خطبة الجمعة 21-07-1434هـ بعنوان وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ
الحَمدُ للهِ عَزَّ وَغَلَبَ وَقَهَرَ،أَحصَى أَورَاقَ الشَّجَرِ وَقَطْرَ المَطَرِ،يعلمُ ما فِي الأَرحَامِ أُنثى أو ذَكَرٍ،خَلَقَنا على أَحسَنِ الصُّورِ،نَشهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،شَهَادَةَ مَنْ أَنَابَ إلى رَبِّهِ وَرَاقَبَهُ واستَغْفَرَ،يُضَاعِفُ الحَسَنَاتِ،وَيعْفُو عن الزَّلالِ: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًاونَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ،الطَّاهِرُ المُطهَّرُ،صاحِبُ الجَبينِ الأزهَرِ والوَجهِ الأَنوَرِ.صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه, وعلى آلِهِ وَصَحبِهِ خيرِ صحبٍ ومَعشَرٍ,وَمَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الحِسابِ والمَحشَرِ, أمَّا بعدُ:فيا مُسلِمونَ، اتَّقُوا اللهَ رَبَّكم,فإنَّ التَّقوى هي الأساسُ وَعلَيها المُعوَّلُ،واشكُروا اللهَ على ما أَمَدَّكُم بِهِ من النِّعَمِ والصِّحَةِ وطوَّلَ،فَقَصِّروا الأَمَلَ،فَمَنْ أَطَالَهُ أَسَاءَ العَمَلَ،
مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ:تَرونَ أولادَنا هَذِهِ الأَيَامِ كيفَ تَحَفَّزُوا للاختِبَاراتِ،فَمِنهُم مُجِدٌّ مُجْتَهِدٌ يَنتَظِرُهُ نَجَاحٌ وَفَرَحٌ,ومِنهُم مُفَرِّطٌ مُسيءٌ عاقِبَتُهُ فَشَلٌ وَحَسْرَةٌ وَتَقْرِيعٌ وَنَدَمٌ، ألاَ وإنَّنا مُلاقُونَ جَمِيعاً,ما هو أَعظَمُ مِن ذَلِكَ وأفظَعُ,فإنَّهُ حَتْماً سَيَقَعْ! يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9] إنَّنَا يا مُؤمِنُون:سَنُسأَلُ غَدَاً كَمَا يُسأَلُ أَولادُنا اليومَ،وَشَتَّانَ بَينَ المَوقِفَينِ والعَرضَينِ،فَلنَأخُذْ مِن عَرْضِ الأَدْنَى عِبرَةً لِيومِ العَرْضِ الأَكبَرِ. يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فَيا عبادَ اللهِ:المَوقِفُ رَهِيبٌ والمَسؤُولِيَّةُ عَظِيمَةٌ, فالمَوقِفُ بَينَ يَدي اللهِ تَعالَى.والكاتِبُ أَمِينٌ لا يَظلِمُ ولا يُبَدِّلُ: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}الانفطار:10{والشَّاهِدُ علينا كِتَابٌ نَلقَاهُ مَنْشُورَا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
عبادَ اللهِ:لَقد دَلَّ القُرآنُ الكَريمُ والسُّنَّةُ النَّبَويِّةُ والفِطرَةُ السَّويَّةُ على أنَّنا سَنُسأَلُ يَومَ القِيَامَةِ،لا مَفَرَّ عن ذالِكَ ولا مَحيصَ: وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] ثُمَّ يَكُونُ فَرَحٌ وَسُرُورٌ وَحُبُورٌ,أو خَسَارَةٌ ونَدَمٌ وثُبورٌ!فالْخَسَارَةُ مُرٌّ مَذَاقُهَا،وَشَدِيدٌ وَطْؤُهَا، وَخَسَارَةُ المَالِ لَيْسَتْ كَخَسَارَةِ الِأَهْلِ والأَولادِ؛وَأَعْظَمُ الْخَسَارَةِ والُخُسرَانِ خَسَارَةُ الْدِّينِ والإيمانِ؛فَمَنْ رَبِحَ الْدِّينَ والإيمانَ نَجا وَسَعِدَ،وَمَنْ خَسِرَهُ شَقِيَ أبَدَ الآبِدِينَ،قالَ اللهُ تعالى:الَّذِينَ خَسِرُوَا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فَجَعَلَ اللهُ خَسَارَةَ الْنَّفْسِ فِي فَقْدِ الدِّينِ والْإِيمَانِ!وتَعظُمُ الخَسَارَةُ وتَزدادُ الحَسْرَةُ لِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ فَلَمَّا قَصَّرَ الْخَاسِرُونَ فِي الْدُّنْيَا في نَفْعٍ ِأَهْلِيهِمْ وَأَوْلادِهِمْ بالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الْصَّالِحِ؛كَانَتْ رُؤْيَتُهُمْ لَهُمْ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ مَعَهُمْ فِي الْنَّارِ أَشَدَّ أنواعِ العَذَابِ والْخُسْرَانِ لِأَنَّهُمْ السَّبَبُ فِي أَلَمِهِمْ وَعَذَابِهِمْ.
