• ×

08:45 صباحًا , الجمعة 20 جمادي الأول 1446 / 22 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 13-12-1431هـ بعنوان دُروسٌ من حَجِّ بيتِ اللهِ الحرامِ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله وفَّق من شاءَ لعبادته,نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في أُلوهيَّتِهِ وربُوبِيَّتِه, ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه قائدُ أمتِهِ,صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحابته,ومن تمسَّك بِسُنَّتِهِ , أمَّا بعد : فاتقوا الله يا أولي الألبابِ لعلكم تفلحونَ ,
اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ:الحجُّ رحلةُ العمر ! فما أعظمَه من منظر.وما أجملهُ من رَكْبٍ !
هل رأيتم يا مؤمنونَ لباساً أجملَ من لباس الحُجَّاجِ والمعتمرين؟ هل رأيتم رؤوسا أعزَّ وأكرم من رؤوس الْمُحلِّقينَ والْمُقصِّرين ؟ بل هل سمعتم أعذبَ من تلبيةِ المُلبيِّن وأنينَ التائبينَ ؟ إنَّهم أسرابُ الحَجِيجِ توافَدُوا إلى البيتِ العتيق وَفَدُوا على الرحيمِ الرحمنِ ! وإنَّ تأمُّلاتٍ يسيرةٍ مع هذا الركبِ المباركِ تجعلنا نأخذُ دروساً وحكماً ! ومواعظَ وعبراً !
فأوَّلُ:درسٍ حينَ ترى وتسمعُ أصواتَ الْمُلبِّينَ ودعاءَ الْمُخبتينَ,فإنَّكَ تُوَّحِّدُ اللهَ عزَّ وجلَّ وتفردُه بالعبادة!حُبَّاً وتعظيماً,وخشيةً ورجاءً, فاللهُ تعالى يقول: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
إنَّهُ توحيدٌ خالصٌ انطلقَ من مكةَ المكرمةَ!بلدُ الرِّسَالَةِ ومَهبِطُ الوحيِ,حينَ كُسِّرتِ الأصنامُ والأوثانُ!وحينَ أعلنَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّمَ فقال: ( اللهمَّ حجةً لا رياءَ فيها ولا سمعةً) بل أعلن عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للنَّاسِ بقولِه وفعلِه أنَّ هديَه مخالفٌ لهدي المشركين!وتعمَّد مخالفتَهم في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ ! فالإسلامًُ والشِّركُ ضدَّان لا يجتمعانِ ! فمن أعظمِ مقاصدِ الحجِّ أنْ نكونَ: حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ لأنَّ العزَّ والنَّصرَ والتَّمكينَ بمخالفةِ سبيلِ المشركينَ ! وأنَّ الذلةَ والصَّغار بتولِّي وإتباعِ سبيلِ المشركينَ !
عباد الله : مَنْ يُشاهدُ مواكِبَ الْحَجِيجِ ,واللهِ إنَّهُ لَيُدرِكُ أنَّ الأمةَ لا يمكنُ أن يؤلِّفَها ويجمعَها إلا دينُ الله تعالى ! فإنَّك ترى الحُجَّاجَ كالجسدِ الواحدِ ! بزيٍّ مُوحَّدٍ , ويتَّوجِهونَ لربٍّ واحدٍ,ويَلهَجُونَ بتلبيةٍ مُوحَّدةٍ فأسقطوا كلَّ هُتافٍ وطنيٍّ,أو شعارٍ قوميٍّ ! فلا تفاخرَ بالأنسابِ, ولا الأحسابِ , إنِّما هو ميزانٌ واحدٌ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
وكما قال المصطفى الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكُم واحدٌ، ودينَكم واحدٌ، ونبيَّكُم واحدٌ، ولا فضلَ لعربيٍّ على عَجَمِيٍّ ولا عجميٍّ على عربيٍّ، ولا أحمرَ على أسودَ ولا أسودَ على أحمرَ إلا بالتَّقوى .)
عباد اللهِ :ومن أعظم دروسِ الحجِّ أنَّه يبيِّن يُسرَ الشَّريعةِ الغرَّاءِ وأنَّ الله تعالى يُريدُ بِنَا اليُسرَ ولا يريدُ بنا العُسرَ وأنَّه تعالى ما جعل علينا في الدِّينِ من حرجٍ , بل أعظمُ سِمَةٍ في حَجَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قولهُ: ( افعل ولا حرج ) حتى قال عبدُ الله بنُ عمر رضي الله عنهما وقفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداع فجعلوا يسألونَه فما سُئلَ يومَئِذٍ عن شئٍ قُدِّم ولا أخِّر إلا قال : ( افعل ولا حرج ) وهديُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أيسرُ هَدْيٍ وأعدلهُ وأرحمهُ,ويُسرُ الشَّريعَةِ لا يعني تَتَبُّعَ الرُّخصِ أو التَّساهُلَ في أخذِ أحكامِ الدِّينِ بل من أعظمِ دروسِ الحجِّ أنَّهُ يَربِي المسلمَ على حُسْنِ الإتِّباع والاقتداءِ برسولِ اللهِ قولاً وعملاً ألم يكن رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يردِّدُ في الحجِّ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا )
فما بالُ كثيرٍ من إخوانِنا صار يبحثُ عن المعاذير والرُّخص! فأثمنُ شيءٍ لديكَ أيُّها المسلمُ دينُكَ،وأَعظمُ بِضاعةٍ تسعى لها تحقيقُ تقوَاكَ لربِّكَ جلَّ وعلا،ولن يكونَ إلا بأخذِكَ بالعِلم الشَّرعيِّ الصَّحِيحِ : ومن يَعتَصِمْ باللهِ فقد هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ .
عبادَ اللهِ:ومن أعظم أسرارِ الحجِّ أنَّهُ يُربِّي النَّاسَ على تقوى الله تعالى! ويتَجَلَّى ذلِكَ في كُلِّ مَنْسَكٍ,لذا كَثُرَةِ الوصيَّةُ بالتَّقوى في آياتِ الْحَجِّ !فلمَّا قال المولى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ قال في آخِرِها: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وبعدها مُبَاشرةً قال : وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ وفي سورةِ الحجِّ: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ومن حِكَمِ ذَبْحِ الهديِّ في الحجِّ وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ اللهُ أكبرُ: إنَّها التَّقوى ! التي هي جماعُ الخيرِ كلِّه !
أيُّها المؤمنُ: وأنتَ تشاهدُ أكثرَ مِن ثلاثةِ ملاينَ حاجٍّ فإنَّكَ ترتبطُ مُباشرةً باليوم الآخر ! حتى كأنَّكَ ترى القيامةَ رأي العينِ ! فَتَتَذَكَّرُ قولَ اللهِ تعالى : إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا فاللهم لكَ الحمدُ على نعمةِ الدِّينِ والهدايةِ والتيِّسيرِ.
أقولُ ما تسمعونَ واستغفرُ الله لي ولكم,من كلِّ ذنبٍ, فا استغفروه إنّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله المحمودِ بكلِّ لسانٍ,جعل ذِكْرَهُ غَرسـاً للجِنَانِ,مَنْ لازمَ الذِّكرَ نالَ الأمنَ والأمان,ومن أعرضَ عنه باءَ بالْخَسَارِ والحرمانِ,نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الرَّحيمُ الرَّحمانُ,ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه أفضلُ الأنام,ومصباحُ الظَّلامِ,اللهم صلِّي وسلِّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه,ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ , أمَّا بعد . وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
عباد الله: يا من تقرَّبتم إلى الله بالأضاحي,وتقرَّبتم إليهِ بالأعمال الصَّالحات في العشر المباركات,تقبَّل الله منَّا ومنكم صالحِ القولِ والعملِ,لقد منَّ الله عليكم بطهارةِ أنفسِكم وبياضِ صحائِفكم,فابقوا على عهدِ ربِّكم وتابعوا الحسناتِ بالحسناتِ وأكثروا من الأعمال الصالحات: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
فقد لازمتم الذِّكرَ أياماً عَدِيدَةً فابقوا على العهدِ فاللهُ تعالى يقولُ: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ .
فالذِّكرُ يا مؤمنون دَائِرَةٌ واسعةٌ،ليست مَحدُودةً في الصَّباحِ أو المَسَاءِ،في المسجدِ أو في المحرابِ، ثُمَّ ينطلقُ العبدُ بعدها كما يشاءُ ويفعلُ ما يريدُ.كلاَّ ,
قال الحسنُ البصريُّ رحمه الله:تَفَقَّدُوا الحلاوةَ في ثلاثةِ أشياءَ:في الصَّلاةِ،وفي الذَّكرِ,وقراءةِ القرآنِ ، فإنْ وجدتم ، وإلا فاعلموا أنَّ البابَ مغلقٌ .
فالمسلمُ الذَّاكرُ يَصْحو وينامُ، ويقومُ ويقعُدُ، ويغدو ويروحُ،وهو يلهجُ بذكر اللهِ تعالى ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ؟ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَدًا فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ". قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " ذِكْرُ اللهِ "
فيا المؤمنون: أعمروا أوقاتَكم بالإكثار من التَّهليل والتَّحميد والتَّكبير.واجعلوا ألسنتَكم رطبةً من ذكر الله تعالى! فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يذكُرُ اللهَ على كلِّ أحيانِه ,(ومَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ ربَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ )
فاللهم تقبَّل من الْحُجَّاجِ حَجَّهم,ويسِّر لهم أمورهم, وردَّهم إلى أهليهم سالمينَ غانمينَ,
اللهم وفِّقنا جميعاً لما تحبُّ وترضى واجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا ياربَّ العالمين.
اللهمَّ اجزِ كلَّ من ساهمَ وأعانَ على تيسير الحجِ وإتمامهِ
اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهُم على البِرِّ والتقوى وارزقهُمُ بطانةً صالحةً ناصحةً ياربَّ العالمين.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ , وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ,
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
عباد الله:اذكروا اللهَ الجليلَ يذكركُم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
بواسطة : admincp
 0  0  1.9K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:45 صباحًا الجمعة 20 جمادي الأول 1446 / 22 نوفمبر 2024.