مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا
خطبة الجمعة 22-07-1437هـ
الحَمدُ للهِ لا يُحيطُ بِحَمدِه حَامِدٌ،وَلا تَفِي بِقدْرِهِ المَحامِدُ,سُبحَانَهُ عَظِيمُ الشَّأنِ,وَاسِعُ السُّلطانِ لِوجهِهِ جَلَّ وعلا سُبُحاتُ الجَلالِ،لَهُ كلُّ الجَمَالِ،نَشهدُ أَلاَّ إَلهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لا شَريكَ لَهُ، أَصدَقُ كَلمةٍ فَاهَت بها الشِّفَاهُ،ونَطَقت بها الأَفوَاهُ،وَنَشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه،العَارِفُ بِاللهِ حَقًّا،المُتوكِّلُ عليهِ صِدْقًا وَعَدْلاً،المُتَذَلِّلُ له تَعبُّدًا ورِقًّا،صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وباركَ عليهِ وعَلَى آلِهِ الأَطهَارِ وَأَصحَابِهِ الأَخيارِ،وَمَن تَبعهم بإحسانٍ إلى يومِ القرارِ.أَمَّا بَعدُ:فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى،واستَمسِكُوا من الإسلامِ بالعُروةِ الوُثقى.أيُّها الكِرَامُ:اسْتِعمَالُ الخُلُقِ الجَمَيلِ، وَالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الصِّفَاتِ،وَاجْتِنَابُ المُحَرَّمَاتِ والمُشْتَبِهَاتِ،كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ على حَقِيقَةِ الأَدَبِ مَعَ اللهِ،الأَدَبُ الذي هُو أَصْلٌ فِي كُلِّ خَيرٍ!لِكُلِّ شَيءٍ زِينَةٌ فِي الوَرَى*وَزِينَةُ المَرْءِ تَمَامُ الأَدَبْ. قَد يَشْرُفُ المَرءُ بِآدَابِهِ*فِينَا وَإنْ كَانَ وَضِيعَ النَّسَبْ.الأَدَبُ يَا عِبادَ اللهِ:سُلُوكُ الأَنْبِياءِ،وَشِعَارُ الأَتْقِياءِ،مَا اسْتَعْمَلَهُ امْرؤٌ إلاَّ ارْتَفَعَ،وَمَا جَانَبَهُ أَحَدٌ إلاَّ وُضِعَ،وَإذَا كَانَ الأَدَبُ مَعَ الخَلْقِ مِنْ أَجَلِّ المَهَمَّاتِ؛فَالأَدَبُ مَعَ الخَالِقِ العَظِيمِ أَعلَى الصِّفَاتِ وَأَجَلُّ الحَسَنَاتِ!إِخْوَةَ الإيمَانِ: كِلمَاتٌ مَعدُودَاتٌ،تَهُزُّ الكَيَانِ،وَتُوقِظُ الوِجْدَانِ،تَلِينُ لَهَا القُلُوبُ القَاسِيَةُ،وَتَصْحُو مَعَهَا النُّفُوسُ الغَافِلَةُ،قَالَها أَوَّلُ رَسُولٍ مِنْ أُولِي العَزْمِ مِن الرُّسُلِ،وَأَبُوا الأنبِياءِ أَجمَعِينَ!وَعَظَ بِهَا قَوْمَاً عَبَدُوا غَيرَ اللهِ تَعَالى!وَاسْتَنْكَفُوا وَأَعَرَضُوا عَنْ دَعْوَةِ الحَقِّ,وَأَصَرُّوا وَاستَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا!فَقَالَ لَهُمْ نُوحٌ عَليهِ السَّلامُ وَاعِظَاً وَمُذَكِّرَاً: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح:13].يا مُؤمِنُونَ:مَا أَحْوَجَنَا أنْ نَتَخَلَّقَ بِخُلُقِ التَّعْظِيمِ والتَّوقِير فِي قُلُوبِنَا,وَنُرَبِيَّ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ.عِبَادَ اللهِ:كَمْ نَحنُ بِحَاجَةٍ لِهَذِهِ المَوعِظَةِ البَلِيغَةِ,وَقَدْ أَخَذَتْنَا الدُّنْيا بِمُلْهِياتِهَا،وَأُمْطِرنا بِالشَّهَواتٍ,وَالتَفَّتْ عَلينا الشُّبُهَاتُ، وَتَنَافَسْنَا على المَظْاهِرِ،حتَّى فَتَرَتْ عِبَادَاتُنَا،فَلمْ يَعُدْ لَها طَعْمٌ وَحلاوَةٌ!وَتَجرَّأَتْ عَلى الخَطَايَا جَوَارِحُنَا!فَلَمْ يَكَدْ كَثِيرٌ مِنَّا يَسْتَشْعِرُ عَظَمَةَ اللِهِ!إلاَّ مَنْ رَحِمَ!