تَأمُّلاتٌ فِي الحَجِّ المَحْدُودِ 17/12/1441هـ
تَأمُّلاتٌ فِي الحَجِّ المَحْدُودِ 17/12/1441هـ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَبَلَايَا رَدَّهَا، أَشهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له في أُلوهيَّتِهِ وربُوبِيَّتِه, وَأَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ قَائدُ أُمَّتِهِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحَابَتِهِ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ وَأَطِيعُوهُ؛
عبادَ اللهِ: رِحْلَةُ حَجِّ هذا العَامِ رِحْلَةُ العُمُرِ! فَظُرُوفُ الوَبَاءِ قَدْ أحاطَتْ بِهِ مِن كُلِّ جَانِبٍ , وَتَطَلُّعاتُ الدُّولِ الإسلامِيَّةِ وَشُعُوبِهَا قَدْ أَخَذَتْ مِن حُكُومَتِنَا مَأْخَذَها, وَحُجَّاجُ الدَّاخِلِ يَرونَ أنَّها أعْظَمُ فُرْصَةٍ لإدَاءِ فَرْضِهِمْ! وَلكِنَّ نَظْرَتَ المَسْؤولينَ أعْمَقُ وَأدَقُّ. فالحفَاظُ على أرْواحِ النَّاسِ مُقَدَّمٌ على كُلِّ عَاطِفَةٍ, فَحُكُومَتُنا عِنْدَها حِرْصٌ أَكيدٌ على سَلامَةِ النَاسِ وَأَمْنِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ مُنْطَلِقينَ مِنْ قَولِ اللهِ تَعَالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). وَقَولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». وَقَولِهِ صَلَّى اللُهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ». فَمَلايينُ المُسلمينَ كَانُوا يَتَشَوَّفُونَ لأَدَاءِ فَريضَةِ الحَجِّ وَلَكِنْ قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَل, فَقَدْ جَاءَ هَذا الوَبَاءُ وَحَالَ بَينَهُمْ وَبينَ مَا يَشْتَهُونَ! فَليَبْشِرْ كُلُّ مَنْ هَمَّ على فِعْلِ طَاعَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْها فَقَدْ كُتِبَتْ لَهُ عِنْدَ اللهِ كَامِلَةً! رَوَى البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ أَنَسٍ رضِيَ اللهُ عنْهُ قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «إِنَّ أَقْوَامَاً خَلْفَنَا بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ«.أيُّهَا المُؤمِنُونَ: وإنَّ تأمُّلاتٍ مع هذا الرَّكبِ المَحْدُودِ تَجْعَلُنا نَأْخُذُ دُروساً وَحِكَمَاً! وَمَوَاعِظَ وَعِبَراً!
فَأَوَّلُ دَرْسٍ: أَنْ تُؤمِنَ أنَّ اللهَ يَصْطَفِي مِنْ عِبَادِهِ مَنْ يَشَاءُ, ويُكْرِمُ مَنْ يَشَاءُ, وَأَنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
ثَانِي الدُّرُوسِ: أنْ يَحْذَرَ حَآجُّ هذا العَامِ مِن العُجْبِ والغُرُورِ, وَعَليهِ أَنْ يُحِبَّ لإخْوانِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. وَيَتَمَنَّى لَهُمْ مَا يَتَمَنَّى لِنَفْسِهِ. وَأَنْ يَحْزَنَ لِمَنْظَرِ المَشَاعِرِ المُقَدَّسَةِ وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْ المُلَبِّينَ والطَّائِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ. فَإنَّ اللهَ تَعَالى هُو القَائِلُ: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ .فَمَنْظَرُ المَشَاعِرِ خَالِيَةٍ أَمْرٌ مُخِيفٌ وَمُحْزِنٌ, حَقَّاً مَا أَهْوَنَ الخَلْقَ على الخَالِقِ: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ . عبادَ الله: وَنَحْنُ نُشاهدُ هذا الموكِبَ المَحْدُودَ على اخْتِلافِ أجْنَاسِهِمْ, وَلُغَاتِهِمْ, نُدرِكُ أنَّ الأُمَّةَ لا يمكنُ أنْ يَجْمَعَهَا إلَّا دِينُ اللهِ تَعَالى! فالحُجَّاجُ كَجَسَدٍ وَاحِدٍ! بِزِيٍّ مُوحَّدٍ, يَلهَجُونَ بِتَلبِيَةٍ مُوحَّدةٍ فَأَسقَطُوا كُلَّ هُتافٍ وطنيٍّ! فلا تَفَاخُرَ بالأَنسَابِ ولا الأَحْسَابِ, إنِّما مِيزَانٌ وَاحِدٌ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ . كَمَا قَالَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(إنَّ ربَّكم وَاحِدٌ، وإنَّ أَبَاكُم وَاحِدٌ، وَدِينَكُمْ وَاحِدٌ، وَنَبِيَّكُم وَاحِدٌ، ولا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجَمِيٍّ ولا عَجَمِيٍّ على عَرَبِيٍّ، ولا أَحْمَرَ على أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ على أَحْمَرَ إلَّا بالتَّقوى). فَسُبحانَكَ رَبَّنا ما أَعظَمَكَ, سُبحانَكَ ما أحْلَمَكَ وَأكْرَمَكَ, أقُولُ مَا سَمِعْتُمْ واستغفرُ الله, فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَحِيمُ.
