الحمدُ لله،تعاظمَ فاقتَدَرَ،وتَعَالَى فَقَهَر،العليمُ بِمَا بَطَنَ وَمَا ظَهَرَ،أَنعَمَ علينا بالأموالِ وأَخَذِهِا مِنْ حِلِّها كَمَا أَمَرَ،وَحَرَّمَ علينا الكسبَ الْحَرَامَ وَزَجَرَ،نَشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ أنزَلَ الآياتِ والسُّورِ،مَوعِظَةً وهُدَىً لِمَن اعتَبَرْ,ونَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه أَتْقَى البَشَرِ،الشَّافعُ الْمُشَفَّعُ في الْمحشرْ,صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابِهِ الغُرَرِ،والتَّابعينَ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمُستَقرَّ.أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حَقَّ تُقَاتِهِ،واعْتَصِمَوا بِحَبلِ اللهِ ونَجَاتِهِ وَاسْعَوا إِلى جَنَّتِهِ ومَرْضَاتِهِ،أيُّها الْمُسلمونَ:من نعمةِ اللهِ علينا أنْ أبانَ لنا الحلالَ والحرامَ,وأوضحَ كيفَ نتعاملُ مع الْمُشتبهاتِ,يقولُ اللهُ تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وفي الصَّحِيحينِ أنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ:«إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ،وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ،وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ،وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ،كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى،يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ،أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى،أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ »وشَرَائعُ الإسْلاَمِ يا كرامُ : إمَّا عِبَادَاتٌ أو مُعَامَلاَتٌ،وَالمُسْلِمُ مُطَالَبٌ أَنْ تَكُونَ عِبَادَاتُهُ وَمَعَامَلاَتهُ صَحِيحَةً عَلَى ما أَمَرَ اللهُ بِهِ وَبَيَّنَهُ رَسُولُهُ ،وبحمدِ اللهِ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَهْتَمُّ بِأَمرِ العِبَادَاتِ وَيَسأَلُ عَنْهَا,لِيَعبُدَ اللهَ عَلَى علْمٍ وبَصِيرَةٍ،ولَكِنَّ الكثيرِينَ منَّا تَخفى عليهم عَدَدٌ من المُعَامَلاَتِ بَيعًا وَشِرَاءً،وَقَرضَاً واقتِرَاضَاً,وتَأجِيراً ورِهاناً,مَع أَنَّ البَلِيَّةَ بِهَا أعَظِمُ,وَالسَّلاَمَةَ مِنَ الخَطَأِ فِيهَا أَصعبُ، أَيُّها الكرامُ: إِنَّ التَّعَامُلَ مَعَ الأموالِ أمرٌ خَطِيرٌ ، وَلِذا جَاءَ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ غَشَّ أَو خَادَعَ,أَو أخذَ المالَ بغَيرِ حَقٍّ،أو تحايلَ على شرْعِ اللهِ تعالى! ألا وإنَّ مِمَّا نَهى اللهُ عنهُ وَزَجرَ,وحذَّر منهُ رَسُولنا وأبانَ منهُ الخطَر!