تَأَمَّلُوا قَولَ النَّبِيِّ الأَكَرَمِ عليهِ أَفْضَلُ صَلاةٍ وَأَزْكَى سَلامٍ:«ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ :«تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُوداً عُودَا,فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا,نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ.أتَدْرُونَ:مَا عُقُوبَةُ هذا القَلْبِ؟يَكُونُ:أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكَأسِ الْمَقْلُوبِ,لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».هذا واللهِ ما نَخْشَاهُ يا مَؤُمِنُونَ أنْ تَمُوتَ الغَيرَةُ في قُلُوبِنَا على دِينِ اللهِ تَعالى فلا نَكَادُ نُمَيِّزُ المَعْرُوفَ ولاَ نَنْصُرُ أَهلَهُ,ولا نَكَادُ نُنْكِرُ المُنْكَرَ وَلا نَسْعى لِتَغْييرِهِ!وَنَحنُ الأُمَّةُ الخَيِّرَةُ فِي دِينِها وَأَمْرِهَا وَنَهيِها!عِبَادَ اللهِ:أَلا وَإنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَقَامَاتِ الأَدَبِ مَعَ اللهِ مُقَابَلَةُ نِعَمِهِ بِالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ والدُّعاءِ،وَبِالتَّواضُعِ لِلهِ المُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ, وَعَدَمِ الجُحُودِ وَالكُفْرِ والنُّكْرَانِ!فَسُلَيْمَانُ عَليهِ السَّلامُ لَمَّا آتَاهُ اللهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ,ووَهَبَهُ مُلْكاً لَنْ يَنْبِغِيَ لِأَحَدْ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النمل:19].وَنَبِيُّنا مُحَمَّدٌ لَمَّا أَكْرَمَهُ اللهُ بِخَتْمِ الرِّسَالةِ وَتَثْبِيتِ مُلكِهِ وَفَتْحِ مَكَّةَ دَخَلَهَا مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا للهِ تَعالى،وَدَائِمَا مَا يُرَدِّدُ :"أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا".بِهذا أَمَرَ المُؤمِنينَ اللهُ:أنَّهُ كُلَّما تَجَدَّدَتْ لَهُمُ النِّعَمُ أنْ يَزِيدوا في الشُّكْرِ والذِّكْرِ:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)}إبراهيم:7{.يا عَبْدَ اللهِ:تَذَكَّرْ: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا).فَما الذي يُطْغِيكَ على دِينِ اللهِ تَعالى؟أو التَّلاعُبِ بِشَرْعِهِ المَتِينِ؟تَأَمَّلْ فِي حَجْمِكَ لِتَعرِفَ قَدْرَكَ،مَا حَجمُكَ بِالنِّسبَةِ لِبَلَدِكَ ؟!ثُمَّ مَا حَجمُ بَلدِكَ لِهَذِهِ الأَرْضِ؟!إِذَاً يَامَنْ طَغَى أَنتَ ذَرَّةٌ في الأَرْضِ.وَهَذِهِ الأَرْضُ يَقْبِضُها الرَّحمَنُ يَومَ الدِّينِ وَيَقُولُ:أَنَا المَلِكُ،أَينَ الجَبَّارُونَ،أَينَ المُتَكَبِّرونَ.أفلا تَعقِلُونَ يامُؤمِنُونَ؟! لَقَدْ رَبَّى نَبِيَّنا أَصحَابَهُ على تَعظِيمِ اللهِ وَإِجلالِهِ فَكَانَ الوَاحِدُ مِنْهُم قَرِيبَاً مِنْ اللهِ,رَقِيقَ القَلْبِ، غَزِيرَ الدَّمْعَةِ،سَرِيعَ الأَوبَةِ،قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ:«عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ,لَقَدْ غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ,فَقَالَ عُمَرُ:رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا».فاللهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ,وَإذَا أَذْنَبَ استَغْفَرَ, وَإِذَا ذُكِّرَ تَذَكَّرَ,والحَمْدُ للهِ القائِلِ: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49).