• ×

10:08 مساءً , الأربعاء 2 جمادي الثاني 1446 / 4 ديسمبر 2024

خطبة الجمعة 1-10-1436هـ بعنوان مَوسِمُ الخَرَافِ نِعمَةٌ تَستَحِقُّ التَّأمُّلَ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحـمدُ للهِ دَائِمِ الفَضلِ والإحـسَانِ،ذِي العَطَاءِ الوَاسِعِ والامتِنَانِ،نَحمدُهُ سُـبحَانَهُ على مَا أَنعَمَ وأولى,رَبُّنا الذي أَغْنى وأَقْنى،ونَشكُرُهُ على آلاءٍ تَتْرَا،ونَشـهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحـدَهُ لا شَـريكَ لَهُ،لَهُ الأسمَاءُ الحُسنى,ونَشـهَدُ أنَّ نَبِيَّا مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُـولُه صَاحِبُ المَقَامِ المَحـمُودِ، والحَوضِ المَورودِ,اللهمَّ صَلِّ وَسَـلِّم وَبَارِك عَليه،وعَلى آلِهِ وأَصحـَابِهِ والتَّابِعـينَ لَهم بِإحـسَانٍ وإيمانٍ إلى اليَومِ المَشْهُودٍ.مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ:اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَرَاقِبُوهُ,واعْلَمُوا أنَّ عَاقِبَةَ التَّقوى رَشِيدَةٌ،وَنِهَايَةُ أَهلِهَا حَمِيدَةٌ،واشْكُرُوهُ على مَا أَولاكُم وَخَـوَّلَكُم وَحَبَاكُمْ فَإِنَّ نِعَمَ اللهِ عَلى عِبَادِهِ عَدِيْدَةٌ،واللهُ جَلَّ وَعَلا تَأَذَّنْ لِمَنْ شَكَرَ أنْ يَزِيدَهُ.

عِبَادَ اللهِ:تَأمَّلوا الآياتِ الكَريماتِ التي سَأتلوها عليكم الآنَ وارْبِطُوها بِمَا نَعِيشُه هَذِهِ الأَيَّامِ مِنْ مَوسِمِ خَرَافِ التَّمْرِ وَقَطْفِ الرُّطَبِ مِنْ النَّخِيلِ,وأصنافِ الرُّطَبِ التي تُقَدَّمُ,وألوانِها وأشكَالِها,فَلنبدَأ بالأصْلِ الذي قَالَ عنْها الخَلاَّقُ العَلِيمُ: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ*وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ*رِزْقًا لِلْعِبَادِ (ق ــ11).

قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:أنْبَتَ اللهُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ماَ تُعْجِبُ مُبْصِرَهَا،وَتُقِرُّ عَينَ رَامِقِها،وَخَصَّ مِنْهَا النَّخَلَ البَاسِقَاتِ الطِّوَالِ،التَي يَطُولُ نَفْعُها، وَتَرْتَفِعُ إلى السَّمَاءِ،حتى تَبْلُغَ مَبْلَغًا،لا يَبْلُغُهُ كَثِيرٌ مِنْ الأَشجَارِ،فَتُخْرِجُ الطَّلْعَ النَّضِيدَ، المُتَرَاكِبَ المُتَرَاكِمَ المَنْضُودَ بَعضُهُ على بَعْضٍ فِي أَكْمَامِهِ وَقِنْوَانِهِ،مَا هُو رِزْقٌ لِلعِبَادِ،قُوتًا وَفَاكِهَةً,يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَدَّخِرُونَ.

اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ:واللهِ إنَّها نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ تَستَوجِبُ شُكرَ المُنعِمِ سُبحَانَهُ،«فَإِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا».

ألا تَرونَ أيُّها الكِرامُ:أنَّنا فِي هَذِهِ الأيَّامِ يَكثُرُ حَدِيثُنا عَنْ أنواعِ والرُّطَبِ وأَصنَافِهِ وَمَذَاقِهِ؟!بل ويَأخُذُنا العَجَبُ وَنَحنُ نَرَى الأصنَافَ والألوانَ واختِلافَ المَذَاقَاتِ وتِلكَ الكَمِّيَّاتِ المَهُولَةِ! فَلنَتَذَكَّرَ حِينَها قَولَ اللهِ الذي يَدُلُّ عَلى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَبَدِيعِ صَنْعَتِهِ:

وَفِي الْأَرْضِ قِطَـعٌ مُتَجَـاوِرَاتٌ وَجَـنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِـيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الرعد/4).

