نَمَاذِجُ من بِرِّ الوالِدَةِ 27/6/1441هـ
نَمَاذِجُ من بِرِّ الوالِدَةِ 27/6/1441هـ
الحمدُ للهِ القائلِ: إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا . أَشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، أَمَرَنا بالإحسانِ بِالوالِدَينِ والقَولِ لَهما قَولا كَرِيمَاً, وأَشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، أَرسلَهُ اللهُ هادِياً ومُبَشِّرَاً وَنَذِيراً، صلَّى اللهُ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ بإحسانٍ وسلَّمَ تَسلِيماً مَزِيداً.
أمَّا بعدُ. يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا . أيُّها الأَكَارِمُ: حينَ تَحدَّثنا في الجُمُعَةِ المَاضِيَةِ عنِ الأمِّ وَمَكَانَتِها وَفَضلِها, طَلَبَ عدَدٌ من الإخوةِ صُوَراً عَمَليَّةً لِلبِرِّ والإحسانِ, وَفِعلاً نَحْنُ بِحاجةٍ إلى نَمَاذِجَ عَمَلِيَّةٍ وقَصَصٍ واقِعيِّةٍ تَدفَعُنا لِلعملِ وتَحدُونا إليهِ فتأمَّلتُ في القرآنِ الكريمِ فإذا فيهِ من النَّماذِجِ ما يكفي لأُولِي الألباب! وإذْ بالسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ تَزخَرُ بالقَّصصِ التي تَبهَرُ العُقُولَ! وتَحدُوا لِلعملِ! ذلكَ لأنَّ أنبياءَ اللهِ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ هُمْ أهلُ الوَفَاءِ والبِرِّ والإحسانِ بالوالِدَينِ عُمُوماً وبالوَالِدَةِ خُصُوصَاً! فَنوحٌ عليهِ السَّلامُ يَخُصُّ والدِيهِ بِالدُّعَاءِ بِقولِهِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ . وعيسى عليهِ السَّلامُ وَصَفَهُ رَبُّهُ فَقالَ عنهُ: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا .ويحيى عليهِ السَّلامُ قالَ اللهُ عنه: وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا .أمَّا ما كانَ من أَمرِ إبراهيمَ الخليل عليهِ السَّلامُ معَ أَبِيهِ الكافِرِ فأمْرٌ قد بَلَغَ في البرِّ غَايَتَهُ وفِي الإِحسَانِ نِهَايَتَهُ، فَلَمَّا هَدَّدَهُ أَبُوهُ وقالَ: لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا .قابَلَ ذلِكَ بِقَولِهِ: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي . أمَّا هَديُ نَبِيِّنا فَقَدْ كَانَ يُربِّي صحابَتَهُ وأُمَّتَهُ بقَصَصٍ تُربِّيهِمْ على البِرَّ والإحسَانَ كما في قِصَّةِ أصحَابِ الغَارِ الذينَ انطَبَقَت على فَمِ الغَارِ صخرَةٌ فَتَوسَّلوا إلى اللهِ بِصالِحِ أعمَالِهم فكانَ أحدُهم من أَهلِ البِرِّ والإِحسَانِ! وقد أَتَى رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُ أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَلَقَدْ أَتَيْتُ وَإِنَّ وَالِدَيَّ لَيَبْكِيَانِ، فقَالَ (فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا).
وَالصَّحابةُ الكِرَامُ يُدرِكونَ أنَّ بِرَّ الوالِدِينِ يعنِي عندَ اللهِ وعِندَ رَسُولِه الشَّيءَ العَظِيمَ فقد جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ:(نَعَمْ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا).وفي صَحيحِ مُسلِمٍ, أنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ تُخْبِرُهُ بِمَوْتِ أُمِّهَا وأنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ:(صُومِي عَنْهَا)، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:(حُجِّي عَنْهَا)!
