عَامُ العِلْمِ والتَّعليمِ بِإذْنِ اللهِ تَعَالى 20/12/1439هـ الحمدُ للهِ اتَّصفَ بالعلمِ والحِلمِ،أَنَارَ العقولَ بِالآياتِ، وَنَفَعَ البَشَرَ بِعُلُومٍ نَافِعاتٍ.سبحَاَنكَ الَّلهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمتَ بالقَلَمِ القُرُونَ الأُولى أخرجتَ هذا العقلَ من ظُلُمَاتِهِ وَهدَيتَهُ النُّورَ المُبينَ سبِيلاً نشهدُ ألاَّ إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، رفعَ أهلَ العِلمِ فَكَانُوا قِمَمًا، وَنَشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، بُعِثَ بالعلمِ والأَخلاقِ للنَّاسِ عَرَبًا وعَجمًا،صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه بذَلوا لدِّينِهِ مُهجًا وهِممًا، والتَّابِعينَ لَهُم بإحسَانٍ وإيمانٍ دَومَا وَأَبَدَاً.أمَّا بعدُ: فالسَّعيدُ من اتَّقى اللهَ، وأَخَذَ من دُنياهُ لأُخَراهُ,عِبَادَ اللهِ:أوَّلُ مُعلِّمٍ في هذهِ الأُمَّةِ هو مُحمَّدٌ وَأوَّلُ مَدرَسَةٍ في الإِسلامِ في دَارِ الأَرقَمِ بنِ أَبِي الأَرْقَمِ أسفَلَ جبلِ الصَّفا وَمِنْها صَاغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَحَابَتَهُ الكرامَ وربَّاهم على التَّقوى والإيمانِ.وَبعدَ غدٍ بإذنِ اللهِ تَعَالى تَنْطَلِقُ مَسِيرَةُ العِلمِ والتَّعليمِ في أرجاءِ بِلادِنا الغالِيَةِ،وَيَبرُقُ فَجرٌ بَهيجٌ بإذِنِ اللهِ تَعَالى،فَنَسأَلُ المولى أن يجعلَهُ عاماً دِراسِيَّاً مُباركاً،مَلِيئاً بالعلمِ والعَمَلِ، والهدى والتُّقى، وَالأمْنِ والإيمَانِ. وَأَنفعُ الوَصَايَا وأَجْمَعُها أَنِ استقبِلُوا دِراسَتَكُمْ بفألٍ حَسَنٍ، ونَظْرَةٍ مُشرقَةٍ فقد كَانَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ في شَأنِهِ كُلِّهِ،ويَستَعِيذُ باللهِ من العجزِ والكَسَلِ، فَرِسالَتُنا الأُولى: لأُمَنَاءِ التَّربيةِ والتَّعلِيمِ، لِمَشَاعِلِ النُّورِ والرَّحْمَةِ والهِدَايَةِ، نعم أنتم أيُّها المعلِّمونَ الأفاضِلُ، يامن تَشَرَّفتُم بِأَعظَمِ مَهمَّةِ وأشرفِ رِسَالَةٍ! هَا هُم أَبنَاؤنا مُقبلونَ عليكم ينتَظِرُونَ مِنْكُم عُلوماً نافعةً،فَخُذُوا بِمَجَامِعِ قُلُوبِهم،ودُلُّوها على مَحَبَّةِ اللهِ ومَرْضَاتِهِ،واغرِسُوا فيها الإيمَانَ والإحسانَ، وَأبْشِرُوا بِقَولِ اللهِ تَعَالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا). فَأَخلِصُوا للهِ في القولِ والعَمَلِ، فَمَا كانَ للهِ دامَ، ومَا كانَ لِغيرِ اللهِ ذَهَبَ وانقطعَ. أيُّها المعلمونَ الأفاضلَ: كُلٌّ مِنَّا سَاعٍ إلى مَصْدَرِ رِزْقِهِ وعمَلِهِ، فَاخرُجُوا بِنِيَّةٍ صالِحةٍ تَعودُ عليكُمْ بِالأَجْرِ والثَّواب، ثُمَّ اعلموا أنَّ رسالةَ التَّعليم اتِّسَاءٌ واقْتِدَاءٌ، بِأَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:حَلِيمَاً رَحِيمَاً, رَفِيقاً شَفِيقَاً، فييسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفروا، ولْتَكُنْ طلْقَ الوَجْهِ دائمَ البِشْرِ، فَرَسُولَنا ما لَقِيَ أحَداً إلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِهِ. أيُّها المعلمونَ الأفاضلَ: أبناؤنا أمانةٌ في أعناقِكم، فاقْدُرُوا لِلكَلِمَةِ قَدْرَها، وزِنُوا لِلحرَكَةِ وزنَها فَطُلابُنَا يَعقِلُون بِأَعيُنِهم أكثرَ من آذانِهم،فَلِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ!يا رجالَ التَّربِيَةِ والتَّعلِيمِ، مَنَاهِجُنا سَتَظَلُّ حِبْرًا على وَرَقٍ ما لم نُتَرْجِمْها بِسُلُوكِنَا، فَيَنْشَأُ الطَّالبُ على الصَّدقِ إذا لَمْ تَقَعْ عينُهُ مِنَّا على غِشٍّ أو تَسمَعَ أذنُه مِنَّا كَذِبًا، يتعلَّمُ الطَّالِبُ مِنَّا الرَّحْمَةَ إذا لَم يُعاملْ بِغلظَةٍ وقَسْوَةٍ. قَالَ ابنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ: نَحنُ إلى قَلِيلٍ مِن الأَدَبِ أَحوَجُ مِنَّا إلى كَثيرٍ مِن العِلْمِ.سَيَتَوَافَدُ عليكم طلابٌ مُتَبايِنُونَ!فَعَامِلُوا كلاًّ بِحَسْبِهِ،واصْبِروا أَعَانَكُمُ اللهُ عليهم.الْمُعَلِّمُ النَّاجحُ مَنْ يَتَوَاضَعُ لِطُلاَّبِهِ،فلا يَتَكبَّرُ ولا يَحتَقِرُ، مُتَمَثِّلاً قولَ النَّبِيِّ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللهَ أَوْحَى إليَّ أَنْ تَوَاضَعُوا).الْمُعَلِّمُ النَّاجِحُ مَنْ يَكْشِفُ المَواهِبَ ويقَوِّيَ العَزَائِمَ! حَسَنُ الأَلفَاظِ، إيْجَابِيٌّ في طَرْحِهِ، مُتجدِّدٌ في أُسْلُوبِ عَرْضِهِ. يَصِلُ إلى قُلوبِ طُلاَّبِهِ وَيُقِيمُ معهم جُسُورَ الْمَحَبَّةِ والإخاءِ، طَيِّبُ الذِّكْرِ نَقِيُّ الفِكْرِ حَسَنُ القُدوَةِ.كفاكَ شَرفاً أنَّكَ تَقِفُ مَقَامِ الرَّسُولِ الأعظمِ فَقَدْ بَعَثَهُ اللهُ للنَّاسِ:(يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ).بَعَثَهُ اللهُ لِيُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ومَكارِمَهَا،فهنيئاً لَكَ:(فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْر).جَعَلَنا اللهُ جَمِيعَاً مَفَاتِيحَ خَيرٍ مَغَالِيقَ شَرٍّ.أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ لي ولكم ، فاستغفروه إنِّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.الخطبة الثانية: الحمدُ لله الوليِّ الحميدِ،نَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحده لا شريك لَهُ يَهدِي مَن يَشاءُ لمَا يريدُ، ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صاحبُ الخلقِ الكريمِ والأَدَبِ الحَمِيدِ اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آلهِ وأصحابِه وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وَإيمانٍ إلى يومِ المَزيدِ.أَمَّا بعدُ:فَاتَّقُوا اللهَ تَعالى واحمَدُوهُ على نِعَمِهِ العَظِيمَةِ,التي لا تُحْصَى!أبنَائَنا الطُّلابَ:ها هي أيامُ العِلمِ أَقبَلَتْ فَأَقْبِلُوا عليها بجدٍّ وإخلاصٍ.واعلموا أنَّ جهودًا كبيرةً عُمَلت من أجلِكم،فَكُونُوا عند حُسْنِ الظَّنِ بكم،وأبْشِروا فَإنَّ رَسُولَنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقَاً إلى الجَنَّةِ(.أبنائي الطُّلاب:مُعَلِّمُوكُم بِمَنزلةِ آبائِكم فَلا تَظنُّوا بِهم سُوءاً،ولا تَنْطِّقُوا أَمَامَهُم بِسُوءٍ أو تصرُّفٍ مَشِينٍ!