تَوحِيدٌ خَالِصٌ وَبَلَدٌ آمِنٌ بِإذْنِ اللهِ تَعَالى 1/2/1442هـ الحمدُ للهِ أَكْرَمَنَا بِالإيمانِ, وَأَدَامَ عَلينَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ, أَشهد ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحَدَهُ لا شَريكَ لَهُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ, وَأَشهد أنَّ مُحمَّداً عبدُ الله وَرَسُولُهُ خَيرُ الأنَامِ, صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ والتَّابِعينَ لَهُمْ بإحسانٍ. أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوى, وتَمَسَّكُوا بالعُرْوَةِ الوُثْقى. أيُّها المؤمنُ: هَنِيئَاً لكَ هذا الوصفُ والعُنوانُ! أنتَ مَنْ يُنادِيكَ الرَّبُّ بِقَولِهِ:(يا أيها الذين آمنوا). أنتَ مَن نَطَقْتَ بِشهادَةِ ألا إله إلا اللهُ, وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ, قُلتَ ذَلكَ بِلِسَانِكَ واعتقدتَهُ بقلبك وأخلصتَ فيه للهِ! أنت مَنْ يَستَغْفِرُ لكَ المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ, وَالأنبياءُ المكرَّمُونَ:(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ). أَتَدْرِي لِمَا؟ لأنَّكَ مَحبُوبٌ عندَ اللهِ وعند عبادِهِ, يقولُ اللهُ تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا). فَبِإيمَانِكَ بِاللهِ وَعَمَلِكَ الصَّالحَ حُزتَ هذا الشرفَ, فَاعْرِفْ لهذا الوَصْفِ قَدْرَهُ, وَتَأمَّلْ قَولَهُ تَعالى:(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).لأنَّهُمْ اتَّبَعُوا أَهْوَائَهُم فَكَانُوا: (كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا). كُنْ قَوِيَّاً بِإيمَانِكَ مُعتزَّاً بِدِينِكَ: كَمَا أَرَادَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ». عِبَادَ اللهِ: إنَّ سلامةَ البُلدانِ، والأمنَ في الأوطانِ، مُسؤوليةُ الجميعِ، فالأمنُ كَنْزٌ ثَمينٌ، فَهوَ قِوامُ الحَياةِ، فِي ظِلِّ الأمْنِ تُحْفَظُ الأَنْفُسُ وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ وتَأْمَنُ السُّبُلُ وتُقَامُ الحُدُودُ، في ظِلِّ الأمْنِ تَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى الله وتُعمَرُ المسَاجِدُ، ويَسُودُ الشَّرْعُ ويَفْشُو المَعْروفُ ويَقِلُّ المُنْكَرُ ويحْصُلُ الاستِقْرارُ. والأمْنُ والدِّينُ مُتَلازِمانِ، فلا يَسْتَقيمُ أحَدُهُما إلاَّ بِوُجُودِ الآخَرِ: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). والأمْنُ يَحْتَاجُ إلى جُهْدٍ ومُصَابَرَةٍ، فلا يَقُومُ إلاَّ بِرِجَالٍ مُخلِصينَ، يَحرُسُونَ البِلادَ، ويحمُونَ الثُّغورَ، فَكانَ مِن حقِّهم الإجلالُ والاحترامُ، والأمنُ والأمانُ، وألا يَمَسَّهم أحدٌ بسوءٍ!فَيَا مُسْلِمُونَ: الزموا غرزَ عُلمَائِكم النَّاصِحينَ، وتَشبَّثوا بِجماعَةِ المُسلمينَ، وطاعَةِ وُلاةِ أُمورِكم المُخلِصينَ وَتَذَكَّروُا قَولَ اللهِ تَعَالى: )وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). اللهم إنا نسألك إيمانا صادقا وعملا متقبلا. اللهم أملئ قلوبنا بحبك وتعظيمك يارب العالمين . أقولُ ما تَسمَعُونَ، وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكم ولِسائِرِ المُسلمينَ من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروه، إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ. الخطبة الثانية: الْحَمْدُ للهِ أَعَزَّ مَنْ أَطَاعَهُ، وَأَذَلَّ مَنْ عَصَاهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ومُصطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ ومَنْ اهتدَى بِهُداهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ، فَمَن اتَّقى رَبَّهُ كَتَبَ لَهُ النَّصرَ والتَّمكِينَ. قَالَ سُبحَانَهُ: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). عبادَ اللهِ: لِوُجُودِ الأمنِ أَسبَابٌ، ولاخْتِلالِهِ عِلَلٌ! فَأَوَّلُهَا: البُعدُ عن الشِّركِ باللهِ بجَميعِ صُوَرِهِ. كَمَا قَالَ اللهُ تَعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).قال الشَّيخُ السَّعدِيُّ رحمهُ اللهُ: "الَّذِينَ لَمْ يَخلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ مُطلَقَاً، لا بِشِركٍ، ولا بِمَعَاصٍ، فَإنَّهُ يحَصُلُ لَهمُ الأَمنُ التَّامُ، والْهِدايَةُ التَّامَّةُ، بالأَمنِ من المخاوفِ والعذابِ والشَّقَاءِ، والهدايةُ إلى الصِّراطِ الْمستَقِيمِ". عبادَ اللهِ: وحتى نَصلَ إلى الأمنِ التَّامِّ، فعلينا بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ، والنُّصحِ للهِ ولِرَسولِهِ ولِكتَابِهِ ولأَئِمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم بصدقٍ وإخلاصٍ. فالمعاصي والأمنُ لا يجتمِعانِ، فالذُّنُوبُ مُزيلةٌ للنِّعمِ، وتُحِلُّ الفَوضى والنِّقَم، والطَّاعةُ حِصنُ اللهِ الأَعظَمُ وَمَن دَخَلَ طَرِيقَها كانَ مِن الآمِنِينَ. وَنِعَمُ الأَمنِ تُقابَلُ بالذِّكرِ والشُّكرِ:(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). يا مؤمنونَ: مَن يُحِبُّ بَلَدَهُ بِصدْقٍ وَيُرِيدُ لَهُ الخَيرَ وَالنَّمَاءَ والأمانَ فَلا تَرَاهُ إِلاَّ مُطِيعًا لِوُلاةِ أَمرِهِ نَاصِحًا لِقَادَتِهِ، لا يُحدِثُ بَلبَلَةً وَلا يَبعَثُ فَوضَى، وَلا يُفسِدُ صَالِحًا وَلا يُخَرِّبُ عَامِرًا. ألا وإنَّ المحافظةَ على الجماعةِ من أعظمِ أصولِ الإسلام، ومِمَّا عَظُمت به وصيةُ الله تعالى بِقَولِهِ:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا). وهي وصيةُ نَبِيِّا صلى الله عليه وآلهِ وسلم حين قَالَ:"يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ". وَقَالَ: ( إن الله أمرني بالجماعة وأنه من خرج من الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه). فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُون، وَعَلِّقُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ جَميعِ الذُّنُوبِ، فَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ: ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). نسألُ اللهَ أنْ يَحفظَ على بِلادِنا أَمنَها واستقرَارَها، وأنْ يَزِيدَها هُدىً وعَدلاً وتَوفيقاً. اللهمَّ إنا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظَهَر منها وَمَا بَطَنَ يا ربَّ العالمين.اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلِمينَ، واكتُب النَّصرَ والتَّمكِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ربَّ العالمين.اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنَا لِمَا تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمين, ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).