أيُّها الكِرامُ: تَفَضَّلُوا بَعْضَ الجوانِبِ العَمَلِيَّةِ لِلبرِّ بالوالِدينِ عُمُوماً وبالوالِدَةِ خُصُوصاً, وهذهِ الخُطُواتُ قد تُناسِبُكَ كُلُّها وقد يُناسِبُكَ بَعضُها, المُهمُّ أنْ يَكُونَ عِندَكَ الشُّعُورُ والهمُّ, وصَدَقَ ابْنُ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما حينَ قَالَ: الْبِرُّ شَيْءٌ هَيِّنٌ ,وَجْهٌ طَلِيقٌ وَكَلامٌ لَيِّنٌ). والمُتأمِّلُ لحالِ كَثِيرٍ مِمن وُفِّقُوا لِلبرِّ والإحسانِ يَجِدُ أنَّ العَمَلَ الذي يَقُومُونَ بِهِ يَسيرٌ، وأنَّ الجُهدَ الذي يَبذِلُونَهُ سَهْلٌ! لأنَّهم يَحمِلُونَ أرْبَعَةَ أَشيَاءَ فَقَط!قُلُوبَاً رَحِيمَةً, وعُقُولاً فَطِنَةً. وَوُجُوهَاً مُبْتَسِمَةً، وَاحْتِسَابَاً لِلأجْرِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ, فَكَانَ النَّجَاحُ حَلِيفَهُم، والتَّوفِيقُ رَفِيقَهُم. فَمِن أعمالِ البِرِّ: التَّعبدُ للهِ تعالى بِالدُّعَاءِ لَهَا, رَدِّد: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . فمن أعظَمِ البِرِّ (أو ولَدٍ صالحٍ يَدعوا لَهُمَا ) فما أَحْوَجَ الوَالِدَينِ إذا مَاتَا إلى دُعَاءٍ صَالِحٍ من ابنِهِما تُرْفَعُ بِهِ درجاتُهُما، وفي الصَّحيحِ أنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ:(إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟! فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ). كَذَلِكَ: التَّعبدُ للهِ تَعَالى بِاختِيَارِ الهَدِيَةِ المُنَاسِبَةِ لِكُلِّ مُنَاسَبَةٍ, فَتُقَدِّمَهَا لَهَا وأنتَ سَعِيدٌ: كَأَيَّامِ العِيدِ، وَالزِّوَاجِ, والنَّجَاحِ, وَدُخُولِ الشِّتَاءِ، وقُدُومِكَ من السَّفَرِ! كَذَلِكَ: تَعبَّدْ للهِ بِوَضعِ حِسَابٍ بَنْكِيٍّ لِأُمِّكَ، يَشتَرِكُ فِيهِ إخوَانُكَ وَيُوضَعُ مَبلَغٌ شَهرِيٌ لِكَي يَفِيَ بِاحتِيَاجَاﺗِﻬَا، وإهدَاءاتِها فَلا تَضطَرُّوها لِلطَّلَبِ مِنكُم، فَقَلِيلٌ دائِمٌ خيرٌ من كَثِيرٍ مُنقَطِعٍ! فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى, أقولُ ما سَمِعتُم واستَغفِرُ اللهَ لي ولَكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ من كلِّ ذَنبِّ وتقصيرٍ وخَطِيئَةٍ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية/
