• ×

11:49 مساءً , الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 11-08-1436هـ بعنوان مَضَى ثُلُثُهُ والثُّلُثُ كثيرٌ - تَفْجِيرُ القدَيحِ عَمَلٌ قبيحٌ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله الذي فضَّل شَهرا على شَهرٍ،وخصَّ بعضَها بِمَزيدِ الثَّوابِ والأجْرِ،نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ لَه،يَعلَمُ السِّرَ والجَهْرَ،ونَشهدُ أنَّ سَيِّدنا ونبِيَّا مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ،نَبِيُّ الرَّحمَةِ واليُسرِ،دَائِمُ العَمَلِ والِبشرِ،صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه,وعلى آلِهِ وَأَصحَابِهِ,وَمَنْ تبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ الحَشْرِ.أمَّا بعدُ.فَأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بِتَقوى اللهِ تَعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ .( يونس ــ 64 ). أيُّها المؤمنونَ:من حِكمَةِ اللهِ البَالِغةِ لِتَعظِيمِ شَهرِ رَمَضَانَ,أنْ هيئَ قَبلَهُ شَهْرَ شَعبَانَ,ولهذا كانَ لِشَهرِ شَعبَانَ عندَ رَسولِنا من الحَفَاوَةِ والعَمَلِ ما يفُوقُ الوَصْفَ والخَيالَ!أمَا وقَد مَضَى ثُلُثُ شَعبَانَ والثُّلُثُ كَثِيرٌ!فَمَاذا عَسَانَا أنْ نُقَدِّمَ في باقِيهِ,فَمِن حَقِّ رَمَضَانَ علينا أن نَصِلَ قَرِيبَهُ ونُكرمَ أَخَاهُ وَقَرِينَهُ.حقاً:إنَّهُ (شَهرٌ يغفُلُ النَّاسُ عنه)كمَا وَصَفَهُ رَسُولُ اللهِ ويَذْكُرُ العُلُمَاءُ استحبابَ عِمَارةِ أوقاتِ غفلةِ الناسِ بالطَّاعاتِ،وأنَّ ذلك محبوبٌ عندَ الله عزَّ وجلَّ،فإنَّهُ أَخفَى لِلعَمَلِ،وأدعى للإخلاصِ وأبعدُ عن الرِّياءِ,والعمَلُ الصَّالِحُ في وقتِ غفلةِ الناسِ شاقٌّ على النُّفُوسِ فَكانَ أجرُه أعظمَ. فاللهمَّ أعنَّا جميعا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادتكِ. عبادَ اللهِ:تقولُ أمُّنا عائشةُ رَضِي اللهُ عنها:كانَ رسولُ الله يصومُ يعني شَعبانَ،حتى نقولَ:لا يُفطِر،ويفطرُ حتى نقولَ:لا يصومُ،وما رأيتُ رسولَ اللهاستكملَ صيامَ شَهْرٍ قطُ إلاَّ شهرَ رمضانَ،وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صِيَامَاً مِنْهُ في شَعْبَانَ.رواه البخاري ومسلم.وعن أُسَامَة بْنَ زَيْدٍ رَضِي اللهُ عنهما قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ!قَالَ: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ،وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ،فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)). حسَّنهُ الألبانيُّ.

