الحمدُ لله، تفرَّدَ عزًّا وكمالاً، واختصّ بهاءً وجلالاً، أحمده وأشكره، تقدّس وتنزّه وتعالى، وأسأله جلّ في علاه إصلاحَ الشّأن حالاً ومآلاً. ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، أمرَ بعبادته غدوًّا وآصالاً، وحذّرنا من التفريط والإهمال ، فما لكم لا ترجون لله وقارا, ونشهدُ أنَّ محمدا عبدالله ورسوله الداعي إليه سِرَّا وإعلانا ، والمنزَّلُ عليه قولُه تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسَكم وأهليكم نارا } ,صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين بلَغوا من المجد ظلالاً، والتّابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد، أيُّها الناس، اتقوا الله في جميع أحوالِكم؛ فتقوى الله خير ما اتصفتم به في حياتكم، وتزودُّتم به لمعادكم، واحفظوا وصيةَ الله لكم في أولادكم؛ فإنهم من أعظم أماناتكم: وَٱلَّذِينَ هُمْ لاِمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ أيُّها الكرام ، لو كان رجلٌ يملك بستانا فيه أزهار وأشجار وثمار، وهو يتعاهده بالسقيِ ويحميه ويصونُه، فما تكون النتيجة؟! لا شك أنَّه سينمو ويعطي أحسنَ الثمار وأروعَ الأزهار وسَيُسرُّ كلُّ من رآه، فما نظر فيه أحدٌ إلا قال: تبارك الله ما شاء الله. ولكنْ لو جعل هذا البستانَ نسيًا منسيًّا، لا يتعاهدُه، ولا يرعاه، ولا يسقي أشجارَه، ولا يحفظُه، ويتركُه عرضة للعبث والفساد، فماذا سيكونُ مصيرُ البستانِ؟! هل تكونُ فيه ثمارٌ وأزهار؟! هل تكونُ فيه أشجارٌ ؟! أعتقد أنَّ الإجابةَ محلَّ اتفاق. أيُّها الكرام: هذا مثلٌ للآباء مع الأبناء وإنَّنا على يقينٍ بقول الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }والحديث عن الأبناء حديثٌ عن فلذاتِ الأكبادِ ومُهَجِ النُّفوسِ وزينةِ الحياةِ , صلاحُ الأبناءِ والبناتِ أمنيةُ الآباء والأمهات، فيا لها من نعمةٍ عظيمةٍ، و مِنَّةٍ جليلة ، يوم تمسي وتصبحُ، وقد أقرَّ الله عينَيكَ بذريةٍ صالحةٍ، ذريةٍ تخافُ اللهَ وتتقيه ، ذريةٍ تقيمُ الصلاةَ وتحفظُ حدُودَه وتراعيه . لقد عَلِمَ الأخيارُ أنَّه لا صلاحَ للأبناءِ إلا بالله، وأنَّه لا يهدي قلوبَهم أحدٌ سواه، فلجأوا إلى ربِّهم بالدعوات, فيامؤمن : ارفع أكفَّ الضَّراعةِ إلى الله دوماً وقُلْ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء ِ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا . ذلك لأنَّ الذُّرية َو الشبابَ هم ثروةُ الأمّة الغاليةِ وذخرُها الثمين، فإمَّا أنْ يكونوا خيرًا ونعمةً , أو يكونوا شرًّا ونقمةً. والانحرافُ في مرحلة الشّبابِ خطيرٌ ومخوِّف، فمنحرفُ اليومِ هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركه عنايةُ الله، وعلى قَدرِ الرعاية بالشبابِ والعنايةِ بشؤونهم يتحدَّدُ مصيرُ الأمّة والمجتمع. ومع الأسفِ الشديدِ انحرافُ الشَّبابِ ظاهرةٌ عامَّةٌ تظهَرُ في الأفق في كلِّ بلد، وتزدادُ زاويةُ الانحراف اتِّساعًا حين تجدُ نفسًا بلا حصانةٍ وفكرًا بلا مناعة وشخصيّةً بلا تربيةٍ وطاعة. وليس غريبا أنْ يقعَ من الشباب الخطأ فهم كغيرِهم من الناس يخطئون ويصيبون، وقد قال رسول الله : ((كلُّ بني آدمَ خطّاءٌ، وخيرُ الخطائينَ التوّابونَ)) ولكنَّ الخطأ أنْ نتفرَّجَ على الأخطاء ولا نسعى بعلاجها. أيُّها الولي المبارك: ألا يوجدُ في كثيرٍ من شبابنا تهاونٌ في الصلوات مع جماعة المسلمين ألا يوجد