التَّحايلَ على الرِّبا بشتَّى صورِهِ وأشكالِهِ,وأنواعهِ وأحوالهِ,وقد رتَّبَ اللهُ عليه الوعيدَ الشَّديدَ,والعذابَ الأكيدَ,لأنَّهُ من كبائرِ الذُّنوبِ الذي مَحَقَ اللهُ بَرَكَتَهُ,وجَعَلَ الغَضَبَ على الْمُتَعَامِلِينَ بِهِ,وَحَرَمَهُم من قَبُولِ والدُّعاءِ والعملِ،قالَ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ أَيُّها المؤمنونَ باللهِ ورَسُلِهِ:واستمعوا بِقُلُوبِكُم إلى ما قالهُ العالِمُ الزَّكي,والنَّاصحُ الوفِيُّ,الشَّيخُ السَّعديُّ رحمهُ اللهُ ما ـ مفادُهُ ـ عندَ قولِ اللهِ تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ قال:يُخبِرُ تَعَالى عن أَكَلَةِ الرِّبَا وَسُوءِ مَآلِهم،وأنَّهم يَقُومُون من قُبُورِهم لِيومِ نُشُورِهِم كَمَن يَصْرَعُهُ الشَّيطَانُ بِالْجُنونِ،فَيَقُومُونَ حَيارَى سُكَارَى مُضطَرِبِيْنَ،مُتَوَقِّعِينَ لِعَظِيمِ النَّكَالِ وَعُسْرِ الوَبَالِ،فَكَمَا تَقَلَّبَت عُقُولُهم و قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وهذا لا يكونُ إلا من جَاهِلٍ عَظِيمٍ جَهلُهُ،أو مُتُجَاهِلٍ عَظِيمٌ عِنَادُهُ!ولَمَّا انسَلَبَتْ عُقُولُهم في طلبِ المكاسبِ الرِّبَويَّةِ,جَازَاهم اللهُ من جِنْسِ أَحوالِهم,ورَدَّ عليهم بأنَّهُ أَحَلَّ البَيعَ لِما فيه من عمومِ الْمَصلَحَةِ وشِدَّة الحاجَةِ,وَحَرَّمَ الرِّبَا لِمَا فيه من الظُّلمِ وسوءِ العَاقِبَةِ،فمن جَاءَهُ وَعْظٌ وَتَذْكِيرٌ,فانتَهَى عن فِعلِهِ وانْزَجَرَ فَمُجَازَاتُهُ عِندَ اللهِ,وَمنْ عادَ إلى تَعَاطِي الرِّبَا فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ!ثُمَّ إنَّ اللهَ يَمحَقُ الرِّبَا وَيُذهِبُ بَرَكَتَهُ ذَاتَاً وَوَصْفَاً، فَيكونُ سَبَبَاً لِوُقوعِ الآفاتِ وَنَزْعِ البَرَكَاتِ،إنْ أَنفَقَ مِنْهُ لَمْ يُؤجَرْ عليه بل يَكونُ زَادَاً لَهُ إلى النَّارِ لأنَّ الْمُرابِيَ قد ظَلَمَ النَّاسَ وَأَخَذَ أموَالَهم على وَجْهٍ غَيرِ شَرْعِيٍّ،وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ لِنِعَمِ اللهِ،ولا يُؤدِّيَ ما أوجَبَ عليهِ،ولا يَسْلَمُ عِبَادُ اللهِ مِنْ شَرِّهِ,وَمَنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِموعِظَةِ اللهِ ولَمْ يَقبْل نَصِيحَتَهُ فَإنَّهُ مُشَاقٌ لِرَبَّهِ مُحارِبٌ لِمولاه،واللهُ يُمهِلُ للظَّالِم ولا يُهمِلُهُ حتى إذَا أَخَذَهُ، أَخَذَهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقتَدِرٍ) انتهى كلامه رحمه الله وَفَّقَنِي اللهُ وإيِّاكُم لِسُلوكِ الزُّهدِ وَالوَرَعِ,وَجَنَّبَنَا الشُّحَ والطَّمَعَ,اللهمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّاً وارْزُقْنَا اتِّبَعَاهُ,وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وارْزُقْنَا اجتِنَابَهُ ياربَّ العالمينَ.واستَغفروا اللهَ يا مؤمنونَ, إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ أَبَاحَ لنَا مِن الْمَكَاسِبِ أَطيَبَها وَأزكَاهَا،وأَقوَمَها بِمَصَالِحِ العِبَادِ وَأولاها، وَحَرَّمَ علينا كُلَّ كَسبٍ بُنِيَ على ظُلمِ النُّفوسِ وَهَوَاهَا،أَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريِكَ لهُ خَلَقَ الْخَلِيقَةَ وَبَيَّنَ طَرِيقَ رُشدِهَا وَهُدَاهَا،وأشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ أَزكَى العِبَادِ وأَتقَاهَا،صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومن سارَ على دَربِهِم,إلى يومِ تُلاقي النُّفوسُ مَولاها.