خطبة الجمعة 19-04-1437هـ بعنوان احذَرَوا الرِّبا بِأَنْوَاعِهِ
الحَمدُ للهِ،تَعَاظَمَ فَاقتَدَرَ،عَلِيمٌ بِمَا بَطَنَ وَمَا ظَهَرَ،أَنعَمَ عَلينَا بِالأَموَالِ وأَخَذِهِا مِنْ حِلِّها كَمَا أَمَرَ وَحَرَّمَ عَلينا الكَسْبَ الْحَرَامَ وَزَجَرَ،نَشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ أنزَلَ الآياتِ والسُّورِ مَوعِظَةً وهُدَىً لِمَن اعتَبَرْ,ونَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُه أَتْقَى البَشَرِ،صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارك عليه وعلى آلِه وأَصحَابِهِ التُّقَاةِ الغُرَرِ،والتَّابعينَ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمُستَقرَّ. أمَّا بعدُ:فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حَقَّ تُقَاتِهِ،واعْتَصِمَوا بِحَبلِ اللهِ ونَجَاتِهِ وَاسْعَوا إِلى جَنَّتِهِ ومَرْضَاتِهِ. أيُّها الْمُسلمونَ:مِنْ نِعمَةِ اللهِ عَلينا أنْ أَبَانَ لنا الحَلالَ والحَرَامَ,وَكَيفَ نَتَعَامَلُ مع الْمُشْتَبِهَاتِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ . في الصَّحِيحينِ أنَّ رَسُولَنا قالَ:«إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ،وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ،وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ،وَعِرْضِهِ،وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى،يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ،أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى،أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ».يا مُسلِمُونَ:بحمدِ اللهِ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَهْتَمُّ بِأَمرِ العِبَادَاتِ وَيَسأَلُ عَنْهَا,لِيَعبُدَ اللهَ عَلَى علْمٍ وبَصِيرَةٍ،ولَكِنَّ الكثيرِينَ منَّا تَخفى عليهم عَدَدٌ من المُعَامَلاَتِ بَيعًا وَشِرَاءً،وَقَرضَاً واقتِرَاضَاً, وتَأجِيراً وَرِهَاناً,مَع أَنَّ البَلِيَّةَ بِهَا أعَظِمُ,وَالسَّلاَمَةَ مِنَ الخَطَأِ فِيهَا أَصعبُ.أَيُّها الكرامُ:إِنَّ التَّعَامُلَ مَعَ الأَموَالِ أَمْرٌ خَطِيرٌ،لِذا جَاءَ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ غَشَّ َوخَادَعَ,أَو أخذَ المالَ بغَيرِ حَقٍّ، أو تَحَايَلَ على شَرْعِ اللهِ تَعَالى!ألا وإنَّ مِمَّا نَهى اللهُ عنهُ وَزَجرَ,وحذَّر منهُ رَسُولُنا وأَبَانَ منهُ الخَطَرَ التَّحَايُلَ على الرِّبا بشتَّى صورِهِ وأَشكَالِهِ,وأَنَواعِهِ وأَحوَالِهِ,وقد رتَّبَ اللهُ عليهِ الوَعِيدَ الشَّديدَ, والعَذَابَ الأَكِيدَ,لأنَّهُ من كَبَائِرِ الذُّنوبِ الذي مَحَقَ اللهُ بَرَكَتَهُ,وجَعَلَ الغَضَبَ على الْمُتَعَامِلِينَ بِهِ, وَحَرَمَهُم من قَبُولِ والدُّعاءِ والعملِ،قالَ تَعَالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ .أَيُّها المؤمنونَ:واستمعوا بِقُلُوبِكُم إلى ما قَالَهُ العالِمُ الزَّكي, والنَّاصحُ الوفِيُّ,الشَّيخُ السَّعديُّ رحمهُ اللهُ عندَ قولِ اللهِ تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ الله الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَالله لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ يُخبِرُنا تَعَالى عن أَكَلَةِ الرِّبَا وَسُوءِ مَآلِهم،وأنَّهم يَقُومُون من قُبُورِهم لِيومِ نُشُورِهِم كَمَن يَصْرَعُهُ الشَّيطَانُ بِالْجُنونِ،فَيَقُومُونَ حَيارَى سُكَارَى مُضطَرِبِيْنَ،مُتَوَقِّعِينَ لِعَظِيمِ النَّكَالِ وَعُسْرِ الوَبَالِ،فَكَمَا تَقَلَّبَت عُقُولُهم و قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وهذا لا يكونُ إلَّا من جَاهِلٍ عَظِيمٍ جَهلُهُ،أو مُتُجَاهِلٍ عَظِيمٌ عِنَادُهُ!ولَمَّا انسَلَبَتْ عُقُولُهم في طلبِ المَكَاسِبِ الرِّبَويَّةِ,جَازَاهم اللهُ من جِنْسِ أَحوالِهم,ورَدَّ عليهم بأنَّهُ أَحَلَّ البَيعَ لِما فيه من عُمُومِ الْمَصلَحَةِ وشِدَّة الحاجَةِ,وَحَرَّمَ الرِّبَا لِمَا فيه من الظُّلمِ وسوءِ العَاقِبَةِ،فمن جَاءَهُ وَعْظٌ وَتَذْكِيرٌ,فانتَهَى عن فِعلِهِ وانْزَجَرَ فَمُجَازَاتُهُ عِندَ اللهِ,وَمنْ عادَ إلى تَعَاطِي الرِّبَا فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ!ثُمَّ إنَّ اللهَ يَمحَقُ الرِّبَا وَيُذهِبُ بَرَكَتَهُ ذَاتَاً وَوَصْفَاً،فَيكونُ سَبَبَاً لِوُقوعِ الآفاتِ وَنَزْعِ البَرَكَاتِ،وَمَنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِموعِظَةِ اللهِ ولَمْ يَقبْل نَصِيحَتَهُ فَإنَّهُ مُشَاقٌ لِرَبَّهِ مُحارِبٌ لِمولاه،واللهُ يُمهِلُ لِلظَّالِمِ ولا يُهمِلُهُ) انتهى كلامه رحمه الله. أيُّها المُسلِمُونَ:لَقد بَيَّن رَسولُنا الرِّبَا أينَ يَكُونُ!وَكيفَ يَكونُ بَيَانَا شَافِيَاً!فَقَالَ :«الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ،وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ،وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ،وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ،وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ،وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ،مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ،فَمَنْ زَادَ،أَوِ اسْتَزَادَ،فَقَدْ أَرْبَى،الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ».وقال:«فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ،فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ،إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».فَهذهِ أَصنَافٌ نَصَّ عَلَيها رَسُولُ اللهِ وَأَلْحَقَ بِهَا العُلَمَاءُ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا.وَهذِهِ الأَصنَافُ إذَا بِيعَتْ بِشَيءٍ مِنْ جِنْسِها فَلا بَدُّ مِنْ شَرْطَيْنِ:القَبْضُ مِنْ الطَّرَفَينِ فِي مَجْلِسِ العَقْدِ،والتَّسَاوِي بَأَنْ لا يُزَادَ أَحَدُهُمَا على الآخَرِ،فِإنْ اخْتَلَّ أَحَدُ الأَمْرَينِ وَقَعَا فِي الرِّبَا.فاللهمَّ أغنِنَا بِحلالِكَ عَنْ حَرامِكَ وبِفَضْلِكَ عمَّنْ سِواكَ.وَفِّقْنَا لِسُلوكِ الزُّهدِ وَالوَرَعِ,وَجَنَّبَنَا الشُّحَ والطَّمَعَ,اللهمَّ وأَرِنَا الْحَقَّ حَقَّاً وارْزُقْنَا اتِّبَعَاهُ,وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وارْزُقْنَا اجتِنَابَهُ ياربَّ العالمينَ.