عباد الله: لِنَعقِدِ العزَمَ على التَّزوُّدِ من الطَّاعاتِ في باقِيهِ,قالَ الإمامُ ابنُ رَجَبٍ رحمه الله:"صَومُ شعبَانَ كالتَّمرِينِ على صِيَامِ رَمَضَانَ؛لئِلاَّ يَدخُلَ في صومِ رمضانَ على مَشَقَّةٍ وَكَلَفَةٍ،بل يكونُ قد تَمرَّنَ على الصيام واعتادَه،وَوَجَدَ بِصيامِ شَعبَانَ قَبلَهُ حلاوةَ الصِّيامِ ولَذَّتَهُ،فَيدخُلُ في صيامِ رَمضَانَ بقوةٍ ونشاطٍ".انتهى رحمهُ اللهُ.ألا وإنَّ مِمَّا يُسنُّ عَمَلُه في شَعبانَ كَذَالِكَ الإكثارُ من قراءةِ القرآنِ،قال أنسُ رضي الله عنه:كانَ المُسلِمُون إذا دَخَلَ شَعبَانُ أَكَبُّوا على المَصَاحِفِ فَقَرؤوها وأَخَرجُوا زَكاةَ أَموالِهم تَقوِيَةً لِضَعِفِيهم على الصوم.اللهُ أكبرُ:ما أدقَّ فهمَ السَلَفِ لِشرعِ اللهِ!وما أحرصَهم على تَحقيقِ التَّقوى والإيمانِ!ومِمَّا يَنبَغي أنْ نَتواصى بِهِ إخوتي في اللهِ في شهرِ شَعبَانَ أنْ نُعَوِّد أنفُسَنَا على قِيامِ الَّليلِ,فَلقدَ قَدُمَ عَهدُ بعضِنا بِقيَامِ الَّليلِ فلا يَذكُرُوهُ إلاَّ في رَمضانَ الماضي!ولو أنْ نَبدأَ من الليلَةِ بِثَلاثِ ركَعاتٍ,ثمَّ بِخمسٍ وهكذا حتى نَنْشَطَ ونَتَمَرَّن عليه خِلالَ شهرِ القِيامِ!وما أسرعَ تَصَرُّمَ الأيامِ والليال!أيُّها المُؤمنونَ:ومِمَّا يُؤكَّدُ عليهِ في شَعبَانَ صِلَةُ الأرحامِ,وتركُ التَّشَاحُنِ والبَغضَاءِ,واجتنابُ التَّقَاطُعِ والتَّدَابُرِ,وفي أحاديثَ صحَّحها بعضُ العُلماءِ:أنَّ النبيِّ قال: (يَطَّلِعُ اللهُ إلى جَمِيعِ خَلقِهِ لَيلةَ النِّصفِ مِن شَعبَانَ فَيغفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِه إلاَّ لِمُشركٍ أو مُشاحِنٍ).أيُّها الأبرارُ:علينا بِالتَّوبةِ الصَّادِقَةِ النَّصوحِ،والاستغفارِ من جميع الآثامِ، فرمضانُ سَيَحِلُّ بنا قريباً،إن كَتَبَ اللهُ لنا الحياةَ فهيئ نَفسَكَ،وقدِّر نعمة الله عليك، واسأله أن يُبَلِّغكَ رمضانَ،وأن يُعينكَ فيه على ذكره وشكره وحسن عبادته.قال عمرو بن قيس: (طوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان). عباد اللهِ:من كان عليه أيامٌ من رمضانَ الماضي فليبادر بقضائِها من الآن,ومن كانت لأخيه مظلمةٌ أو حَقٌّ فليؤدِّها قبل ألاَّ يكونَ دِرهمٌ ولا دِينارٌ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . ( الحشر ـــ10). فاللهمَّ أعنَّا جميعا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادتكِ.أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية: تَفْجِيرُ القدَيحِ عَمَلٌ قبيحٌ

الحمدُ لله أمرَنا بالاعتصامِ بحبلِهِ المَتينِ،ونهانا عن التَّفرُّقِ والاختِلافِ في الدِّينِ,واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ أثيمٍ,نَشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ المَلِكُ الحقُّ المُبينُ,ونَشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُ الله ورسولُهُ صاحبُ الخُلُقِ العَظِيمِ صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدينِ.أمَّا بعدُ فأوصيكم بِتَقْوَى اللهِ تعالى وَلزُومِ الكتابِ والسنَّةِ وجمَاعَةِ المُسلمينَ: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .(آل عمران ــــ 101) أيُّها المسلمون:مَا حَصَلَ مِنْ تَفْجِيرٍ في القُدَيحِ لَهُوَ غَدْرٌ وخِيانَةٌ!ولو عَلِمَ هؤلاءِ الدَّواعِشُ عقوبةَ الغَدْرِ لَما أقدموا على مِثلِ هذهِ الأعمالِ الدَّنيئَةِ,ولَمَا أقَدَموا كذالِكَ على قَتْلِ أنفُسهم وَتفجِيرِها!فكيفَ يَفعَلونَ مَعَ قولِ اللهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا .( النساء ـــ 107).