أيُّها المُؤمِنُونَ:وَطَاعَةُ الْشَّيْطَانِ هِيَ أَصْلُ الْخُسْرَانِ وَأَسَاسُ الْإِفْلَاسِ والبَوارِ،يقولُ تعالى: وَمَنْ يَتَّخِذِ الْشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا [الْنِّسَاءِ: 119]؛ لأنَّ الْشَّيْطَانَ يُزَيِّنُ لِلْإِنْسَانِ تَرَكَ الطَّاعَاتِ وَإِتْيَانَ المُحَرَّمَاتِ،فَتَخِفَّ مَوَازِينُهُ فَيَخْسَرَ، فَمَنِ اتَّبَعَ الْشَّيْطَانَ فَقَدْ حَقَّ عَلَيْهِ الْخُسْرَانُ لَا مَحَالَةَ،أُولَئِكَ حِزْبُ الْشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الْشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الْمُجَادَلَةِ: 19].وَمِنْ أَسْبَابِ الْخُسْرَانِ:اتِّبَاعُ قُرَنَاءِ الْسُّوءِ،وأصدِقَاءِ الشَّرِّ,كما قالَ اللهُ تعالى: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيَهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [فُصِّلَتْ: 25].وَمِنْ أعظَمِ أَسْبَابِ الْخُسْرَانِ:الِاشْتِغَالُ بِالمَالِ وَالْوَلَدِ عَنِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ،وَإِهْمَالُ الْبَاقِيَاتِ الْصَّالِحَاتِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الْمُنَافِقُونَ: 9]. عبادَ اللهِ:لقد آمَنَّا أنَّ في الآخِرَةِ رِبْحَاً وخسَارَةً,وَفَوْزاً وَهَلاكَاً,فلنتَأمَّل في الحِسابِ والمُحاسَبَةِ ,كيفَ تَكُونَ ؟ وما أنواعُها ؟ وكيفَ النَّجاةُ منها؟
يا مُؤمِنُون:سَيسْأَلُنا رَبُّنا عنِ الرُّسُلِ هل بَلَّغُونَا رِسَالاتِ رَبِّنَا،وَسَيَسأَلُ الرُّسُلَ عنَّا هلْ أَجَبْنَاهُم واتَّبَعْنَاهُمْ؟:فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ[الأعراف:6] وقالَ تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ[المائدة:109] قالَ الشيخُ السَّعدِيُّ:رحمهُ اللهُ ما مفادُهُ ( يُخبِرُ تَعالى عن يَومِ القِيَامَةِ ومَا فِيهِ مِن الأَهوَالِ العِظَامِ،وأنَّ اللهَ يَجمَعُ بِهِ جَمِيعَ الرُّسلِ فَيسأَلُهم,مَاذا أَجَابَتْكُم بِه أُمَمُكُم هَل صَدَّقُوكُم، واتَّبَعوكُم أمْ كَذَّبُوكُم وخَالَفُوكُم؟ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ أي:لَم يَحِرِ النَّاسُ عن هذا السُّؤالِ جَوابَاً،ولَم يَهتَدوا إلى الصَّوابِ.ومن المَعلُومِ أنَّهُ لا يُنجِي في هَذا المَوضِعِ إلا الجَوَابُ الصَّحِيحُ،المُطَابِقُ لأَحوالِهم).نعم يا مُؤمِنونَ:سَنُسأَلُ في ذَلِكَ المَوقِفِ العَظِيمِ عن أَعمَالِنا،خَيرِها وشَرِّها،صَغِيرِها وكَبِيرِها: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93]،ونَبِيُّنا في خُطبَةِ يَومِ النَّحرِ يَقُولُ لأُمَّتِهِ:" وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عن أَعْمَالِكُمْ" رواه البخاريُّ، قَالَ أبو العَالِيَةَ رَحِمهُ اللهُ: "يُسأَلُ العِبَادُ كُلُّهم عَن خُلَّتَينِ يَومَ القِيَامَةِ:عَمَّا كانُوا يَعمَلُونَ،وعن مَاذا أَجَابُوا المُرسَلِينَ". دَعْ عـَنكَ مَا قَدْ فَاتَ فِي زَمنِ الصِّبَا ** واذْكُـر ذُنُـوبَكَ وابْـكِها يَـا مُذْنِبُ
