خطبة الجمعة 29-10-1436هـ بعنوان قَصَصٌ من تَعظِيمِ وِمِحَبَّةِ الصَّحابَةِ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
الحمدُ لله منَّ علينا بالإسلامِ،وأَرسَلَ لَنَا خَيرَ الأنامِ,مُحمَّدا عليه أفضلُ صَلاةٍ وأزكى سَلامٍ أَرسَلَهُ اللهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا:لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.[آل عمران :164].نَشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ,لَهُ المَلِكُ العَلاَّمُ،وَنَشْهَدُ أنَّ محمَّدا عبدُ الله ورسولُه وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ؛صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابهِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.أمَّا بَعدُ:فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛واعلموا أنَّنا إلى اللهِ رَاجِعونَ,وأَمَامَهُ مُحاسَبُونَ,لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ. أيُّها المُسلِمُونَ:لقد اختارَ اللهُ لنا أفضَلَ أنبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ،محمَّداًrأَغاثَ اللهُ بِه البَشَرِيَّةَ,فَكَشَفَ بِه عَنَّا الظُّلمَةَ،وأَذهَبَ بِهِ عَنَّا الغُمَّةَ، وعَلَّمَنا بِه مِن الجَهَالَةِ،وأَرشَدَنا بِه مِن الغِوايَةِ،لَمْ يَدَعْ حَسَنَاً إلَّا أَمَرَنا بِهِ،ولا قَبِيحاً إلَّا نَهانا عنهُ, فَأيُّ بَشَرٍ هو أَحَقُّ أنْ يُحبَّ ويُكرمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ؟.أيُّها المُسلِمُونَ:محبَّتُهُ rمن كمالِ الإيمانِ،وأكبرِ أصولِهِ،إذْ هِي مِن مَحبَّةِ اللهِ تَعالى:قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وهذه المحبةُ لازِمُهَا أنْ يَكُونَrأَولَى بِالمُؤمِنِ من أيِّ أحدٍ!مَحبَّةً تتخطَّى النَّفسَ والأهلَ والمَالَ والولدَ.فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ r قال: <مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقرؤوا إنْ شِئْتُمْ :النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ.وَأفْضَلُ أُنَاسٍ فِي كُلِّ أُمَّةٍ مَنْ صَحِبُوا رَسُولَهُم مُؤمِنِينَ بِهِ،مُدُافِعِينَ عَنْهُ،دَاعِينَ إِلى دِينِهِ.وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.وَلِذا كَانَ الصَّحَابَةُ رِضْيَ اللهُ عنهم أَفْضَلُ الأَصحَابِ،وَخَيْرُ الأُمَّةِ،فَهُم سَّابِقُونَ بالإيمانِ والهِجْرَةِ،والجِهَادِ والنُّصرَةِ,وَتَحَمَّلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَنَصْرِ رَسُولِهِ هَجْرَ أَوطَانِهم، وأموالِهمِ وأولادِهِم،وَمُعَادَاةِ عَشِيرَتِهم وخِلاَّنِهم،وَمَهمَا عَمِلَ مَنْ بَعْدَهُم فَلَنْ يَبلُغَ مَبلَغَهُم!
إنَّهُم بَرهَنُوا حَقِيقَةِ المَحبَّةِ قَولاً وَعَملاً لا ادِّعاءً وَزَيفَاً وَدَجَلاً!فلا أظُنُّكم يَارَعَاكُم اللهُ نَسِيتُم قَصَصَ مَحَبَّةَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وعَليٍّ رضيَ اللهُ عنهُم أجمعِينَ لِرَسُولِناrوحِينَ سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِي اللهُ عَنْه:كَيفَ كَانَ حُبُّكُم لِرَسُولِ اللهِr؟قَال: (كَانَ واللهِ أَحبَّ إِلينا مِن أَموَالِنَا وَأولادِنَا وآبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا وَمِنْ المَاءِ البَارِدِ على الظَّمَأِ!نَعم عَبادَ اللهِ:لَمْ تَكُن هَذِهِ المَحَبَّةُ العَظِيمَةُ مُجَرَّدَ دَعَاوَى لَيس عَليها بُرْهَانٌ؛فَإنَّهُ إذَا جَدَّ الجِدُّ وَحَضَرَتْ المَنَايَا كَانَتْ أَجْسَادُ الصَّحَابَةِ دِرْعَاً وَاقِيَاً لِنَبِيِّهم عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ،وَفِي المَغَازِيْ بُطُولاتٌ مَشْهُودَةٌ تُبَرْهِنُ صِدْقَهُمْ وإيمَانَهُم في مَحَبَّتِهِم لِنَبِيِّهم! وَاسأَلُوا إنْ شِئتُمْ أُحُداً يُنْبِئُكُم أنَّ سَبْعَةً مِنْ الأَنْصَارِ استَمَاتُوا دِفَاعَاً عَنْ نَبِيِّناrقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:أُفْرِدَ رَسُولُ اللَّهِrيَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا رَهَقُوهُ يعني اقتَرَبَ الأعْدَاءُ مِنْهُ وأَتعَبُوهُ قَالَ:<مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ >.فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ رَهَقُوهُ أَيْضًا فَقَالَ:< مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ>.فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ. وَأَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ مُجَوِّبٌ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّrبِحَجَفَةٍ لَهُ يعني مُتَرِّسٌ عليه،وَكَانَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ الْقِدِّ يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ،أَوْ ثَلاَثًا،فَأَشْرَفَ النَّبِيُّrيَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ يَا نَبِيَّ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ اللهُ أكبرُ على صِدْقِ الإيمانِ والمَحَبَّةِ,والوفَاءِ والإخلاصِ!أيُّها المُؤمِنُونَ:وَمِن دَلائِلِ صِدْقِ مَحَبَّتِهم لِنَبِيِّناrأَنَّهم مُلتَزِمُوا الأَدَبِ بِحَضرَتِهِ كَأَنَّ على رُؤوسِهِمُ الطَّيرُ قَالَ أُسَامَةُ بنُ شَريكٍ رَضِي اللهُ عنه:كُنَّا عندَ النَّبِيِّrكَأَّنَ عَلى رُؤوسِنَا الرَّخَمُ!ولا يَتَكَلَّمُونَ ولا يَفْعَلُونَ إلَّا بِإذْنِهِ. وَتَأمَّلوا يا رَعاكُمُ اللهُ ذَالِكَ الإجلالُ والتَّعظِيمُ الذي يَصِفَهُ أَنَسُ بنُ مالِكِ رَضِي اللهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِrإذا دَخَلَ المَسجِدَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ مِنَّا إِليهِ رَأْسَهُ غَيرَ أَبِي بَكْرِ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا،فَإِنَّهُمَا كَانَا يَبْتَسِمَانِ إِليه،وَيَبْتَسِمُ إِليهِمَا!بَلْ لَم يَكُنْ أحَدٌ مِنهُم يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِحَضْرَتِهِ وَمَنْ كَانَ جَهْوَرِيَّ الصَّوتِ جَاهَدَ نَفْسَهُ على خَفْضِهِ خَشْيَةَ حُبُوطِ عَمَلِهِ!كَمَا كَانَ مِنْ عُمَرَ وَثَابِتِ بنَ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
عبادَ اللهِ:مِنْ شِدَّةِ مَحَبَّةِ صَحابَةِ رَسُولِ اللهِrلَهُ أنَّهُم كَانوا يَتَفَقَّدُونَ أَحوَالَهُ,وَيَتَلَمَّسُونَ احتِياجَاتِهِ،وَيَتَأَلَّمُونَ لآلامِهِ،في صحيح مُسلمٍ عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِrخَمَصًا يعني أصَابَهُ جُوعٌ شَدِيدٌ فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ لَهَا هَلْ عِنْدَكِ شَيءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِrخَمَصًا شَدِيدًا.فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي فَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا يَعني في قِدْرٍ صَغيرٍ ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِrفَقَالَتْ:لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ قَالَ:فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ.فَصَاحَ رَسُولُ اللَّهr وَقَالَ <يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُورًا فَحَيَّهَلاَ بِكُمْ>.وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:<لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ يعني قِدْرَكُم وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَتَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ>.فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ:بِكَ وَبِكَ.تُعاتِبُهُ.فَقُلْتُ:قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ لِي.فَأَخْرَجْتُ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ:< ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا>.وَهُمْ أَلْفٌ فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ يَعنِي تَغلِي كَمَا هِيَ.وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ. . هذَا ابْنُ خَيْرِ عِبادِ اللَّهِ كُلِّهِمُ * هذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ الْعَلَمُ . يُغْضِي حَياءً و يُغْضَى مِنْ مَهابَتِهِ * فَما يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لا تُخْشى بَوادِرُهُ * يُزِينُهُ اِثْنانِ حُسْنُ الْخُلْقِ و الْكَرَمُ فاللهمَّ إملىء قُلوبَنا يِحُبِّكَ وحُبِّ رَسُولِكَ.وَاغفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ، أقولُ ما تَسمعونَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ مَنَّ علينا بِالمَكرُمَاتِ,نَشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ الأَرضِ والسَّمَواتِ, وَنَشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُه الرَّحمَةُ المُهداةُ,صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأِصحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهجِهِم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ المَمَاتِ.
أَمَّا بَعدُ:فَاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ لعَلَّكُم تَهتَدُونَ.يا مُسلِمُونَ:مَحبَّةُ نَبِيِّناrقُربَةٌ وعِبادَةٌ يَتَقَرَّبُ بِها المُؤمِنُ لِله تَعالى،عِمَادُها الإِخلاصُ للهِ تَعالى،وعُنوانُها المُتَابَعَةُ لِرَسُولِهِ الكريمِ.وإذَا أَرَدْتُمْ أنْ تُشَنِّفُوا آذانَكُمِ بِقَصَصِ مَحَبَّةِ الصَّحابَةِ الكِرامِ لِرَسُولِ اللهِrفاستَمِعُوا إلى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وهُوَ يَقُولُ:قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِrضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ.هَلْ أدركتُم ياكِرامُ:مِنْ مُجَرَّدِ سَماعِ صَوتِهِrعَرَفَ أنَّهُ جَائِعٌ! اللهُ أكبرُ ما هذا الشُّعُورُ المُرْهَفُ والحُبُّ الكَبِيرُ حتى أنْفَاسَهُ وأحاسِيسَهُ وصَوتَهُ كانوا رِضوانُ اللهِ عليهم يَعرِفُونَ مَدْلُولاتِها ومآلاتِها!قَالَ:فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِrقَالَ أَنَسٌ:فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِr : <أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ>.قُلْتُ نَعَمْ.قَالَ:<أَلِطَعَامٍ>.قُلْتُ نَعَمْ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِمَنْ مَعَهُ:<قُومُوا>. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَالَ أنَسٌ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِrبِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى استَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِrفَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى دَخَلاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:< هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ>.فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِrمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ:<ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ>.فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا,ثُمَّ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلاً أَوْ ثَمَانُونَ. عبادَ اللهِ:ولَرَبَّمَا بَكَى أَحَدُهُم لِحَالِ النَّبِيِّrكَمَا وَقَعَ مِن ابنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِrوَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ــ تَصَوَّروا عَلَى حَصِيرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ الإزَارِـــ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِrفَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ وَإِذَا أَفِيَقٌ مُعَلَّقٌ:جِلْدٌ قَدْ ذَهَبَ شَعْرُهُ وَلَمْ يُدْبَغْ. قَالَ:فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ.أي فَبَكَيتُ قَالَ:<مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ>.قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا لِي لاَ أَبْكِى وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ.فَقَالَr:<يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا>. قُلْتُ بَلَى.
وَمِن عَجِيبِ مَا يُروَى مِن مَحَبَّةِ الصَّحَابِةِ الكِرامِ لِنَبِيِّناrأَنَّ رَجُلا مِن أَهْلِ البَصْرَةِ فِي خِلافَةِ مُعَاوِيَةِ بنِ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُقَالُ لَهُ:كَابِسُ بنُ رَبِيعَةَ كَانَ يُشْبِهُ النَّبِيَّr،فَوَجَّهَ مُعَاوِيَةُ أنْ أحضِرُوهُ،فَلَمَّا دَخَلَ عليهِ قَامَ لَهُ،وَقبَّلَ بَينَ عَينَيهِ،فَقَالَ القَومُ:أَتَقُومُ لِهَذا الشَّيخِ وَأَنْتَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ؟قَالَ:نَعَمْ لأنِّي رَأَيْتَ فِيه مُشَابَهَاً مِنْ رَسُولِ اللهِr.وَكَانَ أَنَسٌ إذَا رَآهُ بَكَى وقَالَ: (هَذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِr. أيُّها المُؤمِنُونَ:هَكَذا كانَ القَومُ مَعَ نَبِيِّنَا عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأكثَرُ فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَأَرْضَاهُم؛وَعَسى أَنْ نَأْخُذَ العِبَرَ مِنْ سِيَرِهِم،وأنْ نَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِم،وَنَبْرَأُ إِلى اللهِ مِمَّنْ لَمَزَهُمْ أو تَنَقَّصَهُم. أمَّا حُبُّ الصَّحابِيَّاتِ لِرَسُولِنا فَذَاكَ بَابٌ آخَرُ!وعَجَبٌ يأخُذُ بالألبابِ والعُقُولِ!!
أيُّها المؤمنونَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبه ومن والاه اللهمَّ إنِّا نشهدُ أنَّه بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانَةَ ونَصحَ الأُمَّةَ وجاهدَ في الله حقَّ جهاده .اللهمَّ اجزه عنَّا وعن المسلمين خيرَ الجزاءِ وأوفاهُ .اللهمَّ ارزقنا إتِّبَاعَ سُنَّتِه والتمسُّكَ بها ظاهرا وباطنا قولا وعملا واعتقادا.اللهمَّ إنَّا نسأَلُكَ إيماناً صادقاً ولِسانَاً ذَاكِرَا وعَمَلا صَالِحَاً مُتقَبَّلاً .اللهمَّ ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.اللهمَّ أحفظ علينا ديننَا الذي هو عصمةُ أمرِنا وأصلح لنا دُنيانَا التي فيها مَعَاشُنَا وأصلح لنا آخرتَنَا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير والموت راحة من كلِّ شرٍّ.ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النَّارَ .ربَّنا اغفر لنا ولإخوانِنِا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعلْ في قُلُوبِنا غِلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إنِّكَ رؤوفٌ رحيمٌ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
0
0
11.4K
10-28-1436 08:30 مساءً