خطبة الجمعة 08-09-1433هـ بعنوان الصيامُ والدُّعاء
الحمدُ لله مجيبِ الدَّعوات،إليه وحدَه تُرفعُ الأيدي بالحاجات,نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرضِ والسمواتِ، ونشهد أنَّ نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله المرسلُ بالآياتِ،صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه،وعلى آله الهداةِ ، وأصحابِه الثِّقاتِ،والتابعين لهم بإحسان ٍوإيمانٍ إلى يومِ الممات,أمَّا بعدُ:فاتقوا الله عبادَ الله,فتقوى الله أمانٌ من الرَّزايا وسلامةٌ من البلايا،تقوى الله عصمةٌ من الفتن ونجاةٌ في المحن،
أيُّها الصَّائِمونَ: ثمَّة عبادةٌ عظيمةٌ:هي صلةُ العبدِ بربِّه,وهي أنسُ قلبِـِه,وراحة ُنفسِه,سلاحٌ عزيزٌ,لا يملكه إلا أنتم يا مؤمنونَ,يا مُوحِّدونَ,يا مُوقنونَ,سلاحٌ رَبَّانِيٌّ, هو سلاحُ الأنبياء والأتقياءِ,سلاحٌ يجلبُ الخيراتِ ويدفعُ الكُرُباتِ، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ سلاح نجَّى اللهُ به نوحًا عليه السَّلامُ فأخذَ اللهُ قومَه بالطُّوفانِ,ونجَّى به موسى عليه السَّلامُ فأغرقَ فرعونَ وقومَه وكلٌّ كانوا ظالمين,سلاحٌ أعزَّ اللهُ فيه محمدًا وصحابتـَهُ الكرامُ,!
الدُّعاءُ يا مؤمنونَ: رافعٌ للبلاء ودافعٌ للشَّقاءِ،وهو دَأَبُ الأنبياء إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
ولن يهلِك مع الدُّعاءِ أحد، ولن يَخِيبَ مَنْ للهِ رجا وقصَد، فكم من بليَّةٍ رَفَعَهَا الله بالدُّعاء!وكم من معصيةٍ غفرَها الله بالدُّعاء!وكم من نعمةٍ ظاهرة وباطِنَةٍ كانت بسبَبِ الدُّعاء؟! فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله : (لا يُغني حذَر من قدَر، والدُّعاءُ ينفَعُ مِمَّا نزلَ ومِمَّا لم ينزِل،وإنَّ البلاءَ لَيَنزِلُ فَيلقَاهُ الدُّعاءُ، فَيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ) يعني يتصارعانِ !
عباد الله: ولـَمَّا كان شهرُ رمضانَ حريًّا أن تُعمَر أوقاتُه بالعبادةِ فإن الدُّعاءَ أولى العباداتِ بذلِكَ فقد قال رسولُ اللهِ : (الدعاءُ هو العبادة) ثمَّ تلا: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ
وتنبَّهوا يا رَعَاكُمُ الله إلى قولِ اللهِ تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ لقد جاءت هذه الآيةُ بعد آيات الصيامِ مباشرةً!لذا قال الشَّيخُ ابنُ العثيمينِ رحمه الله:"إنَّ الصِّيامَ مَظِنَّةُ إجابةِ الدعاء؛لأن الله سبحانه وتعالى ذكرَ هذه الآيةَ في أثناءِ آياتِ الصيامِ، ولا سيما أنَّه ذكرها في آخر الكلام على آياتِ الصيام,حتى قال بعضُ أهلِ العلم: إنِّه يستفادُ منها فائدةً أخرى: أنه ينبغي الدعاءُ في آخرِ يومِ الصَّائِم، أي: عند الإفطار"
ولا تنسوا يا صائمونَ أنَّ للصائمِ دعوةً لا تُردُّ!الدعاءُ يا مؤمنون كرمُ الباري وإحسانُه,ومنتُه وفضلـُه,فهو طاعةٌ لله تعالى وامتثالٌ لأمره عزَّ وجلَّ، قال تعالى: وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الدعاءُ أكرمُ شيء على الله تعالى كما قال صلَّى الله عليه وسلم: ( ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدِّعاءِ) الدعاءُ محبوبٌ لله تعالى،وسببٌ لانشِراحِ الصدر وتفريجِ الهمِّ وزوال الغمِّ وتيسيـِر الأمور،صحَّ عن رسول الله أنَّه قال: (من لم يسألِ اللهَ يغضبْ عليه) الدعاءُ دليلٌ على صدقِ التوكـُّلِ وعُلوِّ الهمَّةِ،فالمؤمنُ يعلمُ أنَّ اللهَ وحدَهُ بـِيده مقاليدُ الأمور فَيقطعُ الطَّمعَ مما في أيدي الناس،وهذا رأسُ الفلاحِ: (وأعجزُ الناس من عَجَز عن الدُّعاء)كما قالَه
يا صائمون:لم لا نكثرُ من دعاء الله ؟وربحُه ظاهرٌ و مضمون فقد قال النبيُّ : (ما مِنْ مُسلمٍ يدعو ليس بإثمٍ ولا بقطيعةِ رَحمٍ إلا أعطاه الله إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعجِّلَ له دعوتَه،وإمَّا أن يَدَّخِرها له في الآخرة،وإما أن يَدْفَعَ عنه من السُّوءِ مثلـَها) قالوا: إذًا نُكثرُ يا رسولَ الله؟:قال (اللهُ أكثر). أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله مُجِيبِ دَعوةِ المضطرِّين،وكاشِف البلوى عن المؤمنينَ،وقاصمِ ظُهور الظَّالمينَ,نشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له،الملكُ الحقُّ المبينُ،ونشهَدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه،بعثهُ اللهُ بشيراً ونذيراً،ورحمةً وسراجاً منيراً،من أطاعَه دخلَ الجنَّة، ومن عصاه فَلن تَجِدَ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيَّاً وَلاَ نَصِيراً.
أمَّا بعدُ:فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ، واعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا في أَنفُسِكُم فَاحذَرُوهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ،مَا أَكرَمَ الخَالِقَ وَأَقرَبَهُ,ما أحلـَمه وَأَرحَمَهُ!وَمَا أَغفَلَ العَبدَ وَأَبعَدَهُ: أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُم خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ
الدُّعَاءُ يا صائمونَ:عِبَادَةٌ لا يَدَعُهَ إِلاَّ عَاجِزٌ،وَلا يَغفَلُ عَنهَ إِلاَّ مَحرُومٌ،صَحَّ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى: أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني) فَهَلُمَّ يا عِبَادَ اللهِ: في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ،فهُوَ شَهرُ الدُّعَاءِ وَفُرصَةُ الابتِهَالِ وَالنِّدَاءِ,فارفَعُوا إِلى اللهِ جَمِيعَ الحَاجَاتِ،وَأَلِحُّوا بِالمَسأَلَةِ في شَهرِ النَّفَحَاتِ؛قال : (إِنَّهُ مَن لم يَسأَلِ اللهَ يَغضَبْ عَلَيهِ)، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ،فَقَد قالَ : (يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ،يَقُولُ:دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي) وكلَّما اشتدَّ الإخلاصُ وقويَ الرَّجاءُ،كلَّمَا كانت الإجابةُ أقربَ وأحرى،
يَقُولُ : ((اُدعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ,فأطب مَطعَمَكَ وَمَشرَبَك،واحذَرِ الظُّلمَ فإنَّهُ ظُلُماتٌ يومَ القيامَةِ,وتعفَّـف عن الشُّبهاتِ والشَّهواتِ،وقدِّم بين يدي دعائِكَ عَمَلاً صَالِحاً,ونادِ ربَّكَ بِقلبٍ حاضِرٍ,وتخيَّرْ من الدعاءِ أحسنَهُ وَأَجمعَهُ،وَتحرَّ من الأوقاتِ أفضلَها،ومن الأحوال أرجاها،
