خطبة الجمعة 07-11-1431هـ بعنوان تعالوا ندعوا إلى الإسلام
الحمد لله أكرمَنا بدين الإسلام، سبحانَه الملكُ القدوسُ السلام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ,شهادةً تُورثُ صاحبَها ظِلاً ظليلاً، وعدَ العاملينَ المحسنينَ ثواباً جزيلاً, ونشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه اصطفاه ربُّه عبدا نبيِّاً خليلا ، دعا إلى الله على بصيرةٍ،فصلوات ربِّي وسلامُهُ عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسانٍ وإيمانٍ بكرةً وأصيلاً.
أمَّا بعد: فاتَّقوا الله عباد الله :حقَّ التَّقوى، واجعَلوا التَّقوى شعارًا لكم ودِثارًا، واستشعِروا مراقبةَ اللهِ سرًّا وجهارًا.
أيُّها المسلِمون، أرسَلَ اللهُ رَسولَه شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا رِسالتُه باقيَةٌ إلى يَومِ الدِّين، غَايتُها هدايةُ الخَلق أجمعين؛ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فقد بلَّغ واللهِ رسالةَ ربِّه، وأمَر المسلمين بالسَّير على نَهجه. والدعوةِ إلى دينه, ومن أجلِّ صفاتِ نبيِّنا أنَّه دَاعٍ إِلَى اللَّهِ تعالى. لذا أَمَرَهُ ربُّه بالاستمرارِ عليها وعدمِ التخلِّي عنها، فقال جلَّ وعلا: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ .
والسَّعيُ إلى هدايةِ الخَلقِ أنبَّلُ وظيفةٍ وأشرفُ عمل بل هي وَصيَّةُ المرسَلين لأتباعِهم، قال عليه الصلاة والسلام لمعاذٍ : ( إنَّك تأتي قومًا أهلَ كتاب، فليكنْ أوَّلَ ما تدعُوهم إليه شهادةُ أن لا إلهَ إلا الله وأنِّي رسولُ الله ) متفق عليه.
وأمَرَ الله عمومَ المجتمعاتِ بالقيام بالدَّعوةِ فقال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وكلُّ متَّبعٍ لرسولِ الله حَقٌّ عليه أن يقتدِيَ به في الدَّعوةِ والعَمَلِ .
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي
وفي زمنِ الفِتَنِ والشَّهواتِ والْمُضلاَّتِ ! تتأكَّدُ الدعوةُ والنُّصحُ على كلِّ فردٍ مسلم، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله: "فالنفوسُ إلى معرفةِ ما جاءَ بهِ النبيُّ أحوجُ منها إلى الطعامِ والشرابِ؛ فإنَّ هذا إذا فات حصَل الموتُ في الدُّنيا، وذاك إذا فاتَ حَصَل العذاب".
عباد الله : وإخراجُ الناس من الكفر والشركِ , إلى الإسلام والتُّقى, و من المعاصي والعمَى إلى الاستقامةِ والهدى, خيرُ الأعمال وأبرُّها عند الله؛ لأنَّ الداعيةَ يقومُ بأحسنِ الأقوالِ وأعظَمِها في الميزان وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ قال الشيخُ السَّعديُّ رحمه الله مُفسِّراً هذه الآيةَ أي: لا أحدَ أحسنُ كلامًا وطريقةً وحالةً { مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ } بتعليمِ الجاهلين، ووعظِ الغافلين ، ومجادلةِ المبطلين، خصوصًا الدعوةُ إلى أصلِ دينِ الإسلام وتحسِينِه، ومجادلةِ أعدائِه بالتي هي أحسنُ,
ومع دعوته للخلق إلى الله، بادرَ هو بنفسه، بامتثالِ أمرِ ربِّه. { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي: المنقادينَ لأمره، وهذه المرتبةُ، تَمَامُها للصِّدِّيقينَ، كما أنَّ من أَشَرِّ النَّاسِ، قولاً من كان من دعاةِ الضلالةِ السالكين سبيلَه.(وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)
أيُّها المبارك: أبشر فكلُّ عملٍ دعويٍّ تقومُ به فَلَكَ منه نصيبٌ وإنْ كنتَ تحتَ الثَّرى، (ومَن دَعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثلُ أجورِ مَن تَبِعَه،لا ينقصُ ذلك من أجورِهم شيئًا)
فإسلامُ رجلٍ واحدٍ! واهتِداءُ رجلٍ واحدٍ بسَبَبِ دعوتِك ونصيحتِك خيرٌ لك من أنفَسِ الأموالِ وأغلاها ! يقول عليه الصلاة والسلام: (فوَاللهِ، لأَنْ يهدِيَ اللهُ بكَ رَجلاً واحدًا خيرٌ لك مِن حُمْرِ النَّعَم) متفق عليه.