فيهم صدودٌ وإعرضٌ عن دين الله إلا ما رحم ربي ألم يعبث كثير من شبابنا في أشكالهم وشعورهم وألبستهم ألم يكن همُّ بعضِهم مطاردةُ الفتيات وأذيَتِهنَّ واقتِنَاصِهنَّ , بلى والله إنَّهم ليفعلون ,وإنَّهنَّ ليؤذَينَ أيُّها الوليُّ المبارك: تفكَّر في حال كثير من شبابنا ممن سلبتِ القنواتُ عقولهَم وأخذتِ الشبكاتُ ألبابَهم أو صارتِ الكرةُ غايةَ اهتمامِهم تأمَّل في حالِهم وأنتَ الحَكَم! ومنَ الانحرافِ ماهو أشدُّ وأخطر فهو يهدِّدُ العقائدَ ويفسدُ الأخلاقَ ويحطِّم القيَمَ إنَّه الانحراف العقدي بحبِّ الكفرة وتقليدِهم ومحاكاتِهم ومشاركاتهم في أعيادهم وقد توعَّد الله على ذالك بالعذاب الأليم. فيامؤمنون: مَنْ هؤلاءِ الذين نَعنِيهم ونتحدَّثُ عنهم إنَّهم أبناؤنا وإخواننا ! أليس لهم حقٌ علينا بالتوجيه والرعاية ؟ ومعرفةِ أسباب الإنحراف والخطأ والسعي الأكيد إلى العلاج والتصحيح ؟ فبادئُ الأمر يجبُ أنْ يعيَ الوليُّ دورَه ومسؤليتَه . يقول الحقُّ سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ، ويقول سيِّدُ الخلق: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، ويقول في حديث آخر: ((ما نَحَلَ والدٌ ولدَه خيرا من أدبٍ حسن يؤدّبُه به)). قال رسولُ الله : ((إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو لهُ)). قال ابنُ القيِّم رحمه الله: (من أهملَ تعليمَ ولدِه ما ينفعُه وتركََه سُدى، فقد أساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثرُ الأولاد إنِّما جاءَ فسادُهم من قِبَلِ الآباء وإهمالِهم لهم وتركِ تعليمِهم فرائضَ الدِّين وسُنَنَه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم ) {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } نفَعني الله وإيّاكم بهديِ كِتابهِ وبسنّة نبيه محمّد ، أقول قَولي هَذَا، وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولسائرِ المسلِمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هوَ الغَفور الرَّحيم. الخطبة الثانية: الحمدُ لله الذي أعاد وأبدا، وأجزلَ علينا النِّعم وأسدى، لا هاديَ لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى، ونشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسوله، أكرمُ رسول، وأشرفُ نبي، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أهلِ الفضل والتقى ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله ربَّكم ، وأطيعوا الله والرسولَ وذا أمركم لعلكم ترحمون. أيُّها المبارك : صلاحُ الأبناء أوَّلُ ما يكونُ منكَ بعد توفيق الله وهدايته, يكونُ من حركاتِك وسكناتِك، يكونُ من أقوالِك وأفعالك، صلاحُهم أوَّلُ ما يقومُ على القدوة الصالحة ، إنْ رآك ابنُكَ تخافُ الله خافَه، وإنْ رآك تخشى الله عظَّمه وهابَه، فالقدوةُ الصالحةُ دليلٌ يهدي قلوبَ الأبناءِ والبنات. قال أحدُ السلف (ليكن أوَّلُ إصلاحِك لولدك إصلاحُك لنفسك، فإن عيونَهم معقودةٌ عيك،فالحسنُ عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت) صلاح الأبناء يحتاجُ منِّك إلى كلماتٍ نافعةٍ وتوجيهاتٍ عقديةٍ هادفةٍ ومواعظَ مؤثِّرة وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ صلاحُ الأبناء والبنات يتوقَّفُ على أمرِهم بالصلواتِ، الصلاةُ التي هي عِمادُ الدِّين ومرضاةٌ لربِّ العالمين،لقد عَلِمَ الخليلُ عليه الصلاة والسلام عَظِيمَ شأنِ الصلاة