خطبة الجمعة 28-11-1431هـ بعنوان فضائل العشر
الحمد لله منَّ علينا بمواسمِ الخيرات، ليغفر لنا الذنوبَ ويُكفِّر عنَّا السيئات، وفَّقَ من شاء منَّا لاغتنامها فحاز أعالي الدَّرجات، وخذل من شاء فكان من أهل الخسران والنَّدامات, نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واسع العطايا وجزيلُ الهبات، ونشهد أنَّ محمدا عبد الله ورسوله السَّبَّاقُ إلى الخيرات , أتقى النَّاس لله وأخشاهم له في كلِّ الحالات، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الْمَمَاتِ.
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، فمن اتقى الله وقاه وحفظه ورعاه , وأكرمَ منزِلَه ومثواه ،
أيُّها المؤمنون : الله جلَّ وعلا اختارَ عشرَ ذي الحجة , فباركها وفضَّلها وأجزل أجرها ! ذلك لأنَّ الله جلَّ وعلا , رحيمٌ كريمٌ ودودٌ , يُحبُّ الطاعةَ وأهلَها !
والمسلم بحمدِ اللهِ يعيشُ مباركًا أينما حلَّ , وفي أيِّ زمنٍ كان ! وأعظمُ العملِ طاعةُ اللهِ تعالى ، إذْ الطَّاعةُ بركةٌ وخيرٌ ونماءٌ على أهلها، كما قال المولى : مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا . والطاعةُ طُهْرَةٌ من الذُّنوبِ والآثام، فالصلاة طُهْرَةٌ من الذنوب،والصومُ طُهْرةٌ من الآثام، والصدقةُ تُطفِئُ وتمحُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النارَ، ومَنْ حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبِه كيومِ ولدتُه أمُّهُ. الله أكبر عباد الله أيُّ فضلٍ هذا ؟ وأيُّ إكرامٍ من الله تعالى لنا ؟! فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمانِ والعمل الصالح !
هاهو يا مؤمنون : موسمٌ مُباركٌ علينا أقبل ! أيَّامُه أفضلُ الأيام على الإطلاق ! فهل نتَّخِذُ من عَشْرِنا الفاضلاتِ ميداناً للتَّنافسِ للطاعاتِ ؟ أم يا تُرى يأخُذُنا التَّسويفُ والكسل ؟! هيَّا يا مؤمنون: جِدُّوا وشمِّروا فالله تعالى يقول : وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
عشرُ ذي الحجة،عشرٌ مباركات،كثيرةُ الحسنات عاليةُ الدَّرجات مُتنوِّعةُ الطاعات، فضائلها لا تحصى. فمن فضائلها أنْ أقسم اللهُ بها فقال: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ واللهُ لا يقسمُ إلا بأعظمِ مخلوقاتِه، فالقسم بِها يَدُلُّ على رِفعَةِ مكانتِها وتعظيمِ اللهِ لها.
ومن فضائلها أنَّ الله تعالى قَرَنَها بأفضل الأوقات، فقد قرنَها بالفجر, وهو وقتٌ تجتمعُ فيه الملائكةُ الكرامُ ، وهو وقتُ نُزُولِ الرَّبِّ جلَّ وعلا ،
ومن فضائل العشر أنَّ الله تعالى أكملَ فيها الدِّينَ، فأنزل فيها قولَه تعالى : ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِينًا حتى حَسَدَنا اليهودُ على هذا الكمال، فقال حَبْرٌ من اليهودِ لعُمَرَ بنِ الخطابِ : آيةٌ في كتابِكم لو نزلت علينا معشر اليهود اتخذنا ذلكَ اليومَ عيدًا: فقال عمر: (إنِّي أعلمُ متى نزلت ؟ وأين نزلت ؟ نزلت يومَ عرفةَ في يومِ جمعةٍ). ومن فضائلها أنَّ الله تعالى أتمَّ فيها النِّعمةَ، إذْ تنعم الأرواحُ فيها بشتى أنواع الطاعات القولية والفعلية ، ومن تمام النعمة أنْْ فتح اللهُ قلوب العباد للإسلام، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، فظهر الإسلامُ على جميع الأديان، !
ومن فضائل العشر أنَّ العباداتِ تجتمعُ فيها ولا تجتمعُ في غيرها، فهي أيامُ الكمال، ففيها صلواتٌ ، وصدقاتٌ ، وصومُ تَطوُّعٍ، وفيها الحجُّ إلى بيت اللهِ الحرام ولا يكونُ في غيرها، وفيها الذِّكر والتلبيةُ والتَّكبيرُ والدُّعاءُ ، وفيها التَّقرُّبُ إلى اللهِ بذبحِ الأضاحي! , وهذا شرفٌ لها وميزةٌ لا تتأتى في غيرها، ومن فضائلها أنَّها أفضلُ أيام الدُّنيا على الإطلاق، كما وصفها المصطفى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في قوله : ((ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله تعالى من هذه الأيام)) يعني: أيامَ العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) وقال : ( ما من عمل أزكى عند الله عزَّ وجلَّ ولا أعظمَ أجرًا من خيرٍ يُعمَلُه في عشر الأضحى)) ومن فضائلها أنَّ فيها يومُ عرفةَ وكفى ، ( وخيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ )، وفيها يومُ النَّحر،وقد قال : ( إنَّ أعظمَ الأيامِ عندَ الله تعالى يومُ النَّحرِ )
فاللهم أعنَّا جميعاً على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسنِ عبادتك , أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنِّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانه، والشُّكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ مُستيقنٍ بِها في جنانِه، وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيِّنَا محمدًا عبدُ الله ورسوله بلَّغَ الوحيين سُنَّتِه وقرآنِه، صلى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه . أما بعد : فاتَّقُوا اللَّهَ ربَّكم ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ ، وَحُجُّوا بيتَكُم , وصِلُوا أرحَامَكُم , تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ
عباد الله : أيامٌ سمعتُم بعضَ فضائِلها وبركاتِها , فما ذا يستحبُّ فيها ؟ وكيف نقضيها ؟ وما عسانا أنْ نكسبَ فيها ؟ أيُّها الكرامُ : أحثُّ نفسي وإخواني على المسابقةِ فيها للخيراتِ , والمنافسة فيها على الطاعات , فاللهُ تعالى يقول : سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ عظِّموها فهي من شعائر الله ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ استقبلوها بالتوبةِ الصادقة النَّصوحِ، لِنَتُب إلى الله من التَّقصير في الواجبات، وارتكاب الْمُحرَّماتِ، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أدُّوا ما افترضَ اللهُ عليكم من صلاةٍ وصيامٍ وحجٍ وزكاةٍ وبرِ وصلةِ للأرحامِ، وفي الحديث ((وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍِ أحبُّ إلي مما افترضتُه عليه)) وأكثروا من النَّوافلِ والطاعاتِ فقد بشَّرنا أنَّ اللهَ يقولُ: ((وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه)) أكثروا في أيام العشر من ذكر الله بالتَّسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وقراءة القرآن والاستغفار، فقد قال : (( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتسبيح )) وذكرُ الله عملٌ يسيرٌ وفيه أجرٌ عظيمٌ، قال : ((لأَنْ أقولَ: سبحانَ الله والحمدُ لله ولا إله إلا اللهِ واللهُ أكبرُ خيرٌ لي مما طلعت عليه الشمسُ))
قولوا الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أحيوا هذه السُّنَّةَ في بُيُتِكُم , ومساجدِكم , وطرُقاتِكم , ومكانِ عملِكم ! أيُّها المؤمنون : يُسنُّ في أيام العشر المباركةِ الصيام،( فقد كان النبيُّ يصومُ تسعَ ذي الحجة ويومَ عاشوراء وثلاثةَ أيام من كلِّ شهر ) قال الإمامُ النوويُّ رحمه الله: "صيامها مُستحبٌ استحبابًا شديدًا" فيستحبُّ صيامُها أو صيامُ بعضِها.( وما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعدَ الله بذلك اليومِ وجهَهُ عن النار سبعين خريفًا ) ومن أفضل أعمالِ العشر التَّقرُّبُ إلى الله بذبحِ الأضاحي،ولذا أرشد النبيُّ من أرادَ أن يضحيَ أنَّهُ إذا دخلت عليه العشر فلا يأخذْ من شعره ولا بشرته شيئًا، أيُّها المسلم : سارع إلى التوبة الصادقةِ بالكف عن المحرمات والتحلل من المظالم ورد الحقوق إلى أهلها والبعدِ عن الفواحش والمشاهدِ الخليعة، والأعمال المشينة فالله تعالى يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى التوبةُ إلى الله شرفٌ وعزٌ وكرامه، بها يسعدُ العبدُ ويغنم، وبِها يفرح ويربح،(وإنَّ الله تعالى يبسط يدَه بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار ويبسطُ يده بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل حتى تطلعَ الشمسُ من مغربِها ).فسارع يا رعاك الله إلى اغتنامِ عشركَ المباركات وتزوَّد من الصالحات فالله يحبُّ التوبةَ ويفرح بِها ويُجزلُ العطاء عليها إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شرَّ الشيطان وشرَّ أنفسِنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم إنا نسألك البرَّ والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم اجعلنا ممن يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسنَه، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله:اذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
0
0
1.9K
05-24-1433 01:48 صباحًا