الحمدُ لله لا يُحيطُ بحمدِه حامِدٌ، ولا تَفِي بِقدْرِهِ المَحامِدُ,سبحانَهُ عظيمُ الشَّأنِ, واسعُ السُّلطانِ والكونِ،تُمَجِّدُهُ الأَفلاكُ، وحولَ عَرشِهِ تُسبِّحُ الأَملاكُ، لِوجهِهِ جلَّ وعلا سُبُحاتُ الجَلالِ، لَهُ كلُّ الجَمَالِ،واللهِ لو كانتِ البِحارُ مَحابِرَ,والأَرَضونَ دَفَاتِرَ فَلن تَفِيَ في تَدوينِ فَضلِهِ, اللهُ كريمُ الاسمِ عَليُّ الوَصفِ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ،أَصدَقُ كَلمةٍ فَاهَت بها الشِّفَاهُ،ونَطَقت بها الأَفوَاهُ،ونشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه،العارِفُ بالله حقًّا،المُتوكِّلُ عليهِ صِدقًا،المُتَذَلِّلُ له تَعبُّدًا ورِقًّا،صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وباركَ عليهِ وعَلَى آلِهِ الأَطهَارِ وأصحابِهِ الأَخيارِ، ومَن تَبعهم بإحسانٍ إلى يومِ القرارِ.
أمَّا بَعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى،واستَمسِكُوا من الإسلامِ بالعُروةِ الوُثقى, أيُّها الكرامُ: دَائِمَاً نَسمَعُ وتَسمعونَ اتَّقُوا اللهَ،اعبُدوا اللهَ،أَطِيعوا اللهَ,وهنا أطرحُ على مَسامِعكُم سؤالاً مُهِمَّاً: مَنْ هو اللهُ؟ ماذا نَعرفُ عنِ اللهِ جلَّ جلالهُ؟ ذلِكَ لأنَّ الجوابَ عن السُّؤالِ يُجَدِّدُ الإيمَانَ في القَلوبِ، ويَزِيدُ في اليَقينِ, وَيُعرِّفُنا بِخَالِقِنا,ويَدفَعنُا إلى العمل الصَّالحِ!ويَحجِزُنا عن مَعاصِيهِ، فَمِن وَاجِبِ كُلِّ عابِدٍ أنْ يَتَعَرَّفَ على مَعبُودِهِ,ومِن وَاجِبِ كُلِّ مَخلُوقٍ أنْ يَتَعَرَّفَ على خَالِقِهِ وعلى صِفاتِهِ وأَسمَائِهِ وأَفعَالِهِ!ولهذا قالَ المُشركونَ للنَّبِيِّ: يا محمد، انْسُبْ لنَا رَبَّكَ صِفْ لنَا رَبَّكَ فقالَ اللهُ يا مُحمَّد: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا احد),
فَمنْ هو اللهُ تعالى؟والجوابُ يا مُؤمنونَ: من القرآنِ والسُّنَّةِ وكَلامِ عُلمَاءِ الأُمَّةِ، فاللهُ هو الاسمُ المفردُ العلمُ على ذاتِهِ القُدسِيَّةِ، الجامعُ لِكُلِّ أَسمَاءِ الجَلالِ وصِفَاتِ الجَمَالِ, وهو الاسمُ الوحيدُ الذي تَكَرَّرَ في القُرآنِ قُرَابَةَ أَلفِ مَرَّةٍ. هو الاسمُ الأعظمُ الذي إذا سُئِلَ بِهِ أَعطَى وإذا دُعيَ به أجابَ،ولم يَتَسمَّ بهِ أحدٌ على من الخَلِيقَةِ!
فَأَوَّلُ مَنْ عَرَّفَ باللِه وَشَهِدَ بِوحدَانِيَّتهِ سُبحانَهُ وبِأسمائِهِ وَصِفاتِهِ هو اللهُ جلَّ في عُلاهُ،قالَ تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأعرَفُ النَّاسِ باللهِ هو رَسولُ اللهِ القائِلُ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وإِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ».
