خطبة الجمعة 23-11-1437هـ بعنوان رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: حَيِيٌّ ستِّيْرٌ
الحَمدُ للهِ يَغفِرُ بِالتَّوبَةِ الكُفْرَ الصَّرِيحَ,وَيَسْتُرُ بِفَضلِهِ العَيبَ القَبِيحَ,نَشهَدُ ألَّا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ,حَيِيٌّ ستِّيْرٌ,يُحْبُّ السِّتْرَ وَيَرْضَاهُ,وَيَكْرَهُ التَّشْهِيرَ والفَضْحَ وَيَأْبَاهُ.وَنَشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ,صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ,وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ,وَمَنْ اتَّبَعَ هُدَاهُ أَمَا بَعْدُ:فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ:وَتَعَرَّفُوا على أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنى,وَصِفَاتِهِ العُلى وادْعُوهُ بِها.فَإنَّ ذَلِكَ يُغَذِّي شَجَرَةَ الإيمَانِ فِي القُلُوبِ,وَيُقَرِّبُ مِنْ الخَالِقِ العَظِيمِ,وَيُقَويَّ خَوْفَكَ مِنَ اللهِ تَعالى,وَرَجَاءَ مَا عِنْدَهُ,والإنَابَةَ إليهِ,وَمَحَبَّتَهُ وَتَعْظِيمَهُ,وَحُسْنَ الظَّنِّ بِهِ,وَصِدْقَ التَّوَكُّلِ عليهِ.أَيُّهَا المُؤمِنُونَ: لِنَتَدَارَسِ اليَومَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنِى,وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ العُلْيَا,بِدُونِها لا يُمْكِنُ أَنْ نَهْنَأَ بِعَيْشٍ,وَلا يَطِيبُ لَنا مُقَامٌ حتَّى بَينَ أَهْلِينَا وَذَوِينَا,مِنْ كَثْرَةَ مَا يَمُنُّ اللهُ بِها عَلينَا قَدْ نَنْسَاهَا زَمَنَاً طَوِيلاً,وَنَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرَا!يَا مَنْ لَهُ سِتْرٌ عَليَّ جَمِيلُ*هَلْ لَي إِلَيكَ إذَا اعْتَذَرْتُ قَبُولُ.أَيَّدْتَنَا وَرَحِمْتَنَا وَسَتَرْتَنَا*كَرَمَاً فَأَنْتَ لِمَنْ رَجَاكَ كَفِيلُ.اجْتَمَعَ قَوْمٌ فَتَشَاوَرُوا:أَيُّ النِّعَمِ أَفْضَلُ؟فَاتَّفَقُوا بِأنَّهُ :مَا سَتَرَ اللهُ بِهِ بَعْضَنَا عَنْ بَعْضٍ!قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ:أَصْبَحَ بِنَا مِنْ نِعَمِ اللهِ مَا لا نُحْصِيهِ,مَعَ كَثْرَةِ مَا نَعْصِيهِ,فَمَا نَدْرِي أَيُّهَا نَشْكُرُ؟أَجَمِيلُ مَا ظَهَرَ؟أَمْ قَبِيحُ مَا سَتَرَ؟فَالحَمْدُ للهِ الذي كَسَانَا بِسِتْرِهِ,وَظَلَّلنا بِعَفْوِهِ وَلُطْفِهِ.عِبَادَ اللهِ:إنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ التي وَرَدَتْ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:السِتِّيرِ بِالكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ،وَدَرَجَ عَلى أَلْسِنَةِ الكَثِير قَولُهُمْ:يَا سَاتِرُ!وَ يَا سَتَّارُ!وَهذِهِ ألفَاظٌ لَمْ تَرِدْ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَإنْ كَانَ مَعْنَاهَا مُقَارِبَا صَحِيحاً,لَكِنَّ الالتِزَامَ بِمَا وَرَدَ أَولَى.قَالَ الإمَامُ البَيهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:"سِتِّيـرٌ:يَعني أَنَّهُ سَاتِرٌ يَسْتُرُ عَلى عِبَادِهِ كَثِيرًا،وَلا يَفْضَحُهُم فِي المَشَاهِدِ.كَذِلِكَ يُحبُّ مِنْ عِبَادِهِ السَّتْرَ عَلى أَنْفُسِهِم، وَاجْتِنَابَ مَا يَشِينُهُم"اهـ كلامه.رَأَى رَسُولُ اللَّهِ رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ يَعْنِي بالفَضَاءِ الوَاسِعِ مِن الأَرْضِ فَكِرَهَ النَّبِيُّ فِعْلَهُ,فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ».وَفِي رِوَايَةٍ:«فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلْيَتَوَارَ بِشَيْءٍ»حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