واخْـشَ مُـنَاقَشَةَ الـحِسَابِ فـَإِنَّهُ ** لا بُـدَّ يُـحصَى مَـا جَنَيتَ ويُكتَبُ
لَـم يَـنْسَهُ الـمَلَكَانِ حِـينَ نَـسِيتَهُ ** بــَل أَثـبَتَاهُ ، وأَنـتَ لاَهٍ تَـلعَبُ نستغفرُ اللهَ من جميع الذُّنُوبِ والخَطَايا ونَتُوبُ إليه, فاستغفرُوا اللهَ يامؤمنونَ وتوبوا إليه إنَّ ربي غَفُورٌ رحيمٌ,
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ العَليمِ الخَبيرِ،السَّمِيع البَصِير،أحاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلمًا،وأَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَددًا، لا إلهَ إلاَّ هُو إليهِ المَصيرُ،نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ العَليُّ الكَبِيرُ،ونَشهَدُ أنَّ نبيَّنا مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ والسِّرَاجُ المُنِيرُ،اللَّهمَّ صَلِّ وسلِّم وبَارِك عليهِ،وعلى آله وصَحبِه ذَوي الفَضلِ الكَبِيرِ,وَمَنْ سارَ على نَهجِهم إلى يَومِ المَصيرِ.
أَمَّا بَعْدُ:فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاتَّقُوا الْنَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَالْرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[آلِ عِمْرَانَ: 131، 132].يا رَبِّ بِكَ نَعتَضِدُ،وبكَ نَعتَصِمُ مِمَّا يَكُونُ،عليكَ تَوكَّلنَا وإليكَ أَنَبْنَا،وبِكَ نَستَعِينُ وأَنتَ المُعِينُ:أَنتَ رَبِّي فِي تَصَارِيفِكِ خَيرُ الأَحكَمِينَ,أَنتَ بِي أَعلَمُ مِنِّي أَنتَ خَيرُ الأَكرَمِينَ,أنتَ أَولَى بِيَ مِنِّي فَأَعنَّا يَا مُعِينُ. عبادَ اللهِ: أتدرونَ ما أوَّلُ أمرٍ سَنُسأَلُ عنهُ ونُحاسَبُ عليهِ يَومَ القِيَامَةِ:قَالَ رَسُولُ اللهِ: "إنَّ أَوَّلَ ما يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يوم الْقِيَامَةِ من عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ من فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قال الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ:انْظُرُوا هل لِعَبْدِي من تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بها ما انْتَقَصَ من الْفَرِيضَةِ،ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ على ذلك" رواه التَّرمذِيُّ وقال: حسن غريب. فهل مَنْ يَتَخَلَّفُونَ عن الصَّلواتِ يَظُنُّونَ أنَّهم نَاجُونَ من السُّؤالِ والمُحاسَبَةِ؟ثُمَّ ما عُذرُكَ يا عبدَ اللهِ أمامَ اللهِ تعالى,ألم يُهيئ لكَ صِحَّةً في بَدَنِكَ؟وأمناً في بَلَدِكَ؟ورغَداً في عَيشِكَ؟فلِماذا التَّخَلُّفُ عن الفجرِ خاصَّةً التي هي فَيصَلٌ بينَ أهلِ الإيمانِ,وأصحابِ النِّفاقِ؟فاتَّقِ اللهَ في نفسِكَ وأهلِ بيتِكَ,ألا تَعلَمُونَ أنَّ صَلاةَ الفَجْرِ في هذا الوَقتِ بالذَّاتِ يَنتَهِي وقْتُها قُرابَةَ السَّاعَةِ الخامِسةِ!فالأمرُ جِدُّ خطيرٌ,وإنِّي لكَ نذيرٌ!