الحمدُ للهِ جَعَلَ الجَزَاءَ من جِنسِ العَمَلِ, أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهو على كُلِّ شيءٍ شَهيدٌ, وأَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ السِّراجُ المُنيرُ, الهادِي إلى أقومِ طَرِيقٍ, صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ بإحسانٍ إلى يوم الدِّينِ. أمَّا بعدُ. فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمنِونَ بالوالِدَينِ عُمُوماَ وبالوالِدةِ خصُوصاً. فإنَّما هُمَا جنَّتُكَ ونارُكَ ! وسَعَادَتُكَ أو شَقَاؤُكَ! سُئِلَ الحَسَنُ البَصرِيُّ رحِمَهُ اللهُ: ما دَعُاءُ الوالِدَينِ لِلولَدِ؟ فَقَالَ: نَجَاةٌ، قيلَ: فالدَعُاءُ عَليهِ؟ قَالَ: استئصَالُهُ، يَعني هَلاكُهُ. والعياذُ باللهِ,
أيُّها المؤمِنُونَ: وحينَ نَتَكَلَّمُ عن صُوَرِ البِرِّ وأنواعِهِ فاستَحضِروا دائِماً قولَ اللهِ تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا .فَهَذِهِ أَجمَعُ آيَةٍ في البِرِّ والإِحسَانِ, قالَ الشيخُ السَّعدِيُّ رحِمَهُ اللهُ ما مفادُهُ: أَحْسِنُوا إلى الْوَالِدَيْنِ بِجميعِ وُجُوهِ الإِحسَانِ القَولِيِّ والفِعلِيِّ لأَنَّهما سَبَبُ وُجودِكَ وَلَهُمَا مِن المَحَبَّةِ لِلولَدِ والإِحسَانِ إِليهِ مَا يَقتَضِي تَأَكُّدَ الحَقِّ وَوجُوبَ البِرِّ. فَهُما يَحتَاجَانِ من الُّلطفِ والإحسانِ ما هو مَعرُوفٌ, فَلا تُؤذُهُما بِأدنى أَذِيَّةٍ, فلا تَزجُرْهُمَا وَتَتَكَلَّمُ مَعَهُما كَلامَاً خَشْنَاً، وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا بِلفظٍ يُحبَّانِهِ وَيَلَذُّ على قُلُوبِهمَا وَتطمَئِّنُ بِهِ نُفُوسُهُمَا، وَتَواضعْ لَهما ذُلاَّ لَهُما وَرَحمَةً واحتِسَابَا للأجْرِ لا لأجلِ الخَوفِ مِنهما أو رَجَاءً لِمَا في أَيْدِيهِمَا, وَادْعُ لَهُمَا بِالرَّحمَةِ أَحيَاءً وأَمواتَاً، جَزَاءً على تَربِيَتِهما إيَّاكَ صَغِيراً. انتهى.
أيُّها الكِرامُ: ومن طُرِقِ الإحسانِ والبِرِّ: احرِص على تَودِيعِها عِندَ سَفَرِكَ, فَسَتَحظَى بِدَعوَاﺗِﻬا المُستَجَابَةِ بأمر اللهِ, وعِندَ قُدُومِكَ لِتَكُنْ أَوَّلَ مَنْ تُقَابِلُ، فَتُسَلِّمُ عَليها وتُؤَنِسُهَا، وفي سَفَرِكَ اتَّصِل ﺑِﻬا يَومِيَّا, فَكم تَبُثُّ تِلكَ المُكَالماتُ في صَدرِها من السَّعَادَةِ، وتُشعِرُها بالرِّضا! احرص على مُقَابَلَتِها يَوميًا, ولا تُبعِدكَ مَشَاغِلُ الدَّنيا عنها, ولتَكُن المُقَابَلةُ تَلِيقُ بِمقدَارِ حُبِّها، فلا تَأتِ عَلى عَجَلٍ أو بيدِكَ صحيفةً تُقلِّبُها, أو جوَّالاً تُكَلِّمُ فيهِ أو تَتَصفَّحُ فيهِ, ثُمَّ هيَ تَتَكَلَّمُ وأنتَ لا تَنظُرُ إليها ولا تَستَمعُ لِحَدِيثِها! فكم في هذا التَّصَرُّفِ من الغَمطِ والمَهانَةِ لَها ؟!