تَأمَّلوا يامُؤمِنُونَ:أرَاضٍ مُتَجَاوِرَةٍ مُتَقَارِبَةٍ هَذِهِ طَيِّبَةٌ تُنبِتُ بإذنِ اللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ،وَهذِهِ سَبَخَةٌ وأُخرى مَالِحَةٌ لا تُنْبِتُ شَيئَاً،والأرضُ التي تُنبِتُ الأَشْجَارَ أنواعٌ فيها مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ!والنَّخِيلُ بَعضُها صِنْوَانٌ أَيْ:عِدَّةُ نَخَلاتٍ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ،وَغَيْرُ صِنْوَانٍ نَخَلاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كُلُّ شَجَرَةٍ على حِدَتِهَا،وسُبحانَ اللهِ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَأَرْضُهُ وَاحِدَةُ وَجَوُّهُ واحِدٌ وَقَد فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الثَّمَرِ وَالطَّعْمِ.والَّلونِ والنَّفْعِ,والَّلذَّةِ والشَّكْلِ!

فَهَلْ هَذا التَّنَوُّعَ فِي ذَاتِهَا وَطَبِيعَتِهَا؟أم لِبنِي آدَمَ دَخْلٌ فيها؟أَمْ أنَّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ العَزِيزِ الرَّحِيمِ؟! حَقَّا:إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ لَهُم عُقُولٌ تَهدِيهم إلى مَا يَنفَعُهم مِنْ إتِّباعِ وَصَايَا اللهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ،وَأَمَّا أَهْلُ الإعرَاضِ،وَالبَلادَةِ فَهُم فِي ظُلُمَاتِهِم يَعمَهُونَ،لا يَهتَدُونَ إِلى رَبِّهم سَبِيلا ولا يَعُونَ لَهُ قِيلاً.

عبَادَ اللهِ:ولِعَظِيمِ شَأنِ النَّخلَةِ فَقَد ضَرَبَ اللهُ تَعالى بِها مَثَلاً بالإيمَانِ وَشَهَادَةِ أنْ لا إلهِ إلَّا اللهَ فَقَالَ عَزَّ مِن قَائِلٍ حَكَيمَا: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .[إبراهيم:٢٤-٢٥].وَنبِيُّنا قد اختَبَرَ الصَّحابَةَ رِضوانُ اللهِ عليهم يَومَاً حِيَنَمَا جَلَسُوا جَلسَةَ مُؤَانَسَةٍ وَمَوَدَّةِ قَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما:بَينَما نَحنُ عِندَ النَّبِيِّ جُلُوسٌ؛إذْ أُتِيَ بِجُمَّارَ نَخْلٍ فَجَعَلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَأْكُلُ مِنْهُ!أَتَعرِفُ أَخِي مَا الجُمَّارُ؟إِنَّهُ قَلْبُ النَّخْلَةِ.وَقَد كَانَ لهُ في الزَّمَنِ السَّابقِ شَأنٌ عَظِيمٌ,ثُمَّ قَالَ لأصحَابِهِ:"مَثَلُ المُؤمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضَراءَ لا يَسقُطُ وَرَقُهَا،ولا يَتَحَاتُ صَيفَاً ولا شِتَاءً".وَفِي رِوَايَةٍ:قَالَ :"إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً كَالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ".وَفِي رِوَايَةٍ:قَالَ :"إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ". وَفِي رِوَايَةٍ رَابِعَةٍ قَالَ :"أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا،وَلاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا؟"

وَسُبحانَ اللهِ أيُّها الكِرامُ:لَم يَستَطِعِ الصَّحابَةُ الكِرامُ الإجَابَةَ على هذا السُّؤالِ مَعَ أنَّ الدَّليلَ أمامَهُم!فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي!هذا يَقُولُ:هِيَ شَجَرَةُ كَذَا، وآخَرُ يَقُولُ:هِيَ شَجَرَةُ كَذَا.وَرَسُولُ اللهِ يَقُولُ لا فَلَمَّا لَمْ يُجِبِ القَومُ قالَ : هِيَ النَّخْلَةُ.

اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ:كُلُّ هَذِهِ الأوصَافِ الجَميلَةِ فِيكَ أيُّها المُؤمِنُ وأكْثَرُ!فَمَا أوَجُهُ التَّشَابُهِ بَينَكُما أيُّها المُؤمِنُونَ وبَينَ النَّخْلَةِ؟!هذا ما نَتَطَرَّقُ إليهِ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالى,فاللهمَّ انْفَعنَا وارْفَعنَا بِالقُرآنِ العَظِيمِ,وَبِهَديِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ, واجْعَلنا مُبارَكينَ أينَما كُنَّا ياربَّ العَالَمينَ,وأستغفِرُ اللهَ لي ولَكُم ولِسائِر المُسلمينَ فاستَغْفِرُوهُ وتُوبوا إليهِ إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحيمٌ.

الخطبة الثانية:

الحَمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ,نَشـهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحـدَهُ لا شَـريكَ لَهُ،الخَلاَّقُ العَلِيمُ,ونَشـهَدُ أنَّ نَبِيَّا مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُـولُهُ,الصَّادِقُ البَرُّ الأمينُ,صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَاركَ عليهِ وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وأتباعِهِ بِإحسانٍ وإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ,أمَّا بَعدُ فاتَّقوا اللهَ يامؤمِنونَ حَقَّ التَّقوى واشكروهُ على نِعمٍ ظَاهِرةٍ وباطِنَةٍ,ومَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبْقَى.ألا وإنَّ مِن أَوضَحِ أَوْجُهِ الشَّبَهِ بَينَ المُؤمِنِ والنَّخلَةِ:الثَّبَاتُ والاستِقامَةُ فاَلنَّخْلَةُ ثَابِتَةٌ فِي أَصلِهَا،لا تَزِيدُها السَّنَواتُ إلَّا ثَبَاتاً فِي أَرْضِهَا،أَصْلُهَا ثَابِتٌ كَمَا المُؤمِنُ,يَطُولُ عُمُرُهُ وَيَحْسُنُ عَمَلُهُ!تُحيطُ بِهِ الفِتَنُ والشُّبُهاتُ والشَّهَواتُ وَتُحَاوِلُ زَعْزَعَتَهُ،فَيَزْدَادُ تَمَسُكَاً بِرَبِّهِ وَدِينِهِ,وَصَدَقُ اللهُ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ .[إبراهيم:27].

عبادَ اللهِ:وَمِنْ أَوْجُهِ الشَّبَهِ:البَقَاءُ على الهَيئَةِ؛ كَمَا أنَّ النَّخْلَةَ لاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا صَيفَاً وَلا شِتَاءً فَهِي بِكَامِلِ زِيْنَتِهَا.فَكَذَلِكَ المُؤمِنُ لَيسَ لَهُ وَجْهَانَ:وَجْهُ أمَامَ النَّاسِ طَاعَةٌ وَتَبَتُّلٌ!وَوَجْهٌ قَبِيحٌ إذا خَلا بِمَحارِمِ اللهِ وَلَغَ فِيهاَ!المُؤمِنُ لَيسَ لَهُ وَجْهَانَ وَجْهٌ فِي الرَّخَاءِ يَطْغَى وَيَغْفُلُ،وَوَجْهٌ فِي الشِّدَّةِ والضَّرَّاءِ يُقبِلُ وَيَتَذَكَّرُ.بَلْ يَكُونُ مَعَ رَبِّهِ فِي الرَّخَاءِ والشِّدَّةِ،وَالمَنْشَطِ والمَكْرَهِ،والعُسْرِ وَاليُسْرِ،مُتَزَيِّنٌ بِلِبَاسِ التَّقْوَى،يَعبُدُ رَبَّه حَتى يَأْتِيَهُ اليَقِينُ.إنْ بَقِيَ وَحدَهُ لا يَغْفُلُ عَنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ.وإِنْ سَافَرَ فَسَفَرُهُ لا يُنْسِيهِ عِبَادَةَ اللهِ.فَلا يُفَرِّطُ فِي وَاجِبٍ،وَلا يَتَخَلَّى عَن رِعَايَةِ أهلِهِ وَأولادِهِ.يَتَعَامَلُ مَعَ الخَلقِ بِكُلِّ صَفَاءٍ وَصِدْقٍ وَنُصْحٍ وإخلاصٍ.لأنَّهُ يَعلَمُ خُطورَةَ التَّلَوُّنِ والنِّفاقِ!قَالَ :«إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ». فاللهم ثَبِّتنَا على دِينِكَ وعلى صِرَاطَكَ المُستَقيمَ.