عبادَ اللهِ:وَمَنْ قَرَأَ قَولَ اللهِ تَعالى:إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]أدركَ بُعدَ المَسافَةِ بَينَنَا وبينَ تَطبيقِ هذهِ الآيةِ!إلاَّ من رَحِمَ رَبي فكم نَسمَعُ بِآذانِنَا من المُنكراتِ!وكم نَسعى لِنُبْصِرَ ما حَرَّمَ اللهُ علينا بِأعيُنِنَا!وكم تَشَرَّبتْ قُلُوبٌ الفِتَنَ والشُّبُهاتِ!وَنَنْسى : كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا أمَّا اللِّسانُ فَلَهُ شَأَنٌ آخَرُ:فقد قالَ مُعاذٌ يَا نَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟فَقَالَ: « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ هَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ،إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟». حقَّاً إنَّ الجَوَارِحَ جَوَارِحَ!وَكمْ مِن حُرُوفٍ تَجُرُّ إلى الحُتُوفِ!وَلِلِّسَانِ احفَظْ ولا تَكَلَّمِ,إلاَّ بِخَيرٍ أَو فَصَمْتَاً فَالْزَمِ,وَخَشْيَةُ اللهِ فَلازِمْ وانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ وامتَثِلْ لأَمْرِهِ, ذَاكَ وَرَبِّي مَوقِفٌ عَسِيرُ وَرُسُلُ الإِلَهِ تَستَجِيرُ, يَا رَبِّ سَلِّم إنَّهُ لَمَأزِقُ , مِن شِدَّةِ الهَولِ يَشِيبُ المَفرِقُ!
أيُّها المُؤمنونَ:وممَّا سنُسألُ عنهُ يومَ القيامَةِ:مَوقِفُنا مِن المُنكَرَاتِ التي نَعلَمُها،وَهلْ أَدَّينا حَقَّ اللهِ تَعالَى فِي إِنكَارِهَا؟ قالَ أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: سمعت رَسُولَ الله يقول:"إِنَّ الله لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يومَ الْقِيَامَةِ حتى يَقُولَ:ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ المنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ؟ فإذا لَقَّنَ اللهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قال يا رَبِّ،رَجَوْتُكَ وَفَرِقْتُ من النَّاسِ"ابن ماجه. فيا مؤمنونَ:مُروا بالمعروف وانهوا عن المُنكرِ كُلٌّ حسبَ استطاعَتِهِ وإمكاناتِهِ.وتَمَثَّلوا قولهُ:إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ويلٌ لِمَن خَفَرَ بِعهدِهِ وذِمَّتِهِ, أو نَقضَ عَهدَهُ,وَلَمْ يُوفِ بِوعدهِ,فإنَّ اللهَ يقولُ: وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا[الإسراء:34]واللهِ يامؤمنونَ: لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التَّكاثر:8] أتَظُنُّونَ عبادَ اللهِ:أنَّ ما نَرفُلُ فيهِ من صِحَّةٍ ومالٍ وأَمْنٍ وعَافِيةٍ أنَّا لا نُسأَلُ عنهُ يومَ القيامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ :"لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يوم الْقِيَامَةِ حتى يُسْأَلَ عن عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ،وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ،وَعَنْ مَالِهِ من أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ،وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ"الترمذي:حَسَنٌ صَحِيحٌ ونَبِيُّنا قَالَ: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»رواه الشَّيخَانِ.أَلا فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم وَأَعِدُّوا لأَسئِلَةِ القِيَامَةِ عُدَّتَها،وَخُذوا العِبرَةَ من امتِحَانِ الدُّنيا ورِبحِهِا وَخَسَارَتِها وتذكَّروا وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصَّفات:24-26] فاللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّنا لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنا وَنَحنُ عَبِيدُكَ وَنَحنُ عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْنا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْنا نَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَينا وَنَبُوءُ بِذنُوبِنَا فاغْفِرْ لنا فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ,اللَّهُمَّ اكفنا زَلَلَ القَلبِ والسَّمعِ والبَصَرِ,وزَلَلَ الِّلسَانِ والقَدَمِ والقَلَمِ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ,أَنْتَ مَولانَا نِعَمَ المَولَى ونِعمَ النَّصِيرُ, وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
0
0
14.1K
07-21-1434 11:58 صباحًا