خطبة الجمعة 10-12-1433هـ بعنوان فَضلُ الذِّكرِ في أيامِ التَّشريقِ
الحمدُ لله جَعلَ لَنا مَواسِمَ فَاضِلَةً,نَتَقَرَّبُ إليهِ فيها بِالطَّاعَاتِ,نَشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأرضِ والسَّماواتِ,ونَشهد أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورَسولُهُ سَبَّاقٌ إلى الخيراتِ, صلَّى الله وسلَّم وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ,وَمن سَلَكَ طَرِيقَهم إلى يومِ المَمَاتِ, أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ,واحمدوهُ بِهذا العيدِ السَّعِيدِ بعدَ أنْ تَقَرَّبتُم بِأنواعِ الطَّاعاتِ, صِيامٌ,وصَدَقاتٌ,وَذِكرٌ,ودُعاءٌ,وَذَبْحٌ للأَضاحِي,واجتَمَعَ لنَا أيضاً فَضلانِ فَضلُ العِيدِ وَفضلُ الجُمُعَةِ.فَلِلهِ الحمدُ والشُّكرُ والعِرفَانُ,عبادَ اللهِ:نَحنُ فِي أَيَامٍ فَاضِلَةٍ, وأبوابُ الخَيرِ مَفتُوحَةٌ! قالَ تَعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ قال الشَّيخُ السَّعدِيُ رحمهُ اللهُ:(يَأمُرُ تَعالَى بِذكرِهِ في أَيَامِ التَّشرِيقِ!الثَّلاثَةُ بَعدَ العِيدِ،لِمَزِيَّتِها وَشَرَفِهَا،وكَونِ بَقِيَّةِ أَحكَامِ المَنَاسِكِ تُفعَلُ بِها،فَلِذِّكرِ فِيها مَزِيَّةٌ لَيست لِغيرِها)صَحَّ عن النَّبِيِّ أَنَّهُ قالَ:"أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وذكرٍ لله"وقَالَ:"يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ"ولِذَلِكَ يَحرُمُ صَومُها فقد كانَ رَسُولُنا يَبعَثُ عبدَاللهِ ابنَ حُذَافَةَ يَطُوفُ بِمنى ويُنَادِي"لا تَصُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ؛فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" عبادَ اللهِ: أمَرَ تعالى اللهُ بالذِّكرِ في هذهِ الأَيامِ,بعدَ أنْ يقضيَ الحُجَّاجُ مَنَاسِكهُم فقَالَ: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا لأنَّ العَرَبَ كانت بعدَ أنْ يُفِيضُوا من عَرَفاتَ،يَجتَمِعُونَ في أَسواقِهم ومُنتَدَيَاتِهم؛لِيُفَاخِروا بِآبَائِهم،وَيَتَعاظَمُوا بِأنسَابِهم!فَنَهى اللهُ المؤمنينَ عن ذَالِكَ,وأمَرَهم بالإكثارِ مِن ذِكرِ اللهِ وحمدِهِ على تَيسِير الطَّاعَةِ والعِبادَةِ, قال الشَّيخُ السَّعدِيُ رحمهُ اللهُ:(وهكَذا يَنبَغِي لِلعبدِ، كُلَّمَا فَرَغَ من عِبادَةٍ،أنْ يَستَغفِرَ اللهَ عن التَّقصِيرِ،وَيشْكُرَهُ على التَّوفِيقِ،لا كَمنْ يَرى أنَّه قد أَكمَل العِبَادَةَ، وَمَنَّ بِها على رَبِّهِ،وَجعَلت لَه مَحَلاًّ ومَنزِلَةً رَفِيعَةً،فهذا حَقِيقٌ بِالمَقتِ، وَرَدِ الفِعلِ)
أيُّها الكِرامُ:وحتى تُدرِكوا مَكَانَةَ الذِّكرِ والذَّاكِرينَ اللهَ تعالى فإنَّ المَلائِكَةَ الكِرامَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ والبَشَرُ يَأكُلُونَ وَيَنَامُونَ، وَيَنْشَطُونَ وَيَفْتُرُونَ،غَيرَ أَنَّ اللهَ تَعالى يُضَاهِئُ بِهمُ المَلائِكَةَ الكِرامَ,إذا كانوا من الذَّاكِرينَ اللهَ تعالى! خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ:«مَا أَجْلَسَكُمْ»قَالُوا:جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا.قَالَ:«آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ».قَالُوا:وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ,يارَسُولَ اللَّهِ.قَالَ:«أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِى بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ». الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ هذا يامؤمنونَ من أعظَمِ مَقاصِدِ ومَنَافِعِ الذِّكرِ!وهو كذلِكَ حَيَاةُ القُلُوبِ ودَوائُها وقد أمرَ اللهُ بِهِ مُطلَقَاً فَقَالَ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وعلقَّ الفَلاحَ بِدَوامِ ذِكرِهِ فَقَالَ: واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ عبادَ اللهِ:ادعُوا اللهَ أَنْ يُعِينَكُم على ذِكرِه وشُكرِهِ وحُسنِ عِبَادَتِهِ,فقد قالَ رَسُولُ اللهِ لأصحابه «أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؟قُالوا:نعم يَارَسُوْلَ اللهْ,قَالَ قُولُوْا:اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ،وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»فاللهمَّ أعنَّا جَميعاً على شُكْرِكَ،وَذِكْرِكَ،وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ,وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكم فاستغفِرُوه إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ,