أيُّها المُؤمِنُونَ:قَلْبُ المُؤمِنِ أَبيضٌ صَافٍ,كَقَلْبِ النَّخلَةِ أَبيَضٌ حُلْوٌ لا يَحمِلُ غِلاًّ ولا حِقدَاً على إخوانِه المُسلِمينَ,إنْ رأى عِندَهُمْ خيرَاً فَرِحَ لَهم وباركَ لَهُم,وإنْ أتاهُم مَا يَسُوؤُهُم ؛حَزِنَ لِحُزْنِهِم,على لِسَانِهِ دَومَاً وَأبَدا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10].إنْ تَدَنَّسَ قَلبُهُ بِمَعصِيَةٍ بَادَرَها بِالتَّوبَةِ إلى أرحَمِ الرَّاحِمينَ!: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].فاللهم نَقِّنا مِن الذُّنُوبِ والخَطَايا كَما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ مِن الدَّنسِ. عبادَ اللهِ:النَّخْلَةُ فُرُوعُها مُمْتَدَّةٌ فِي السَّمَاءِ وَهَكَذا المُؤمِنُ لَهُ أعمَالٌ مُتَنَوِّعَةٌ,نَفعُها وَخيرُها يَصِلُ إلى كُلِّ النَّاسِ,فَهُوَ مُبَارَكٌ عَلى نَفْسِهِ وَغَيرِهِ،لَيسَ أنانِيَّاً,فَهُوَ المُعِينُ لِإخوَانِهِ السَّاعِي لِمَصَالِحِهِم,البَاذِلُ مَاَلَهُ؛يَتَصَدَّقُ عَلى هَذا,وَيُقرِضُ ذَاكَ،وَيَعْفُوَ عَنْ المُعسِرِ,ويُنْظِرُ المُتَعَثِّرَ.يَبْذُلُ جَاهَهُ لِنَفْعِ إخوانِهِ مُتَمَثِّلاً قَولَ نَبِيِّنا : « اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا».النَّخْلَةُ المُبارَكَةُ تُؤْتِي ثَمَرَهَا كُلَّ حِينٍ وَهَكَذَا المُؤمِنُ لا يَأتيكَ مِنهُ إلا الطَّيِّبُ.أَخلاقٌ فَاضِلَةٌ ومُعَامَلاتٌ كَرِيمَةٌ وآدَابٌ حَسَنَةٌ،(والْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَدِمَائِهِمْ).كَما النَّخْلَةُ مَأمُونَةُ الجَانِبِ!