وهذا نوحٌ عليه السَّلامُ يخاطبُ ربَّه ويقول: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . إذاً أوقَفَ كلَّ حياتِه للهِ، وسخَّرها لخدمةِ الدِّين.
ذلك لأنَّ العملَ للدِّين رسالةُ الحياةِ ومشروعُ العمرِ لا يمكن التحلُّلُ منه بحالٍ ولا الفرارُ منه بأيِّ عذرٍ من الأعذار. وهذه أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضي اللهُ عنهما لَمَّا جهَّزت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم و أبا بكرٍ جهازَهما للهجرة فلم تجد ما تربطُ به إلاَّ نِطاقَها فشقَّتهُ نصفين، فربطته بِهما ! فسبحان اللهِ ! امرأةٌ تأبى إلاَّ أنْ تُقدِّمَ للدِّينِ، وتعطيَ للدِّين!! وفي مدينتنا في عنيزة وقبل سنواتٍ قليلةٍ أكثرُكُم يعلم عن ذلكَ الرَّجُلِ الأمِّيِّ الْمُقعدِ الذي يقودُ درَّاجته بيديه !! ولكنَّه حيُّ الضمير حملَ همَّ الدَّعوةِ ,وعَلِمَ وجوبَها عليه ! فصار يحملُ أكياسَ الأشرطةِ والكتيِّباتِ وينشُرُها بين الناسِ ! رحمه الله وأسكنه فسيحَ جنَّاته .
أيُّها المؤمنون: مع الأسف الشَّديدِ إنَّ معنى العطاءِ للدِّين, والبذلِ لهُ, وتسخيرِ الحياة من أجله، قد توارَى أو خفتَ في نُفُوسِ كثيرٍ من المسلمين، بل حتى في نفوس بعضِ الْمُتَدَيِّنين. فَعَدَدُ الشَّبابِ الملتزمِ المُتَدَيِّنِ الهائلِ لا يتناسبُ مع ما يُشاهدُ من عطاءٍ ونماءٍ ودعوةٍ . والله تعالى يقول: وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم .
جعلنا اللهُ جميعاً هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين . أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب وخطيئة، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله هدانا للإسلام، ومنَّ علينا ببعثةِ خيرِ الأنام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلاَّم ، ونشهَد أنَّ نَبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه القدوةُ الإمامُ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله خيرِ الأنام, وأصحابِه المتقينَ الأعلام . أمَّا بعد: فاتَّقوا الله عبادَ الله، وأبشروا فدينُ الله منصورٌ وقادم ! أبشروا وأمِّلوا ! فتباشيرُ النَّصرِ تلوحُ مع فجرِ الشَّدائدِ والكُرُوبِ ! سيظهرُ دينُ اللهِ وينتشرُ الإسلامُ في كلِّ مكانٍ ! إيماناً بوعدِ الله وتصديقاً لخبرِ رسولِ الله فَتَدَبَّروا معيَ قولَ الله تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ أما سمعتم بِشَارَةَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ يَقُولُ :« لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ».
