• ×

02:13 صباحًا , الأحد 22 جمادي الأول 1446 / 24 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 16-08-1433هـ بعنوان اللهمَّ بارك لهما وبارك عليهما

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله خلق فسوى,وقدر فهدى، خلقَ الزوجينِ الذكرَ والأنثى من نطفةٍ إذا تُمنى،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العليُّ الأعلى,ونشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسولهُ أقامَ مُجتمَعَاً على المَوَدَّةِ والتَّقوا،اللهم صلَّ وسلِّم وبارك عليه وآلِ بيتِه الطَّاهِرينَ,وصحابته والتَّابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدين.أمَّا بعدُ.فأوصي نَفسي وإيَّاكم بِتقوى الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
أيُّها الكرامُ:بِحمدِ الله تعالى سَعِدنا بالأيامِ الماضِيَةِ بكثرةِ مُناسبات الزِّواجِ والأفراحِ التي تُحقِّقُ أُمنِياتِ البَنِينَ والبَنَاتِ،في إقامة بيتٍ سعيدٍ،يجدون فيه راحتَهم وأنسَهم،وهذا البيتُ يا كرام: له سماتٌ ومواصفاتٌ!وله حقوقٌ وواجبات!فكيف نُحقِّقُ سعادتَه؟وكيفَ نقيمُ أركانَه ودعائِمَهُ؟ فبادئ ذِي بِدءٍ نَقُولُ لِكُلِّ زَوجينِ:اللهمَّ بارك لهما وباركْ عليهما واجمع بينهما بِخَيرٍ,
وإنَّا لكم مُحِبُّونَ وعليكم مُشفِقونَ ولكم ناصِحونَ,فاقبلوا نُصحنا,وخُذوا تَجرِبتنا تَسعدوا في الدُّنيا والآخِرَةِ بإذنِ مولانا.فاعلموا يا كرامُ: أنَّ البيتَ الذي سَكَنتُمُوه لَهُوَ نِعمةٌ من اللهِ وحدَهُ! ألمْ يقلِ المولى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا فذَكِّر سبحانه بِتَمَامِ نِعمَتِهِ على عبادِه بِبُيُوتٍ هي سكنٌ لهم يأوونَ إليها،وَيستَتِرون فِيها،ويَنتَفِعون بِها.إي واللهِ إنَّها لَنعمةٌ!وهيَ أمانةٌ كذلكَ! فإذا ما استقاما الزَّوجانِ على دِينِ الله قولاً وعملاً, وتزيَّنا بتقوى الله ظاهرا وباطنا, غدا البيتُ مأوى النَّورِ وإشعاعَ الفضيلةِ، وموطنَ بناءٍ لجيلٍ صالح , ومجتمعٍ كريم.
عبادَ اللهِ:وفي كتاب الله وسنة رسولِهِ من الإصلاح التَّام،والعدل العام،ما يجعل كلاًّ من الزوجين يعرف ما له وما عليه! فإذا ما أدركوا ذلكَ عاشوا في كَنَفِ بيتٍ مُطمئِنٍّ,فالله يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ومحمدٌ خَيرُ أسوةٌ حينَ قالَ:"خَيْرُكُمْ خَيْرُكُم لأَهْلِهِ,وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي".وقالَ :"أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وخيارُكُم خيارُكم لِنسائِهم".
فاعلموا معاشِرَ الكرامِ:أنَّهُ في كلِّ بيتٍ عتابٌ ومودةٌ،وسخطٌ ورضا،ولكنَّ الرَّجُلَ العاقِلَ يَقودُهُ عَقلُهُ ونُضجُه وفكرهُ,فيعفوا عن الخطأِ,ويَنسى الزَّلَلَ،مُدرِكٌ أنَّ المرأةَ خُلقت من ضِلَعٍ أعوجٍ،فبالصَّبرِ عليها تَستقيمُ الأمورُ, وتَحسُنُ المعيشَةُ والمصطفى أوصانا فقال:"وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً,فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ,وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي اَلضِّلَعِ أَعْلَاهُ,فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ,وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ,فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً"
فيا أيُّها الزَّوجانِ الكريمان:اتَّقِيا اللهَ في حياتِكُما الزَّوجِيَّةِ،وقوما فيها بالحقوق المرعِيَّةِ,ولا تُدمِّراها بالمدَاخِل الشَّيطانيَّةِ،احتكما لقولِ اللهِ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ واحتكما لقولِ النبيِّ :" ألا إنَّ لكُمْ مِنْ نسائكُمْ حقَّاً، ولِنسائِكُمْ عليكم حقَّاً"
أيُّها الزَّوجان الكريمانِ:بيتُكما قلعةٌ وكلٌّ منكما على ثغر.وكلاكما حارسٌ له،ومسئول عنه: (فكلكم راعٍ و مسئولٌ عن رعيته,والمرأةُ في بيتِ زوجها راعيةٌ وهي مسئولةٌ عن رعيتها) وَأُنْسُ البيتِ وَسَعادَتُهُ,عمارتهُ بذكر الله تعالى، فعن أبي موسى قال: قال رسول الله : (مَثَلُ البَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ،وَالبَيْتِ الَّذِي لا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ،مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ)وقال : ( اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً ) فإذا خلتِ البيوتُ من الصلاةِ والذِّكرِ والقرآنِ غدت مَرتَعاً لِلشَّياطِينِ!وموطنا للنِّزَعاتِ
"فالرجلُ إذا دَخلَ بيتَهُ, فذَكَر اسم الله تعالى حين يَدْخُلُ وحين يَطعمُ قال الشيطانُ: لا مبيتَ لكم ولا عشاءَ ها هنا "
عبادَ اللهِ ومن سماتِ البيتِ المُسلِمِ تَعاونُ أفرادِهِ على الطَّاعَةِ،فَضَعْفُ إيمانِ الزَّوجِ تُقوِّيهِ الزَّوجَةُ،واعوجاجُ سلوكِ الزَّوجةِ يقوِّمُهُ الزَّوجُ،تكاملٌ وتعاضُد،وتناصحٌ وتناصر، قال : (رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ،فَصَلَّى وَأيْقَظَ امْرَأَتَهُ,فَإنْ أبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا المَاءَ، ورَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ،فَصَلَّتْ وَأيْقَظَتْ زَوْجَهَا،فَإن أبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ)
ومن سمات البيت المسلم أنَّه منبعُ الحشمةِ والحياء،فهو مُحَصَّنٌ من سهام الفتك ووسائلِ الشَّرِّ،وأفلامِ الخلاعة والأغاني الماجنة،قَالَ:رسول الله : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً،يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ،إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة)
ومن أخصِّ صفاتِ البيتِ المُسلِمِ أنَّ أسرارَه محفوظةٌ،وخلافاتَه مَستُورةٌ،فلا تُفشى ولا تُستقصى!قال : ((إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها لِيسكُنَ إليها،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،أمر بالتعاون على البر والتقوى, ونشهد أنَّ محمداً عبده ورسولُه خيرُ النَّاسِ وأوفى،اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِهِ. أمَّا بعد. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أيُّها الكرامُ:لو قيل لأحدنا تمنَّى؟لَتَمَنَّى أنْ يعيش في بَيتٍ سعيد مع امرأةٍ صالحةٍ إذا نظر إليها سرَّتهُ وإذا أمرها أطاعته،
وهذه السَّعادةُ تتحقَّقُ بإذنِ اللهِ,بِتقوى الله ومراقبتِه في السِّر والعلنِ,وأن ينظرَ كلٌّ من الزوجينِ إلى أنَّ الزِّواجَ عبادَةٌ يتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى.القائِلِ: مَنْ عَمِلَ صَـالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَواةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . والزَّوجُ الصَّالحُ:كرُيمٌ أَصلُهُ لَيِّنٌ قَلبُهُ،فزوجتُك هي حاملةُ أولادِكَ, وراعيةُ أموالِكَ،وحافظةُ أسرارِكَ.فاخفضِ الجَنَاحَ مَعَهَا،وأظهرِ البَشَاشَةَ لَها،وإيَّاكَ والتَّكَبُّرَ والغُرُورَ عليها,مهما علا شأنكَ!فقد قال عمرُ بنُ الخطَّابِ "ينبغي للرجلِ أن يكون في أهله كالصَّبِيِّ -يعني في الأُنسِ والسُّهولَةِ- فإنْ كان في القومِ كانَ رجلاً".