أيُّها الكِرامُ:النَّخْلَةُ المُبارَكَةُ تَحتَاجُ إلى مَاءٍ يَسْقِيهَا,وَهَكَذا المُؤمِنُ حَيَاتُهُ بِإِيمَانِهِ وَقُرْآنِهِ وإتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ كَمَا قَالَ رَبُّنا تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]. النَّخْلُ لَيسَ على رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بَينَهُ تَفَاضُلٌ وَتَمَايُزٌ كَبِيرٌ!وَهَكَذا أَهْلُ الإيْمَانِ لَيسُوا على دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]."وَلَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي،وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ،وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ".النَّخْلَةُ كُلُّها نَافِعَةٌ وَمُفِيدَةٌ جِذْعُهَا وَلِيفُهَا وأجزَاؤها،وَهَكَذا المُؤْمِنُ أينَمَا حَلَّ نَفَعَ.فَهُوَ):كَحَامِلِ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً). ثَمَرُ النَّخْلِ غِذاءٌ مُتَكَامِلٌ,وَطَعَامٌ تَامٌّ,وَقَد قَالَ رَسُولُنا :«يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ».بَلْ أَخْبَرَنا رَسُولُنا أنْ أكْلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ صَبَاحَا هُوَ أَمْرٌ وِقَائِيٌّ عَنْ المَرَضِ والسُّمِّ والسِّحْرِ،فَقَالَ:«مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ». وَقَدْ جَاءَ الحَدِيثُ مُقَيَّدا بِالعَجوَةِ،وَجَاءَ مُطلَقَاً،فَيَعُمُّ كُلَّ تَمْرٍ بإذنِ اللهِ تِعِالى.مِنْ بَرَكَةِ النَّخلِ تَعَلَّمنا عَدَداً من القَواعِدِ والأحكَامِ الفِقهِيَّةِ فلا يُباعُ ثَمَرٌ حتى يَبدوَ صَلاحُهُ بِأنْ يَحمَرَّ أو يَصْفَرَّ,وأنَّهُ لا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ في بَيعِ التَّمْرِ بالتَّمْرِ وأنَّ هذا عَينُ الرِّبا,كَما فَتَح لنا بَعضَ أنواعِ البُيُوعِ والأَجَارَاتِ التي يَحتَاجُهَا النَّاسُ,كَما أرشَدَنا نَبِيُّنا في كَيفِيَّةِ التَّعامُلِ مَعَ ما يُصِيبُ الثَّمَرَ مِن جَوائِحَ!كَما عَلَّمنا نَبِيُّنا تَحريمَ الغِشِّ ذَالِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ:«مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ».قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ:«أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَي يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى».وهذا تَحذيرٌ لِلباعَةِ!ومع الأسَفِ كَثُرَ الغِشُّ في بَيْعِ التَّمرِ خاصَّةً مَعَ تَولِّي عَددٍ مِن العَمَالَةِ زِمامَ الأُمُورِ.

وجَزى اللهُ الإخوةَ المُنَظِّمينَ لِلسُّوقِ والدَّلَّالِينَ فَليسَ عِنْدَهُم تَهاونٌ في ذالِكَ.يَا أهلَ النَّخِيلِ والمَزَارعِ والاستِرَاحَاتِ يَقُولُ اللهُ تَعالى: وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141].وَقَالَ :«ليسَ في حبٍّ ولا ثَمَرٍ صَدَقةٌ حَتَّى يبْلُغَ خمسةَ أَوْسُقٍ». وَزِنَتُهُ تَقْرِيبَاً سِتُمِائَةٍ واثْنَي عَشَرَ كِيْلو.سـَواءٌ أَرَادَ أَكْلَ الثَّمَرِ أو التَّصَدُّقَ بِهِ أو بَيعَهُ أو إِهدَاءَهُ، كُلُّ ذَلِكَ لا يُسـقِطُ وُجُـوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ.

فاللهمَّ لَكَ الحمدُ على نِعَمِكَ العظِيمَةِ وآلائِكَ الجَسِيمَةَ اجعلنا لِنِعَمِكَ مِن الشَّاكِرينَ ولكَ مِنْ الذاكِرينَ,ولآياتِكَ مِن المُتَفَكِّرينَ والمُتَدَبِّرينَ, اللهم زَيِّنا بِزينَةِ الإيمانِ والتَّقوى, وَارزقنا مِن العَمَلِ مَا ترضى يا رحمانُ,اللهمَّ اهدِنا لأحسن الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ واصرفْ عَنَّا سَيِّئَهَا ياربَّ العالَمينَ.اغفر لنا ولِوالدينا ولجميع المسلمينَ . اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].
بواسطة : admincp
 0  0  3.9K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 10:08 مساءً الأربعاء 2 جمادي الثاني 1446 / 4 ديسمبر 2024.