واستَغفروا اللهَ يا مؤمنونَ,إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ أَبَاحَ لنَا مِن الْمَكَاسِبِ أَطيَبَها وَأزكَاهَا،وأَقوَمَها بِمَصَالِحِ العِبَادِ وَأَوْلاها، وَحَرَّمَ علينا كُلَّ كَسبٍ بُنِيَ على ظُلمِ النُّفوسِ وَهَوَاهَا،أَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريِكَ لهُ خَلَقَ الْخَلِيقَةَ وَبَيَّنَ طَرِيقَ رُشدِهَا وَهُدَاهَا،وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ أَزكَى العِبَادِ وأَتقَاهَا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ سَارَ على نَهْجِهم,إلى يَومٍ تُلاقِي النُّفوسُ مَولاها. أمَّا بَعدُ:أَيُّها الْمسلمونَ:اتَّقُوا اللهَ تَعَالى وأَطيعوهُ،واعْلَمُوا أنَّا لا غِنَا لَنَا عَنْ بَرَكَةِ اللهِ ورَحْمَتِهِ, فَنَحنُ في دارِ مَمَرٍّ،عَمَّا قليلٍ نُغَادِرُ إلى دارِ الْمَقَرِّ،وَنترُكُ ما خَلَّفناهُ لِوارِثٍ,لَهُ خَيرُهُ وَنَفعُهُ,وَعَلينا حِسَابُهُ وَوِزْرهُ,إنْ لَمْ نَقُمْ بِحَقِّهِ!يا مسلمونَ:ألم يُحَذِّرنا رسُولُنا من الرِّبا ويَلعنُ فَاعِلَهُ؟ فقد:«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا،وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ».وَقَالَ:«هُمْ سَوَاءٌ».وكُلُّكم يَعلَمُ حالَ الرَّجُلِ«الذي يَسبَحُ في نَهَرٍ مِنْ دَمٍ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى شَطِّ النَّهَرِ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ،فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ،فَسَألَ رَسُولُ اللهِ عنهُ؟ فقيلَ:هذا آكِلُ الرِّبَا».عبادَ اللهِ:وَمعَ عِظَمِ البَليَّةِ وَخَطَرِ المُصِيبَةِ إلاَّ أَنَّ فِئَامًا مِنَ النَّاسِ لاَ يُلقُونَ لِجَانِبِ ذلِكَ بَالاً،فَلَرُبَّمَا تَرى الرَّجُلَ كَثِيرَ الصَّلاَةِ وَالعبَادَةِ،وَلَكِنَّهُ إِذَا بَاعَ أَو اشْتَرَى غَشَّ* وَخَادَعَ وَأَكَلَ أَمَوالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ،بَلْ ولرُبَّمَا تَحايلَ واحْتَالَ بِأنْوَاعِ الحِيَلِ!كفِعلِ اليَهودِ الْمَقِيتِ!الذي حذَّرَ منهُ النَّبِيُّ حينَ قالَ: (لا تَرتَكِبُوا ما ارتَكَبَتِ اليَهُودُ فَتَستَحِلُّوا مَحَارَمَ اللهِ بِأدْنَى الحِيَلِ). وَقَعَ أُنَاسٌ هَذهِ الأيَّامِ مَعَ انخِفَاضِ أَسْعَارِ الأَسْهُمِ بِحِيلَةٍ شَيطَانِيَّةٍ أنَّ شِرَاءِ الأَسْهُمِ المُخْتَلَطَةِ أو المُحَرَّمَةِ فُرْصَةٌ لا تُعَوَّضُ وَبِإمْكانِنَا أنْ نَتَخَلَّصَ مِن رَأسِ المالِ فِيما بَعَدُ!وهَكذا يُسُوِّلُ لَهُمُ الشَّيطَانُ ويُمْلِي لَهُم!والْمُؤمِنُ هُوَ منْ أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ تَعَالى حَرِيصٌ عَلَى صِيَانَةِ مَالِهِ مِنَ الحَرَامِ, سَائِلاً عَنِ المُشْتَبِهِ عليهِ قبلَ أن يَقَعَ فيهِ.تأمَّلوا:حالَ عَدَدٍ من البطاقاتِ البَنْكِيَّةِ الائتمانيَّةِ التي تَجمَعُ معَ سَوءةِ رِبا الفضْلِ قُبحَ رِبا النَّسيئةِ!تَفكَّروا في تَنافسِ البُنُوكِ على القروضِ الصُّورِيَّةِ! والحيلِ الشَّيطانِيَّةِ!ثُمَّ انظروا فِي الإعلاناتِ المُنْتَشِرَةِ على مَكائِنِ الصَّرفِ وَغَيْرِها,أنَّها تَبيعُ وتَشتري القُرُوضَ والدُّيونَ,واعلموا عبادَ اللهِ أنَّ تلكَ المُعاملاتِ إنْ سَلِمت من الرِّبا الصَّريحِ فَبعضُها يَشتَمِلُ على ألفِ حيلَةٍ وحيلَةٍ!