أمَّا بَعدُ:أَيُّها الْمسلمونَ:اتَّقُوا اللهَ تَعَالى وأَطيعوهُ،وتُوبُوا إليه واستغفروه، واعلموا أنَّا لا غِنَا لنا عن بَرَكَةِ اللهِ ورَحْمَتِهِ,فَنَحنُ في دارِ مَمَرٍّ،عَمَّا قليلٍ نُغَادِرُ إلى دارِ الْمَقَرِّ،وَنترُكُ ما خَلَّفناهُ لِوارِثٍ,لَهُ خَيرُهُ وَنَفعُهُ,وَعَلينا حِسَابُهُ وَوِزْرهُ,إنْ لَمْ نكُن قُمْنَا بِحَقِّهِ ! يا مسلمونَ: ألم يُحَذِّرنا رسُولُنا من الرِّبا ويَلعنُ فَاعِلَهُ؟ فقد «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ» وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ» وكُلُّكم يَعلَمُ حالَ الرَّجُلِ «الذي يَسبَحُ في نَهَرٍ مِنْ دَمٍ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى شَطِّ النَّهَرِ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ،فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَسَألَ رَسُولُ اللهِ عنهُ؟فقيلَ:هذا آكِلُ الرِّبَا»عبادَ اللهِ:وَمعَ عِظَمِ البَليَّةِ وَخَطَرِ المُصِيبَةِ إلاَّ أَنَّ فِئَامًا مِنَ النَّاسِ لاَ يُلقُونَ لِجَانِبِ ذلِكَ بَالاً،فَلَرُبَّمَا تَرى الرَّجُلَ كَثِيرَ الصَّلاَةِ وَالعبَادَةِ،وَلَكِنَّهُ إِذَا بَاعَ أَو اشْتَرَى غَشَّ* وَخَادَعَ وَأَكَلَ أَمَوالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ،بَلْ ولرُبَّمَا تَحايلَ واحْتَالَ بِأنْوَاعِ الحِيَلِ!كفِعلِ اليَهودِ الْمَقِيتِ!الذي حذَّرَ منهُ النَّبِيُّ حينَ قالَ: ((لا تَرتَكِبُوا ما ارتَكَبَتِ اليَهُودُ فَتَستَحِلُّوا مَحَارَمَ اللهِ بِأدْنَى الحِيَلِ)) أيُّها المسلمون:لقد بَيَّن رَسولُنا الرِّبَا أينَ يَكُونُ وَكيفَ يَكونُ بَيَانَا شَافِيَاً وَاضِحَا,إلا لِمَنْ به مَرَضٌ أو عَمَى أو هَوىَ!قَالَ رَسُولُ اللهِ :«الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ،وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ،وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ،وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ،مِثْلًا بِمِثْلٍ،يَدًا بِيَدٍ،فَمَنْ زَادَ،أَوِ اسْتَزَادَ،فَقَدْ أَرْبَى،الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» وقال:«فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ،فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ،إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»عبادَ اللهِ:وَمَع ذَلِكَ فَقدِ انْتَشَرَتِ مُعَامَلاَتٌ مُحَرَّمَةٌ،َفَشَتْ فِي الأسْوَاقِ،وَوَقَعَ بعضُ النَّاسِ فِيهَا مَا بَينَ عَالمٍ بِحُرْمَتِهَا مُتَهَاوِنٍ بِهَا،وَما بينَ جَاهِلٍ لَمْ يسْألْ عنهَا!وَمنْ أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ تعالى فهو حَرِيصٌ عَلَى صِيَانَةِ مَالِهِ مِنَ الحَرَامِ,ويَسْأَلُ عَنِ المُشْتَبِهِ عليهِ قبلَ أن يَقَعَ فيهِ. تأمَّلوا معيَ يا كرامُ:حالَ عَدَدٍ من البطاقاتِ البَنْكِيَّةِ الائتمانيَّةِ التي تَجمَعُ معَ سَوءةِ رِبا الفضْلِ قُبحَ وَنَكارَةَ رِبا النَّسيئةِ!تَفكَّروا في تَنافسِ البُنُوكِ على القروضِ الصُّورِيَّةِ!