خطبة الجمعة 25-10-1432هـ بعنوان العَقِيدَةُ في الوَطَنِ
الحمدُ لله أعلى معالم َالعلمِ وأعلامَه،وأظهرَ شَعَائِرَ الشَّرعِ وأحكامَه،بعث الرسلَ إلى الحقِّ هادينَ وأخلَفهم بعلماءَ إلى سُننِ الهُدى داعينَ,نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ المبينُ ، ونشهد أنَّ نبيَّنَا محمدا عبدُ الله ورسولُهُ القويُّ الأمينُ,صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه،وعلى آلِه الطَّيِّبينَ،والتابعينَ لهم ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ .
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله تعالى يا مسلمونَ وأطيعُوه, واتَّبعوا أمرَه ولا تعصُوه، وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ عبادَ اللهِ: إنِّنا مُطالبون بالتمسُّكِ بشريعتِنا الغَرَّاءِ والعَضِّ عليها بالنَّواجذِ وحمايةِ جنابِها من أنْ تُخدَشَ أو تُثلَم،فهذه وصيِّةُ رسولِ اللهِ لنا القائِلِ: (عليكم بسُنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشِدينَ المهديِّينَ من بَعْدي، تَمَسَّكُوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأمور، فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ) لذا كانَ على العلماءِ الأجلاء،وأهلِ القضاءِ والإفتاءِ،وعلى ولاةِ الأَمرِ الفُضلاءِ, أمانةٌ ثقيلةٌ،ومَهَمَّةٌ خطيرةٌ،لا بدَّ من القيام بها،ليُحْفظَ الدِّينُ ويُحمى من التَّزوير والتَّجهيلِ، فقد قالَ : ( يَحمِلُ هذا الدِّينِ من كلِّ خَلَفٍ عُدُولَهُ،يَنفُونَ عنهُ تَحريفَ الغَالينَ،وانْتِحَالَ المُبطِلِينَ،وتأويلَ الجاهلينَ) فقد أخذَ اللهُ عليهمُ العهدَ والميثاقَ أن يُبَيِّنوا للنَّاسِ ٱلْكِتَابَ وَلاَ يكْتُمُونَهُ,فَكِتمَانُ العلم والحقِّ! من أسبابِ العذابِ الْمُهينِ، ألم يَقُلِ المولى: إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ وبمقابلِ هؤلاء مَدَحَ اللهُ الذين يُبَلِّغونَ رسالاتِ اللهِ بكلِّ أمانةٍ وصِيانَةٍ،فقالَ: ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالـٰتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً وقال النبيُّ في خطبته : ( ألا، لا يَمنَعَنَّ رَجُلاً هيبةُ النَّاس أنْ يَقُولَ بِحقٍّ إذا عَلِمَهُ فإنَّه لا يُقَرِّبُ من أجلٍ ، ولا يُباعِدُ من رِزقٍ أنْ يُقالَ بِحَقٍّ أو يُذكَّرَ بِعَظِيمٍ )
فيا علماءَ الأمَّةِ : بَلِّغُوا رسالةَ الله، لِتُحَقِّقُوا الْمَصَالِحَ والْمَرابِحَ ،وتدفعوا الْمَفَاسِدَ والقبائِحَ. ويا ولاةَ الأمرِ الأكارمِ:أخلِصُوا للنَّاسِ بالعملِ,وقوموا بما أوجبَ اللهُ لهم من حقِّ الرِّعايةِ والحمايةِ فقد قالَ رَسُولُ اللهِ : «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» بل أمر رَسُولُ اللهِ الولاةَ والرُّعاةَ فقالَ:«وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا »
أيُّها المسلمونَ:ومما يجبُ بيانُهُ هذه الأيامَ نصحاً للأمَّةِ,وَكَشْفَاً لِلغُمَّةِ أنَّ أعيادَنا الشَّرعيةَ ثلاثةٌ ليس في الإسلامِ سواها !فقدوتُنا رسولُ اللهِ وصحابتُه الكرامُ فلم يُقيموا لأعمالِهم عِيدا,ولو كان خيراً لسبقونا إليه سَبْقاً أَكِيدَاً. قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ ) قال الشَّيخُ ابنُ العثيمينَ رحمهُ اللهُ: (عيدُنا معشرَ المسلمينَ ليس عيدَ مُبتدعةٍ، ولا مُشركينَ، فالأعيادُ الشَّرعيةُ ثلاثةُ عيدُ الأسبوعِ, وهو يومُ الْجُمُعَةِ، وعيدُ الفطرِ وعيدُ النَّحرِ، وليسَ في الإسلامِ سِواها عيدٌ. ليسَ في الإسلامِ عيدٌ لميلادٍ، ولا لانتصارِ جيوشٍ وأجنادٍ، ولا لِتَسَلُّمِ زِمَامِ الْمُلكِ والرِّئَاسَةِ على العِبادِ،فهذا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لَمْ يُقِمْ أصحابُهُ، لِميلادِهِ عِيداً،وهذه انتصاراتُ المسلمينَ لَمْ يُقِمِ المسلمونَ لها عيداً،وهذا قِيامُ الخلافةِ لأبي بَكرٍ وعُمَرَ، وعثمانَ وعليٍّ، وأَكْرِمْ بِهم قادةً خُلفاءَ وولاةً أمناءَ لَمْ يُقِمِ المسلمونَ لِقِيامِ الخلافةِ فيهم عيداً،ولو كانت إقامةُ الأعيادِ لمثلِ هذهِ الأمورِ خيراً لَسَبَقَنا إليهِ مَنْ سَبَقُونَا في العلمِ والعبادةِ من أصحابِ رسولِ الله وأئمةِ المسلمينَ بَعْدَهُم ) عبادَ اللهِ : هذه عقيدةٌ صَرِيحةٌ ,ولِمَزِيدٍ من النُّصح والتَّوضيحِ,والبيانِ والتَّوجيهِ,فإنَّ اعتقادَ ما ذُكرَ لا ينافي الحُّبَّ الغَرِيزِيَّ للأَوطانِ!فحينَ يُولَدُ إنسانٌ في أرضٍ وَينْشَأُ فيها فإنَّ فِطرَتَهُ تَربِطُهُ بِها فَيُحِبُّها ويُوالِيها! فقد قَرَنَ اللهُ حبُّ الأرضِ بحبِّ النَّفسِ فقالَ: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وهذا رسُولُ اللهِ يُعلِن عن حُبِّه لوطَنِه مكَّةَ،وهو يُغادِرها مُهاجرًا فقد وقَفَ بالحَزْوَرَةِ وهيَ رابيةٌ قُربَ المسجِدِ الحرامِ فقالَ: (واللهِ، إنَّكِ لأحَبُّ البقاعِ إلى اللهِ وأحبُّ البقاعِ إليَّ،ولولا أنِِِِِِِِّي أُخرِجتُ منكِ ما خَرَجتُ) وَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ أنَّه سَيَبْقَى في المدينةِ دَعَا اللهَ أنْ يُحَبِيبَها إليه. قالَ ابنُ حَجَرٍ رحمهُ اللهُ: "وفيه دلالةٌ على فضلِ المدينةِ، وعلى مَشرُوعيةِ حُبِّ الوَطَنِ والْحَنِينِ إليه"
وللأوطانِ في دَمِ كلِّ حرٍّ يدٌّ سَلَفت ودَينٌ مُستَحَقُّ
وإذا كان هذا المعنى في كلِّ البُلدَانِ فما بالُكم بغُرَّة جَبِينِ الأوطانِ,وَقُرَّةِ عُيونِ الزَّمانِ والمكانِ بَلَدِ التَّوحيدِ والعَقِيدةِ ومَهدِ السُّنة والرِّسالَةِ وَمَهْبِطِ الوحيِ والقرآنِ وَمَأْرِِزِ الإيمانِ أَرضِ الْحَرَمَينِ وقِبلَةِ الثَّقَلَينِ؟! غير أنَّ ذلكَ كُلَّه لا يحمِلُنا على عصبِيَّةٍ لِلتُّرابِ والطِّينِ والجنسِ على حِسَابِ العقيدةِ والدِّينِ،لا يحمِلُنا على غَمْطٍ لأِخوُّةِ العقيدةِ الإسلاميَّةِ التي تَتَسَامَى عن الْحُدودِ الْجُغرَافِيَّةِ والنَّظراتِ الإقليميَّة حاشا وكلاَّ.فقد قالَ أصدقُ القائِلينِ: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ وأينما ذُكِر اسمُ الله في بلدٍ عَدَدتُ أرجاءَه من صُلبِ أوطَانِي ولا يَحمِلُنا كذلكَ أن نُجَسِّدَ حُبَّ الموطنِ في زَمَنٍ مَحدُودٍ أو بِطُقوسٍ مُعَيَّنةٍ فذالِكُم الْمَحذُورُ! فاللهم أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ ووفِّق ولاةَ أمورِنَا لِمَا تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى,وارزقهم بطانةً صالحةً ناصحةً ياربَّ العالمين .أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروه، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمد لله، تعاظمَ واقتدر، وعزَّ سُلطانُهُ فَقَهَر، نَحمدُه كثيراً كما أَمَرَ، ونَشكُرُهُ وقد تَأَذَّن بالزِّيادة لِمَن شَكَرَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَيرِ البَشَرِ، الشَّافِعِ الْمُشَفَّعِ في الْمَحْشَرِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الغُرَرِ، والتَّابعينَ ومن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمُستَقَرْ. أمَّا بعدُ: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ ، وشرَّ الأمورِ مُحدَثَاتُها، وكلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ.