وإنْ سَلِمت من هذا وذاكَ فلا واللهِ لا تَسْلَمُ من جَشَعٍ وَطَمعٍ مَقيتٍ!حرَّمَهُ دِينُنا الحنيفُ!قالَ ابنُ العُثَيمِينَ رَحِمَهُ اللهُ: (ومن المعلومِ أنَّكَ لو أَخَذْتَ من شَخْصٍ مِائَةَ رِيَالٍ بِمائَةٍ وَعَشَرَةٍ مُؤجَّلةٍ لكانَ ذلكَ رِبَاً يَجمعُ بين رِبَا الفَضلِ ورِبَا النَّسيئَةِ,ومن المؤسفِ أنَّ كثيراً من المسلمينَ صاروا يَتَحَيَّلُونَ على هذا بأنواعِ الْحِيَلِ،والحيلةُ أنْ يَتَوصَّلُ الشَّخصُ إلى الشَّيءِ الْمُحرَّمِ بِشيءٍ ظَاهِرُهُ الْحِلُّ فَيَستَحِلُّ مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنى الْحِيَلِ.إنَّهُ بِذَلِكَ يُخادِعُ رَبَّهُ الذي يعلم خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصُّدُورُ,أَفَلا يَقْرَأُ قَولَ اللهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ .أليس في نِيَّتِهِ وَقَرارَةِ نَفسِهِ أنَّهُ يُريدُ ما حَرَّمَ اللهُ؟ولكنَّهُ يَكسُوهُ بثوبٍ من الْخدَاعِ والْمَكرِ!إنَّ أَكثَرَ الْحِيَلِ يَكونُ فيها الشِّراءُ صُورِيَّاً لا حَقِيقِيَّاً لأنَّه لَم يَقصِدِ السِّلعَةَ من الأصلِ إنَّما كيفَ يحصلُ على المالِ النَّقديِّ؟فيا سبحانَ اللهِ العظيمِ أَيَعُودُ الرِّبا الذي عَظَّمَ اللهُ شَأنَهُ في القُرآنِ إلى أنْ يُستَحَلَّ بِصُورَةِ عَقُودٍ فيها عَبَثٌ وَلَعِبٌ!ولا رَيبَ أنَّ هذه الحيلَ تَتَضَمَّنُ مَحَاذِيرَ,أَوَّلُها:أنَّها تَحيُّلٌ على مَحارِمِ اللهِ,ثَانِيها:أنَّها توجبُ التَّمادِيَ في الباطلِ فالمُتَحَيِّلُ يرى أنَّ عَمَلَهُ صَحِيحٌ فَيَتَمَادَى إلى ما هو أَعظَمُ فَيَقْسُو قَلبُهُ،الثالث:أنَّ السَّلعةَ تُباعُ في مَحَلِّها بِدُونِ قَبضٍ ولا نَقْلٍ حقيقةً.وهذا معصيةٌ لِرَسُولِ اللهِ فَإِنَّهُ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حتى يَنْقُلُوهَا إلى مَكانٍ آخَرَ.عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنْهُما قَالَ ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لِنَفْسِي لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لاَ تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ الله نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ.ألا فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ:واعْدِلُوا عَن الحَرَامِ إلى الحَلالِ إمَّا بِطَريقِ القَرْضِ الحْسَنِ أو بِشَرَاكَةٍ مَعَهُم,فَفِي الحَلالِ غُنيَةٌ عن الحَرَامِ, والبَدَائِلُ كَثِيرَةٌ بِحَمْدِ اللهِ.وَخُذُوا حِذْرَكُم من الدِّعَايَاتِ البَنْكيَّةِ,والإعلانَاتِ الوَهمِيَّةِ,فَظَاهِرُها فِيها الرَّحمَةُ وَحَقِيقَتُها الخَسَارُ والنَّكَالُ!اللهمَّ واكفنا بِحلالِكَ عن حَرَامِكَ،وأغنِنا ِبفَضلِكَ عَمَّن سِواكَ .اللهمَّ إنَّا نسألكَ الهُدى والتُّقى والعَفَافَ والغِنَى. اللهم لا تجعلِ الدُّنيا أَكبَرَ هَمِّنا ، ولا مَبلَغَ عِلمِنَا ، ولا تُسلّط علينا منْ لا يَرْحَمُنَا .ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار,وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
0
0
8.7K
04-17-1437 10:02 مساءً