خطبة الجمعة 26-11-1433هـ بعنوان فَضَائِلُ عَشْرُ ذي الحِجَّةِ
الحمدُ لله منَّ علينا بمواسمِ الخيرات، لِمَغفِرَةِ الذُّنوبِ وتَكفيرِ السَّيئَاتِ،نشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ واسِعُ العَطايا وجزيلُ الهِبَاتِ،ونشهد أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُهُ سَبَّاقٌ إلى الخَيرَاتِ,صلَّى الله وسلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الْمَمَاتِ. أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ يامؤمنونَ،فمن اتَّقى اللهَ وَقَاهُ وحَفِظهُ ورَعَاهُ, وأَكرَمَ مَنزِلَهُ ومَثواهُ، عبادَ اللهِ:المُسلِمُ بِحمدِ اللهِ يَعيشُ مُباركَاً أَينَما حَلَّ,وفي أيِّ زمنٍ كان ! وأعظمُ عَمَلٍ يُقُومُ بِهِ طَاعَةُ اللهِ تَعالى،إذِ الطَّاعةُ برَكَةٌ وخَيرٌ ونَمَاءٌ على أَهلِها،كما قالَ المولى: مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا .فالصَّلاةُ طُهْرَةٌ من الذُّنُوبِ،والصُّومُ طُهْرةٌ من الآثام،والصَّدَقَةُ تُطفِئُ الخطيئةَ،ومَنْ حجَّ فلمْ يَرفثْ ولم يَفسُقْ رَجَعَ من ذُنوبِه كَيومِ وَلَدتُهُ أمُّهُ.اللهُ أكبرُ عبادَ الله أيُّ فضلٍ هذا ؟ وأيُّ إكرامٍ من الله تعالى لنا ؟! فالحمدُ لله على نعمةِ الإسلامِ والإيمانِ والعملِ الصَّالِحِ!يا مؤمنون:لقد أقبلَ علينَا مَوسمٌ مُباركٌ!أيَّامُه أفضلُ الأيام على الإطلاق!أيامٌ بَارَكَها اللهُ وفضَّلها وأَجزَلَ أَجرَها!فهل نتَّخِذُ من عَشْرِنا مَيدَانَاً لِلتَّنافُسِ لِلطَّاعَاتِ؟أَم يا تُرى يأخُذُنا التَّسويفُ والكَسَلُ؟! هيَّا يا مؤمنونَ:جِدُّوا وشمِّروا فالله تعالى يقولُ: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ إنَّها عشرُ ذِي الحِجَّةِ,كَثيرَةُ الحَسَنَاتِ عَالِيةُ الدَّرجاتِ مُتنوِّعَةُ الطَّاعَاتِ،فَضَائِلُها لا تُحصى!كَفَاها شَرَفَاً أنَّ اللهَ أَقسَمَ بها فَقَالَ: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ واللهُ تعالى لا يُقسِمُ إلا بِأَعظَمِ مَخلُوقَاتِه!ومن فَضَائِلِها أنَّ اللهَ تَعالى كذلِكَ قَرَنَها بِأفضَلِ الأَوقَاتِ،فَوَقتُ الفَجْرِ وَقْتٌ تجتمعُ فيه المَلائِكةُ الكِرَامُ! عبادَ اللهِ:ومن فَضَائِلِ العَشرِ أنَّ اللهَ تعالى أكملَ فيها الدِّينَ،وَأنزَلَ فِيها بِشَارِتَهُ لِلمؤمِنينَ فَقَالَ: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِينًا حتى حَسَدَنا اليهودُ على هذا الكَمَالِ،فَقَالُوا لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ :آيةٌ في كِتَابِكم لو نَزَلَتْ عَلينا لاتَّخذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدَاً:فَقَالَ : (إنِّي أعلمُ متى نَزَلَتْ؟َوأَينَ نَزَلَت؟نَزَلَت يَومَ عَرَفةَ فِي يومِ الجُمُعَةِ).
