خطبة الجمعة 29-02-1434هـ بعنوان إلزم رِجليها فَثَمَّ الجنَّةُ
الحمدُ للهِ أمَرَنا بالبرِّ والإحسانِ والقولِ للوالدينِ قولاً كَرِيمَاً،نشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريك له ربَّاً رؤفاً رَحِيمَاً,ونشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ،صلَّى اللهُ وَسلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وَأَصحَابِهِ،والتَّابعينَ لهم ومن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ وسلَّم تَسليماً مزيداً،
أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ والعمل ِعلى طَاعَتِهِ, وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
أخي في اللهِ: دُونَكَ بابٌ من أبوابِ الجِنَانِ! فَأَينَ الدَّاخِلُونَ؟ بابٌ قَرنَهُ اللهُ بحقِّهِ وَطَاعَتـِهِ, وَجَعَلَ رِضَاهُ سُبحانَهُ بِرِضَاهَا, ودُخولَ الجنَّةِ مِنْ تحتِ قَدَمَيها! فقد قَالَ عزَّ من قَائِلٍ: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً وقالَ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ نعم أخي الحبيبُ: إنَّها الأُمُّ صَاحبةُ القلبِ الرَّحيمِ,والصَّدرِ الحَنُونِ،لها نَفْسٌ كَبِيرةٌ،فهيَ لا تُجازِي بِالسَّيئَةِ،ولا تُعامِلُ بالمِثلِ!بل يَجدُ المُسيءُ لَها بِرَّاً وَرَحمَةً وَدُعَاءً وإحسانًا،أُمُّكَ:كَم حَزِنَتْ لِتَفرَحَ أَنْتَ، وَجَاعَتْ لِتَشبَعَ أَنْتَ،وَسَهِرَتْ لِتَنَامَ أَنْتَ،أَمَلُها الكَبِيرُ ودُعَاؤُها المُستَمِرُّ أَنْ تَحيَى سَعِيدَاً! أُمُّكَ:هيَ المَخلُوقُ الضَّعِيفُ التي تُعطِي ولا تَطلُب أَجْرًا،وتَبْذُلُ ولا تُأمِّلُ شُكْرًا،نَعم واللهِ إنِّها الأُمُ وَكَفَى،رَمْزُ الحَنَانِ,وَبَابُ الجِنَانِ,وطريقٌ إلى المَلِكِ الدَّيَّانِ!تَأمَّل يارَعَاكَ اللهُ في الآياتِ السَّالِفَةِ كَيفَ عَظَّمَ اللهُ شَأنَهَا؟وَكَيفَ أَعلى الرَّسولُ الكريمُ مَكَانَتَها؟ قَالَ: (رِضا الرَّبِّ فِي رِضا الوَالِدَيْنِ،وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا)وَقَالَ: ابنُ مَسْعُودٍ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟قَالَ: «الصَّلاَةُ فِى أَوَّلِ وَقْتِهَا» قُلْتُ:ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ» قُلْتُ:ثُمَّ أَيٌّ؟قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
وعَنْ مُعَاوِيَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ،قَالَ: «وَيْحَكَ،أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟قُلْتُ:نَعَمْ،قَالَ:ارْجِعْ فَبَرَّهَا,والْزَمْ رِجْلَهَا،فَثَمَّ الْجَنَّةُ». وقد أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِىيِّ اللَّهِ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِى الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ.قَالَ:«فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ» قَالَ نَعَمْ بَلْ كِلاَهُمَا.قَالَ «فَتَبْتَغِى الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ» قَالَ نَعَمْ. قَالَ «فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» متفق عليه. وَلَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ «أُمُّكَ» قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ «ثُمَّ أَبُوكَ» أسَمِعتُم مَعاشِرَ الشَّبابِ حتى الجِهادُ في سبيلِ اللهِ فإنَّهُ يُشتَرطُ فيهِ إذنُهما ورِضاهُما!