• ×

07:59 مساءً , الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 01-09-1433هـ بعنوان أوَّلُ يومِ من رمضان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ الله أنعمَ علينا بالإيمانِ،فَرضَ علينا الصيامَ لنيلِ الرِّضا والرِّضوانِ،تَهذيباً للنُّفوسِ وصِحَّةً للأبدانِ،وتقوىً لِلمَلِكِ الدَّيَّانِ,نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ذِي الفضلِ والإحسانِ،ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنا محمداً إمامُ العابدينَ وقدوةُ العاملينَ وسيِّدُ الصَّائمينَ,صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِهِ وصحابَتِهِ الطَّاهرينَ,ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين. أمَّا بعد: فيا عبادَ اللهِ:اتَّقوا الله جلَّ وعلا،فبالتَّقوى تَجتَمِعُ الخيراتُ،وتنالُ البركاتُ،وتُفرَّجُ الكُرُباتُ.مرحبًا بك يا رمضانُ،نحنُ أشدُّ ما نكونُ إليك الآنَ,جئتنا وقد أثقَلَتنَا الأوزارُ والذُّنوبُ!وقد غَلَبَتْ علينا شِقوتُنا،وكلُّنا أملٌ في الحليمِ الشَّكُورِ,فاللهمَّ يا أرحمَ الرَّاحمينَ لا تَجعلنا عن بابكَ مَطرُودِينَ،ولا مِنْ فَضلِكَ وإحسَانِكَ مَحرُومِينَ،فما مِنَّا إلا مذنبٌ مُسيءٌ, ومُخطِئٌ مُقصِّرٌ,فيامَنْ يَبسُطُ يَدَهُ بالِّليلِ لِيتُوبَ مُسيءُ النَّهَارِ،وَيَبسُطُ يَدَهُ بالنَّهارِ لِيتُوبَ مُسيءُ الَّليل تُب علينا وَتَجاوز عنَّا, آمَنَّا بِقولِكَ: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فيا عبادَ اللهِ:استَفتِحوا شَهرَكُم بالاستغفارِ,وبتوبةٍ صَادِقَةٍ نَصُوحٍ لِتَأمَنُوا من الخزيِّ والفُضُوحِ. في الحديثِ عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ قال: ( افعلوا الخيرَ دهرَكُم، وتعرَّضُوا لنفحاتِ رحمةِ الله، فإنَّ للهِ نفحاتٍ من رحمتِهِ يُصيبُ بِها من يشاءُ من عبادِهِ ) أيُّها الصائمون:في أوَّلِ يومٍ من رمضانَ نهنِّئُ أنفسَنا والمسلمينَ بِبُلُوغِهِ,وجعَلَه اللهُ مُبَاركًا على أُمَّةِ الإسلام,وأهلَّه الله علينا بالأمنِ والإيمانِ,والسَّلامَةِ والإسلامِ,والنَّصرِ والتَّمكينِ. رمضانُ يا مؤمنونَ:كريمُ الفضائلِ،عظيمُ الهِبَاتِ والنَّوَائلِ،مِنْحَةٌ ربَّانيةٌ وهِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ،فمَن مِنَ المسلمينَ مَنْ لا يَعرِف فضلَهُ وَقَدْرَهُ؟أَليسَ هو سيِّدَ الشُّهورِ بلى واللهِ:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وكفى!وفي الحديث أنَّ رسولَ اللهِ قال: (الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ،يقولُ الصِّيامُ:أيْ رَبِّ،مَنَعتُهُ الطَّعامَ والشَّرابَ فَشَفِّعنِي فيهِ،ويقولُ القُرآنُ: أيْ رَبِّ، مَنَعتُهُ النَّومَ فَشَفِّعنِي فيهِ،فَيَشفَعَانِ )
معاشرَ المؤمنينَ:رَمَضَانُ شهرُ العَفوِ والرَّحمَةِ والغُفرَانِ،يقولُ : (إذا جاء شهرُ رمضانَ،فُتِّحت أبوابُ السَّمَاءِ,وفي رواية: أبوابُ الجنَّةِ،وفي رواية:أبوابُ الرَّحمَةِ،وغلِّقت أَبوابُ جَهَنَّمَ،وسُلسِلتِ الشَّياطينُ)الشَّيخَانِ.
صيامُهُ أَعظَمُ قرُبةٍ,افتَرَضَهُ اللهُ علينَا فقالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وفي البخاريِّ أنَّ رسولَ اللهِ قال:يقولُ الرَّبُّ: ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ )
أمَّا ثوابُ صيامِكُم فَذاكَ مردُّه إلى الكريمِ الرَّحمانِ،فقد قَالَ النَّبِيُّ : ( قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصَّومَ، فإنه لي وأنا أجزِي به، والصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُث ولا يَسْخَبْ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقُل: إنِّي امرُؤ صائمٌ. والذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه،لَخَلُوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ من رِيحِ المِسكِ،ولِلصِّائِمِ فَرحتَانِ يَفرَحهُما:إذا أفطَرَ فَرِحَ بِفطرِهِ، وإذا لَقيَ ربَّه فَرِحَ بِصومِهِ).
عبادَ اللهِ:شهرُ رمضانَ شهرُ القيامِ والتراويحِ،فاعمُروهُ بالصلاةِ والدُّعاء وقراءةِ القرآن،فقد كان جبريلُ عليه السَّلامُ يَلقى النَّبِيَّ في كلِّ ليلةٍ فيدارِسُهُ القرآنَ.(ومن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ)و(من قامَ مع الإمامِ حتى يَنصرِفَ كُتب له قِيامُ لَيلةٍ ) فالهَجوا يا رعاكُم الله بذِكرِ ربِّكم، ورَطِّبوا ألسِنَتكم بتلاوةِ كِتابِه، فبهِ تزكوا نفوسُكم وتنشرِحُ صُّدوركم وتعظُم أجوركُم.
أيَّها الصائمون:شهرُ رمضانَ شهرُ الجودِ والإنفاقِ،وقد كان النبيُّ أجودَ النَّاسِ،وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ,فمن جادَ على عبادِ الله جادَ الله عليه.واليومَ وقد جُفِّفَت كثيرٌ مِن منابعِ البَذْلِ والعطاءِ!فمَن لإخوانِنا الفُقَرَاءِ واليَتَامى والمُشرَّدِينَ بعدَ اللهِ إلاَّ أنتم؟! مَن لِشعوبٍ مُسلمةٍ قهَرَتْها الخُطوبُ وأوهَنَتها الحروبُ،مَن لشعوبٍ مسلمةٍ أنهكها الفقرُ, بعدَ اللهِ إلاَّ أنتم؟! ألم تُشاهِدوا ما يحدثُ لإخواننا في أرضِ الشَّامِ؟ ألم تسمعوا عن الفقرِ المهلِكِ في أرضِ اليَمَنِ؟ألم تسمعوا عن الإبادَةِ للشُّعوبِ الإسلاميَّةِ في أرضِ الأَرَكَانِ في بُورمَا؟ولا مُجيبَ ولا مُنفقٍ!إلاَّ من وَفَّقَهُ رَبِّي!إنَّهم إخوانٌ لكم في الدِّين!فهل نتَّخِذُ من الشَّهرِ الكريم تجديدًا للبِرِّ والإحسانِ؟!
فيا مَن أفاءَ اللهُ عليه: إنَّ اللهَ هو الذي استخلَفَكم فيما رَزَقَكُم لِينظُرَ كيفَ تعملون،وإن ضُيِّقَ عليكَ بالإنفاقِ,فلن تَعدِمَ مَن تَثِقُ به وبِدِينِهِ,أو بجهاتٍ إغاثِيَّةٍ مَوثُوقَةٍ,فَتَذَكَّرْ. وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أقولُ ما تسمعونَ،وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب،فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله شرَّفنا بالقرآنِ المجيد،تفضَّل علينا بِمواسمِ الخيرِ والمزيدِ،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغنيُّ الحميدُ،ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه خيرُ العبيدِ،صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المزيدِ . أمَّا بعدُ: فيا مسلمونَ:اتَّقوا اللهَ فبالتَّقوى يَصلُحُ العملُ،ويُغفرُ الزَّللُ,يَحسُنُ بنا ونحنُ في شهر القرآنِ والصِّيامِ أنْ نَقِفَ مع كلامِ الله تعالى ونتأمَّلُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
أيُّها الصائمون:وقفتنا الأولى:تأمَّلُوا في آياتِ الصِّيامِ تَجدوا أنَّها عقِّبَت بقولِهِ تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقد تَكَرَّرَ ذَلِكَ في أكثرَ من موضعٍ، وهذا دليلٌ على أنَّ الصيامَ من أعظم العبادات الجالبةِ للتَّقوى!
قال الشيخُ السَّعديُّ رحمه الله:حكمةُ مشروعية الصيامِ قوله:{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإنَّ الصيامَ من أكبرِ أسبابِ التَّقوى،لأنَّ فيه امتثالَ أمرِ الله واجتنابَ نَهيِهِ. فمما اشتمل عليه من التَّقوى:أنَّ الصائمَ يتركُ ما حرَّم اللهُ عليه مِمَّا تميلُ إليها نفسُه، مُتقربا بذلك إلى الله،راجياً بِتركِها، ثوابَه، فهذا من التَّقوى.
ومنها: أنَّ الصائمَ يُدرِّبُ نفسَهُ على مراقبةِ الله تعالى،فَيَترُكُ ما تَهوى نفسُه، مع قدرتِه عليه، لعلمه باطِّلاعِ الله عليه وهذا من التَّقوى،ومنها:أنَّ الصِّيامَ يُضيِّقُ مَجاري الشَّيطانِ،فضعفُ نفوذُه،وتقلُّ من العبِد المعاصي وهذا من التقوى،ومنها: أنَّ الصائمَ تكثرُ طاعتُه،والطَّاعاتُ من خصال التقوى،ومنها: أنَّ الغنيَّ إذا ذاقَ أَلَمَ الجُوع،أوجبَ له ذلكَ،مواساةَ الفقراءِ والْمُعدَمِينَ،وهذا من خصال التقوى. انتهى كلامه رحمه الله.
الوقفة الثانية: قولُه تعالى: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ أي قليلةً في غايةِ السُّهولة وهذا من رحمة الله بعباده،فليس فريضةَ العمر وتكليفَ الدَّهرِ،فلقد أُعفيَ من أدائِه المَرضى حتى يَصِحُّوا، والمسافرونَ حتى يُقِيموا رحمةً منه وتيسيرا.
الوقفة الثالثة: قال تعالى في ثنايا آياتِ الصِّيام: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
فرمضانُ شهرُ القرآنِ,فحريٌّ بك أيُّها الصائمُ أن تجعلَ لك وردًا من كتاب الله تتأمَّلُ فيه، وتتلوه حقَّ تلاوته!تُحرِّكُ به قلبَك،وتُدرُّ به دَمعَكَ، وتغيِّرُ به حياتَك، فاتلُ بِتَمعُّنٍ وَتَدَبُّرٍ.
كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ ءايَـٰتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلألْبَـٰبِ
الوقفة الرابعة:تأمَّلوا قولَ اللهِ تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي لقد جاءت هذه البُشرى في ثنايا آياتِ الصيامِ، فيا لها من آيةٍ عجيبة، آيةٍ تجعلُ في قلبِ المؤمنِ طمأنينةً وراحةً وأنساً،
فيا صائمون:اعرضوا حاجاتِكم على مولاكم،واستكثِروا مِن الدَّعوات الطيِّباتِ في شهرِ البركاتِ,فإنَّ النبيَّ يقول: ( إنَّ للصَّائِمِ عند فِطرِه لَدَعوةً ما تردُّ )

وقفتنا الأخيرةِ : قولُه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ
قال الشيخُ السَّعديُّ رحمه الله:يريدُ الله تعالى أن يُيَسِّرَ عليكم الطُّرُقَ المُوصِلَةَ إلى رضوانِهِ أعظمَ تيسيرٍ،ويُسهلَها أشدَّ تَسهيلٍ،ولهذا كان جميعُ ما أمرَ الله به عبادَه في غايةِ السُّهولَةِ في أصلِهِ.وإذا حصلتْ بعضُ العوارضِ الموجبةِ لِثِقَلِهِ،سهَّلهُ تَسهيلاً آخرَ،إمِّا بإسقَاطِهِ،أو تخفِيفهِ بأنواع التَّخفيفاتِ. انتهى
فالحمدُ لله ثمَّ الحمد لله على ما شرع ويسَّرَ وهدى.
اللهم وكما بلغتنا رمضان فأعنَّا على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا .
اللهم اجعلنا فيه من المقبولين ومن عتقائك من النار ياربَّ العالمين .
اللهم ارحم ضعف إخواننا في سوريا كن لهم ناصرا ومعينا,وعَجِّل بِنصرِهم وهلاكِ عدوِّهم.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم إنا نسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله , اذكروا الله العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .


بواسطة : admincp
 0  2  23.6K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 07:59 مساءً الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024.