أمَّةَ الإسلامِ، ما أحوجَ أُمَّتنا وقد أحاطَت بها الفِتَنُ من كُلِّ جانبٍ أنْ تعِيَ خُطُورَةَ ما يَمُرُّ بهِ وَطَنُ الإسلامِ،فيحمِلُنا ذلِكَ على الأخذِ بعوامِل العُمرَانِ,والحذَرِ من أسبابِ الخُسرانِ، فما عُمِرتِ الأوطانُ بمثلِ الأخذِ بالعقيدةِ الإسلاميِّةِ,وتحكيمِ الشَّريعةِ الرَّبانيَّةِ قالَ تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ فإنَّ الذنوبَ والمعاصيَ خَرابُ الدِّيارِ وهلاكٌ وَدَمَارٌ،إذِ المواطنةُ الصَّالِحَةُ ليست كَلِماتٍ تُردَّدُ ولا شِعاراتٍ تُرفَعُ، إنَّما إخلاصٌ وتفاعلٌ, وصِدْقٌ وَعَمَلٌ، لا يَقبَلُ التَّلوُّنَ ولا يَخضَعُ للمسَاوَماتِ والْمُزايَداتِ.
معاشرَ المسلمين، مِن حقِّ أوطانِنِا علينا أنْ نكونَ لِتحقيقِ مَصالِحها سُعاةً، ولِدَرءِ الْمَفَاسِدِ عنها دُعاة، ولأمنِها واستقرارِها حُماة،لِسَانُ حالِنا: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ .
أيُّها الكرامُ:وحتى تَتَبيَّنَ لكم مَظَاهِرُ الوطَنِيِّةِ الصَّادقةِ ويسقُطُ عندَكُم زَيفُ الشِّعاراتِ الكاذِبةِ الخاطِئَةِ!فالمتأمِّلُ يُمكِنُهُ أنْ يُمَيِّزَ بينَ الْمُواطِنِ الصَّالِحِ النَّاصِحِ,وبينَ الكاذبِ الآثِمِ الفاضِحِ ! وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ فهل مَنْ سخَّروا الإعلامَ لِلَّمْزِ بثوابتِ الأمَّةِ ومُسَلَّماتِها مُواطِنونَ صالِحونَ ؟ أينَ أولئكَ النَّفرُ الذينَ استخفُّوا بعقولِ النَّاسِ في رَمَضانَ وطاشوا في لُجَجِ السُّخريةِ والاستهزاءِ بعلماءِ الأمَّةِ ومَسئولِيها من الْمُواطَنَةِ الصَّالِحَةِ والإصلاحِ زعموا ؟! إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ هل من الإخلاصِ والانتماءِ للوطن إشاعةُ الفاحشةِ في اللذينَ آمنوا عَبْرَ طُوفانٍ من الفَضَائِيَّاتِ الْمُخِلَّةِ بالعِفَّةِ والْحِشْمَةِ والأخلاقِ والتي جَلَبَتْ علينا الْخِزيَ والعَارَ والدَّمَارَ؟ أينَ حبُّ الوَطَنِ ممن يسعى لاختِلاطِ التَّعليمِ بين الجنسينِ؟ أينَ حبُّ الوَطَنِ ممن يتشدَّقونَ بِقِيادَةِ المرأةِ وحُرِّيَتِها؟أينَ المواطنةُ ممن يُخَرِّبونَ في البَلَدِ تَفْجِيراً وَتَكْفِيراً وَتَقْتِيلاً وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ أَحسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ يَا وَطَنَ الإِسلامِ!على شَبَابٍ يَعبَثُونَ بِسَيَّارَاتِهِم وَسَطِ الطُّرُقاتِ ويَتَمَايَلُونَ عَلَى أصَواتِ الأغانِي والطَّربِ،أَحسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ يَا وَطَنَ الإِسلامِ! على شَبَابٍ اعتدوا على أرواح النَّاسِ وأعراضِهم وممتلكاتِهم !