إخْوَةَ الإيمَانِ:مِن فَضْلِ اللهِ عَلينا أنَّهُ يَسْتُرُ وَلا يَفْضَحُ!بَلْ وَيَكْرِمُ عَلَينَا بِفَتْحِ بَابِ التَّوبَةِ لَنا! وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أنَّهُ يَفْرَحُ بِتَوبَتِنَا إليهِ,مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِنَا لَهُ,وَعَظِيمِ غِنَاهُ عَنَّا!(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25].فَسُبْحَانَهُ مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ. عِبَادَ اللهِ:لَقَدْ كَانَ رَسُولُنَا يُعلِّمُ النَّاسَ وَيُرَبِّيهِمْ عَلى أَنْ يَسْتُرُوا عَلى أَنْفُسِهِمِ!كَمَا فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ وَقِصَّةِ الغَامِدِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما!وَكانَ يَقُولُ لِعُمُومِ المُسْلِمِينَ:"كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ،وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ:يَا فُلاَنُ، قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا،وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ،فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ,وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ"مُسلِمٌ.عِبَادَ اللهِ:ألا تَرَونَ ذَلِكَ واقِعَاً مِنْ سُفَهاءِ الأَحلامِ,وَقَلِيلِ الحَياءِ,وَضَعِيفِ الإيمَانِ! يُمَارِسُونَ المُنْكَرَاتِ ثُمَّ يَقُومُونَ بِتَصْوِيرِ أَنْفُسِهمْ وَمَنْ يُجَالِسُونَ؟!أَو يَتَحَدَّثُونَ على سَبِيلِ الفُحْشِ والافْتِخارِ!وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُحِبُّ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ.فاللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا,وَأَمِّنْ رَوْعَاتِنَا. وَهُو الحَيِيُّ فَلَيسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ*عندَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بالعِصْيَانِ.لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ*فَهْوَ السَّتِيرُ وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ.قَالَ الإمَامُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ:العُصَاةُ يَومَ القِيَامَةِ قِسْمَانِ:مَنْ تَكُونُ مَعصِيَتُهُ مَستُورَةً فِي الدُّنَيا,فَهذا يَسْتُرُهَا اللهُ عَليهِ فِي القِيَامَةِ،وَقِسْمٌ مَعْصِيَتُهُ مُجَاهَرٌ بِها,فَيَفْضَحُهُ اللهُ بَينَ النَّاسِ وَلا يَسْتُرُهُ.اهـ.ذلِكَ عِبادَ اللهِ لأنَّ المُجَاهَرَةَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ,وَدَلِيلٌ عَلى فَسَادِ القَلْبِ وَقَسْوَتِهِ,وَمَرَضِهِ وَطُغْيَانِهِ.واسْتَمِعُوا إلى طَبِيبِ القُلُوبِ والعَارِفِ بِأَحْوالِها,الإمَامِ ابنِ القَيِّمِ وَهُوَ يَقُولُ:وَمِنْ أَضْرَارِ الذُّنُوبِ:أَنْ يَنْسَلِخَ مِنَ القَلْبِ اسْتِقْبَاحُهَا,فَتَصِيرُ لَهُ عَادَةً,فَلا يَسْتَقْبِحُ مِنْ رُؤيَةِ النَّاسِ لَهُ,وَلا كَلامَهُمْ فِيهِ؛حَتَّى يَصِلَ العَاصِي أَنْ يَفْتَخِرَ بِالمَعْصِيَةِ،وَيُحَدِّثُ بِهَا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَمِلَهَا!وَهَذا القِسْمُ مِن النَّاسِ لا يُعَافَوْنَ مِمَّا هُمْ فِيهِ،وَيُسَدُّ عَلَيهِم طَرِيقُ التَّوبَةِ،وَتُغلَقُ عَنْهُمْ أَبْوَابُهَا فِي الغَالِبِ والعِيَاذُ باللهِ.يَامُؤمِنُونَ:ألا تَسْتَغْرِبُونَ مِنْ سَاقِطِينَ يَحْمِلُونَ أَسَماءَ إسلامِيَّةً وَعَرَبِيَّةً,والواحِدُ مِنهُمْ يُغَنِّي مَعَ النَّساءِ السَّاقِطَاتِ وَيَتَرَاقَصُ مَعَهُنَّ!أليسَ هَذا فُحْشٌ وَبَذَاءٌ؟! وَفِيهِمْ وَفي أَمْثَالِهِمْ أنْزَلَ اللهُ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور:19].فَيَا مَنْ يَجْتَرِئُ عَلى حُرُماتِ اللهِ:لا تَغْتَرَّ بِحِلْمِ اللهِ وَسِتْرِهِ عَليكَ؛فَإنَّ أمَامَنا يَوْمَاً تُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ!وَتَذَكَّرْ قَولَ رَسُولِنا اللَّهِ :«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِى لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ».ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).ويا عبدَ اللهِ اسْتَجِبْ لِقَولِ اللهِ تَعَالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) [الأنعام:120].اللَّهمَّ لا تَنْزِعْ عَنَّا ثَوبَ السِّتْرِ وَالحَيَاءِ,وَاحْمِنَا مِنْ الشَّرِّ وَالبَلاءِ,وَجَنِّبنَا إشَاعَةَ الفِتَنِ وَالفَحْشَاءِ,واسْتَغْفِروا اللهَ سَمِيعَ الدُّعَاءِ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا تَخْفَى عليهِ خَافِيَةٌ،الكُلُّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ,السِّرُّ وَالعَلانِيَةُ،دَلائِلُ عِلْمِهِ وَقَدْرَتِهِ بَيِّنَةٌ كَافِيَةٌ,نَشهَدُ أَلاَّ إلَهَ إلاَّ اللهُ،وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،لَهُ المُلْكُ،وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ,وَنَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ,صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ,وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وَمَنْ اهتَدى بِهَدْيِهِ إلى يَومِ المَصِيرِ.أمَّا بَعدُ:فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ وَطَاعَتِهِ.مِنْ لُطْفِ اللهِ بِنَا أنَّهُ ليسَ للذُّنوبِ رَوَائِحُ ولا أَلْوَانٌ,وَقَدْ نُقِلَ عِنْ التَّابِعي الجَليلِ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللهُ قَولَهُ:لَو كَانَت لِلذُّنُوبِ رَائِحَةٌ مَا استَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يُجَالِسَنِي مِنْ نَتَنِ رَائِحَتِي.أيُّها المُؤمِنُ:يَا مَنْ وُفِّقْتَ لِمَحبَّةِ النَّاسِ, وَثِقَتِهِم بِكَ،لَولا سِتْرُ اللهِ عَلَيكَ،لَمَا تَمَّ ذَلِكَ.وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ:اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ إذَا أُعْجِبُوا بِكَ,فَإنَّمَا أُعْجِبُوا بِجَمِيْلِ سِتْرِ اللهِ عَليكَ.أَحْسَنَ اللهُ بِنَا*أَنَّ الخَطَايَا لا تَفُوحُ.فَإذَا المَسْتُورُ مِنَّا* بَينَ ثَوبَيهِ فُضُوحٌ.في الحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما،أنَّ النَّبِيِّ قَالَ:مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ:الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ،أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ،إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا تَوَّابًا نَسَّاءً إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ.صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ.فَنَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلى سِتْرِ اللهِ لِأَمْرَينِ:لأنَّنا خَطَّاءُونَ ضُعَفَاءُ تَستَهْوِينا النَّفْسُ الأَمَّارَةُ,وَتَغْلِبُنا الشَّهَوَاتُ والمُنْكَرَاتُ،فَكُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ!وَنَحْتاجُ إلى السِّتْرِ لِأَنَّ كَثِيراَ مِنْ النَّاسِ لا يَفْقَهُونَ فِي التَّرْجِيحِ بَينَ سَيِّئَاتِ المُؤمِنِ وَحَسَنَاتِهِ،فَإذَا عَلِمُوا عَنْهُ خَطِيئَةً لَمْ يَروا لَهُ خَيرٌ قَطُّ,بَلْ قَدْ يَأخُذُونَ بالإشَاعَاتِ والظُّنُونِ!والمَنْهَجُ الأَقْوَمُ: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا).عِبَادَ اللهِ:وَهُنَاكَ سِتْرٌ مِن الرَّبِّ الرَّحِيمُ أَعْظَمُ فَضْلاً,وَأَجَلُّ قَدْرَاً,ألا وَهُوَ سِتْرُ اللهِ لِلمُؤمِنِ فِي الآخِرَةِ!{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}.قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ أَيْ:تُخْتَبَرُ سَرِائِرُ الصُّدُورِ،وَيَظْهَرُ مَا كَانَ فِي القُلُوبِ مِنْ خَيرٍ وَشَرِّ عَلَى صَفَحَاتِ الوُجُوهِ كَما قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}.