عبادَ اللهِ:ومن تَمَامِ النِّعمَةِ مَنعُ الكُفَّارِ مِن دُخُولِ الحَرَمِ،فَتَوَّحَدَت بِذلِكَ صُفوفُ المسلمينَ وأَصبَحوا جَسَداً واحداً،فَوَحَّدُوا مَعبُودَهُم،وَتَوَحَّدَ دِينُهم،وَكَلِمَتُهُم،فيا لها مِن نِعمَةٍ أنْ تَرى أَهلَ الإيمانِ ظَاهِرِينَ مُتَّحِدِينَ,وأهلَ الكُفرِ أحزاباً مُتَفَرِّقينَ.ومن تَمَامِ النِّعمَةِ في عشرِ ذي الحجَّةِ أنْ دَخَلَ النَّاسُ في دِينِ الله أَفواجَاً،
يامؤمنونَ:في العَشرِ تَجتَمِعُ أُمَّهاتُ العِبادَاتِ!فهي أيامُ الكَمَالِ،فيها صَلواتٌ وصدقاتٌ، وصومُ تَطوُّعٍ،وَحَجٌّ إلى البَيتِ الحَرَامِ!فيها الذِّكرُ والتَّلبيةُ,والتَّكبيرُ والدُّعاءُ،فيها التَّقرُّبُ إلى اللهِ بذبحِ الأَضَاحِي!وهذا شرفٌ لَها ولا يَتَأَتَّى في غِيرِها،
ومن فضائلها أنَّها أفضلُ أيامِ الدُّنيا على الإطلاقِ،كمَا وَصَفَها المُصطَفى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقَالَ:«مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ».يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ.قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ:«وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ».وَقَالَ :« مَا مِن عَمَلٍ أَزْكَى عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ ولا أعظمَ أجرَاً مِن خَيرٍ يُعمَلُه في عَشرِ الأَضحى »
فِيها يَومُ عَرَفةَ وَكَفى«وَخيرُ الدُّعاءِ دُعاءُ يومِ عرفةَ»وفيها يومُ النَّحر،وقد قالَ : « إنَّ أعظمَ الأيامِ عندَ الله تعالى يومُ النَّحرِ »
فاللهم أعنَّا جميعاً على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسنِ عبادتك , أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنِّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانه، والشُّكرُ له على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له شهادةَ مُستيقنٍ بِها في جِنانِه،وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيِّنَا محمدًا عبدُ الله ورسولُهُ بلَّغَ الوَحيينِ سُنَّتِه وقرآنِه،صلَّى اللهُ وسلَّم وَبَارَكَ عليه،وعلى آلِهِ وأَصحَابِه وأَتبَاعِهِ أَمَّا بعدُ: فاتَّقُوا اللَّهَ ربَّكم ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ, وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ ، وَحُجُّوا بيتَكُم , وصِلُوا أرحَامَكُم , تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ. عبادَ اللهِ : سَمعنا بَعضَ فَضائِلِ العشرِ وَبَركاتِها, فما ذا عَسانَا أنْ نَكسِبَ فِيها ؟ أيُّها الكِرامُ:أحثُّ نفسي وإخواني على المُسابَقَةِ فيها لِلخيراتِ,والمُنافَسَةِ فيها على الطَّاعاتِ, فاللهُ تعالى يقولُ: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ عظِّموها فهي من شَعَائِرِ اللهِ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ عظِّموها فهي الأَيَّامُ المَعْلُومَاتُ استقبلوها بالتَّوبةِ الصَّادِقَةِ النَّصوحِ، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أيُّها المسلمُ:كُلَّما أذنبتَ فَتُبْ,وكُلَّما قصَّرتَ فاستغفر,فإنَّ رَبَّاً رَحيماَ, رَبَّاً حَلِيماً, رَبَّاً كريماً سبحانهُ وبِحمده, يا مسلمونَ:أدُّوا ما افترضَ اللهُ عليكم من صلاةٍ وصيامٍ, وحجٍ وزكاةٍ , وبرِ وَصِلَةٍ لِلأَرحَامِ،وفي الحديث«وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبُّ إلي مما افترضتُه عليه»أكثروا فيها من النَّوافلِ فقد بشَّرنا أنَّ اللهَ يقولُ: «وما يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتى أُحبَّهُ»أكثروا فيها من ذِكرِ اللهِ بالتَّسبيحِ والتَّهليلِ والتَّكبِيرِ والتَّحميدِ وقراءةِ القرآنِ والاستِغفَارِ،فقد قال فيها:«فَأكثِرُوا فِيهنَّ من والتَّهليلِ والتَّكبِيرِ والتَّسبيحِ» ولاحِظُوا قولَهُ "فَأَكثِرُوا"فالمسلِمُ مُطالَبٌ بذكرِ اللهِ فِي كُلِّ حَيَاتِهِ،وَلَكِنَّهُ في هذهِ الأَيامِ أكثَرُ ذِكْراً للهِ تعالى؛ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ قولوا: الله أكبرُ الله أكبرُ لا إله إلا اللهُ،والله أكبر الله أكبر ولله الحمدُ، أَحيُوهَا في بُيُوتِكُم,ومساجدِكم , وطرُقاتِكم , وَمَكانِ عَملِكُم !
يامُؤمنونَ:يُسنُّ في أيامِ العشرِ الإكثارُ من الصِّيامِ,فقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ،وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ.قال الإمامُ النوويُّ رحمه الله:"صِيامُها مُستَحَبٌّ استحبَابَاً شًديدِاً"ولقد كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رحمهُ اللهُ إِذَا دَخَلَت أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادَاً شَدِيدَاً حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ! عبادَ اللهِ:ومن أفضلِ الأَعمَالِ كذلِكَ التَّقرُّبُ إلى الله بذبحِ الأضاحي،ولذا أرشدَ النَّبيُّ من أرادَ أنْ يُضحيَ أنَّهُ لا يَأخذُ مِن شَعرِهِ ولا بَشَرَتِهِ شَيئَاً إِذا دَخلَتِ العَشرُ. إخواني:ومن النِّعمِ علينا هذا العامِ أنَّ إجازَةِ الحجِّ طويلةٌ,فبعضُ النَّاسِ قد يَجِدُهَا فُرصَةً فَيَقضِيَهَا بِسَفَرٍ مُحَرَّمٍ هنا أو هناكَ!فَنَقولُ لإخوانِناَ اعرفوا لِشَرَفِ الزَّمانِ قدرَهُ وفَضْلَهُ, فَأُّي حِرمَانٍ لَهم! وأيُّ خَسَارَةٍ عليهم في المَوسِمِ المُعَظَّمِ؟! واللهُ تعالى يقولُ: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى
أَلا فاتَّقُوا اللهَ رَبَّكم،واستَعِدُّوا لِعَشرِكُم، بِما تَجِدُهُ ذُخرَاً لَكُم؛فَإنَّ مَشَقَّةَ العَملِ الصَّالِحِ تَزُولُ وَيبقى الأَجرُ،ولَذَّةَ المَعاصي تَزولُ وَيبقَى الوِزْرُ!فاللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها.اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شرَّ الشيطان وشرَّ أنفسِنا،اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم إنا نسألك البرَّ والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم اجعلنا ممن يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسنَه،اللهم سهِّل على الحُجَّاجِ حَجَّهم,وَيَسِّر لهم أمورَهم,وَوَفِّقْ وُلاتَنا لِما تُحبُّ وترضى,وأعنهم على البر والعدلِ والتقوى, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله:اذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر،والله يعلم ما تصنعون
0
0
2.1K
11-26-1433 04:11 مساءً