الخطبة الثانية: الحمدُ للهِ جَعَلَ ذِكْرَهُ غَرْسـاً للجِنَانِ, أَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ له الرَّحيمُ الرَّحمانُ, وَأَشْهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُه أفضلُ الأَنَامِ, الَّلهم صلِّ وسلِّم وَبَارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه, وَالتَّابِعِينَ لهم بإحسانٍ, أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله يا أولي الألبابِ لَعَلَّكم تُفلحونَ.
عباد اللهِ: مِنْ دُرُوسِ الحَجِّ أنَّهُ يُربِّينَا على تَقَوى اللهِ تَعَالى! فَفِي كُلِّ مَنْسَكٍ, يُذَكِّرُ اللهُ بالتَّقوى فَيَقُولُ: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ . لأَنَّها جِمَاعُ الخيرِ كُلِّهِ!
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا سَرَّ في حَجِّ هَذا العامِ حِرْصُ المَسْؤولينَ على تَحَرِّي السُّنَّةِ وتَطْبِيقِهَا, فَقَدْ وَقَفُوا بِحُجَّاجِ هَذَا العَامِ بِكُلِّ مَوَاقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها المُؤمِنُونَ: بِحَمْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ أُقِيمَتْ شَعِيرَةُ الِحَجِّ رَغْمَ صُعُوبَةِ الظُّرُوفِ وَكَانَ لَهُ مِن الثَّناءِ مَا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَليهِ. وهَذا بِفَضْلِ اللهِ تَعَالى وَحْدَهُ, ثُمَّ بِجُهُودٍ مُضْنِيَةٍ بُذِلَتْ مِنْ رِجَالٍ مُخْلِصُينَ مُحِبِّينَ لِلخَيْرِ! فَقَدْ قَامُوا بتَنْظِيمٍ دَقِيقٍ وَجَودَةٍ عَالِيَةٍ, يَسْتَحِقُّونَ عَليهِ أصْدَقَ الدَّعَوَاتِ! أَمَّا رِجَالُ الأَمْنِ فَهُمْ عَلامَةٌ فَارِقَةٌ, حُضُورٌ كَثِيفٌ, وَاسْتِعْدَادٌ كَبِيرٌ, وَوِزَارَةُ الصِّحَةِ وَفَّرَتْ خَدَمَاتٍ وَقَامَتْ بِالفُحُوصَاتِ وَأَخَذَتِ بِعَونِ اللهِ بِكُلِّ الاحْتِيَاطَاتِ واللهُ خَيرٌ حَافِظَاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ. حَقَاً أَجْواءُ حَجٍّ جَمِيلَةٍ بِحَمْدِ اللهِ, فَجَزى خَيْرَاً كُلَّ مَنْ خَطَّطَ وَأمَرَ وَسَهَّلَ وَرَعَى.
أَيُّهَا المُسلِمونَ: لقد تَقرَّبْنا إلى اللهِ بِصِيامِ يِومِ عَرَفَةَ وبِذبْحِ الأَضاحي, فَظُنُّوا بِاللهِ خَيراً فاللَّهُ يَقُولُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي». وَابْقَوا على عهدِ ربِّكم ,وتَابِعوا الحَسَنَاتِ, وأكثروا مِنْ ذِكْرِ رَبِّكُمْ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ ربَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ). فاللهمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ, واجعل مُسْتَقْبَلَنَا خَيراً مِن مَاضِينا. اللهمَّ أعنَّا على ذِكْرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادَتِكَ, اللهمَّ اجزِ خيراً كلَّ من ساهمَ وأعانَ على تيسيرِ الحجِّ وإتمامهِ. اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهُم على البِرِّ والتقوى. اللهمَّ اغفر لنا ولوالدِينا والمُسلمين أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عِبَادَ اللهِ: اذكروا اللهَ يذكركُم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.