• ×

12:57 صباحًا , الجمعة 1 شعبان 1446 / 31 يناير 2025

خطبة الجمعة 08-12-1432هـ بعنوان غداً يومُ عرفةَ وأحكامُ الأضاحي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله أتمَّ علينا النِّعمةَ وأكملَ لنا الدِّين,نشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ربُّ العالمينَ,ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه المصطفى الأمينُ صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد , فاتقوا الله عبادَ الله حقَّ التَّقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى, واشكروا اللهَ على ما حباكم من نعمٍ وفضائلَ تترا, فقد امتنَّ اللهُ علينا بأيامٍ فاضلةٍ ! العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى الله من الجهادِ في سبيلِهِ فاقدُروا لها قَدْرَها واعملوا فيها صالحا وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
عباد الله:بالأمسِ وَدَّعنا حُجاجَ بيتِ الله الحرام وقلوبُنا معهم ! ترقُبُهم وتدعوا لهم , فَنَقولُ لهم :زوَّدكم الله التَّقوى وغَفَرَ ذَنُوبَكُم ويَسَّر لكم الخيرَ حيثُما كنتم , ونستودعُ الله دينَكم و أماناتِكم وخواتيمَ أعمالِكم ,
أيُها المسلمونَ,ولئن مضى الحجاجُ وساروا بالأجرِ والغنيمةِ ففضلُ الله واسعٌ وجودُه ليس له حدٌّ فقد شرعَ لنا ربُّنا صيامَ يومِ غَدٍ !وجعلهُ مُكفِّراً لذنوبِ سنتينِ كامِلَتَينِ ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلَّم « صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ » ألم تعلموا يا مسلمونَ, أنَّ يومَ عرفةَ هو يومُ إكمالِ الدِّينِ وإتمامُ النِّعمةِ! فما أعظَمَهُ من يومٍ أقسمَ اللهُ فيه فقال: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ،قال : (الشَّاهِدُ يَومُ الجُمُعَةِ، وَاليَومُ المَشهُودُ يَومُ عَرَفَةَ)،وما أجلَّه من يومٍ يُباهي الله فيه,وما أشرفه من يوم يَستَجِيبُ الله فيه ويُقيلُ فيه,ويغفرُ فيه, اليَومُ الذي مَا رُئِيَ إِبلِيسُ في يَومٍ هُوَ أَحقَرَ وَلا أَغيَظَ مِنهُ فِيهِ؛ وَذَلِكَ لِمَا يَرَى مِن تَنَزُّلِ الرَّحماتِ وَتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ السَّيئاتِ, َعَن عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ قال: (مَا مِن يَومٍ أَكثَرُ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثم يُبَاهِي بهم الملائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ). قال ابنُ رجبٍ رحمهُ اللهُ: العتقُ من النَّارِ عامٌّ لِجميعِ المسلمينَ بحمدِ اللهِ تعالى .
اللهُ أكبرُ يا مؤمنونَ,كم في ذلكَ اليومِ من مُتَضَرِّعٍ للهِ وَمُنكَسِرٍ! كَم مِن رَجُلٍ بَادَرَ بِالتَّوبَةِ فَبَادَرَهُ اللهُ بِالغُفرَانِ!ملايينُ البَشرِ تجأَرُ إلى اللهِ بِمُختَلِفِ اللُّغَاتِ،وَاللهُ سُبحَانَهُ سميعٌ بصيرٌ،لا تختَلِفُ عَلَيهِ الأَلسِنَةُ وَلا يَشغَلُهُ سُؤَالٌ عَن سُؤَالٍ.يَومُ عَرَفَةَ هو كَالمُقَدِّمَةِ لِيومِ النَّحرِ،إِذْ فِيهِ تَضَرُّعٌ ودُعَاءُ،فَهُوَ كَالطُّهُورِ وَالاغتِسَالِ بَينَ يَدَي يَومِ النَّحرِ العظيمِ،وَفِيهِ أَفضَلُ الدُّعَاءِ وَأَرجَى المَسأَلَةِ، قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ، وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ).ومن أحكامِ صيامِ يومِ عرفةَ أنَّهُ يَجوزُ أنْ يُفرَدَ بالصِّيامِ وحدهُ،ولو وافقَ يومَ السَّبتِ أو غيرِهِ , لأنَّ صَومَهُ سُنَّةٌ مُستَقِلَّةٌ،ومن أحكامهِ أنَّهُ يجوزُ صيامُهُ ولو كان على المسلمِ قضاءٌ من رمضانَ,فعظِّموا يومَ عرفةَ وصوموه لله تعالى وحثُّوا أولادَكم وأهلِيكم على ذلكَ, ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ وادعوا وأنتم موقنون بالإجابة، فإنَّ الله قريبٌ من عبادِهِ لا تخفى عليه خافيةٌ، عفوهُ واسعٌ، وَرَحْمَتُهُ وسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ.
