خطبة الجمعة 19-11-1433هـ بعنوان بِنَاءُ البَيتِ العَتِيقِ
الحمدُ للهِ جَعَلَ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ,ربطَ فيها أعظمَ الأركانِ,وَجَعَلَها مَصدَراً للأمنِ والأمانِ,نشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ المَلِكُ الدَّيَّانُ,ونشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمَةً وأماناً للإنسِ والجآنِّ,صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ,وعلى جميعِ الآلِ والصَّحبِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ,أَمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ يا مُسلِمُونَ:واحفَظوا على أنفسِكم الأَوقاتَ,وطيِّبوا لها الأَقوَاتَ,وَصَحِّحوا المَقَاصِدَ والنِّياتَ,وراقِبوا عَالِمَ السِّرِّ والخَفِيَّاتِ, عبادَ اللهِ:تَستقبِلُ مَكَّةُ هذهِ الأيامَ وُفُودَ الحَجِيجِ،في مَوكِبٍ مَهِيبٍ،جَاؤوا مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ,يُلبُّونَ نِدَاءَ رَبِّهم ويُجِيُبونَ أَذَانَ خَلِيلهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ جَاءوا لِيوأَدُّوا خَامِسَ الأركانِ,طَامِعِينَ في تَكفيرِ الخَطَايَا وَبُلُوغِ الجِنَانِ، فَمَا هَذا البَيتُ العَتِيقُ يا تُرى ؟ وكيفَ تَمَّ بِناؤهُ ؟ ومَنِ الذي بنَاهُ؟وما سِرُّ تَعَلُّقِ المُسلِمِينَ بِهِ ؟ هذا البيتُ يا مسلِمونَ:صِلَةٌ وَثيقَةٌ بينَ أَنبِياءِ اللهِ جَمِيعاً,فلقد حجَّ إليهِ جَمْعٌ من الأنبياءِ وصَلَّوا فيهِ وطَافُوا بينَ أركانِهِ!ولِبنائهِ تاريخٌ لا يُنسى وقِصَّةٌ لا تُمَلُّ!تبدأُ القِصَّةُ بِرحلَةٍ شاقَّةٍ لإبراهيمَ الخليلِ عليهِ السَّلامُ حينَ قرَّر الخروجَ من أرضِ العراقِ لِعِبادَتِهمُ الأصنامَ خرجَ مع زوجتِه سارَّةَ رضي اللهُ عنها ومعهُ ابنُ أخيهِ لُوطٍ عليهم السَّلامُ,كما قالَ تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَتَوجَّهوا نَحوَ فِلَسطينَ,ثُمَّ إلى مِصرَ,وهناكَ وقعَ الابتِلاءُ على سارَّةَ مِن قبلِ ظالِمِ مصرَ,ونهايةُ قصَّةِ الظَّالِمِ أنْ أهدَاهُما هاجرَ لَعلَّهم يُرزَقونَ منها بولدٍ يخدِمَهُما وَيرْعَاهُمَا,لأنَّ سارَّةَ عاقِرٌ لا تلِدُ!فَوَلَدَتْ هاجرُ إسماعِيلَ عليهِ السَّلامُ, كمَا قَدَّرَ اللهُ تَعالى أنْ تَلِدَ سارَّةُ إسحاقَ عليهِ السَّلامُ,عندها بَدأَت حياةٌ أُسرِيَّةٌ جَدِيدةٌ, الزَّوجَةُ سَارَّةُ وَمَعَها وَلِيدُهَا,والمَملُوكُةُ هَاجَرُ وَمَعَها وَلِيدُهَا,فَدَبَّتِ الغَيرَةُ في نفسِ الزَّوجَةِ وَلَمْ تُطِقْ رُؤيَةَ الجَاريةِ وَوَلِيدِها,فَصَارَحَت إبراهيمَ بِما تَجِدُ,فَقَرَّرَ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ أنْ يُهاجِرَ بِهَاجَرَ وابنَها إِسمَاعِيلَ,إلى البُقعَةِ المُبَارَكَةِ!وذَلِكَ بِوحيٍ من اللهِ تَعالَى وَأَمْرٍ!روى البُخَارِيُّ في صَحَيحَهِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما حديثاً بمعناهُ قالَ:جَاءَ إِبْرَاهِيمُ بِهَاجَرَ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ,وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابَاً فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا إلى الشَّامِ فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ،وَلاَ شَيْءٌ قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارَاً وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ:آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ:إِذاً لاَ يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وقَالَ: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ إليها فَقَامَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَداً فَلَمْ تَرَ أَحَداً,فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ!قَالَ النَّبِيُّ: (فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا)فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تَعني نَفْسَهَا اسكتي ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَقَالَتْ:قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غُوَاثٌ أَغِثنِي فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ جبريلَ عليه السَّلامُ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ،أَوْ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ! فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وتَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ النَّبِيُّ : (يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ،أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنَاً مَعِينَاً) فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ يعني الهلاكَ فَإِنَّ هَاهُنَا بَيْتَ اللهِ يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيِّعُ أَهْلَهُ،وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ تتغذَّى بِمَاءِ زمزمَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُم, أحدُ قبائلِ العربِ،فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا يَحومُ فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ!فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا،يعني رسولاً يَجرِي مُسرعاً فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ:نَعَمْ وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا:نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ : (فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُحِبُّ الإِنْسَ)فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلاَمُ,وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ الخليلُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يبحثُ عن مَملُوكَتِهِ وَوَلَدِهِ فَلَمْ يَجِدْ منهم أحداً, حتى اهتدى إلى دارِ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا،فَقَالَ:هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَأَلَنَي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ,فأَوْصَاني أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ:غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكَ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا!وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ عليه السَّلامُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْ عِيشَتِهِم فَقَالَتْ:نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللهِ خيرا فَقَالَتْ أَلاَ تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ قَالَ لا أستطيعُ النُّزُولَ قالت إنِّي أَرَاكَ أَشعَثَ أفلا أَغسِلُ رَأسَكَ وَأدْهُنُه قال:بلى إنْ شِئتِ,فَغَسَّلَتْ رَأْسَهُ وَدَهَنتهُ قالَ:فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ فقَالَ:هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ,وهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثَبِّتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكَ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ,ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ عليه السَّلامُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبَاً مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا وكانُ عُمُرُ ابراهيمَ آنذاكَ مِائَةَ سَنَةٍ وإسمَاعِيلُ ثَلاثونَ سَنَةً قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولاَنِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ,وأقامَا البِنَاءَ وَرَفَعَاهُ إلاَّ مَوضِعَ الحَجَرِ الأَسوَدِ فقد رُوي أنَّ الذي أتى بهِ جِبريلُ عليه السَّلامُ,أَمَّا المَقَامُ فقد ثَبَّتَ اللهُ مَوضِعَ قَدَمَيْ إبراهيمَ لِيكُونَ آيةً وعبرَةً,فَلَمَّا فَرَغَ إبراهيمُ من البِنَاءِ جَاءَهُ جِبريلُ فَأَراهُ المَنَاسِكَ كُلَّها ثُمَّ قَالَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ,قَال ومَا يُبلِّغُ صَوتِي؟قالَ أذِّن وَعَلَينَا البَلاغُ!فَأسَمعَ اللهُ صوتَهُ مَا بَينَ السَّمَاءِ والأرضِ ومَن في الأصلابِ والأرحامِ(أفلا تَرونَ النَّاسَ يَجِيئُونَ مِن أَقصَى الأَرضِ يُلبُّونَ)وهكذا تَمَّ البناءُ,وقامَ الصَّرحُ الشامخُ,وكانَ قِبلَةً وَوِجهَةً لِلمسلمينَ,قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ أقولُ ما سمعتم واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفور الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حقَّ حمدِه،نشهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ تَعظيمَاً لِمجدِهِ،ونشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ أزكَى الأَنَامِ,وَأَفضَلُ مَنْ حجَّ البَيتَ الحَرَامَ،صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وصحبِه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى على الدَّوامِ.
أمَّا بعدُ.فيا عباد اللهِ التزموا تقوى اللهِ تعالى,فمن أعظَمِ مَقَاصِدِ الحجِّ إلى البيتِ الحرامِ أنَّهُ يُرَبِّي النَّاسَ على تَقوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ,
وأنتَ تُلَبِّي داعِيَ اللهِ:لَبَّيكَ الَّلهُمَّ لَبَيكَ،تَذَكَّر نِدَاءَ الخَلِيلِ وَبِناءَ الخلِيلِ لِلبيتِ العتيقِ، فالسَّعيدُ مَنْ أجابَ وبَادَرَ وَلَبَّي،والشَّقِيُّ مَنْ سَوَّفَ وأعرضَ وَأَبَى،
أيَّها الكرامُ:بِحمدِ اللهِ تعالى,مَلايينُ المُسلمينَ من مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغارِبِها،يَشُدُّونَ الرِّحَالَ هذهِ الأيامَ إلى البَيتِ الحرامِ,إلى أُمِّ القُرَى،
لأنَّ لهذا البَيتِ مَزَايا ليست لغيره من بقاع الأرض: فهو أَفضَلُ بِقاعِ الأَرضِ على الإِطلاقِ، قالَ عنها نَبيُّنا : (والله إنَّكِ لَخَيرُ أرضِ الله،وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ).تُقصَدُ في السَّفَرِ وتُشَدُّ الرِّحَالُ إليها، قالَ : (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ:الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ،وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى).الصَّلاةُ الوَاحِدَةُ فيها بِمِائَةِ أَلفِ صَلاةٍ، قال : (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) مَنْ دَخلَها كَانَ آمِنَاً بِأمانِ اللهِ لها ! مَنْ هَمَّ فيها بِظُلْمٍ أذَاقَهُ اللهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ فكيفَ بِمن ظَلَمَ فيها وأَفْسَدَ,كيفَ بمن يَحتَالُ على الحُجَّاجِ والمعتَمِرينَ ويَأكُلُونَ حُقُوقَهم,ويَغُشُّونَهم في عُقُودِهم!؟قالَ أهلُ العلمِ ويَدخُلُ في الظُّلمِ الشِّركُ باللهِ،أو فِعلُ شَيءٍ مِمَّا حرَّمَهُ اللهُ في الحرمِ ، أو تَركُ شَيءٍ مِمَّا أَوجَبَهُ اللهُ ، أو انتِهَاكُ حُرُماتِ الحرَمِ،حتى احتِكارَ الطَّعَامِ فيها.فكيف بمن يسرقُ فيها وَينهَبُ أَرَاضِيهَا؟!
وسُمِّيَت مَكَّةُ؛لأنَّها تَمُكُّ مَنْ ظَلَمَ أَي:تَقصِمُهُ،عبادَ اللهِ:لقد بقيَ البيتُ العتِيقُ بِحمدِ اللهِ شامِخَاً عزيزاً تَعَاقَبَتْهُ أُمَمٌ ودُولٌ حتى جعلَ اللهُ لِبلادِنا ووُلاتِنا شَرَفَ خِدمةَ الحرمينِ الشَّريفينِ,فكانَ مصدرَ عزٍّ لها وبركةٍ,فواجِبٌ علينا بَذلُ ما في الوُسْعِ لِتَهيئَتِهمَا لِلحُجَّاجِ والمعتَمِرينَ,فَجَزَى اللهُ خيراً كلَّ من أخلصَ وبنى وباركَ اللهُ في الجُهُودِ,
يا مؤمنونَ:من قِصَّةِ بناءِ الكعبةِ يَتَبَيَّنُ امتِثَالُ الأَمرِ والعُبودِيَّةُ للهِ تعالى من إبراهيمَ وَمَمْلُوكَتِهِ وابنهِ إسمَاعِيلَ عليهما السَّلامُ.
البيتُ العتِيقُ يُذَكِّرُنا دَائِمَاً بِالمرأَةِ الصَّالِحَةِ أُمِّ إسمَاعِيلَ فقد آمنت باللهِ حَقَّ الإِيمَانِ، واستَسلَمَت لأَمرِهِ وابتِلائِهِ،فَسَكَنَت مَكَانَاً لا أَنِيسَ بهِ ولا رَفيقَ،فكانَ عاقِبَةُ أَمرِها خَيراً وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ
بناءُ الكعبةِ يربطُ الناسَ على اختلافِ أَنبِيائِهم وشَرائِعهِم,بِدينٍ واحدٍ وقبلَةٍ واحِدَةٍ,ووجهَةٍ واحِدَةٍ,فَيزدادونَ تآلُفاً واتِّحاداً وقوَّةً, وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ
فاللهم تقبل منا إنكَ أنت السميع العليم وتب علينا إنكَ أنت التوابُ الرحيمُ,اللهم اجعلنا لك مُسلمين لك مؤمنين لك قانتينَ ياربَّ العالمين,الهم أعنا على أداءِ الأمانَةِ,وحقِّ الرعاية, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
0
0
11.2K
11-19-1433 05:23 مساءً