وكن زوجاً مُستقيماً فلا تمُدَّنَّ عينيك إلى ما لا يحلُّ لكَ،فالمعصيةُ شؤمُ البيتِ،ومشاهدةُ الفضائياتِ يقبِّحُ جمالَ زوجَتِكَ في عينيكَ،وينقِّص من قَدْرها عندك.
وفي الوقتِ المُعاصِرِ هذهِ أمُّ المَشَاكِلِ والمَهَالِكِ! ألم يقُل أحدُ السَّلفِ إنِّي أجِدُ شُؤمَ مَعصِيتِي في دابَّتي وأهلي؟
وأحسن إليها بالنفقة بالمعروف ولا تبخل عليها.
واعلموا عبادَ اللهِ : أنَّ عقدَ الزوجيةِ أكبرُ من التَّصرفات الهوجاء،فلا يليقُ أنْ يتخلى الزوجُ عن زوجته لمجرد خُلُقٍ كَرِهَهُ،أو مُشكِلَةٍ طرأت,فَلِكُلِّ مُشكِلَةٍ حلٌّ،ولِكُلِّ مُعضِلَةٍ دَواءٌ,تَجِدُ ذلِكَ عندَ أُناسٍ نَذَروا أنفُسهم للإصلاحِ الأسري,والتَّوفيقِ بينَ الزَّوجينِ عبرَ الجمعيَّاتِ الخيريَّةِ,والمكاتِبِ الاستشاريَّةِ,فإنْ كانَ الزَّوجانِ صادِقينِ فقد تَكَفَّلَ اللهُ فَقالَ: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وأوصانا رَسُولُنا :"لا يَفْركْ مؤمنٌ مؤمنةً إنْ كَرِهَ منها خُلُقاً رضي منها آخر".
ومن تابعَ حالاتِ الفِراقِ والطَّلاقِ في هذا الزَّمَنِ,أدركَ أنَّ كثيراً من الأزواجَ يَحتاجُونَ إلى توجيهٍ وإرشادٍ,وإلى بَحثٍ عن المُسَبِّبَاتِ والأسبَابِ,علَّنا نوَفَّقُ لِطَرقِها ولو بعدَ حينٍ, أيُّها المسلمون!وإذا كان هذا مَنطِقُ الشَّرعِ الحكيمِ،فمنطقُ العقل أيضاً يقول:إنَّ كثيرا من الأزواج بِحمدِ اللهِ تجاوزوا الخلافاتِ في بدايتِها،وتغلَّبوا على المَكَارِهِ والمَصَاعِبِ أوَّلَ نشأتِها،فغدت حياتُهم هانئةً سعيدةً !وصدَقَ اللهُ: وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً . رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا اللهم إنا نعوذ بك من الهمِّ والحزن,ونعوذ بك من العجز والكسل,ونعوذ بك من الجبن والبخل,ونعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال,اللهم اهدنا لما تحب وترضى و زيِّنا بزينة الإيمان و التقوى.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
بواسطة : admincp
 1  0  2.3K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:13 صباحًا الأحد 22 جمادي الأول 1446 / 24 نوفمبر 2024.