قالَ ابنُ القَيَّمِ رَحمَهُ اللهُ: "وهو سبحانَهُ يَدعو عبادَهُ إلى أنْ يَعرِفُوهُ بِأسمائِهِ وصفاتِهِ،وَيُثنُوا عليه بِها،ويَأخُذُوا بِحَظِّهم من عبودِيَّتِها،وهو سبحانَهُ يُحبُّ مُوجَبَ أَسمَائِهِ وصِفَاتِهِ،فهو عَليمٌ يُحبُّ كُلَّ عَليمٍ،جَوادٌ يُحبُّ كُلَّ جَوادٍ، وِترٌ يُحِبُّ الوِتْرَ، جَميلٌ يُحبُّ الجَمَالَ، عَفُوٌّ يُحبُّ العَفوَ، حَيِّيٌّ يُحبُّ الحَياءَ وأَهلَهُ، بَرٌّ يُحبُّ الأَبَرارَ" انتهى.
أيُّها المُسلمونَ: وأعرفُ النَّاسِ باللهِ وأعلَمُهُم بهِ, هم أشدُّ النَّاسِ تَعظيمًا وخشيَةً للهِ تعالى, ألم يَقُلِ اللهُ: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فالعُلَماءُ الرَّبانِيُّونَ أشَدُّ النَّاسِ خشيَةً للهِ!ومن كانَ باللهِ وصفاتِهِ وأسمائِهِ أَعلَمَ كانَ إيمانُهُ وتَوكُّلُهُ أَصَحَّ وأَقوى،وكان النَّبيُّ يَقُولُ فِى رُكُوعِهِ:«سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»ويَقُولُ: «لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». وعُبودِيةُ القَلبِ أعظمُ من عبودِيةِ الجَوارحِ وأكثرُ وأدوَمُ،
قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحمَهُ اللهُ:"واللهُ يُنزِلُ العبدَ من نفسِه حيثُ يُنزِلُه العَبدُ من نَفسِهِ".لِذا كان مِن أجلِّ العبادَاتِ تَعظيمُ اللهِ وَتَوقِيرُهُ،لا سيِّما أنَّنا في زَمَنٍ خَفَّ فيهِ تَعظيمُ اللهِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ,فهُناكَ المُستَخِفُّونَ بِشَعَائِرِ اللهِ،والمُتَطَاولِون على ثَوابِتِ الدِّينِ, والمُتَجاوزنَ لِحُدُودِ اللهِ,المُعتَدُونَ على الحُرماتِ!وقد ذمَّ اللهُ مَنْ لم يُعَظِّمهُ حُقَّ عَظَمَتِهِ,فقالَ: مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا قال المُفسِّرونَ:"ما لكم لا تُعظِّمونَ اللهَ حقَّ عَظَمَتِهِ"وقال تعالى: تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ أي"يَتَشَقَّقنَ فرَقًا مِن عَظَمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ".