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الكَبِيرِ المُتَعَالِ,ذِي العَظَمَةِ والجمَالِ والجَلالِ, نَشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ وهو شَدِيدُ المِحَالِ,ونَشهد أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورَسولُهُ كَرِيمُ السَّجَايا وَجَمِيلُ الفِعَالِ,صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليهِ وعلى جَمِيعِ الصَّحبِ والآلِ ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ المَآلِ,أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ وتَزوَّدُوا فَإنَّ خيرَ الزَّادِ التَّقوى,واتَّقُونِ يا أولي الألبابِ, عبادَ اللهِ:لِلذِّكرِ في هذهِ الأيامِ مَنزِلَةٌ خَاصَّةٌ,فهذهِ أيامُهُ وتلكَ هي مَواسِمُهُ وعُنوانُهُ!فَيُشَرَعُ الذِّكرُ والتَّكبرُ عَقِبَ الصَّلواتِ فَإذَا سَلَّمَ من صلاتِهِ يقولُ:أستَغفِرُ اللهَ ثلاثاً اللهمَّ أنتَ السَّلامُ ومِنكَ السَّلامُ تَبَاركتَ يا ذا الجَلالِ والإكرَامِ,ثُمَّ يُكبِّرُ ما شَاءَ اللهُ لَهُ أنْ يُكبِّرَ ثُمَّ يُعودُ إلى أَذكَارِ الصَّلاةِ,يَرفَعُ الرِّجالُ أَصوَاتَهُم وَتُسِرُّ النِّسَاءُ بِذَلِكَ,إلى آخرِ أَيامِ التَّشرِيقِ!يَومُ العِيدِ وثَلاثَةُ أَيامٍ بَعدَهُ,وَصِيغُ التَّكبِيرِ التي وَرَدتْ ثَلاثَةٌ:الأولى:اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ كبِيراً,الثَّانِيةُ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ,والثَّالِثَةُ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إله إلا اللهُ و اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ, وِمن أَفضلِ أَنواعِ الدُّعاءِ والذِّكرِ في هذهِ الأَيَامِ كَمَا استَحَبَّهُ كَثيرٌ من السَّلَفِ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قال الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (الحَسَنَةُ فَي الدُّنْيَا الْعِلْمُ وَالْعِبَادَةُ,وفِي الآخِرَةِ هيَ الْجَنَّةُ ) يامؤمنونَ:ونَحنُ في أَيَامِ التَّشرِيقِ سَيَجتَمِعُ لنا نَعيمُ الأَبدَانِ بالأَكلِ والشُّربِ,وَنَعيمُ القُلُوبِ بِالدُّعاءِ والذِّكرِ,فلا تَستَعِينُوا بالنِّعمِ على الذُّنوبِ,إنَّمَا حَقُّها الشُّكرُ والذِّكرُ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ومن الذِّكرِ التَّسمِيَةُ عندَ الأكلِ و الشُّربِ,فَسَمِّ اللهَ عندَ أوَّلِ الطَّعَامِ واحمَدُهُ في آخرِهِ,يقولُ :«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ،وَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»ومن فضل اللهِ أنَّ الذِّكرَ لا يَرتَبِطُ بِوقتٍ مُعَيَّنٍ ولا هَيئَةٍ مُعَيَّنَةٍ فقد أَثنى اللهُ على المُؤمنِينَ فقَالَ: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وعائشةُ رضي الله عنها قالت:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ "يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلَّ أَحْيَانِهِ» فاذْكُرُوا اللَّهَ يامؤمنونَ ذِكْرًا كَثِيرًا,وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا, فاللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ,اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك,اللهم اجعلنا لك من الذاكرين لك من الشاكرين,اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين,اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين,ربَّنا تقبَّل منَّا إنَّك أنت السميعُ العليمُ وتب علينا إنك أنت التَّوابُ الرحيم. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
0
0
2.6K
12-09-1433 07:11 مساءً