• ×

09:46 صباحًا , الجمعة 20 جمادي الأول 1446 / 22 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 06-12-1431هـ بعنوان وداعا أيُّها الْحُجَّاجُ / وأحكام الأضاحي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله أتمَّ علينا النعمةَ وأكملَ لنا الدِّين, نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ العالمين ونشهد أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه المصطفى الأمين صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد , فاتقوا الله عباد الله حقَّ التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى, واشكروا فضلَ اللهِ قولا وعملا , على ما حباكم من نعمٍ وفضائلَ تترا فنحنُ في بلدٍ آمن وعيشٍ رغيدٍ , وامتنَّ اللهُ علينا بأيامٍ فاضلةٍ ! العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من الجهاد في سبيله فاقدروا قدرها واعملوا فيها صالحا (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) عباد الله : غدا نودِّع حُجاجَ بيتِ الله الحرام وقلوبُنا معهم ! ترقُبُهم وتدعوا لهم , فتقول زوَّدكم الله التَّقوى وغَفَرَ ذَنُوبَكُم ويَسَّر لكم الخيرَ حيثُما كنتم , ونستودعُ الله دينَكم و أماناتِكم وخواتيمَ أعمالِكم , وإنَّنا معاشر الحُجَّاجِ نذكِّركم ببشارةِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم لكم ( أنََّ الحَجَّ المَبْرُورَ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ ) فاحرص أيُّها الحاج الكريم أن يكون حجُّك كذلك بأن تبتغي به وجهَ الله تعالى والدَّار الآخرةَ قل (اللَّهُمَّ حَجَّةً لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةً ) احرص على إتباع سنةِ نبيكَ صلى الله عليه وآله وسلَّم في كلِّ المناسك فقد كان يؤدي المناسكَ ويقول (خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ لَعَلِّى لاَ أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا ) أكثروا من ذكرِ الله وشكره ومن التَّهليلِ والتكبير والتلبية ( فأَفْضَل الحَجِّ العجُّ والثجُّ ) والعجُّ رفعُ الصوتِ بالتلبيةِ, والثجُّ إراقةُ دم الهدي والنسكِ ,
أيُّها الحاجُّ الكريم ابتعد عن الآثام (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وأبشر (فمَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) تحلَّوا بالصَّبرِ الجميل وأحسنوا إلى عباد الله بكلِّ ما تستطيعون تعليما وإرشادا وإطعاما وإيواءً , سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وما برُّ الحج ؟ قال : (قَالَ : إِطْعَامُ الطَّعَامِ وإفشاء السَّلام وَطِيبُ الْكَلاَمِ.) تقبَّل الله منَّا ومنكم صالح القول والعمل ولا تنسونا من صالح دعائِكم .
عباد الله , ولئن مضى الحجاجُ وساروا بالأجر والغنيمة ففضلُ الله واسعٌ وجودُه ليس له حدٌّ فقد شرعَ لمن لم يَحُجَّ صيامَ يومِ عرفةَ !وجعلهُ مُكفِّراً لذنوبِ سنتين كاملتين ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلَّم « صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ » ألم تعلموا أنَّ يومَ عرفةَ هو يومُ إكمالِ الدِّينِ وإتمامُ النِّعمةِ فما أعظمه من يومٍ أقسم الله فيه . وما أجلَّه من يومٍ يُباهي الله فيه . وما أشرفه من يوم يستجيبُ الله فيه ويُقيلُ فيه ويغفرُ فيه , فخيرُ الدُّعاءِ, دعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قال محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلَّم والنَّبيُّون قبلَه لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شي قدير , فعظِّموا يوم عرفةَ وصوموه لله تعالى وحثُّوا أولادَكم وأهلِيكم (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)
وابشروا يا عباد الله : فقد شرعَ لنا ربُّنا ما نشاركُ به حُجَّاجَ بيتِ الله الحرام من ذبحِ الأضاحي التي هي من أعظم شعائر الدِّين وهي سنةُ أبينا إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) نعم الأضاحي من أجلِّ العبادات وأحبِّها إلى الله تعالى ولما سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن الأضاحي قالَ: (سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) وقد قال بوجوبِها عددٌ من العلماء لقولِ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ, فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ) قال الشيخُ محمدُ بنُ العثيمينَ رحمه الله والقول بالوجوب أظهرُ بشرطِ القدرةِ أما الْمدينُ فإنَّه لا تلزمه الأضحيةُ بل إنْ كان عليه دينٌ فينبغي أنْ يبدأَ بالدَّين قبلَ الأضحيةِ ) وبعضُ إخواننا قد يتذمَّرُ من ارتفاع أسعار الأضاحي مقارنةً بأعوامٍ مضت فيجعلُ ذلك مُبررا على عدم شراءِ الأضحية وهو قادرٌ وموسرٌ! وبالمقابل ينفقُ أضعافَ هذه المبالغِ لقطعةِ أثاثِ منزليَّةٍ , أو في نزهةٍ عائليةٍ ! ويتكاثرُ سعرَ أُضحيةٍ سنويَّةٍ !فيا أخي دَعْ عنكَ كيدَ الشيطانِ وبادر بشراءِ أضحيتكَ , فالشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ المَغْفِرَة وَالفَضْل!ولنحذر كذلك من التباهي بالأسعار والتفاخر بذلك فكأنَّ بعضَ النَّاس يَمُنُّ على ربِّهِ بنفقتِه وأضحيتِه (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أقول ما تسمعون واستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الداعي إلى توحيده وجنته ورضوانه وأشهد أنَّ محمدا عبدُ اللهِ ورسولُه أمرنا بإتباع سنتِهِ والسيرِ على منوالِه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد , فاتقوا الله يا مؤمنون واشكروه على ما تفضَّل به عليكم من التَّقرُّبِ بذبح الأضاحي فمن أحكامها أنَّ الأصلَ أنْ تكون الأضحيةُ عن الأحياء ويجوزُ أن يُشركَ معه في الأجر والثَّواب من أراد أحياءً وميتين,
ويشترط في الأضاحي أن تكونَ من بَهيمةِ الأنعامِ وهي الإبلُ والبقرُ والغنمُ وأنْ تبلغ السنَّ المعتبر شرعا , وأنْ تكونَ سالمةً من العيوب فقد سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم : ماذا يُتقى من الأضاحي فأشار بيده ( فَقَالَ : أَرْبَعًا الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِى » ويسأل بعضُ الناس عن الْخُرَّاجِ الذي في الأضحية وهو الطالوع , فقد قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله : إنْ كان الطالوعُ حيَّاً مُفسِداً لما تحته من اللحم فلا تجزئُ الأضحيةُ وإن كان ميتا فلا يضر .
ويشترطُ في الأضحيةِ كذلك أن تكونَ مُلكا للمضحي أو مأذونا له فيها وبعضُ الناس يتأخَّر في تسديدِ المبلغِ أو يماطلُ فيها وهذا لا يجوز أصلا فكيف إذا تعلَّق المبلغُ بنسكٍ !؟ وآخرُ الشروطِ أن يكون الذَّبحُ في الوقت الْمُحدَّدِ شرعا فعن البراء بن عازبٍ قال : قال الرسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِى يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكَ فِى شيءٍ ) فيا عباد الله : طيبوا بِها نفسا واستسمنوها وأخلصوا بِها لله تعالى ( فإنَّ الله طيّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طيّباً) تقبل الله منَّا ومنكم صالح القول والعمل.
أيُّها المؤمنون : عيد الأضحى شعارنا ودثارنا به نفخرُ ونسعدُ, ونتقرَّب إلى الله ونسجد , فحضورُ العيدِ عبادةٌ جليلةٌ , وقد عَدَّه جمعٌ من العلماء أنَّه فرضٌ على الأعيان لأنَّ رسولَنا الكريمَ عليه أفضلُ الصلوات وأزكى التَّسليم أمرَ العواتقَ وهنَّ البناتُ الأبكارُ البالغاتُ, وذواتُ الخدور وهنَّ البناتُ الصَّغيراتُ, حتى الحيَّضَ أمرهُنَّ أنْ يخرجن لصلاة العيد وأنْ يشهدنَ الخير ودعوةَ المؤمنين إلا أن الْحُيَّضَ يعتزلن المصلى , ويسنُّ لنا معاشر الرجال الاغتسالُ والتَّطيُّبُ ولبس أحسن ما نجدُ , فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يغتسلُ يومَ الفطرِ ويوم الأضحى ويلبسُ أحسنَ ثيابِه ويتطيب بأحسنِ ما يجد , أمَّا النِّساءُ فيخرجن محتشمات غيرَ متطيبات ( وليخرجن تفلات ) والسُّنةُ أن تذهبَ مشيا على الأقدام ولا نأكلَ شيئا قبل صلاة العيد حتى نأكل من الأضحيةِ وأن نذهب من طريق ونعودَ من آخر , فقد كان هذا من هدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلَّم ,
أيُّها المؤمنون : أكثروا في أيامِكم هذه من ذكر الله , وارفعوا أصواتَكم بذلك خاصة عند الخروج لصلاة العيد , فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج في العيد رافعا صوتَه , وإذا دخلتم مصلى العيد فلا تجلسوا حتى تصلُّوا فيه ركعتين , تحية المسجد , لأنَّه يُعدُّ مسجداً ,
أيُّها المؤمنون : نحن في عشرٍ فاضلةٍ وجمعةٍ مباركةٍ وفي بيتٍ من بيوتِ الله تعالى , وننتظرُ فريضةً من فرائض الله , والله تعالى جوادٌ كريم , حليمٌ رحيم , وقد شكونا إلى ربِّنا تأخُّرَ المطرِ فلا يأسَ من روح الله ورحمته , فربُّنا الرحيم الرحمن يده ملائ سحَّاءَ الليل والنَّهار , فارفعوا أكفَّ الضراعة إلى بارئِكم,واسألوه بقلوبٍ مؤمنةٍ صادقةٍ مشفقةٍ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) فاللهم يا حيُّ يا قيومُ , يا ذا الجلال والإكرامِ والفضلِ والخير والإنعام إنِّا نسألكَ الغيثَ والرحمةَ ولا تجعلنا من القانطين
بواسطة : admincp
 0  0  2.3K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:46 صباحًا الجمعة 20 جمادي الأول 1446 / 22 نوفمبر 2024.