خطبة الجمعة 03-12-1433هـ بعنوان فضائِلُ وأعمالُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ
الحمدُ لله أتمَّ علينا النِّعمَةَ وأكملَ لنا الدِّين,نشهد ألا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ رَبُّ العالَمِينَ,ونَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ الله ورسولُه المُصطفى الأمينُ صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وأَتبَاعِهِ بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حَقَّ التَّقوى واستَمسِكُوا من الإسلام بالعُروة الوُثقُى,واشكروا اللهَ على نِعَمٍ تَترَاً: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى
ثَلاثَةُ أَيامٍ وَنُودِّع حُجَّاجَنا,وقلوبُنا معهم!تَرْقُبُهم وتَدعوا لهم,فَنَقُولُ لهم:زوَّدكم الله التَّقوى وغَفَرَ ذَنُوبَكُم ويَسَّر لكم الخيرَ,ونَستَودِعُ الله دِينَكم وأماناتِكم وخواتيمَ أعمالِكم , وإنَّا مَعاشِرَ الحُجَّاجِ نُبَشِّرُكُم ببشارةِ رسولِ الله «أنَّ الحَجَّ المَبْرُورَ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ» فاحرص أيُّها الحاجُّ الكريمُ أنْ يكونَ حَجُّكَ كذلكَ بأنْ تَبتغِيَ به وجهَ اللهِ تعالى والدَّارَ الآخرةَ قُل:«اللَّهُمَّ حَجَّةً لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةً»احرص على إتباع سُنَّةِ نَبِيِّكَ في كلِّ المَنَاسِكِ فقد كانَ يُؤدِّيَ المَنَاسِكَ ويقولُ: «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» أكثروا من ذكرِ الله ومن التَّكبيرِ والتَّلبِيَةِ «فأَفْضَلُ الحَجِّ العَجُّ والثَجُّ»والعَجُّ رفعُ الصَّوتِ بالتلبيةِ,والثَّجُّ إراقةُ دَم الهَدي والنُّسُكِ,وتَعلَّموا أَحكَامَ الحَجِّ حتى تَعبُدُوا اللهَ على عِلمٍ وبصيرةٍ.
أيُّها الحاجُّ:ابتعد عن الآثامِ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ تحلَّوا بالصَّبرِ الجميلِ وأَحسِنُوا إلى عبادِ اللهِ بكلِّ ما تستطيعونَ تَعلِيمَاً وإرشادَاً وإطعَامَاً وإيواءً,سُئلَ رسولُ الله وما برُّ الحجِّ ؟قال:«قَالَ:إِطْعَامُ الطَّعَامِ وإفشاءُ السَّلام وَطِيبُ الْكَلاَمِ.» تقبَّل الله منَّا ومنكم صالح القول والعمل ولا تَنسونَا من صالِحِ دُعائِكم .
عبادَ الله:ولئن مَضى الحُجَّاجُ بالأجرِ والغَنِيمَةِ فَفَضْلُ الله وَاسِعٌ,وجُودُهُ ليس له حدٌّ,فقد شرعَ لنا رَبُّنا صيامَ يومِ عَرَفَةَ!وجَعَلَهُ مُكفِّراً لذنوبِ سَنَتَينِ كَامِلَتَينِ!كما قَالَ ذلِكَ رَسُولُ اللَّهِ «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» ألم تعلموا أنَّ يومَ عرفةَ هو يومُ إكمالِ الدِّينِ وإتمامُ النِّعمةِ فما أعظَمَهُ من يومٍ أَقْسَمَ اللهُ فيهِ وما أَجَلَّهُ من يومٍ يُباهي اللهُ فيهِ!ومَا أَشرَفَهُ من يومٍ يَستَجِيبُ اللهُ فيهِ!فخيرُ الدُّعاءِ,دُعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قالَهُ نَبِيُّنا محمدٌ صلَّى الله عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ والنَّبيُّونَ قبلَه لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قَديرٌ,فَعَظِّموا يامؤمنونَ يومَ عَرفةَ وصومُوه للهِ تعالى وحثُّوا أولادَكم وأهلِيكم, خاصَّةً أنَّهُ يَجتَمِعُ في عامِنا هذا فَضلانِ يومُ عرفةَ ويومُ الخَمِيسِ! ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ وابشروا كَذَلِكَ يامؤمنونَ:فقد شَرَعَ لَنا ربُّنا ما نُشارِكُ به حُجَّاجَ بيتِ الله الحرام من ذَبحِ الأَضَاحي فَهي من أعظمِ شعائِرِ الدِّينِ وهي سُنَّةُ أَبِينَا إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الأضاحي من أَجَلِّ العِبَادَاتِ وأَحبِّها إلى اللهِ تَعَالَى ولَمَّا سُئِلَ رَسولُ الله عن الأضاحي قالَ:«سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ»وقد قالَ بوجوبِها عَدَدٌ من العلماءِ لقولِ الرَّسولِ «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ, فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا »وقال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما:أقامَ النَّبيُّ بالمدينةِ عشرَ سنينَ يُضحي.وقال ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:"ولم يَكنْ يَدَعُ الأُضحِيَةَ".قال الشيخُ محمدُ بنُ العُثيمينَ رحمَهُ الله:والقولُ بِالوجوبِ أَظهَرُ بِشرطِ القُدرَةِ أمَّا الْمَدِينُ فإنَّه لا تَلزَمُهُ الأُضحِيَةُ بل إنْ كان عليه دَينٌ فَينبَغي أنْ يَبدَأَ بالدَّين قبلَ الأضحيةِ )
