انْخَدَعَ بَعْضُنَا بِوُعُودِهُمُ الكَاذِبَةُ، وَاغْتَرُّوا بِدِعَايَاتِهِمُ الجَوْفَاءُ الخَاطِئَةُ! فَيا وَيْحَ المُنَافِقِينَ! يَظُنُّونَ أَنَّهُم يُخَادِعُونَ اللهَ وَالذين آمَنُوا، وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسَهم وَمَا يَشْعُرُونَ، وَخَابُوا وَخَسِرُوا وإنْ زَعَمُوا أنَّهُمْ مُصْلِحُونَ:(أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ).لَقَدْ صَدَقَ وَصْفُ نَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ, وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ, وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ, وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أتَعْلَمُونَ: أنَّهُم لَمْ يَرْتَضُوا الإسْلامَ دِينَاً وَلا الكُفْرَ الصَّرِيحَ مَبْدَأً، فَكَانُوا مُذَبْذَبِينَ! غَيرَ أَنَّهُم يُبغِضُونَ المُؤمِنِينَ وَيَتَوَلَّونَ الكَافِرينَ، يَأَخُذُونَ مِن الدِّينِ مَا رَاقَ لِشَهَوَاتِهِمْ! (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا).
عِبَادَ اللهِ: مِنْ صِفَاتِهِمْ: أَنَّهم يَقُولُونَ مَالا يَفْعَلُونَ، كَلامُهُمْ مَعْسُولٌ بَينَمَا يُضْمِرونَ الحِقْدَ الدَّفِينَ! لا يَعتَرِفُونَ بِقِيَمٍ نَبِيلَةٍ، إنَّما مَصَالِحُهُمْ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ! نَعَمْ مَصَالِحُهُمْ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ!
إي واللهِ: ألْسِنَتُهُمْ بَذِيئَةٌ, وَأَيدِيَهُمْ طَوِيلَةٌ, وَقُلُوبَهُمْ خَواءٌ! يَخدِمُونَ الكُفَّارَ, وَيَتَعَاقَدُونَ مَعَهُمْ فِي العَلَنِ والخَفاءِ, لَقَدْ قُلْتَ يَا رَبَّنَا قَولاً كَرِيماً:(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ).فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا صَادِقًا, وَلِسَانَاً ذَاكِرَاً, وَعَملاً مُتَقَبَّلاً, وَشَرَفَاً وَكَرَامَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَأستَغْفِرُ اللهَ فاستَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية: الحَمدُ للهِ, وَأَشهَدُ أَلَّا إِلَهَ إلَّا اللهُ, وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَاركَ عليهِ وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ والتَّابِعينَ وَمَنْ تَبِعَهُ بإحسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أمَّا بَعَدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
عِبَادَ اللهِ: لَمَّا فَضَحَ اللهُ حَالَ المُنافِقِينَ بَيَّنَ أنَّهُم الَكَاذِبُونَ, وأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ, وَلَا يَعْقِلُونَ! وَفِي الأَزَمَاتِ تَتَمايَزُ الصُّفُوفُ, ويُخْرِجُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِ المُنَافِقِينَ مِنْ أَحْقَادٍ! عَجِيبٌ حَالُهُمْ! لَقَدْ جُنَّ جُنُونُهُمْ لأَنَّ دِينَ اللهِ يَعْلُو وَيَنْتَشِرُ! ثِقُوا بِاللهِ أَنَّهُمْ مَهْمَا كَادُوا وَمَكَرُوا فَلَنْ يَضُرُّوا دِينَ اللهِ أبَدَاً, وَلَنْ يَزَعْزِعُوا ثِقَةَ المُسلِمينَ بِدِينِهِمْ وَمَبَادِئِهِمْ وَقِيَمِهِمْ, فَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ " صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ.
أيُّها المُؤمِنُونَ: فَكَيفَ إذَا كَانَ مَكْرُ المُنَافِقِينَ يَسْتَهدِفُ بِلادِ الحَرَمينِ الشَّرِيفَينِ, مَعْقِلِ التَّوحِيدِ, وَمَأرِزِ الإيمانِ, فَالمُنَافِقُونَ يُخطِئُونَ في التَّقْدِيرَاتِ كَثِيرًا على هذِهِ البلادِ، لِأَنَّ اللهَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِهم وَعَلى سَمْعِهِم، وَجَعَلَ عَلى أبْصَارِهِم غِشَاوَةً.
إخْوانِي: لا تَنْزَعِجوا مِنْهُمْ كَثِيرَاً فَهُمْ يَظُنُّونَ أنَّ أمْرَ الدِّينِ مَرْبُوطٌ بِأشْخَاصٍ أو دُولٍ أو جَمَاعَاتٍ؟ كلا وَربِّي فَدِينُ اللهِ مَنْصُورٌ, وَعَدُوُّهُ مَقْهُورٌ وَمَغْلُوبٌ وَمَخْذُولٌ! وَلَو كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِأحَدٍ لَزَالَ بِزَوالِ مُحَمَّدٍ خَيرِ البَشَرِ! كَفَى اللهُ المُسْلِمِينَ شُرَّ المُنَافِقِينَ وَكَيدَهُمْ, وَمَلاءَ اللهُ قُبُورَهُم وَبُيُوتَهُم نَارًا. فَاللهمَّ اهدنا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى, وزيِّنا بِزِينَةِ الإيمانِ والتَّقوى, واجعلنا هداةً مُهتَدِينَ غَيرَ ضَالِينَ ولا مُضلينَ. اللهمَّ وفِّق وُلاةَ أُمورِنا لِمَا تُحبُّ وَتَرضى وأَعنهُم على البِرِّ والتَّقوى, وأصلح لهم البِطانَةِ ووفِّقهم وأعنهم على أداء الأمانةِ, اللهمَّ ادفع عنَّا الغَلا والوَبَاء والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمحنِ عن بلدِنا خاصَّةً وعن بلادِ المُسلمينَ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.