بِماذا سَيُجِيبُ اللهَ مَنْ عَلِمَ بِقَولِ رَسُولِنا : « مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا». عبادَ اللهِ:لقد جَاءَتْ شَريعَتُنا لِتَحفَظَ الأنفُسَ الْمَعصُومَةَ مِن التَّعدِّيَ عَليها بغَيرِ حقٍّ,حتى لو اختَلَفْتَ مَعَهُم في الدِّينِ والمَذهَبِ!حتى ولو أَجرَمُوا وَفَجَّروا وخَانُوا وتَآمَروا وسَبُّوا!فَضَلالُهم لا يُبَرِّرُ الاعتِدَاءَ عليهم.فلا نَكيلُ لَهم نَحنُ بالغَدْرِ والخِيَانَةِ وما وقع عليهم, لايجعلنا نحبخم ونواليهم, فكلنا ذاق من الغلاة مرارة. ألم يَستَمِعوا لِقولِ اللهِ تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا .(النساء ـــ 93) ؟ ولِقولِ رَسُولِنا: (لَزَوالُ الدُّنْيَا أهونُ عِندَ الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ).وقالَ: (مَنْ قَتَلَ مُؤمنًا فاغْتَبَطَ بِقَتْلهِ يعني فَرِحَ بِقَتْلهِ لم يَقْبلِ الله مِنهُ صَرْفًا ولا عَدْلاً).عبادَ الله:نَعيشُ بِحمدِ اللهِ في مَملَكَتِنا في أمنٍ وأمانٍ وَمحبَّةٍ وسَلامٍ,فَلنُحافِظِ على ذالِك بِشُكرِ اللهِ أوَّلاً وآخِراً,ثُمَّ بالالتِفَافِ حَولَ عُلَمَائِنا وَوُلاتِنا.فالأمنُ كَنْزٌ ثَمينٌ،فِي ظِلّه تُحْفَظُ النُّفُوسُ وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ وتَأْمَنُ السُّبُلُ وتُقَامُ الحُدُودُ,في ظِلِّ الأمْنِ تَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى الله وتُعمَرُ المسَاجِدُ,ويَسُودُ الشَّرْعُ ويَفْشُو المَعْروفُ ويَقِلُّ المُنْكَرُ ويحْصُلُ القَرارُ،وإذا وَقَعَتْ الفِتَنُ أكَلتِ الأخضَرَ واليَابِسَ, وَعَمَّت الصَّالِحَ والطَّالِحَ,فكيفَ إذا كانَتِ الخيانَةُ باسمِ الدِّينِ والجهادِ في سبيلِهِ؟إنَّ هذا لشيءٌ عُجابٌ!فدينُ اللهِ وأهل السنة بَرآءٌ من كُلِّ ذالِكَ!وإنَّما جئنا رَحْمَةً وَعَدْلاً وأمَانَاً للناس! فيا شبابَ الإسلامِ:إلزموا غرزَ عُلمَائِكم واصدروا عنهم فهم من أولي الأمرِ الذينَ أُمرنا بِطاعَتِهم واتِّباعِهم,ولا تَغُرَّنَّكُم الشِّعاراتُ البَرَّاقَةُ,ولا الخُطَبُ الرَّنَّانَةُ,فواللهِ إنَّا لكم مُحبُّونَ وعليكم خائِفونَ اتَّبعوا سبيلَ المؤمنينَ: وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام ــ153). فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدِّين والعقل,والدنيا والآخرة,اللهم أرزقنا إيماناً صادقا,ولسانا ذاكرا, وعلما نافعا,وعملا صالحا متقبلا,اللهم إنا نعوذ بك من مُضلاتِ الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم من أرادنا وأراد ديننا وأمننا وبلادنا بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره وشتت شمله واجعله عبرة للمعتبرين,اللهم وعليكَ بالحوثيينَ والرافِضَةِ المُعتدين ومن ناصرهم.اللهم احفظ حُدُودَنا وجُنُودَنا وبلادَنا وبلادَ المُسلمينَ يارب العالمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى وأعنهم على البر والتقوى وارزقهم بطانة ًصالحة ًناصحة ًيا رب العالمين اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين وخذ بنواصيهم للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم جنبهم الفواحش والفتن,اللهم زِدْنا هُدىً وعَدلاً وتَوفيقاً.اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر ياربَّ العالمين.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عبادَ الله: أذكروا الله العظيمَ يذكُركم واشكروه على عمومِ نعمه يَزِدْكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.
بواسطة : admincp
 0  0  1.8K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:49 مساءً الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024.