يا ربُّ عَفوُكَ ليس غيرُكَ يُقصدُ يـا من له كلُّ الخلائِقِ تَصمُدُ أبوابُ كلِّ مُمَلَّكٍ قد أوصِدَتْ ورأيتُ بابَك واسعَاً لا يُوصَدُ
أمَّةَ الصِّيام والقرآنِ والدَّعاءِ:إنَّ الظُّلمَ والبغيَ والجبَروتَ الحاصِلَ على إخوانِنا في الشَّامِ يَدفعُنا إلى مَزيدٍ من الرَّجاء والدُّعاءِ والإلحاحِ على اللهِ تعالى فإنَّهُ كُلَّما تعاظَمَ الظُّلمُ كانتِ الإجابةُ من اللهِ تعالى أسرعَ وأحرى!وإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ!أكثرُ من ثلاثينَ ألفَ قَتيلٍ!ظُلماً وبغياً وعُدواناً وقد قال : (واتَّقوا دعوةَ المظلومِ، فإنها تُحملُ على الغمامِ،ويقولُ اللهُ:وعزَّتِي وجلالي لأَنْصُرَنَّكِ ولو بعد حين). وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فها أنتم يا صائِمونَ:تُشاهدونَ واقعاً أليماً على أرضِ سُورياَ العزِّ والإباءِ!على يَدِ الظَّالِمِ الْمُستَبِدِّ,فرعونَ العصر وبشَّارَ الشَّر!ولن ينس التأريخُ وصمةَ العار على جبين العربِ والمسلمين رسمِيَّاً وشعبياً,بهذا الصمتِ الْمُخزي!وهي ترى يوميَّا ذاكَ المُجرمَ النَّزِقَ يعيثُ في الأرضِ فساداوإفساداً!فيا مسلمونَ السُّوريُّون هم رجالُ المرحلةِ وأبطالُها!وحصنُ السُّنَّةِ وأهلُها!فلا يدعمهم إلا مُخلصٌ لأمتِهِ ولا يخذلُهم إلا جبانٌ مُتخاذلٌ!
ولقد وجَّه خادمُ الحرمينِ الشريفينِ وفقه اللهُ إلى ضرورَةِ دعمِ إخواننا في سوريا فأنفقوا عليهم يَخلِفِ اللهُ عليكم بخيرٍ,وادعوا لهم فهو نوعٌ من النُّصرَةِ لهم,ثُمَّ اعلموا أنَّ الدُّعاءَ على الظَّالِمِ،أَمرٌ مَشروعٌ،بل واجِبٌ إذا كان الظُّلُمُ على المسلمين,ولَيسَ الدُّعَاءُ نَافعًا إذَا لم يخرُجْ مِنْ نُفُوسٍ مُؤمِنَةٍ وَقُلُوبٍ صَادِقَةٍ،
فلا إله إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ،لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم،لا إله إلا الله ربُّ السَّمواتِ السَّبعِ وربُّ العرشِ الكريم.رَبَّنَا أَعِنْ إخوَانَنَا في سُوريا وبورما وفي كلِّ مكان ولا تُعِنْ عَلَيهم،وانصُرهم ولا تَنْصُرْ عَلَيهم،وامكُرْ لهم ولا تَمْكُرْ عَلَيهم،وانصرهم على من بَغَى عَلَيهم.اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ,مُجْرِىَ السَّحَابِ،سَرِيعَ الْحِسَابِ,هَازِمَ الأَحْزَابِ،اللَّهُمَّ اهْزِمِ طواغيتَ العصرِ وجُنْدَهم،اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ،وَانْصُر إخوانَنَا عَلَيْهِمْ.اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ في نُحورِهِم،وَنَعوذُ بِكَ مِنْ شُرورِهمْ,اللَّهُمَّ سَلِّطْ على بشار جنداً من جندك,اللَّهُمَّ عليكَ بهِ وجُندِه وحزبِهِ خُذهم أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ,أرنا فيهم عجائبَ قدرتِكَ,اللَّهُمَّ وَاحقن دِماءَ إخوانِنا,واحفظ عليهم أعراضَهم وأموالَهم,وتَقَبَّل موتَاهم في الصَّالِحينَ,وهيئ لهم قادةً صالحينَ مُصلِحينَ .ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
0
0
2.3K
09-08-1433 05:32 مساءً