أخي الكريمُ: احرص على تَلبِيةِ طَلَبَاﺗِها أولاً بِأولٍ، ولا تَعِدْها ثُمَّ تُخلِفُ! انسُبْ كُلَّ نَجَاحٍ في حَيَاتِكَ لِفضلِ اللهِ ثُمَّ لِفضلِ تَربِيَتِهِا، فإنَّ ذَلِكَ يُشعِرُها بِالفَخرِ والسَّعَادَةِ! اجعَلهَا أَوَّلُ مَنْ يَعلَمُ بِكُلِّ خَبَرِ سَعِيدٍ في حَيَاتِكَ حتى ولو كانَ بيعاً أو شِراءً، فَسَيَجعَلُكَ مُقَرَّبَاً إلى قَلبِها، أخي حَافِظ على رِعَايَتِها الصِّحِيَّةِ، وَفِّر أَجهِزَةَ الضَّغْطِ، والسَّكَرِ، وما تَحتَاجُهُ مِن عرَبَةٍ وعُكَّازٍ, أَعِنها على صِلَةِ رَحِمِها, وَصَدِيقَاﺗِﻬا، لِكَي تُدخِلَ السُّرورَ فِي قَلبِها، لا تَبُثَّ أَحزَانَكَ عليها أو تَتَشَكَّى عندها، فإنَّ ذَلِكَ يُحزِنُها ويَضُرُّها! ولكنْ أَخبِرها دائِماً بما يَسُرُّ.
وتَنَبَّه أَخي الكَرِيمَ لأمْرٍ هَامٍّ جِدَّاً جِدَّاً :اجعَل عَلاقَتَكَ مع إِخوَتِكَ قَوِيَّةً وبِدُونِ مَشَاكِلَ، وعلى الأقَلِّ لا تَجعَلِ المَشَاكِلَ أَمَامَ عَينِها فإنَّ ذَلِكَ يُحْزِﻧُﻬا، بل قَدِّم أَعذَاراً لإخوَانِكَ المُخطِئينَ وَأَشِدْ بِحسنِ تَربِيَتِها لَهم، لا تُفَاجِئ أمَّكَ بِأخبارٍ مُفجِعَةٍ ولا حَزِينَةٍ، بل قَدِّمْ لها بما يُخَفِّفُ الأَثَرَ عَلَيها، تَفَاعَل مع مَواقِفِها المُحزِنَةِ والسَّارَّةِ، ولا تَكُن جَامِدَ المَشَاعِرِ والأحاسِيسِ, هذهِ لَمَحاتٌ سَرِيعةٌ ولَعلَّها بِدَاياتٌ مُوفَّقَةٌ والمُوفَّقُ من وفَّقَهُ اللهُ,
هذهِ الأمُّ يا مُؤمنونَ وَكَفَى :
من غيرُ أُمِّي إنْ فَرِحْتُ بِعالَمِي فَرِحَتْ وإنْ أَبكِي بَكَتْ مِن مَدمَعِي.
مَن غيرُ أُمِّي إنْ شَرِبتُ مَرَارَةً مِن كَفِّ هَذا الدَّهرِ كَم شَرِبت مَعي.
مَن غَيرُها لَبِسَتْ أَحاسِيسِي التي أُخفِي عن الدُّنيا وضَمَّتْ أَضلُعِي.
من غيرُ أُمِّي وَجهُهَا وَجهِي وفِي قَسَمَاتِها مِن ضِحكَتِي وتوجعي.
أُمِّي سَمَائِي ظِلُّ أَيَّامِي ومَا وَفَّيتُها حَقَّاً وَمَنٍ ذَا يَدَّعِي.
أُمِّي التي الجَنَّاتُ تَحتَ ظِلالِها فِي خَطوِها عندَ المَحَلِّ الأَرفَعِ.
فاللهم ربِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. اللهمَّ أعنَّا على بِرِّهما أحياءً ومَيِّتينَ, اللهمَّ أسعِدنا بِدُعائِهما وبِرِّهما واجعلهم عنَّا راضينَ، اللهمَّ من أفضى منهما إلى ما قَدَّمَ فَنَوِّرَ لهُ قَبرَهُ، واجزهِ عَنَّا خَيرَ الجَزَاءِ وأوفاهُ، واجمَعنَا بهم في دارِ كرامَتِكَ يا رَبَّ العَالَمِينَ. اللهم فاغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أَسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منَّا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
ربنا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.