خطبة الجمعة 01-02-1436هـ بعنوان اعْمَلُوا صَالِحًا
الْحَمْدُ للهِ الْجَوَادِ الْكَرِيمِ القَائِلِ في كِتَابِهِ المَجِيدِ: [محمد:2].أتَظُنُّونَ يامُؤمِنُونَ:أنَّ مَنْ يَعْمَلُ صَالِحًا تَسْتَوِي حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ بِمَنْ يَعْمَلُ سَيِّئًا؟استَمِعُوا لِقَولِ الحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21].سَاءَ مَا ظَنُّوا فَإنَّ حِكْمَةَ أَحْكَمِ الحَاكِمِينَ وَخَيرَ العَادِلِينَ قَطَعَتْ بِأَنَّ العَامِلِينَ لِلصَّالِحَاتِ لَهُم النَّصرُ والفَلاحُ والسَّعَادَةُ والثَّوَابُ في العَاجِلِ والآجِلِ كُلٌّ على قَدْرِ إحسَانِهِ.كَانَ الْفُضَيْلُ بنُ عِياضٍ رَحمَهُ اللهُ يُرَدِّدُ الآيَةَ وَيَبْكِي،وَيَقُولُ:"يَا فُضَيْلُ،لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَنْتَ"؟.عبادَ اللهِ:مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً حَفِظ اللهُ أَهْلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ!وقَدْ أخَبَرنا اللهُ عنْ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي مَدِينَةٍ كَانَ لَهُمَا كَنْزٌ حُفِظَ بِسَبَبِ: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف:82].قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:«حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبَوَيْهِمَا».نَحنُ يامُسلِمونَ أحوجُ مَا نَكُونُ في هذا الزَّمَنِ بالذَّاتِ لِلتَّزوُّدِ من العَمَلِ الصَّالِحِ لأنَّهُ الثَّبَاتُ فِي الشَّدَائِدِ،والوَاقِي عَنْ المُحَرَّمَاتِ,والحافِظُ عَن الفِتَنِ بإذنِ اللهِ تَعَالى؛وَلِذَا أَوْصَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ حَالَ الْفِتَنِ،وَكُلُّنا يَعلَمُ أنَّ الَّذِين آوَوْا إِلَى الْغَارِ وَانْحَدَرَتْ الصَّخْرَةُ على فَم الْغَارِ وَأَغْلَقَتْهُ ؛أنَّهُم نُجُّوا بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ سَأَلُوا اللهَ بِهَا.فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّ عَمَلَهُ يُسْعِفُهُ فِي كَرْبِهِ جَزَاءً وِفَاقَا،اللهُمَّ اجعَلنا مِن عبادِكَ الصَّالِحينَ المُصلِحينَ المُفلِحينَ,أهدِنا يارَبَّنا لِصالِحِ القولِ والخُلُقِ والعَمَلِ.وأستَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُم فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ يَهدِي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقِيمٍ,نَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ السَّمِيعُ البَصِيرُ,وَنَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه البَشِيرُ النَّذِيرُ,صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه والتَّابعين لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المصيرِ,أَمَّا بَعدُ: فَيا أيُّها المُسلِمونَ أوصِيكُم ونَفْسِي بِتقوى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَتَقْوَاهُ خَيرُ زَادٍ،ونِعمَ العُدَّةُ لِيومِ المَعَادِ،فَاتَّقُوا اللهَ حيثُما كُنتم،وقُومُوا بِالأمرِ الذي مِن أجلِه خُلِقتم، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]. هِنِيئَا لَكُم يَا مُؤمِنُونَ هَذا الوَصْفُ والعُنْوَانُ,فَجَزاءُ إيمَانِكُم وَعَمَلِكُمُ الصَّالِحُ ثَوابَاً في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ!ألا تَعلَمُ يا رَعاكَ اللهُ أنَّ مَنْ يَعمَلُ صَالِحاً لَهُ وِلايَةٌ خَاصَّةٌ مِن اللهِ تَعَالى؟ إِنَّ وَلِيِّيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف: 196].بَلْ أهل الْعَمَلِ الصَّالِحِ لهُمُ التَّمْكِينُ فِي الْأَرْضِ! : وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].