حقَّاً لقد أضحى ذلكَ اليومُ همَّاً وغمَّاً على كلِّ غَيُورٍ وَمَسئولٍ ! فيا مؤمنونَ :مَن يُحِبُّ الوَطَنَ حَقِيقَةً وَيُرِيدُ لَهُ الخَيرَ وَالنَّمَاءَ لا تَرَاهُ إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى أَمنِهِ وَاستِقرَارِهِ، مُطِيعًا لِوُلاةِ أَمرِهِ نَاصِحًا لِقَادَتِهِ،عَامِلاً بما يُسَنُّ مِن أَنظِمَةٍ وتَعْلِيمَاتٍ،مُقَدِّرًا لما يُبذَلُ لِلبِنَاءِ وَالتَّقَدُّمِ،مُبدِيًا لِلعَالَمِ وَجهَهُ الحَسَنَ،فَلا يُحدِثُ بَلبَلَةً وَلا يَبعَثُ فَوضَى،وَلا يُفسِدُ صَالِحًا وَلا يُخَرِّبُ عَامِرًا.والعَتَبُ ليس على الشَّبَابِ فَحسْب بل على مَنْ سهَّلَ لهم وشجَّعهمْ على ذلكَ ! والعَتَبُ علينا كذلكَ مَعَاشِرَ الأولياءِ إذْ كيفَ نرضى لأبنائِنا بتلكَ التَّجمُّعاتِ ؟ والأدهى والأمرُّ كيفَ نرضى لِنِسائِنا أنْ يَخرُجْنَ إلى أماكنِ التَّجَمُّعاتِ والَّلغَطِ والفوضى ويكنَّ مَصدَرَاً لِلشَرِّ والفِتنَةِ ؟! والله يا كرامُ: إنِّي على يقينٍ تَامٍ أنْ صنيعَ هؤلاءِ الأغرارِ لا يرضي اللهَ ولا رسُولَه ولا المؤمنينَ ولا ولاةَ أَمْرِنَا, إنَّمَا هو عَبَثٌ وطَيشٌ وخُروجٌ على المَألوفِ وحُبٌّ لِلفَوضَى والغَوغَائِيةِ و«الشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ » فذكِّروا الشَّبابَ بفضلِ اللهِ علينا أن أمدَّنا صحةً في الأبدانِ وأمناً في البلادِ ذكِّروهم بقولِ الله تعالى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيَهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ .فَمَا أَحرَانَا أَن نَتَّقِيَ اللهَ وَنَعمَلَ بِطَاعَتِهِ شُكرًا لَهُ وَاعتِرَافًا بِفَضلِهِ،وَأَن نَحذَرَ كُفرَ النَِّعَمِ،وَأَن نَتَعَاوَنَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَنَتَنَاهَى عَنِ الإِثمِ وَالعُدوَانِ،ذَلِكُم أَنَّنَا في مُجتَمَعٍ كَسَّفِينَةٍ واحدَةٍ،فأَيُّ خَرْقٍ فيها فَإِنَّمَا هُوَ إِيذَانٌ بِغَرَقِهَا وَلَو بَعدَ حِينٍ. أَلا فَلْنَلزَمِ الشُّكرَ فَإِنَّهُ قَيدُ النِّعمِ وَضَمَانَةُ بَقَائِهَا وَسَبَبُ ازدِيَادِهَا. ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم .
فاللهم إنَّا نعوذُ برضاكَ من سخطِكَ وبمعافاتِكَ من عقوبتكَ وبكَ منكَ لا نحصي ثناءً عليكَ . اللهم اجعلنا لِنِعمِكَ من الشَّاكرينَ ولكَ من الذَّاكرينَ يا ربَّ العالمينَ. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين وخذ بنواصيهم إلى البِرِّ والتقوى ووفقهم للعملِ الذي ترضى.اللهمَّ اجعلهم هداة مهتدين،اللهمَّ حبب إليهم الإيمانَ وزَيِّنْهُ في قلوبِهم وكرِّه إليهم الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلهم من الرَّاشِدينَ.اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا لِمَا تُحِبُُّهُ وترضاهُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
0
0
1.6K
05-22-1433 09:43 مساءً