أيُّها الكرامُ:وبعضُ إخوانِنا قد يتذمَّرُ من ارتفاعِ أَسعَارِ الأَضاحي!فَيجعَلُ ذلك مُبرراً لِعدمِ الشِّراءِ وهو قَادِرٌ ومُوسِرٌ!والعَجِيبُ أنَّنا قد نُنفِقُ أَضعَافَ هذه المَبَالِغِ في قِطعةِ أثاثِ منزليَّةٍ أو في نزهةٍ عائليةٍ!ونَتَكاثرُ سِعرَ أُضحيةٍ سنويَّةٍ!فَدَعْ عنكَ كَيدَ الشَّيطانِ,فَإنَّهُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ! وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ المَغْفِرَة وَالفَضْل!وبَعضُنا قد يُفَاخِرُ بالأسعارِ عندَ النَّاسِ فَيَقولُ:اشتَريتُ بِأغلى الأثمانِ,أو أَطيبِ ما في السُّوقِ,وَكأَنَّنا بِذَلِكَ نَمُنُّ على اللهِ بالنَّفَقَةِ والأضحِيَةِ,واللهُ تعالى يقولُ: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إله إلا اللهُ و اللهُ أكبرُ و اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ, أقولُ ما تسمعونَ واستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وحدَهُ,نَشهدُ ألا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ سُبحانَهُ وبِحمدِهِ,ونَشهدُ أنَّ مُحمدَاً عبدُ اللهِ ورسولُه,صلَّى اللهُ وسلَّم وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ,ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومٍ حشْرِهِ, أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمنونَ واشكروا اللهَ على نِعَمِهِ وفَضلِهِ,فقد تفضَّل علينا بالتَّقرُّبِ إليهِ بِذبْحِ الأَضَاحِي فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ وإنَّ لِلأضاحِي أحكامٌ وحِكَمٌ:
فمن أحكامها أنَّ الأصلَ أنْ تكونَ الأضحيةُ عن الأحياءِ ويجوزُ أن يُشركَ معه في الأجرِ والثَّوابِ من أرادَ أحياءً وَمَيِّتِينَ,ولذا أنصحُ إخوانِي أنْ يُشرِكوا معهم والِدَيِهم في كُلِّ عملٍ صالِحٍ فَفَضلُ اللهِ واسِعٌ,وجُودُهُ ليسَ لهُ حدٌّ.
وَيُشتَرَطُ في الأَضاحي أنْ تكونَ من بَهيمةِ الأَنعامِ وهي الإبلُ والبقرُ والغنمُ وأنْ تَبلُغَ السِّنَّ المُعتَبَرَ شَرعَاً,وأنْ تكونَ سالِمَةً من العُيوبِ فقد سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وآلِه وسلَّم : ماذا يُتَّقَى من الأَضاحِي فَأَشَارَ بِيدِه «فَقَالَ:أَرْبَعَاً الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي»وَيسأَلُ البَعضُ عن الْخُرَّاجِ في الأُضحيةِ وهو الطَّالُوعُ؟فَيقولُ ابنُ العُثيمِينَ رَحِمَهُ اللهُ:إنْ كان الطَّالُوعُ حَيَّاً مُفسِداً لِمَا تَحتَهُ من الَّلحمِ فلا تُجزئُ الأُضحيةُ وإنْ كان مَيتَاً فلا يَضُرُّ .
ويشترطُ في الأضحيةِ كذلكَ أنْ تكونَ مُلكا لِلمُضحي أو مَأذُونَاً لَهُ فيها وبعضُ الناسِ يتأخَّر في تَسديدِ المَبلغِ أو يماطلُ فيه وهذا لا يجوز أصلا فكيفَ إذا تَعلَّق بنسكٍ !؟ وآخرُ الشُّروطِ أن يكونَ الذَّبحُ في الوَقتِ الْمُحدَّدِ شَرعاً مِنْ بعدِ صلاةِ العيدِ إلى آخر أيامِ التَّشريقِ,قال رَسولُ اللهِ :«إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكَ فِي شيءٍ» فيا عبادَ اللهِ:طِيبُوا بِها نَفْسَاً واستَسمِنُوها وأَخلِصُوا بِها لله تعالى « فإنَّ الله طيّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طيّباً» تَقَبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم صالِحَ القولِ والعمَلِ.