أيُّها المؤمنون : ومِن رأفةِ الله بِنَا أنَّ سُبُلَ الدَّعوةِ وطُرُقَها متَنَوِّعَةٌ , يستطيعُها كلُّ فردٍ منَّا ، فمناصحةُ الأفراد دعوةٌ، وتوجيهُ الابنِ دعوةٌ ،ودَعمُ سبُل الخير بالمال فضيلةٌ وقربةٌ ودعوةٌ, وتسهيل طرُق الدعوةِ دعوةٌ، ووقفُ الأموالِ على المشاريع الدَّعويةِ نماءٌ وقربةٌ ودعوةٌ , وبِهذا يصبِحُ المجتمعُ كلُّه على اختلافِ فِئاتِه دعاةً إلى الله؛ بالمال والقَلَمِ واللِّسان.
أيُّها الكرام : ومن بشائر الدَّعوة والنَّصرِ والفرحِ ما يقومُ به رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٍ , في المْحَاضنِ الدَّعوية , والدُّور الخيريِّةِ , من توجيه الفتيانِ والفتياتِ , على الأخلاق والفضيلةِ ,وتَحذِيرِهم مواقعَ الرَّدى والرَّذيلةِ , ولعلَّ مِسكَ الختامِ ذلكَ العرسُ الكبيرُ والجمعُ الغفيرُ ليلةَ السَّبتِ الماضي حين نظَّم المكتبُ التَّعاوني للدَّعوةِ والإرشادِ وتوعيةِ الجالياتِ في القسمِ النِّسائي احتفالاً واحتفاءً بإسلامِ إحدى عشرةَ امرأةً من جنسياتٍ مختلفةٍ في ليلةٍ واحدةٍ عامَّتُهنَّ من الْمُمَرِضاتِ والخادماتِ. فخلالَ خمسةِ أعوامٍ فقط أسلمَ على أيدي المكتبِ التَّعاوني في عنيزةَ نحوَ مأتيينِ وخمسينَ امرأةً وهذا والله جهدٌ مشكورٌ وعملٌ مبرورٌ حقُّهم علينا الدُّعاءُ والدَّعمُ والمساندةُ , والجهادُ معهم بالمال , و المولى يقول : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
أيُّها الأخيار : وبلدُنا بفضل الله مَهبِطُ الوحيِ ومُنطلقُ الدَّعوة والهدى ! لذا كان لزاماً علينا مُضاعفةُ الجُهُودِ والخُطى . وطريقُ الدَّعوةِ بفضلِ الله ميَّسرٌ مَفْسُوحٌ لا قيودَ فيه ولا أغلال؛ متى ما كانت وِفْقَ الضَّوابطِ الشرعيةِ، والآداب الْمَرعِيةِ , فمن قال لكم :إنَّ النُّصحَ والتَّوجيهَ ممنوعٌ ؟ من قال لكم إنَّ توزيع الكتبِ والأشرطةِ الْمَفسُوحَةِ متعذِّرٌ ؟ ومن قال لكم إنَّ دعمَ الأنشطةِ والمكاتبِ الْمَفسُوحَةِ ممنوعٌ ؟ فأيُّها الأحبة: أينَ عطاؤنا لدينِنَا ؟ واللهِ إنَّ الطاقاتِ موجودةٌ, والنَّوايا الصادقةَ بَيِّنةٌ ,والعزائمَ قويِّةٌ, ولكنَّها تحتاجُ إلى خُطواتٍ عمليَّةٍ , فقوموا يا مؤمنون بأمر الله القائل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
اللهمّ فاطرَ السماوات والأرض عالمَ الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم أيِّد عبادك الصالحين والدُّعاة المُخلصين ، اللهم واجعلنا منهم برحمتك يا رحيم،
اللهم عليك بالمنافقين الذين يَصُدُّون عن سبيلك، ويفتنون عبادك فإنَّهم لا يعجزونك، اللهم فاكبتهم، وردَّ كيدَهم في نحورهم، يا قويُّ يا عزيز.
اللهم وآمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين.
واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك وأتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر .
نستغفرك اللهم ونتوب إليك ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العليم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
0
0
1.6K
05-24-1433 01:43 صباحًا