بَارَكَ اللهُ لي وَلَكُمْ في القُرآنِ العَظِيمِ,وَنَفَعَنا جَمِيعَاً بِما فيهمَا من الآياتِ والذِّكْرِ الحَكِيمِ,وأستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمينَ فاستَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ فَاطِرِ الأَكوانِ وَبَارِيها،رَافِعِ السَّمَاءِ ومُعلِيها،خَالِقِ الأَنفُسِ وَمُسَويَّها،وكاتِبِ الأَرزَاقِ ومُجرِيها،نَشهدُ أنْ لا إله إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له الكبيرُ المتعَالِ،وَنَشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ,دلَّ على الخَيرِ,وحَذَّرَ من الغِوايَةِ والضَّلالِ,صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى جميعِ الصَّحبِ والآلِ,ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ المآلِ.أمَّا بعدُ:فَأُوصِيكم ونَفسي بِتقوَى اللهِ وتَعظِيمهِ،(مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح: 13، 14]، المُسلِمُ يَعْلَمُ اطِّلاعَ اللهِ تَعَالى عَلَيهِ،فَيمتَلِئُ قَلْبُهُ مَهَابَةً وَوقَارًا،فَيخْجَلُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ،وَ يُبَادِرُ بالتَّوبَةِ إليهِ.وَهَذا مِن أعظَمِ الأَدَبِ مَعَ اللهِ تَعَالَى؛فاللهُ: (يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) [النحل:19].يَتَأمَّلُ المُسلِمُ فِي أَلْطَافِ اللهِ تَعَالَى عَليهِ،فَيَطْمَعُ فِي المَزِيدِ مِنْ فَضْلِ اللهِ, فَيَتَضَرَّعُ بِالدُّعَاءِ،وَبِصَالِحِ القَولِ العَمَلِ: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ)[الشورى:19].يَنظُرُ المُسلِمُ إلى شِدَّةِ بَطْشِ اللهِ وَأَلِيمِ انْتِقَامِهِ,وَسُرْعَةِ حِسَابِهِ،فَيَتَّقِيهِ بِطَاعَتِهِ،وَيَتَوَقَّاهُ بِعَدَمِ إغْضَابِهِ وَمَعْصِيَتِهِ،قَالَ تَعَالى:(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)[الكف:59].وَقَالَ عزَّ مِن قَائِلٍ:(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء:16]. أيُّها المُسلِمُونَ:مَا حَالُنَا حَقَّاً وَصِدْقَاً مَعَ: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا).وَاللهِ لَو رَسَخَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِنَا،لَمَا كَانَ بَينَنَا مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ لِلصَّلاةِ،ثُمَّ يَرضَى أنْ يَكُونَ مَعَ الخَوَالِفِ!أَينَ هَؤلاءِ مِن قَولِ نَبِيِّنا: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْهُ،فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ).أَمَا وَاللهِ العَظِيمِ لَو عَظَّمْنَا اللهَ حَقَّ التَّعْظِيمِ لَمَا تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنَّا عَن صَلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ! فَأَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ.أيُّها المُؤمِنُونَ:لَو عَظَّمْنَا اللهَ حَقَّ التَّعظِيمِ لَقُمْنَا غَيرَةً لِدِينِهِ،وَذَبَّاً عَن شَرِيعَتِهِ فالصَّادِقُونَ همُ: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب: 39].فَمَنْ تَنَقَّصَ مِن الدِّينَ وَتَلاعَبَ بِأَحكَامِ رَبِّ العَالَمِينَ وَجَبَ الرَدُّ عَليهِ والأَخذُ على كِلْتا يَدَيهِ!أيُّها المُؤمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ:مَا قَدَّرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ,وَمَا عَظَّمَهُ حَقَّ تَعظِيمِهِ,مَنْ استَخْفَى مِنَ النَّاسِ،فَإذا كَانَ مَعَهُم كَانَ نَاسِكَاً مُتَنَسِّكَاً،وإنْ غَابَ كَانَ فَاجِرَاً مُتَهَتِّكَاً! (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)[النساء:108].قَالَ الإمَامُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ مَا مَفادُهُ:مِن ضَعْفِ إيمَانِهمِ،وَنُقصَانِ يَقِينِهِم،أنْ تَكُونَ مَخَافَةُ الخَلْقِ عِندَهُم أَعظَمُ مِنْ مَخَافَةِ اللهِ، فَيَحرِصُونَ عَلى عَدَمِ الفَضِيحَةِ عِندَ النَّاسِ،وَقَدْ بَارَزُوا اللهَ بِالعَظَائِمِ،وَلَمْ يُبَالُوا بِنَظَرِهِ إلَيهِم.وَهُوَ مَعَهُم بِالعِلْمِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِم!فَقَدْ جَمَعُوا بَينَ عِدَّةِ جِنَايَاتٍ،وَلَم يُرَاقِبُوا رَبَّ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ!وَمَعَ هَذا لَمْ يُعَاجِلُهُم بِالعُقُوبَةِ بِلْ أمهَلَهُمْ،وَعَرَضَ عَلَيهِمُ التَّوبَةَ وَحَذَّرَهُم. أَخي الكَرِيمَ:مَنْ رَضِيَ بِالمُنْكَراتِ,أَو أَرْسَلَ طَرْفَهُ عَلَى مَحَارِمِ النَّاسِ،وَرَضِيَ بِتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِمْ، وَهَتْكِ حُرُمَاتِهِمْ، ألا يَعلَمُ أَنَّ اللهَ يَغَارُ،وَغَيرَةُ اللهِ أَنْ تُنتَهَكَ مَحَارِمُهُ؟!أَينَ تَعظِيمُ اللهِ يَامَنْ يُقَلِّبُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي المَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ،وَالقَنَواتِ الهَابِطَةِ؟!لَو عَظَّمْنَا اللهَ حَقَّاً لاسْتَحْيَينَا مِنْهُ أَنْ يَرَانَا حَيثُ نَهَانَا،أَوْ يَفْقِدَنَا حَيثُ أَمَرَنَا.يَا أَهْلَ الإيمَانِ والطَّاعَةِ:إِجْلالُ اللهِ تَعَالَى وَتَوْقِيرُهُ أَسَاسُ الانْقِيَادِ والطَّاعَةِ،وَالطَّرِيقُ المُوصِلُ لِمَقَامِ الإحْسَانِ,بِأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ.تَعظِيمُ اللهِ يُورِثُ عِزَّاً وَثَبَاتَاً,وَيَبْعَثُ على الإخْلاصِ،والتَّوَكُّلِ،وَالصَّبْرِ،والرِّضَا،وَكُلُّها أَعْمَالٌ يُحِبُّهَا اللهُ وَيرْضَاها، وَيَجْزِي عَليهَا الجَزَاءَ الأَوْفَى.فاللهم أمْلئ قُلُوبَنَا بِحُبِّكَ وتعظيمِكَ وخشيَتِكَ في الغيب والشَّهادَةِ يا عليمُ يا خَبِيرُ,يا حيُّ يا قَيُّومُ,اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ قُلوباً سَلِيمَةً،وأعمَالاً مُستَقِيمَةً,الَّلهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا،زكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زكَّاهَا،الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ,أَصْلِحْ لَهُ بِطَانَتَهُ وَأعِنْهُ على أَدَاءِ الأمَانَةِ.اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمُؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ.رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.وَلَذكْرُ اللهِ أكبَرُ واللهُ يَعْلَمُ مَا تصنَعُونَ.
0
1
7.1K
07-22-1437 01:04 صباحًا