أيُّها المؤمنون:عيدُ الأَضحى شِعَارُنا به نَفْخَرُ ونَسعَدُ,ونتقرَّبُ إلى اللهِ ونَسجدُ,فحضورُهُ عبادَةٌ,والتَّخَلُّفُ عنهُ خَسَارَةٌ ونَدَامَةٌ,فقد أمَرَ رسولُنا العَواتِقَ وهُنَّ البَنَاتُ البَالِغَاتُ,وذواتُ الخُدُورِ وهنَّ الصَّغيراتُ,حتى الحيَّضَ أمرهُنَّ أنْ يَخْرُجنَ لِصَلاةِ العِيدِ وأنْ يَشهدنَ الخَيرَ ودَعوةَ المؤمنينَ!فكيف بالشَّبابِ والرِّجالِ الأَقوياءِ,ويسنُّ لنا مَعاشِرَ الرِّجَالِ الاغتِسَالُ والتَّطيُّبُ ولُبسُ أحسنِ ما نجدُ,فقد كان رسولُ الله يغتسلُ يومَ الفطرِ ويومَ الأَضحى ويَلبَسُ أحسنَ ثيابِه ويتَطَيَّبُ بأحسنِ ما يجدُ,أمَّا النِّساءُ فَيَخرُجنَ مُحتَشِمَات غيرَ مُتَطَيِّبَاتٍ,والسُّنةُ أن تَذهبَ مَشْيَاً على الأَقدَامِ ولا نَأكُلَ شَيئَاً قَبلَ الصَلاة حتى نَأكُلَ من الأُضحيةِ وأنْ نَذهبَ من طَريقِ ونَعودَ من آخرَ,ومن فضلِ اللهِ علينا هذا العامِ كذلِكَ أنَّهُ سيجتَمعُ لنا عيدانِ عيدُ الأضحى ويومُ الجُمُعَةِ وقد حَدَثَ ذلِكَ في عهدِ النَّبِيِّ فقالَ لأصحابِهِ:«إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عِيدُكُمْ هَذَا وَالْجُمُعَةُ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ،فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ»فَلَمَّا صَلَّى الْعِيدَ جَمَّعَ.قالَ أهلُ العلمِ:أنَّ مَن حضرَ صلاةَ العيدِ فَيُرَخَّصُ لهُ بِعَدَمِ حضُورِ صلاةِ الجُمَعَةِ,وإنْ حضَرَ الجُمَعَةَ فهو أفضلُ وأَولى,ومن لَم يَحضُرْ فَعليه أنْ يُصلِّيَ الظُّهرَ إذا دَخَلَ وَقتُها أربعَ رَكعاتٍ, يُصلِّيها مُنفَرِداً أو في جماعَةٍ في غَيِر المسجدِ,فإنَّ مَسجدَ الحيِّ لا يُؤذَّنُ فيهِ ولا تُقامُ فيه صلاةُ الظُّهر في يومِ العيدِ,إذا كانَ في يومِ جُمُعَةٍ , وإنَّا أيُّها الكرامُ:سَنَقومُ في هذا الجامعِ بِإذنِ اللهِ تعالى بِإقامَةِ صلاةِ العيد في السَّاعةِ السَّادِسَةِ وخمسٍ وعشرينَ دقيقةً,وكذلك سَنقُومُ بصلاةِ الجُمَعَةِ في وَقتِها المُعتادِ,كما توجدُ إعلاناتُ ِالمُصلَّياتِ والجوامِعِ على الأبوابِ,
عبادَ اللهِ:أكثروا من ذِكرِ اللهِ تعالى,فهو شِعَارُ هذهِ الأيامِ المَعلُوماتِ,ومن أفضَلُ أعمالِها! وارفعوا أصواتَكم بِذلِكَ خاصَّةً عند الخُروجِ لصلاةِ العيدِ,فقد كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّمَ يَخرَجُ في العيدِ رَافِعَا صوتَهُ,وارفعوا أكُفَّ الضراعَةِ إلى اللهِ تعالى بقلوبِ حاضِرَةٍ فأنتم حَريُّونَ بالإجابةِ فنحنُ ننتَظِرُ فَرِيضةً من فرائِضِ اللهِ,وصائِمونَ للهِ تعالى,وفي عشرٍ فاضِلةٍ,ورَبَّنا رَحيمٌ كريمٌ,لا يَرُدُّ سائِلهُ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ استغاثة ودعاء
0
0
2.0K
12-06-1433 10:03 مساءً