ما يَصنَعُ العبدُ بِعزِّ الغِنَى؟! العِزُّ كُــلُّ العزِّ لَلمتَّقِـــي مَــــنْ عَــرَفَ اللهَ فَلــم تُغنِــهِ مَعرفةُ اللهِ , فَذاكَ الشَّقِيُّ
أيُّها المؤمنونَ: لقد كان نَبِيُّنا يُربِّي أُمَّتَهُ على تَعظِيمِ اللهِ وتَوقِيرهِ,ولا يَتحقَّقُ ذلِكَ إلا بِإثبَاتِ الأسماءِ والصِّفَاتِ لِلهِ كَمَا يَليقُ بِه سُبحانَهُ وتعالى.جَاءَ حَبْرٌ أي عالِمٌ من عُلمَاء اليَهودِ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ النَّبِيُّ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وذَاتَ يَوْمٍ عَلَى مِنْبَرِهِ يَقرَأُ الآيَةَ،وَيُحرِّكُ يَدَيهِ،يُقبلُ بِهما وَيُدبِرُ،ويَقُولُ :«يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ أَنَا الْجَبَّارُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْعَزِيزُ أَنَا الْكَرِيمُ»فَرَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرُ حَتَّى قَالَ أصحابُهُ لَيَخِرَّنَّ بِهِ! أتدرونَ عبادَ اللهِ:لِمَ ضَحِكَ النَّبِيُّ على خَبَرِ الْحَبْرِ؟لأنَّ خبَرَهُ جاءَ لِما يَعتَقِدُهُ رسُولُ اللهِ فهو يعتَقِدُ أنَّ اللهَ عَظِيمٌ قَديرٌ بكُلِّ شيءٍ عالِمٌ ومُحيطٌ وهكذا أخذَ الرَّسُولُ يُردَّدُ الآيةَ ويُربِّي أُمَّتَهُ على تَعظِيمِ اللهِ وتَوقِيرهِ!حقَّاً ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فاللهم أملئ قٌلٌوبنا بِحُبِّكَ وتعظيمِكَ وخشيَتِكَ في الغيب والشَّهادَةِ يا عليمُ يا خبيرُ,يا حيُّ يا قَيُّومُ,واستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المُسلمينَ من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ فَاطِرِ الأَكوانِ وَبَارِيها،رَافِعِ السَّمَاءِ ومُعلِيها،وبَاسِطِ الأَرضِ وَدَاحِيها،خَالِقِ الأَنفُسِ وَمُسَويَّها،وكاتِبِ الأَرزَاقِ ومُجرِيها،نَشهدُ أنْ لا إله إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له الكبيرُ المتعَالِ، ونشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ,دلَّ على الخَيرِ,وحَذَّرَ من الغِوايَةِ والضَّلالِ, صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى جميعِ الصَّحبِ والآلِ,ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ المآلِ. أمَّا بعدُ:فَأُوصِيكم ونَفسي بِتقوَى اللهِ وتَعظِيمهِ،
أيُّها المُسلِمونَ:مَنْ هو اللهُ؟ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وفي الحدِيثِ عَنْ أَبِى مُوسَى رضي اللهُ عنه قَالَ:قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ:«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ». يا مُسلِمونَ:اللَّهُ هُوَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ في صحيحِ مُسلمٍ رحمهُ اللهُ:أنَّ رَجُلاً مِنْ الْبَادِيَةِ قَالَ:يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ«صَدَقَ».قَالَ الأعرابيُّ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ:رَسُولُ اللهِ «اللَّهُ».قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ قَالَ:«اللَّهُ».قَالَ فَمَنْ نَصَبَ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ.قَالَ«اللَّهُ».قَالَ فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ,فَتَشَهَّدُ الرَّجُلُ و وآمنَ,لقد أدركَ هذا الأعرابِيُّ بِفِطرَتِهِ السَّلِيمةِ أنَّ للسَّماءِ والأَرْضِ والْجِبَالِ خَالِقاً ومُدَبِّراً عظيمَاً! فهو يَسأَلُ وَيَبحثُ عنهُ فَعلِمَ أنَّهُ اللهُ,فَسُرعانَ ما آمَنَ بهِ وأَسلَمَ!