نحنُ ندعو الإلهَ فِي كلِّ كَرْبٍ ثُمَّ نَنْسَاهُ عندَ كَشْفِ الكُرُوبِ
كيفَ نَرجُو إجـابَةً لِدُعَـاءٍ قَد سَدَدْنَا طَرِيقَهَـا بالذُّنُوبِ
أقول ما تسمعون واستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الدَّاعي إلى توحيدِه وجنَّتِهِ ورضوانِهِ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه أَمَرَنَا بِإتِّبَاعِ سنُّتِهِ والسَّيرِ على مِنوالِهِ صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِهِ وأعوانِهِ ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدِّين , أمَّا بعدُ , فاتقوا الله يا مؤمنون واشكروه على ما تفضَّل به عليكم من التَّقرُّبِ إليهِ بذبح الأضاحي,التي هي من أعظمِ شعائِرِ الدِّين وهي سنةُ أبينا إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ولما سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن الأضاحي قالَ: (سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) قال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما: أقامَ النَّبيُّ بالمدينةِ عشرَ سنينَ يضحي. وقال ابنُ القيم رحمه الله: "ولم يكن يدعُ الأضحية". وقد قال بوجوبِها عددٌ من العلماء لقولِ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ, فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ) قال الشيخُ محمدُ بنُ العثيمينَ رحمه الله والقول بالوجوب أظهرُ بشرطِ القُدْرَةِ أما الْمدينُ فإنَّه لا تلزمه الأضحيةُ بل إنْ كان عليه دينٌ فينبغي أنْ يبدأَ بالدَّين قبلَ الأضحيةِ )وبعضُ إخوانِنا قد يتذمَّرُ من ارتفاع أسعار الأضاحي مقارنةً بأعوامٍ مضت فيجعلُ ذلك مُبررا على عدم شراءِ الأضحية وهو قادرٌ وموسرٌ!وبالمقابل ينفقُ أضعافَ هذه المبالغِ لقطعةِ أثاثِ منزليَّةٍ ,أو في نزهةٍ عائليةٍ !ويتكاثرُ سعرَ أُضحيةٍ سنويَّةٍ !فيا أخي دَعْ عنكَ كيدَ الشيطانِ وبادر بشراءِ أضحيتكَ ,فالشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ المَغْفِرَة وَالفَضْل!ولنحذر كذلك من التَّبَاهي بالأسعَارِ والتَّفاخرِ بذلك فكأنَّ بعضَ النَّاس يَمُنُّ على ربِّهِ بنفقتِه وأضحيتِه بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ومن أحكامها أنَّ الأصلَ أنَّها تكون عن الأحياء ويجوزُ أن يُشركَ معه في الأجر والثَّواب من أراد أحياءً وميتين,
ويشترط في الأضاحي أن تكونَ من بَهيمةِ الأنعامِ وهي الإبلُ والبقرُ والغنمُ وأنْ تبلغ السنَّ المعتبر شرعا,وأنْ تكونَ سالمةً من العيوب فقد سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم : ماذا يُتَّقى من الأضاحي فأشار بيده (فَقَالَ :أَرْبَعًا الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِى » ويسأل بعضُ الناس عن الْخُرَّاجِ الذي في الأضحية وهو الطَّالوع , فقد قال الشيخ ابنُ العثيمينَ رحمه الله:إنْ كان الطَّالوعُ حيَّاً مُفسِداً لِمَا تحته من اللحم فلا تجزئُ الأضحيةُ وإن كان ميتا فلا يضر .
ويشترطُ في الأضحيةِ كذلك أن تكونَ مُلكا للمضحي أو مأذونا له فيها وبعضُ الناس يتأخَّر في تسديدِ المبلغِ أو يماطلُ فيها وهذا لا يجوز أصلا فكيف إذا تعلَّق المبلغُ بنسكٍ !؟ وآخرُ الشروطِ أن يكون الذَّبحُ في الوقت الْمُحدَّدِ شرعا فعن البراءِ بنِ عازبٍ قال: قال الرسولُ الله : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِى يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكَ فِى شيءٍ ) فيا عباد الله : طيبوا بِها نفسا واستسمِنُوها وأخلصوا بِها لله تعالى ( فإنَّ الله طيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طيّباً) تقبل الله منَّا ومنكم صالح القول والعمل.
أيُّها المؤمنونَ:عيدُ الأضحى شِعَارُنَا به نَفْخرُ وَنَسْعَدُ, ونتقرَّب إلى الله ونَسجُد,فحضورُ العيدِ عبادةٌ,وقد عَدَّه جمعٌ من العلماء أنَّه فرضٌ على الأعيان لأنَّ رسولَنا الكريمَ عليه أفضلُ الصلوات وأزكى التَّسليم أمرَ العواتقَ وهنَّ البناتُ الأبكارُ البالغاتُ,وذواتُ الْخُدُورِ وهنَّ البناتُ الصَّغيراتُ,حتى الحيَّضَ أمرهُنَّ أنْ يخرجنَ لصلاةِ العيد وأنْ يشهدنَ الخيرَ ودعوةَ المؤمنين إلا أنَّ الْحُيَّضَ يعتزلن المصلى,ويسنُّ لنا معاشر الرِّجال الاغتسالُ والتَّطيُّبُ ولبس أحسنَ ما نجدُ,أمَّا النِّساءُ فيخرجنَ مُحتشماتٍ غيرَ مُتَطَيِّبَاتٍ ,والسُّنةُ أن تذهبَ مَشْيَاً على الأقدام ولا تَأكُلَ شيئا قبل صلاة العيد حتى تأكل من الأضحيةِ وأن تذهب من طريق وتعودَ من آخر,
أيُّها المؤمنون:أكثروا في أيامِكم هذه من ذكر الله,وارفعوا أصواتَكم بذلك خاصة عند الخروج لصلاة العيد , فقد كان رسول الله يخرج في العيد رافعا صوتَه , وإذا دخلتم مصلى العيد فلا تجلسوا حتى تصلُّوا فيه ركعتين , تحية المسجد , لأنَّه يُعدُّ مسجداً ,
أيُّها المؤمنون : نحن في عشرٍ فاضلةٍ وجمعةٍ مباركةٍ وفي بيتٍ من بيوتِ الله تعالى , وننتظرُ فريضةً من فرائض الله , والله تعالى جوادٌ كريم , حليمٌ رحيم , وقد شكونا إلى ربِّنا تأخُّرَ المطرِ فلا يأسَ من روح الله ورحمته , فربُّنا الرحيم الرحمن يدُهُ مَلائَ سحَّاءَ الليل والنَّهار , فارفعوا أكفَّ الضراعة إلى بارئِكم,واسألوه بقلوبٍ مؤمنةٍ صادقةٍ مشفقةٍ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فاللهم يا حيُّ يا قيومُ , يا ذا الجلال والإكرامِ والفضلِ والخير والإنعام إنَِّا نسألكَ الغيثَ والرحمةَ ولا تجعلنا من القانطين
بواسطة : admincp
 0  0  2.0K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 12:57 صباحًا الجمعة 1 شعبان 1446 / 31 يناير 2025.