فرفع كفَّه إلى الله وقال رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - : قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : «مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أَبناءُ سبعٍ ، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشْر ، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع». أيُّها الوليُّ المبارك: الفراغ عامِل من عوامل الانحرافِ الفكريِّ والأخلاقيِّ، كما أنَّ الملهياتِ الحضاريّةَ المحظورةَ والمحطّات الفضائيّة لها قِسطٌ مظلمٌ في انحراف الأفكار وتلويث المعتقدات وتسميم العقول من المتربِّصين بالشباب، والأبُ الحاذق من يمنع دخولَ تلك المحطّات والملهيات إلى داره قبل أن تذرفَ منه دمعةُ الحزن والأسى، وقبل أن يُفجَع بخبر فاجع. وفي الحديث عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه و سلم يقول ( ما من عبد يسترعيه الله رعيةً فلم يَحُطْها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة ) أيُّها الوليُّ المبارك: والفجوةُ بين الوالد والولد أمرٌ خطير وعامِل من عوامل حَجب الابن عن إظهار مكنونِِ صدره ، فقد يبوح إلى من لا يُحسن التوجيه، ولا يحمِل له المودَّة والشفقة، وقربُ الأب من أبنائه والتبسُّطُ معهم سلامةٌ للأبناء وطمأنينةٌ للآباء وقاعدةٌ في تأسيس المودة والبِرِّ بينهم. ومن أسس التربية اختيارُ الرفقة الصالحة، فالرفيق له تأثير كبير، ((والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) ولذا كان لزاما على الآباء أن يختاروا الصحبةَ الصالحةَ لأولادهم، ونحن في هذه البلاد بحمد الله ننعم بحلقات مباركة لتحفيظ القرآن الكريم، وهناك جمعيات صالحة يقوم عليها دعاة مخلصون ، فاعملوا على رفقة أولادكم ومصاحبتهم للصالحين . ومن أسبابِ انحراف الأبناء: غيابُ الأب عن الأسرةِ، ليس اليتيمُ من انتهى أبواه مِن همّ الحياةِ وخلّفاهُ ذليلاً إنَّ اليتيمَ هو الذي تلقـى له أُمًّا تخلّت أو أبًا مشغولاً وغيابُ الأبِ إمَّا أن يكونَ غَيابًا معنويًا أو حِسِّيًا، فبعض الآباء وجودُهُ كعدمه، يقتصرُ دورُه على توفيرِ الحاجات وتلبيةِ الطلبات ، ويَرى أنَّهُ قد أحسن صُنعًا تجاهَ أُسرتِه وأولادِه، فلا مُنا صحةَ ولا متابعةَ ولا محاسبةَ لأفعالهم. وإمَّا أنْ يكون غيابا حِسِّيًا؛ فلا تجدُه إلا مع أصحابه في مقهىً أو استراحةٍ أو سهراتٍ مع الأصدقاءِ لمتابعةِ القنواتِ , وبعض الآباء لا تكادُ تسمعُ منهُ إلا الشجبِ والسبَّ ,فيا تُرى ما حالُ الأبناء المساكين مع هذا الأب الشِّرِيرِ؟! رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله صلوا وسلموا على خير خلق الله، فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه: إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً . وقال : ((من صلى علي مرة، صلى الله عليه بها عشراً)) اللهم صل وسلم وبارك على خير خلقك محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين وعن أمهات المؤمنين والتابعين ون تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين اللهمَّ أصلح لنا نياتِنا وذرياتِنا، اللهمَّ اجعلهم هداة مهتدين ، اللهمَّ اكفهم شرَّ الأشرار وكيد الفجار يا عزيزُ يا غفَّار. اللهمَّ حبب إليهم الإيمان وزينهُ في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان. {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}