فَفِي الدُّنَيا،تَنْكَتِمُ كُثِيرٌ مِن الأُمُورِ،وَلا تَظْهَرُ عَيَانًا لِلنَّاسِ،وَأَمَّا فِي القِيَامَةِ،فَيَظْهَرُ بَرُّ الأَبْرَارِ،وَفُجُورُ الفُجَّارِ،وَتَصِيرُ الأُمُورُ عَلانِيَةً.اللهُ أَكبَرُ يَا مُؤمِنُ:ثُمَّ يَمْتَنُّ اللهُ على المُؤمِنينَ بِسِتْرِهِ! فَأَبْشِرْ إنْ كُنْتَ صَالِحَاً؛فَقَدْ قَالَ :"إِنَّ اللهَ عز وجل يُدْنِي الْمُؤْمِنَ،فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ،وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ،وَيَقُولُ لَهُ:أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ،وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ،قَالَ الله له:فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا،وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ،ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ"متفق عليه.فَالَّلهُمَّ اسْتُرْنَا يَا سِتِّيرُ,الَّلهُمَّ استُرنا فَوقَ الأَرْضِ,وَيَومَ العَرْضِ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ.عبادَ اللهِ:الإيمَانُ باسمِ اللهِ السِتِّيرِ منها:يَجْعَلُنَا أَكْثَرُ حُبَّاً لِلهِ,واشْتِيَاقَاً إليهِ,وَقُرْبَاً مِنْهُ.إيمَانُنَا حَقَّاً وَصِدْقَاً باسمِ اللهِ السِتِّيرِ يَجْعَلُنَا أكْثَرُ حَيَاءً مِنْهُ إذْ كَيفَ نَعْصِيْ مَنْ لا تَخْفَى عَليهِ خَافِيَةٌ!وَهُوَ المُنْعِمُ المُتَفَضِّلُ! وَهُوَ الغَنِيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ!فَتَتَمَثَّلُ دَعَوَاتِ النَّبِيِّ حِينَ يُمْسِي،وَحِينَ يُصْبِحُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي،وَآمِنْ رَوْعَاتِي،وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ،وَمِنْ خَلْفِي،وَعَنْ يَمِينِي،وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي،وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.ألا وَإنَّ مِنْ أعْظَمِ آثَارِ الإيْمَانِ بِاسْمِ اللهِ السِتِّيرِ أنْ يَتَخَلَّقَ المُسْلِمُ بِالسِّتْرِ على الآخَرينَ: (فَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).ومَعنَى السِّتْرِ على النَّاسِ وفَضَلِهِ بابٌ وَاسِعٌ,ولَنَا مَعَهُ وَقفَةٌ بِإذنِ اللهِ تَعَالى.أَلا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلى رَسُولِ الهُدى؛ كَمَا أَمَرَكُمْ جَلَّ وَعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ وَعلى آلِهِ وَأصْحَابِهِ وَأتْبَاعِهِ بِإحسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.الَّلهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ،وَدَمِّر أَعدَاءَ الدِّينِ وَاجْعَلْ بَلَدَنا آمِنًاَ مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلادِ المُسلِمِينَ. الَّلهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ،وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ وَعِبَادَكَ المُؤمِنينَ.الَّلهُمَّ إنَّا نَسأَلُكَ الهُدى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى،الَّلهُمَّ ظَلِّلْنَا بِسِتْرِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحمَتِك وَفَضلِكَ ورِزقِكَ.اجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرينَ،لَكَ شَاكِرينَ،لَكَ مُخْبِتِينَ.الَّلهُمّ وفِّقْ إِمَامَنَا لِمَا تُحِبُّ وَترْضَى،وَفِّقهُ لِهُدَاكَ.انْصُرْ جُنُودَنَا واحفَظْ حُدُودَنا وَرُدَّ كيدَ أعدَائِنا يَارَبَّ العالَمينَ.(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23](رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.
0
0
10.0K
11-23-1437 02:58 صباحًا