فما لنا نُفجعُ في كلِّ وقتٍ وحينَ بِشبابٍ يخرُجونَ مُجاهِدِينَ في سبيلِ اللهِ بدونِ إذْنٍ ولا علمٍ ولا مَشورَةٍ؟أيُّها الأَوفياءُ:هل سَمعتم خَبَرَ رَجلٍ عَاشَ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ ولم يَنَلْ شَرَفَ الصُّحبَةِ,وقد كانَ مُستَجَابَ الدَّعوةِ؟فَقَد وصَفَهُ النَّبيُّ بأدقِّ الأَوصافِ؛ذَكَرَ اسمَهُ وقبيلَتَهُ وعلامةً مُمَيَّزةً في كَتِفِهِ وَبَرَصَاً أَصَابَهُ وبَرِئ منهُ بل وأرشدَ أصحابَه أنْ يَطلُبُوا منه الدَّعاءَ والاستغفارَ.أَتَدرُونَ يارَعَاكُم اللهُ بِمَ حَصَلَ على كُلِّ تِلكَ المَزَايا؟إنَّهُ بسببِ بِرِّه وخِدمَتِهِ لأُمِّهِ!وقد كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ القرنيُّ؟استمرَّ عشرَ سنينَ لم يَكلَ ولم يَمَلْ.وفي سنةِ ثلاثٍ وعشرينَ في الحجِّ صَعَدَ عُمَرُ الجَبَلَ ونادى بأعلى صوته:يا أهلَ اليمن،أفيكم أويسٌ من مُرادٍ؟فقام شيخٌ من قرنٍ فقال:يا أميرَ المؤمنين،قد أكثرتَ السؤالَ عن أويسٍ هذا،وما أعرفُ أحداً إلا ابنَ أخٍ لي، إنِّه رَجُلٌ وَضِيعُ الشَّأنِ،ليسَ مِثُلكَ يَسأَلُ عنهُ يا أَميرَ المُؤمنينَ,قالَ:وأينَ هو؟قالَ تَركتُهُ في عَرَفَةَ يَرعى إِبِلاً لَنا.فَرَكِبَ عُمَرُ إليهِ!فَإذَا هُو بِرَجُلٍ يُصَلِّي والإِبلُ حَولَهُ تَرعَى،فقالَ لهُ عُمَرُ مَنْ أنتَ؟قال:راعي إبلٍ وأجيرٌ للقومِ،فقالَ عُمَرُ:أَسأَلُكَ عن اسمِكَ،قَالَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ قَالَ نَعَمْ.فقال عُمَرُ:اللهُ أكبرُ،أَوضحْ عن شِقِّكَ الأَيسَرِ؟قال:وما حَاجَتُكَ إلى ذَلِكَ؟فقالَ لَهُ:إنَّ رَسُولَ اللهِ وَصَفَكَ وقد وَجدتُ الصِّفَةَ،وأَعلَمَنا أنَّ بِشِقِّكَ الأَيسرِ لمعةً بَيضَاءَ.قَالَ نَعَمْ.قَالَ عُمَرُ ألَكَ وَالِدَةٌ قَالَ نَعَمْ.قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:«يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ»وَأَمَرَنَا أنْ نُقرِئَكَ منهُ السَّلامَ،وأن تَستَغفِرَ لنا،فقد خبَّرنا بأنَّك سيِّدُ التَّابِعِينَ، وأنَّكَ تَشفَعُ يَومَ القِيامَةِ في عَدَدِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ.فَبكى أُويسٌ بُكاءً شَدِيدَاً،وقالَ:عسى أنْ يكونَ ذَلِكَ غَيرِي،وَلَكِنْ مَن أَنتَ يَرحَمُكَ اللهُ؟فقالَ:عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ،فَوَثَبَ أُويسٌ فَعَانَقَهُ وَرحَّبَ به،وقالَ:وَمِثلِي يَستَغفِرُ لِمِثلِكَ؟!قالَ عُمَرُ:نَعم،فاستَغفَرَ لَهُ. اللهُ أكبرُ عِبادَ اللهِ:لقد نالَ أُويسٌ القَرَنيُّ تلكَ المَنزِلَةَ العَظِيمَةَ بِسببِ بِرِّهِ لأُمِّهِ,فَرَضيَ اللهُ عن عُمَرَ وأُوَيسٍ،وما أَعظَمَ بِرَّ الوَالِدَينِ!
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا أقول قولي هذا،وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كُلِّ ذَنبٍّ وخطِيئةٍ, فاستغفروه، إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ .
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِن عِبادِهِ لِمَكَارِمِ الأَخلاقِ،وَهدَاهُم لِما فِيهِ فَلاحُهم في الدُّنيا، وَيومَ التَّلاقِ،ونَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاِّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ المَلِكُ الكَريمُ الخَلاَّقُ،ونَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسولُهُ أَفضلُ خَلقِهِ على الإِطلاقِ،صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ وَمنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ التَّلاقِ.
أمَّا بعدُ:فيا عبادَ اللهِ،اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقوى،فَهيَ واللهِ العُروةُ الوُثقَى,والسَّعادَةُ الكُبرى, والنَّجاةُ العُظمَى,وواللهِ ليس أعظمُ إحساناً ولا أكثرُ فَضلاً بعدَ اللهِ سُبحانَهُ من الوَالِدَينِ بِولَدِهما!فَقد قَرنَ اللهُ حقَّهما بِحقِّهِ،وشُكْرَهُمَا بِشُكرِهِ،وأَوصى بِهما إِحسَانَاً بَعدَ عبادَتِهِ فقالَ: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وقالَ: وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً
أيُّها المؤمنُونَ: والبِرُّ بالوالِدَينِ عُمُوماً وبالوالِدَةِ خُصُوصاً لا يلزمُ منهُ حاجَتُهُا أو عَجْزُهُا ! بل ولو كانت أُمَّاً نَشيطَةً سَلِيمَةً!فهيَ أهلٌ لِلبرِّ والعطفِ والرَّحمةِ والإحسانِ! فيا مَعشرَ الشَّبابِ تَأَمَّلوا! ويا أيُّها الكِبارُ تَذَكَّروا! حالَ الصِّغَرِ والطُّفُولةِ! حَمَلَتْكَ أُمُّكَ تِسعَةَ أَشهُرٍ وَهنًا على وَهنٍ، تَزيدُها بِنُمُوِّكَ ضَعفَاً، وعِندِ الوِلادَةِ رَأَتْ مِنْكَ مَوتَاً، زَفَرَاتٌ وَأَنِينٌ، وَغُصَصٌ وآلامٌ، وهيَ تَتَحمَّلُ وَتَتَصَبَّرُ لِما تُؤَمِّلُهُ وَتَرجوهُ،وعِندَما أَبصرَتْكَ بِجانِبِها وَضمَّتكَ إلى صَدرِها نَسِيت آلامَها وأَوجَاعَها, وَعَلَّقت فِيكَ آمَالَها وَرأَت فِيكَ حَيَاتَهَا, خَدَمتَكَ لَيلَها وَنَهارَهَا، أنَسيتَ أنَّ طَعَامَكَ هو دَرُّها,وَبَيتَكَ حِجْرُها،فَهي بِكَ رَحِيمَةٌ، وَعَليكَ مُشفِقَةٌ، وإنْ قَسَتْ في بعضِ أيَّامِها, فهي تَعمَلُ لكَ ومِن أجلِكَ,فَقولُوا بِقلوبٍ حَاضِرَةٍ: رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا يا مُؤمنونَ: بِرُّ الوالِدَينِ خَيرُ مَا تَقرَّبَ بِهِ المُتَقَرِّبُونَ،فَفِيهِ تَتَنزَّلُ الرَّحمَاتُ وتُكشَفُ الكُرُبَاتُ،بِرُّ الوالِدَينِ مِفتَاحُ كُلِّ خَيرِ ومِغْلاقُ كلِّ شَرٍّ،بِرُّ الوالِدَينِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجِنَانِ والنَّجَاةِ من النِّيرانِ،سَبَبٌ في بَسطِ الرِّزقِ وطُولِ العُمُرِ،بِرُّهما سَبَبٌ في دَفْعِ المَصَائِبِ وإِجَابَةِ الدُّعاءِ،فَأينَ نَحنُ مِن هذهِ النَّفَحَاتِ؟!مَنْ بَرَّ والِدَيهِ بَرَّهُ أَبنَاؤُهُ جَزَاءً وِفَاقَاً!فيا أيُّها الكِرامُ:أوصِيكُم ونَفْسِي بِبِرِّ الوَالِدَين عُمُوماً والأُمهَاتِ خُصُوصَاً،وأنْ نَسعَى لإِرضَائِهِمَا وإِسعَادِهِمَا,فَأَسأَلُكَ باللهِ:مَاذا تُريدُ مِنكَ أُمُّكَ إلاَّ كَلمةً حَانِيةً,وعِبارَةً صًافِيةً وإجلالاً وَتَقدِيراً؟! فَتَواضَع لَهُما،واخفِض لَهما جَنَاحَ الذُّلِ والرَحمَةِ,والجَأ إلى اللهِ بالدَّعَاءِ لَهما حَالَ حَيَاتِهُما وبعدَ مَمَاتِهُما! رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ادفَع عَنهمَا الأَذَى فقد كانَا يَدفَعَانِهِ عَنْكَ،لا تُحدِّثهُما بِغلظَةٍ أو خُشُونَةٍ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا غُضَّ الطَّرفَ عن أخطَائِهمَا وزَلاتِهما،ولا تَتَكبَّر عليهما بِمَالٍ أو مَنصِبٍ،اطلُبْ مِنهما دَوماً الصَّفحَ والدُّعاءَ فإنَّما هُما جَنَّتُكَ وَنَارُكَ.