والحيلِ الشَّيطانِيَّةِ! ثُمَّ انظروا إلى الإعلاناتِ المنتشِرَةِ على مَكائِنِ الصَّرفِ,وفي الأسواقِ والمحلاَّتِ تُعلِنُ أنَّها تَبيعُ وتَشتري القُرُوضَ والدُّيونَ,واعلموا عبادَ اللهِ أنَّ تلكَ المُعاملاتِ إنْ سَلِمت من الرِّبا الصَّريحِ فَبعضُها يَشتَمِلُ على ألفِ حيلَةٍ وحيلَةٍ!وإنْ سَلِمت من هذا وذاكَ فلا واللهِ لا تَسْلَمُ من جَشَعٍ وَطَمعٍ مَقيتٍ!حرَّمَهُ دِينُنا الحنيفُ! قالَ الإمامُ الفقيهُ ابنُ العُثيمينِ رحمهُ اللهُ:ما مفادُهُ (ومن المعلومِ أنَّكَ لو أخذتَ من شَخصٍ مائةَ ريالٍ بِمائَةٍ وَعَشَرَةٍ مُؤجَّلةٍ لكانَ ذلكَ رِبَاً يَجمعُ بين رِبَا الفَضلِ ورِبَا النَّسيئَةِ,ومن المؤسفِ أنَّ كثيراً من المسلمينَ صاروا يَتَحَيَّلُونَ على هذا بأنواعِ الْحِيَلِ،والحيلةُ أنْ يَتَوصَّلُ الشَّخصُ إلى الشَّيءِ الْمُحرَّمِ بِشيءٍ ظَاهِرُهُ الْحِلُّ فَيَستَحِلُّ مَحَارِمَ اللهِ بأدنى الْحِيَلِ.إنَّهُ بذلكَ يُخادِعُ رَبَّهُ الذي يعلم خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصُّدُورُ,أفلا يقرأُ قولَ الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ أليس في نيتِه وَقَرارَةِ نَفسِهِ أنَّهُ يُريدُ ما حَرَّمَ اللهُ؟ولكنَّهُ يَكسُوهُ بثوبٍ من الْخدَاعِ والْمَكرِ!إنَّ أَكثَرَ الْحِيَلِ يَكونُ فيها الشِّراءُ صُورِيَّاً لا حَقِيقِيَّاً لأنَّه لَم يَقصِدِ السِّلعَةَ من الأصلِ إنَّما كيفَ يحصلُ على المالِ النَّقديِّ؟فيا سبحانَ اللهِ العظيمِ أيعودُ الرِّبا الذي عَظَّمَ اللهُ شَأنَهُ في القُرآنِ إلى أنْ يُستَحَلَّ بِصُورَةِ عَقُودٍ فيها عَبَثٌ وَلَعِبٌ!ولا رَيبَ أنَّ هذه الحيلَ تَتَضَمَّنُ مَحَاذِيرَ,أَوَّلُها:أنَّها تَحيُّلٌ على مَحارِمِ اللهِ,ثَانِيها:أنَّها توجبُ التَّمادِيَ في الباطلِ فالمُتَحَيِّلُ يرى أنَّ عَمَلَهُ صَحِيحٌ فَيَتَمَادَى إلى ما هو أعظمُ!فيقسو قَلبُهُ،فلو أتيتَه بِكُلِّ دَلِيلٍ ما سَمِعَ منكَ لأنَّ قَلبَهُ مَغمُورٌ بِمَحَبَّةِ هذهِ المُعامَلاتِ السَّيئَةِ لِسُهولَتِهِا،والنَّفسُ إذا اعتادت على الرِّبح المُحَرَّمِ بهذه الطَّريقَةِ السَّهلَةِ صَعُبَ عليها تَركُها إلا أنْ يُعينَهُ اللهُ بِمَدَدٍ مِنْهُ,الثالث:أنَّ السَّلعةَ تُباعُ في مَحَلِّها بِدُونِ قَبضٍ ولا نَقْلٍ حقيقةً وهذا معصيةٌ لرسولِ اللهِ «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ» يعني حيثُ تُشترى
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى واعدلوا عن الحرام إلى الحلال إما بطريق الإحسان بإقراضهم وإمَّا بالشَّراكةِ معهم ,ففي الحلال غُنيَةٌ عن الحرام ,والبدائلُ بحمدِ اللهِ كثيرة ومن أراد استيضاحها فليسأل أهل العلم والاختصاصِ.فخُذوا حذركم من الدِّعاياتِ البنكيَّةِ,والإعلاناتِ الوهميَّةِ, فظاهِرُها فيها الرحمةُ وحقيقتها فيها العذابُ والنَّكالُ!
اللهمَّ واكفنا بِحلالِكَ عن حَرَامِكَ ، واغنِنا ِبفَضلِكَ عَمَّن سِواكَ .اللهمَّ إنَّا نسألكَ الهُدى والتُّقى والعَفَافَ والغِنَى. اللهم لا تجعلِ الدُّنيا أَكبَرَ هَمِّنا ، ولا مَبلَغَ عِلمِنَا ، ولا تُسلّط علينا منْ لا يَرْحَمُنَا .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار , وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .