• ×

04:09 صباحًا , الأحد 22 جمادي الأول 1446 / 24 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 14-11-1431هـ بعنوان الحجُّ فضله ووجوبه

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله الذي شرع الحجَّ إلى بيته الحرام , وجعلَـَه أحدَ أركانِ الإسلام جعل أفئدة المؤمنين تهوي إليه كلَّ عام , نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلام , ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسوله أفضلُ من صلى وزكّى وحج وصام , صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسانٍ على الدوام , أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )
عباد الله لقد بنى الله الدِّينَ وأقامَه على أركان خمسة , من أقامَها وحقـَّق ما فيها فاز وربح , ومن فرَّط في أحدِها خاب وخسر ,
(فبُنيَ الإسلامُ على خمسٍ شهادةِ ألا إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ الله و إقامِ الصلاة وإيتاءِ الزكاة والحجِّ وصومِ رمضانَ )
وقد جعل الله لكلِّ ركنٍ شروطا وواجبات وشرعَ له آدبا و مستحبات واليومَ يامؤمنون: نعيشُ مع رُكنٍ تهفو إليه القلوبُ المؤمنة وتَحِنُّ إليه حباً وشوقا .
أيُّها المؤمن:أما علمتَ أنَّ الحجُّ رحلةٌ قدسيةٌ مباركة يعمرُ المؤمنُ فيها وقتَه بالعبادةِ والذكر والدعاء , الحجُّ جُهدٌ ماليٌ وبدنيٌ ونفسيٌ. ولفظة الحجِّ تدل على القصد فأنت تقصِدُ بيت الله تعالى مُتعبِّدا لله تعالى لإقامة أنساكٍ مخصوصةٍ على صفات معلومةٍ في أوقات محدَّدةٍ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
الحجُّ أيُّها المؤمن: رحلة ٌفي عالم الطُّهرِ والنـَّقاء ( فالحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة ) يعود الحاجُّ من هذا الركن العظيم وقد تطهّرت روحُه وتهذبت أخلاقُه وغُفرت ذنوبُه ( فمن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيومِ ولدته أمُّه ) أما علمت أيها المؤمنُ المبارك أنَّ الحج فريضةٌ واحدة في العمر كلّه , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا أيُّها الناسُ قد فرض الله عليكم الحجَّ فحُجُوا فقام رجل وقال : أكلَّ عام يا رسول الله ؟ فسكت رسولُ الله فكرَّر الرجلُ أكلَّ عامٍ يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : لو قلتُ نعم لوجبت ولما استطعتم الحجُّ مرةً فما زاد فهو تطوعٌ ثم قال : ذروني ما تركتم فإنِّما هَلَكَ مَنْ كان قبلـَكم بكثرة سؤالِهم واختلافِهم على أنبياءِهم فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فَدَعُوهُ ) .
أما علمت أيُّها المبارك أنـَّه إذا توفرت شروط ُالحجِّ وانتفت الموانع وجبت عليك المبادرة ُ بأداء ما افترض الله عليك , قال الشيخُ ابنُ بازٍ رحمه الله : من قَدَرَ على الحجِّ ولم يحُجَّ الفريضةَ وأخَّرها لغير عذر فقد أتى مُنكرا عظيما ومعصية ًكبيرة ًوالواجبُ عليه التوبة ُوالبِدارُ بالحجِّ , وسئل ابنُ العثيمينَ رحمه الله هل وجوب الحج على الفور أم على التراخي ؟ فقال : ( الصحيح أنَّه واجب على الفور وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يؤخره وهكذا الواجباتُ الشرعيَّة ُجميعُها إذا لم تقيّد بزمنٍ أو بسببٍ فإنَّها واجبة ٌعلى الفور ,
عباد الله , إنَّ المتأمل لحال بعضِ إخواننا مَنْ يجاوزُ الثلاثينَ أو الأربعين وهم لازالوا يسوِّفون ويؤجِّلون أو يتحجَّجُون بحججٍ واهية , فبادر أيُّها المسلم ولا تتقاعس ودع عنك الشُّحَ والكسل وإنْ ازدحم الناسُ وزادتِ المصاريفُ والأسعار فما دُمتَ مُستطيعاً فأدِّ ما افترض الله عليك . فيامن لم تحجُّوا بادروا وأسرعوا ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) الله الله لا يُقعدنَّـكم الشيطانُ ولا يأخذنَّـكم التسويفُ ولا تلهينّـكم الأماني الباطلةُ والإشاعاتُ الكاذبة ُوالحيلُ الخادعة فأنتم تأخِّرون الحجَّ عاما بعد عام ولا تدرون ما يعرض لكم يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : ( تعجَّلوا إلى الحجِّ يعني الفريضةَ فإنَّ أحدَكم لا يدري ما يعرضُ له ) وقال صلى الله عليه وسلم ك ( من أراد الحجَّ فليتعجـَّل فإنه قد يَمرَضُ المريض وتضِلُ الراحلةُ وتكونُ الحاجة )
عباد الله , ولقد كانت فريضة الحجِّ مستقرة ًمعلومةً لدى الصحابة الكرام ففي الحديث عن ابنِ عباس رضي الله عنهما أنَّ امرأةً من خثعم جاءت تستفتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وتقول إنَّ فريضة الله على عباده في الحجِّ أدركت أبي شيخاً كبيرا لا يستطيع أنْ يثبتَ على الراحلة أفأحجُّ عنه ؟ قال : نعم .
وما فِعلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى الحجِّ إلا دليلٌ على وجوب المبادرة فقد فُرضَ الحجُّ سنة تسعٍ من الهجرة وحجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في السنةِ العاشرة, وقد كان عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه يقول : لقد هممتُ أنْ أبعث رِجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كلَّ من كان غنياً ولم يحُجَّ فيضربوا عليهم الجزية َما هم بمسلمين ما هم بمسلمين ) .
أيُّها المؤمنون , وهل هناك تيسيرٌ كالذي نعيشُه في بلادنا ولله الحمدُ والمنَّة ُ أمنٌ وغنى , وقربٌ وتسهيلات حتى يسَّر الله لنا حملاتٍ مباركةٍ غالباً تهدفُ إلى نفعِ الناس وراحتهم , فقارن بين ما أنتَ فيه وبين مَن قدِمَ من شتى البلاد؟ قد أمضى وقتا يجمعُ فيه مالا قد حَرَمَ نفسَه وأولادَه ليصلَ إلا بيتِ الله الحرام ثم ترى جمعاً منهم قد هدَّهمُ المرضُ وطال بهم الزمنُ وثقلت بهم الخطى وقد لََـَبَّوا نداءَ الله , (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) وفي الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من مَلـَك زادا وراحلة تُبلـِّغه إلى بيتِ الله ولم يحُجَّ فلا عليه أنْ يموتَ يهودياً أو نصرانيا ) فبادر أيُّها المؤمنُ بأخذ التصاريح ِاللازمة والاحتياطات الصحية المطلوبة وكن مع رفقة صالحة واختر من المال أطيَبه فإنَّ الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا , وفي الحديث أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ( النفقةٌ في الحجِّ كالنفقةِ في سبيل الله بسبعمائةِ ضعفٍ )
تقبل الله منا ومنكم صالح القول والعمل
اللهم أعنا على أداء الفرض والأمانة ويسر للحجاج حجهم ووفقهم لما تحب وترضى فاللهم أعنَّا جميعاً على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك يارب العالمين , أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّ ربي غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين , ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العدل المبين , ونشهد أنَّ محمدا عبدالله ورسوله جاهد في حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله وسلم وبارك على أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد
فاتقوا الله عباد الله واذكروا ما افترض عليكم من المبادرة إلى حجِّ بيت الله الحرام فالحجُّ يا مؤمنونَ يهدم ما قبله من الآثام , والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلى الجنة قال صلى الله عليه وسلم عند بيعته لعمرو بن العاص : أما علمت أنَّ الحجَّ يهدمُ ما قبله , سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الأعمال أفضل ؟ قال : ( إيمانٌ بالله ورسوله قيل :ثم ماذا ؟ قال : جهادٌ في سبيل الله , قيل : ثم ماذا ؟ قال : ثم حجٌ مبرور )
معاشر المؤمنين : والحجُّ له شروط ٌ خمسة من توفـَّرت فيه وجب عليه أن يبادر بالحج وهي الإسلام, و البلوغ , والعقل , والحرية, وأن يكون مستطيعا بماله وبدنه, وتزيد المرأة ُشرطا سادسا وهو وجودُ المحرم لها .
عباد الله , والأصل أنَّ الحجَّ عبادة بدنية يطلب من العبد فعلها بنفسه وقد جاء في السنة ما يبيح الإستنابة في الحج لعجز أو لموت , قالت امرأة : يا رسول الله إنَّ فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا لا يثبت على الراحلة أفأحجُّ عنه ؟ , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وقالت امرأة : أخرى يا رسول الله إنَّ أمي نذرت أنْ تحجَّ فلم تحجَّ حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم حُجِّي عنها أرأيتِ لو كان على أمُّكِ دينٌ أكنت قاضِيَتِه ؟ قالت : نعم , قال : اقضوا الله فالله أحق بالوفاء )
وهنا أيُّها الكرام عددٌ من المسائل لمن لم يؤدِّ فريضة الحج ِّ,
أولا : وجوبُ المبادرة لمن توفـَّرت فيه الشروط ُقال ابنُ القيِّمِ رحمه الله : ( من تركَ الحجَّ عمدا مع القدرة عليه حتى مات أو تركَ الزكاةَ فلم يُخرجها حتى مات فإنَّ مقتضى الدليل وقواعدَ الشرع أنَّ فِعلَـَهما بعد موته لا يبرئُ ذمتَـَه ولا يُقبلُ منه والحقُّ أحقُ أن يتبع )
ثانيا : مَنْ كان مريضا مرضا لا يرجى زوالـُه وبرؤه فإنه ينوِّب من يحُجُّ عنه بأجرة أو بغير أجرة .
ثالثا : من كان مريضا مرضا يرجى زواله وبرؤه فإنَّه يصبرُ حتى يزول عنه مرضه .
من المسائل أنَّ من كان عليه دين حآل فإنه يبادرُ بتسديد ديونه , أمَّا الأقساطُ الشهرية وأقساط البنك العقاري فلا تعتبر ديونا حآلّة فمتى ما توفـَّر عندك الزاد والراحلة وجبت المبادرة , قال ابنُ العثيمين رحمه الله : ( الدَّينُ المؤجَّل إنْ كان موثّقا برهنٍ يكفيه فإنه لم يقسط به الحج يعني يجب عليك المبادرة بالحج )
وبعض إخواننا قد يتخوَّفون من الأمراض المعدية والإنفلوزا المُستجدَّة فتوكلوا على الله وافعلوا الأسباب بالتطعيمات اللازمة والاحتياطات الصحية المطلوبة (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )
عباد الله إنَّ جهودا مالية ًوبدنية وبشرية تبذل من قبل ولاة الأمر لتسهيل الحج وإتقانه فكونوا خير معين لهم بإتباع الأنظمة والتعليمات والإرشادات , وتفقهوا في دين الله حتى تأدوا شعائر الله على علم و بصيرة , فقد كان رسول الله يردد ويقول : ( لتأخذوا عني مناسككم( ) ومن يردِ الله به خيرا يُفقهه في الدِّين )
ولا تنسوا ياكرام أَنَّ النبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا »

عباد الله وفي وقت تستقبل فيه بلادُنا ضيوفَ الرحمن وتسعى جاهدة لأمنِهم وراحتهم إذ بِطُِّغمةٍ فاسدة وفرقةٍ صابئة من أراذل القوم وفاسدي المعتقد هم قرامطة ُالعصر ورافضة ُالدِّين الصحيح وحوثيين اليمن يحاولون عبثا المِساسَ بأراضي مملكتنا الغالية, مهبطِ الوحي ومهوى الأفئدة بأزٍ ودعم ٍصفويٍ سافرٍ من دولة الرفض والخداع والنـُّكران ِ,ولكنَّ الله لهم بالمرصاد فبفضل الله ثمَّ بجهود جنودنا البواسل فقد دحروهم وساموهم سوء العذاب( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فهؤلاءِ هم الرافضة ُفلا تأمنوهم وقد خوَّنهم الله ولا تتقاربوا معهم وقد فضَحَهُم الله,
كفى الله المسلمين شرورَهم وردَّ كيدَهم في نحورهم وأشغلهم في أنفسهم وجعل الدائرة َعليهم إنـَّه قويٌ عزيز
فاللهم أمنَّا في أوطاننا ووفق أئمتنا وولاة أمرنا
اللهم انصر بهم الدين واجعلهم هداة مهتدين وأصلح لهم البطانة وأعنهم على حمل الرسالة وأداء الأمانة
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا وأمننا بسوء فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره يا قوي يا عزيز
اللهم يسر للحجاج حجهم ووفقهم ويسر لهم أمورهم يارب العالمين عباد الله أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
بواسطة : admincp
 0  0  8.8K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 04:09 صباحًا الأحد 22 جمادي الأول 1446 / 24 نوفمبر 2024.