واحذروا الإهمالَ والكَسَلَ فلا يَنالُ العلمَ كَسُولٌ ولا عَاجِزٌ،ولقد كانَ نَبيُّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:يَستَعِيذُ باللهِ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ.واحذروا رفقةَ السُّوءِ،واحترموا العلمَ وكُتُبَهُ،وأتقِنُوا ما تَتَعلَّمون وطبِّقوا ما تَأْخذونَ،وَأحْسِنُوا المَظْهَرَ مِنْ مَلْبَسٍ وَتَفَقُّدٍ للشَّعْرِ والأظْفَارِ فَأَنتُم صُورَةٌ لِتَرْبِيَةِ أهْلِيكُمْ!وابْتَعِدُوا عَنْ قَصَّاتِ الشَّعْرِ بِأشْكَالِهَا فَقَدْ نَهى نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عن القَزَعِ!فنَحنُ تنتظرُ منكم عُلماءَ يَنشُرُونَ الدِّينَ,وأطباءَ ومُهندسينَ،وجنوداً مُخلصِينَ، وفَّقَكُمُ اللهُ صِرَاطَه المُستَقِيمَ.مَعَاشِرَ الأَولياءِ:نَحنُ شُرَكَاءُ المَدْرَسَةِ فِي رِسَالَتِها، وأكثرُ مَا يُعاني منه الْمُرَبُّونَ قِلَّةُ تَواصُلِنا مَعَهم. فَبَعضُنا يَظُنُّ أنَّه بِتَوفِير الَّلوازمِ المَدْرَسِيَّةِ قَدْ انتَهى دَورُهُ وقامَ بواجِبِهِ دونَ مُتابعةٍ أو سُؤَالٍ. علينا معاشرَ الأولياءِ أنْ نَزْرَعَ في قلوبِ أبنائِنا حُبَّ العلمِ والتَّعلُّمِ والمعلِّمينَ واحترامَهم، فالأدبُ مِفتاحُ العلمِ وَأَسَاسُ الطَّلبِ. مَعَاشِرَ الأولياءِ:عظِّموا أمرَ اللهِ في نفوسِ أبنَائِكُمْ،(مُروهم بالصَّلاةِ لِسَبعٍ،واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في الْمَضَاجِعِ).واحذروا الإسرافَ في شِراءِ الأدواتِ.أيُّها الوَلِيُّ المُبَارَكُ:بَنَاتُكَ أمانَةٌ وَمَسؤولِيَّةٌ فلا يَحِلُّ لَكَ بِحالٍ أنْ َتَخلُوَا بِسَائِقٍ أجنَبِيٍّ,أو تُعَرِّضُها لِلمَخَاطِرِ!فإنَّهُ:(مَا خَلا رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ إِلَّا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا). هَذا كَلامُ الصَّادِقِ المَصدُوقِ فَلِمَ التَّهاوُنُ في ذلِكَ؟! كَما أنَّهُ ليسَ مِنْ إكرامِ بَنَاتِنا:إهانَتُهنَّ لِوقْتٍ طَويلٍ يَنْتَظِرْنَ مَنْ يَمُنُّ عَليها بِالتَّوصيلِ! فَأَكرِمُوا بَنَاتِكُمْ وأَعِزُّوهُنَّ واحشِمُوهُنَّ. كان الله في عونِ الجميع، وهدانا سواءَ السَّبيل. اللهمَّ أعنِّا على أداءِ الأمانةِ، اللهمَّ نعوذُ بك من السُّوءِ والمَكْرِ والخيانةِ . اللهم اجعل عامَنَا الدِّراسيَّ عامَ خيرٍ وهدىً ، وفلاحٍ وتُقى، يا ربَّ العالمين. اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يا ربَّ العالمين. اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا لما تُحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غيرَ ضالين ولا مُضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمينَ. اللهم وأعزَّ الإسلامَ والمسلمين في كلِّ مكانٍ كن لهم ناصِراً ومُعيناً. اللهم وعليك بأعداء الدِّينِ، الذينَ يُفسِدونَ في الأرضِ ولا يُصلِحونَ. اللهم احمِ حُدُودَنا وجُنودَنا وبلادَ المسلمينَ. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا والمسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.