أخي الحبيبُ: إنَّ حَقَّ الأُمِّ أعَظمُ،فَقَابِلها بِوجهٍ طَلْقٍ،وَقَبِّل رَأسَها،والثَم يَدَيها،
لأمِّكَ حَقٌّ لَوْ عَلِمْتَ كَبِيْرُ كَثِيْرُكَ يَا هَذَا لَدَيْهِ يَسِيْرُ
فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ بِثُقْلِكَ تَشْتَكِي لَهَا مِنْ جَوَاهَا أَنَّةٌ وَزَفِيرُ
وَفِي الْوَضْعِ لَوْ تَدْرِي عَلَيْكَ مَشَقَّةٌ فَكَمْ غُصَصٍ مِنْهَا الْفُؤَادُ يَطِيرُ
وَكَمْ غَسَّلَتْ عَنْكَ الأذَى بِيَمِينِهَا وَمِنْ ثَدْيِهَا شُرْبٌ لَدَيْكَ نَمِيرُ
وَكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وَأَعْطَتْكَ قُوْتِهَا حُنُوًّا وَإِشْفَاقًا وَأَنْتَ صَغِيرُ
فَآهًا لِذِيْ عَقْلٍ وَيَتَّبِعُ الْهَوَى وَوَاهًا لأَعْمَى الْقَلْبِ وَهُوَ بَصِيرُ
فَدُوْنَكَ فَارْغَبْ فِي عَمِيْمِ دَعَائِهَا فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُوْ إِلَيْهِ فِقِيرُ
إنِّي أَدعُوكم ياكرامُ: ألاَّ تَخرجًوا مِن هذا المكانِ إلاَّ وقَد عَاهَدتُمُ اللهَ أنْ تَبذُلُوا وُسعَكُم بالبِّرِ والإحسانِ,وإصلاحِ أيِّ خِلافٍ أوشَنَآنِ,فَمنْ كَانَ بِهما بَرَّا فَليُحافِظ على ذَلِكَ ويَزدَادُ،ومَن كانَ غيرَ دَلِكَ فَليخشَ العذابَ والنَّكالَ!فَهَيَّا بِنَا جَميعاً نُسعِدهُمَا بِما يُحبَّانِ,
هَيَّا بِنَا جَميعاً نَدعو لَهمَا في كُلِّ وَقتٍ وآنٍ , رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ،
هَيَّا بِنَا نَتَواصَى بِآبائِنَا وأُمَّهَاتِنا وألاَّ نَرضَى بِمَنْ يُسيءُ إِليهِمَا,أو يُعَكِّرُ صَفوَهُما!
هَيَّا بِنَا جَميعاً نَطمَئِنُّ عَليهما وَنَرعَاهُمَا,فاللهمَّ أعنَّا على بِرِّهما أحياءً ومَيِّتينَ,اللهمَّ أسعِدنا بِدُعائِهما وبِرِّهما واجعلهم عنَّا راضينَ،اللهمَّ من أفضى منهما إلى ما قَدَّمَ فَنَوِّرَ لهُ قَبرَهُ، واجزهِ عَنَّا خَيرَ الجَزَاءِ وأوفاهُ،واجمَعنَا بهم في دارِ كرامَتِكَ يا رَبَّ العَالَمِينَ.اللهم فاغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أَسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منَّا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
رَبَّنَا آ ربنا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.
0
0
3.2K
02-29-1434 02:13 مساءً