• ×

12:48 صباحًا , الجمعة 1 شعبان 1446 / 31 يناير 2025

خطبة الجمعة 04-10-1432هـ بعنوان ما بعد رمضان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله ذي المنِّ والعطاءِ،نحمدُه على الإحسان والنَّعماءِ،نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له,مَنَّ بالهدايةِ والإسلامِ،وتفضَّل على التائبينَ بالعفو والغفرانِ،ونشهدُ أنَّ نبينَا محمداً عبدُ الله ورسوله,إمامُ الحُنَفَاءِ،وسيِّدُ الأصفياء،صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله الأتقياء، وأصحابِهِ الأوفياءِ، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ ما دامتِ الأرضُ والسماءُ،
أمَّا بعد:فاتقوا الله يا مسلمونَ،فالتَّقوى أكرمُ ما أسررتم وأَبَهى ما أَظْهَرتُم.وهي أربَحُ بِضاعَةٍ،فاستقيموا على الخيرِ والطَّاعةِ إلى أن تقومَ السَّاعةُ. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} هنيئًا لمن وُفِّق للصِّيامِ والقيامِ،هنيئًا للتَّائبينَ، هنيئًا للمستغفِرينَ. هنيئًا لنا بقولِ نبيِّنا: (من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّمَ من ذَنبِّهِ)).وقلبُ المؤمنِ يتجاذَبُه خوفٌ ورجاءٌ، ولسانُه يلهجُ بالدُّعاءِ أن يتقبَّلَ اللهُ منه وإنَّما يتقبلُ اللهُ من المتقين.
أيُّها المؤمنون: يمتازُ دِينُنا عن غيرِه من الدِّياناتِ الباطلةِ أنَّهُ دينٌ دائمُ الصِّلَةِ باللهِ تعالى لا يَنفكُّ العبدُ عن ربِّهِ بمجردِ ذهابِ شعيرةٍ أدَّاها،بل يَظَلُّ الإسلامُ مُلازماً لكَ في كلِّ أوقاتِكَ وأحوالِكَ، في بيتِكَ وسُوقِكَ وعمَلِكَ،وفي شعبانَ ورمضانَ وشوالَ وفي كلِّ زمانٍ.( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) بينما لو تأمَّلتَ الدِّياناتِ الأخرى لوجدتَ أنَّ شَعَائِرَهم مُجرَّد طُقُوسٍ جوفاءَ ! لا تَعْدُو أنْ تكونَ مُجرَّد إشباعٍ زَائِفٍ، لا تَصِلُ العَبْدَ بِخَالِقِهِ، ولا تُوجِدُ لهُ سَعَادَةً وطُمأنِينَةً !
من هنا كانت عبودِيَّتُنا لله تعالى مِنَ التَّكلِيفِ بالعمَلِ إلى التَّشريفِ في الَّلحْدِ،( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) فخذوا مثلاً الصلواتُ المفْرُوضَةُ خمسٌ في الفِعْلِ وخمسونَ في الثَّوابِ والأجرِ وهي الصِّلةُ بينَ العبدِ وربِّهِ كُلَّ يومٍ ولَيلَةٍ، وقُلْ مثل ذلك في سائرِ العباداتِ ! بل لم يَقِفِ الارتباطُ بالخالقِ بالفَرَائِضِ فحسبُ؛ حتى النَّوافِلَ كذلكَ؛ ألم يَقُلِ اللهُ في الحديثِ القدسيِّ ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) فأيُّ ارتباطٍ أعظمُ من ذلكَ بينَ مَخلُوقٍ وخالِقِهِ فاللهُ تعالى يحفظُ عليك سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ وَيَدَكَ وَرِجلَكَ عن الحرامِ ويُعطِيَكَ سُؤْلَكَ ويُعِذَكَ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ !
أيُّها المسلمون َ:ولئنْ قالَ الرسولُ الكريمُ (من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّمَ من ذَنبِّهِ)). وقال: ( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )
فقد شَرَعَ لنا أعمالاً بقيةَ السَّنَةِ تُمَاثِلُ هذا العَمَلِ الجليلِ والثَّوابِ الجزيلِ؛ فقد روى الشَّيخان أنَّ رسولَ الله قال: ( مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) وقال: (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) فهذان الحديثانِ وغيرِهِما يَدُلاَّنِ على سعةِ فضلِ اللهِ تعالى وأنَّ هناكَ أعمالاً لها من الخيرِ مِثْلَ ما لِصيامِ رمضانَ وقيامِهِ !مع الإيمانِ بفرضيَّتِهِ والتزامِهِ. فكانت تلكَ الأعمالُ دافعاً على الجِدِّ والاستمرارِ في العملِ ,ولهذا كانَ من توجِيهاتِ نبيِّنا لآله وأمتِهِ أنْ قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ) وسألَ عَلْقَمَةُ رضي اللهُ عنهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنْ الْأَيَّامِ ـ يعني بعملٍ صالحٍ دونَ غيرهِ ـ قَالَتْ لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ ) بل كَرِهَ أهلُ العلمِ أن ينقَطِعُ العبدُ عن العملِ الصَّالِحِ الذي اعتادهُ ؛استنباطاً من حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حين قَالَ لهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ) وذَكَرَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أنَّ من صفاتِ رَسُولِ اللَّهِ أنَّهُ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً "
فلا شَكَّ أنَّ الدَّوامَ على العملِ الصَّالِحِ سِرٌّ من أسرارِ العبوديَّةِ للهِ وعدمُ المِنَّةِ بالعملِ وأنَّ المِنَّةَ للهِ تعالى أنْ وفَّقَكَ وشَرَّفكَ بعبادتهِ!
فأيها المسلمون: داوموا على ما اعتدتم عليهِ من الخير في رمضان ولا تنقطعوا عنه، وخذوا من العمل ما تطيقون واثبتوا عليه ولو كان قليلاً؛ فالقليلُ الدَّائِمُ يَنْمُو ويزكو، والكثيرُ الشَّاقُّ يَنْقَطِعُ ولا يَدُومُ , وفي الحديثِ أنَّ رسولَ اللهِ قالَ: (إنَّ الْمُنْبَتَّ لا أَرْضَاً قَطَعَ ولا ظَهْرَاً أَبْقَى ) أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرَّجيمِ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) قالَ قتَادةُ رحمهُ اللهُ : من استطاعَ منكم ألاَّ يُبطِلَ عَمَلاً صَالِحَاً عَمِلَهُ بِعَمَلٍ سَيءٍ فَلْيفْعَلْ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ؛ فإنَّ الخَيرَ يَنْسَخُ الشَّرَّ، وإنَّ الشَّرَ يَنْسَخُ الخَيرَ، وإنَّ مِلاكَ الأَعمَالِ خَوَاتِيمُها،بارك الله لنا في القرآنِ والسُّنَّةِ، ونفعنا بما فيهما من البَيِّنَاتِ والحكمة، أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الكريمِ المنَّانِ ، نشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك لهُ (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا وسَيِّدَنَا مُحمْدَاً عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ما تعاقَبَ الزَّمانُ .أمَّا بَعدُ:فعليكم بتقوى اللهِ سبحانه، ولزومِ طاعتِه في المَنشَطِ والمَكْرَهِ، والغَضَبِ والرِّضَا، والخَلْوةِ والجَلْوَةِ، ومنْ يَتِّقِ اللهَ يجعلْ له من أمرِهِ يُسرًاْ. نحمَدُ اللهَ على ما يَسَّرَ من مواسمِ الخيراتِ والطَّاعات، فأبشروا يا مؤمنون:يا من صمتم وقرأتم وتصدَّقتم فلِعملِكم الصالحْ جزاءٌ في الدُّنيا وثوابٌ في الآخرةِ، ألم يَقُلِ المولى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ففي ظلِّ طاعتِكم لله تُخبِتُ قُلُوبُكم وتنشرحُ صُدورُ َلمولاكم وَيَحِلُّ بكم الأُنْسُ والاطمِئنانُ.
أبشروا:فثوابُ طَاعَتكمِ ثباتٌ في الدُّنيا عن مضِلاَّتِ الفتنِ وفي الأخرى خَتْمٌ لكَ على الإسلام وأكرم بها مَزِيَّةً: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } أبشروا يا مؤمنون:فجزاءُ عملكم الصَّالِحُ مودَّةٌ في قلوبِ المؤمنين كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قال الشَّيخُ السَّعدِيُّ:وهذا مِن نِعمَةِ اللهِ على عباده،الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح،أنْ وعدَهم محبةً ووِدَاداً في قلوبِ أوليائِه، وأهلِ السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوبِ وُدٌّ تَيَسَّرَتْ لهم أمورُهم وحصلَ لهم من الخيراتِ ما حَصَلَ " أبشروا يا صائمونَ:فجزاءُ عملِكم الصالِحِ تفريجُ كُرُوبِِكم وتيسِيرُ أمورِكم والرِّزقُ الواسعُ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} أما في الأخرى ففي جنّةِ ِ الخُلد ومُلْكٍ لا يَبْلَى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}
فاللهم تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ,وتب علينا إنَّك أنت التَّوابُ الرحيمُ.
اللهم اجعل مستقبلنا خيراً من ماضينا.اللهم إنَّا نسألكَ الثَّباتَ على الأمرِ والعزيمةَ على الرُّشدِ والغنيمةَ من كلِّ بِرٍ والسلامةَ َمن كلِّ إثم والفوزَ بالجنة والنجاةَ من النَّار.
اللهم ارزقنا الاستقامة على دِينِكَ اللهم وزدنا هدىً وصلاحاً وتوفيقَاً.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }

بواسطة : admincp
 0  0  2.2K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 12:48 صباحًا الجمعة 1 شعبان 1446 / 31 يناير 2025.