واستَمِعُوا إلى الكَلامِ النَّفِيسِ الذي واللهِ خَرَجَ مِنْ قَلْبِ الشَّيخِ السَّعدي عندَ تَفْسِيرِهِ لِهذهِ الآيَةِ ما مَفادُهُ:وهذا مِنْ أَوعَادِهِ الصَّادِقَةِ،فَإنَّ مَنْ قَامَ بِالإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ يَكُونُونَ هُمْ خُلَفَاءُ الأرْضِ،المُتَصَرِّفِينَ فِي تَدْبِيرِهَا،وأَنَّهُ يُمَكِّنُ لَهُم مِنْ إِقَامَةِ دِينِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ،وَأنَّهُ يُبَدِّلَهُم مِنْ بَعدِ خَوفِهم بِالأَمْنِ التَّامِ،بِحيثُ يَعبُدُونَ اللهَ لا يُشرِكُونَ بِهِ شَيئَاً،وَقَد قَامَ صَدْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالإيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ بِمَا يَفُوقُ غَيرَهُم،فَمَكَنَّهُمُ مِن البِلادِ والعِبَادِ،وَلا يَزَالُ الأَمْرُ إلى قِيامِ السَّاعَةِ،فإنَّ مَنْ يَقُومُ بِالإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ،فَلا بُدَّ أنْ يُوجَدَ مَا وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ، وإنَّمَا يَتَسَلَّطُ الكُفَّارُ والمُنَافِقُونَ،بِسبِبِ إخْلالِنا بِالإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ.عبادَ اللهِ:وَمِنَ الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ:دَفْعُ الْعُقُوبَاتِ وَرَفْعُهَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ،الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ، أَوِ التَّمْرِ، لاَ يُبَالِيهِمُ الله بَالَةً» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).فَأَهْلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعُقُوبَاتِ وَرَفْعِهَا بِسَبَبِ صَلَاحِهِمْ وَدُعَائِهِمْ،وأَنَّهُمْ سَبَبٌ لِتَمْكِينِ الْأُمَّةِ وَعُلُوِّهَا وَعِزِّهَا وَفَخَارِها،فَحَقَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَحبَّتُهُمْ وَمُوَالتُهُمْ،وَبُغْضُ أَعْدَاءِهِمْ.أيُّها المُؤمِنُون:أَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَنْفَعُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ،وَتَكُونُ أَنِيسًا لَكُمْ فِي قُبُورِكُمْ،وَذُخْرًا لَكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124].إِنَّنَا عِبادَ اللهِ:أَشَدُّ مَا نَكُونُ حَاجَةً فِي هَذَا الزَّمَنِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَكْثِيرِهِ وَتَنْوِيعِهِ وَالدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ؛لِكَثْرَةِ الْفِتَنِ الْمُحِيطَةِ بِنَا،وَالْكُرُوبِ الَّتِي تُطَوِّقُنَا،وَفِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَنْجَاةٌ وَثَبَاتٌ وَمَخْرَجٌ.فَعلى الأَفْرَادِ والحُكُومَاتِ أنْ يَعمَلُوا الصَّالِحَاتِ,ويَبْتَعدوا عَنِ السَّيِّئَاتِ؛لِيَسْتَحِقُّوا التَّمْكِينَ فِي الْأَرْضِ.يَكْفِي الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَضْلًا، وَأَهْلَهُ شَرَفًا أَنَّ اللهَ زَكَّاهُم فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة:7].وأنَّ لَهُمُ الحَيَاةَ الطَّيبَةَ فَقَالَ سبحانَهُ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].هذا جَزَاؤهم في الدُّنيا أمَّا في الآخِرَةِ فَبَابٌ آخَرُ.رَضِينا بِاللهِ ربًّا،وبالإسلام دِينًا،وبِمُحمَّدٍ نَبِيًّا.عبادَ اللهِ:صَلُّوا وَسَلُّمُوا على الرَّحمةِ المُهداةِ مُحَمَّدٍ.فاللهمَ صَلِّ وَسَلِّم وبَارك على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدينِ.اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبَنَا،وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ،وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ،اللهمَّ إنَّا نَسألُك إيِمانا صَادِقا وعَمَلا صَالِحَا مُتقَبَّلا.اللهمَّ ثَبِّتنا بِالقولِ الثَّابت في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ.واغفر لنا ولِوالدِينا ولجميع المسلمينَ,اللهم آمنَّا في أوطانِنا وأصلح أئمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا,واحقِن دِمَاءَ المُسلمينَ,وأَلِّفْ بَينَ قُلُوبِهم واهدهم سُبُلَ السَّلامِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَز
0
0
2.7K
01-30-1437 11:52 صباحًا