اللهُ يامُؤمِنونَ:كُلُّ مَنْ في السَّماواتِ وَمَن فِي الأَرضِ يُسَبِّحُونَهُ ويُنزِّهونَهُ ولهُ يَسجُدُون أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ
اللهُ يامُؤمِنونَ:له الخَلقُ والأمرُ،أَتقنَ ما صَنَعَ وأَبدَعَ ما خَلَق،وقدَّرَ فَهَدَى,الحُكمُ حُكمُه،لا رادَّ لِقَضَائِهِ،ولا مُعقِّبَ لِحُكمِهِ،كُلُّ الخلائِقِ تحتَ قَهرِهِ،يُمِيتُهم ويُحييهم،يُضحِكُهم ويُبكِيهم، يُفقِرُهم ويُغنِيهم،يُصوِّرُهم في الأرحامِ كيفَ يَشَاءُ، مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا يامؤمنُونَ:لا أحدَ من البَشَرِ يُغني ويُفقِرُ يُعطي ويَمنعُ إلاَّ بِإذنِ اللهِ وأَمرِهِ! فلا تَنظُروا إلى ما في أيدِ الَبَشَرِ ولا تَتطَلَّعوا إليهم إنَّما كونوا مع اللهِ تعالى, وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ واللهِ لو أنَّ الأمَّةَ اجتَمَعت لِتَضُرَّ أحدًا واللهُ لَم يَكتُب ذَلِكَ لَم يَضُرَّه أحَدٌ،ولو اجتَمَعوا على نَفعِه والله لم يُرِد ذلكَ فَلن يَنفَعَهُ أَحدٌ. اللهُ جلَّ وعلا يُفرِّجُ الكَربَ،وَيجْبُرُ الكَسر،ويُجيبَ الدَّعوةَ،قالَ عن نَفسِهِ الشَّريفةِ: وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ
أيُّها المؤمنونَ: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وقالَ تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رحمهُ اللهُ:فلا تَتَعرَّضُوا لِسَخَطِهِ بِارتِكَابِ مَعَاصِيهِ فَيُعَاقِبَكُم على ذِلكَ,فَنَسأَلُهُ أنْ يَمُنَّ عَلينَا بِالحَذَرِ مِنهُ على الدَّوامِ،حتى لا نَفْعَلَ مَا يُسخِطُهُ وَيُغضِبُهُ. اللهُ يَعلَمُ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ اللهُ يَعلَمُ أفعالَنا في ظُلمةِ الَّليلِ البَهيمِ الأَليَلِ لا تخفى عَليهِ خافِيَةٌ، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ذلِكَ يامُؤمِنونَ:يَقُودُنا إلى استِشعَارِ اللهِ وعَظَمَتِهِ واطِّلاعِهِ وَقُدرَتِهِ علينا في كُلِّ أحوالِنا وإذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ ** والنَّفسُ دَاعِيةٌ إلى العِصيَان فَاستَحِيى مِن نَظَرِ الإِلهِ وقُلْ لَها ** إنَّ الذي خَلَقَ الظَّلامَ يَرَانِي ولمَّا قالَ نبيُّنا عَنِ الإِحْسَانِ بأنَّهُ:«أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» لم يَقُلْهُ من فراغٍ فإنَّهُ يعلمُ أنَّ الكثيرينَ من المُسلمينَ بإمكَانِهم أنْ يَبتَعِدوا عن المَعاصِيَ بِحضورِ الناسِ,ولكنَّهم إذا خَلوا بِمَحارِمِ اللهِ انتهكوها واعتدوا عليها! فيا عبادَ اللهِ:عَظِّموا اللهَ بِقُلُوبكم وألسِنَتِكم وجوارِحكُم,واقدُرُوهُ حقَّ قَدرِهِ, فاللهمَّ املىء قُلُوبَنا بِحُبِّكَ وتَعظِيمكَ وحبِّ العملِ الذي يُقرِّبُنا إلى حُبِّكَ وتعظيمِكَ,اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ قُلوباً سَلِيمَةً حَنيفَةً مُوحِّدةً،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ،وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،نَسْأَلُكَ أَلاَّ تَدَعَ لَنا ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ،وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ،وَلاَ حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا لَنا,اللهمَّ علِّمنَا ما ينفعُنا وانفعنَا بِما عَلَّمتَنا،واغفر لَنا وارحمنا,والحمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ.