خطبة الجمعة 29-10-1431هـ بعنوان معاشر الشباب
الحمدُ لله خلَق الإنسانَ ولم يكن شيئًا مَذكورًا، أحسَن صورتَه فجعله سميعًا بصيرًا، وهداه السبيلَ إمَّا شَاكرًا وإمَّا كَفُورًا ، نشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له إنَّه كان حليمًا غفورًا، ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيِّنَا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ إنَّه كان عبدًا شكورًا، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابه رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدوا الله عليه فكان جزاؤهم موفورًا ,والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ وسلَّم تسليماً مزيداً. أمَّا بعد :
أيُّها الناس، اتقوا اللهَ تعالى، فإنَّ التقوى خيرُ لباسٍ وأفضلُ وزادٍ, وأقربُ وسيلةٍ لرضا ربِّ العباد، وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يأُوْلِي الألْبَابِ
أيُّها الكرامُ : الشبابُ هم كنزُ الأمَّةٍ حقيقيةً وذخرُها الدائمُ، وهم ساعدُ الأمَّةِ, بِهم يُبني المجدُ ويُهزمُ العدوُّ، وشباب ُاليوم هم رجالُ المستقبل، فبهمَّةِ الشبابِ وخبرةِ الشيوخِ تَبني الأمةُ حضارتَها، فمتى اعتمدنا على الشباب دونَ الشيوخ كان التهوُّرُ والضياع، ومتى اعتمدنا على الشيوخ فقط ضَرَبَنَا العجزُ والوهنُ , وكنا في ذيل الأمم، فلا بد من قوةِ الشباب وحكمةِ الشيوخ حتى تسيرَ سفينةُ الحياة ويستمرَّ العطاء والنَّماءُ ؛
أَيَا عصرَ الشبابِ عليكَ منِّي مَدى الدَّهرِ التحيَّةُ وَالسَلامُ
لذا أيُّها الكرام ، أولى النبيُّ الشبابَ عنايةً خاصَّةً فأخذ يوجِّههم ويأخذ بأيديهم ويعطيهم سرَّه في بعض المواقف ويؤمِّرُهُم على الجيوش، وهكذا! حتى نشأ شبابٌ على العفاف والطهارة والمسؤولية وتحمُّل المواقف والصِّعاب.
وأهل الإسلامِ في هذا الزَّمن عقدوا لهم المؤتمراتُ والنَّدواتُ واجتمع لهم العلماءُ والمفكرون ! ليرتقوا بالشبابِ ويهدوهم الصراطَ المستقيم, كما كان رسولنا كذلك ، فالناظر في سيرةِ النبيِّ يجدُ الشبابَ هم أوَّلَ من أسلموا معه ونصروا دينه، كأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وغيرِهم ، أمَّا الشيوخُ فقد خالفوه لأنَّهم تشرَّبُوا الكفر كابرا عن كابر وألفوه ، فلم يُسلِم منهم إلى قليلٌ !؟ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرقُّ أفئدةً، ألا وإنَّ الله بعثني بالحنيفيةِ السمحة فحالفني الشبابُ وخالفني الشيوخُ )).
وفي كتاب الله تعالى ذَكَرَ سبحانه أوصافاً للشبابِ على سبيل المدح والإطراء فوصف اللهُ أصحابَ الكهف أنَّهم فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
وامتدح يُوسفَ الشابَ أنَّه من أهل العفَّةِ والخشيةِ من الله لمَّا قَالَتْ له امرأةُ العزيز
هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
وامتدح اللهُ الابنَ الغلامَ الْمُطيعَ لله حين أبلغه نبيُّ اللهِ أنَّه أُمرَ بذبحه فقال: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ واللهُ سمَّى مرحلةَ الشبابِ قوةً !
فقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ
فبينَ ضعفِ الطفولةِ وضعفِ الشيخوخةِ،يكونُ الشبابُ والقوَّةُ والفتوَّةُ ،
و أوصى نَبيُّ اللهِ عبدَ الله بنَ عمرَ رضي الله عنه وهو شابٌّ فتيٍّ فقال له: ((اغتنم خمسا قبل خمس: شبابَك قبل هرمك، وصحتَك قبل مرضك، وفراغَك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتَك قبل موتك))،
وهذا ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما غلامٌ فتيٌّ كان خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ على دابةٍ فَقَالَ له: ((يَا غُلامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ))
وفي الصَّحيح أنَّ رسول الله أوصى الشباب وصيةً خاصَّة حين قال لهم: « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ».
وحفَّزَ رسولُ الله الشبابَ على العفَّةِ وجعلَهم يستظِلُّون يوم القيامة بظلِّ الرحمن حين قَالَ :« سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ومنهم . َشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»
حقَّاً عباد الله : لقد كان رسولُ الله يعتني بالشباب نصحا وتوجيها , وتعليما وتدريبا! معاشر الشباب هذه مكانتكم في دين الله تعالى وهذا هو دوركم وتلك هي مسؤولياتُكم
فلقد سطَّرتم في تأريخنا المجيدِ صفحاتٍ ناصعةٍ وبطولاتٍ فائقةٍ وأعمالا مُشرِقَةً مُشَرِّفةً ! فيأيها الشباب: أناديكم من هذا المنبر أن تكونوا خير خلف لخير سلف وإنَّا واللهِ نُحيي شباباً استقام على أمر الله تعالى في هذا الزَّمن العصيبِ, عرف قيمتَه ومكانتَه فكان أداةَ بناء لأمتِه يأخذُ من العلومِ أشرفَها ومن المهن أنفَعَها ، نظر الله إلى قلوبِهم فملئها تقوىً وصلاحا ، فكانوا أهلاً لهدايته وتوفيقه، نسأل الله لنا و لهم الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد والسلامة من كلِّ إثم .
نَفَضَ الشّبـابُ العَجزَ عن آمـالهِ والعـاجزونَ على الشُّعوب عِيالُ
وانسـابَ يأبى أن يَعيـبَ زَمـانَهُ قِيـلٌ يضيـعُ به الزَّمانُ وقـالُ
لم يقضِ حـاجَتَه ولم يظفـرْ بِهـا في النَّـاس إلا القـائلُ الفعَّـالُ
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ نفَعني الله وإيَّاكم بهديِ كِتابهِ وبسنَّة نبيه محمَّدٍ ،
أقول قَولي هَذَا، وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولسائرِ المسلِمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنَّه هوَ الغَفور الرَّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الشبابَ حماةَ الأوطان، ونصر بِهم الشرائعَ والأديانَ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،هو الأول والآخر الظاهر والباطن ، ونشهد أنَّ محمدا عبد الله ورسولُه المؤيدُ بالقرآنِ , نصرهُ ربُّهُ بشبابٍ طاهر ممتلئٍ بالإيمان. اللهم صلي وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه المهاجرين منهم والأنصار , والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ على مرِّ الزَّمان .
أمَّا بعدُ : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجل، فمن اتقى اللهَ وقاه، وأسعده وأرضاه.
وصدق الله: مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ لا نشكُّ أيُّها الشبابُ: أنَّكم عمادُ الأُمَّة وتاجُها وعِزُّها وفخرها، و صُنَّاعُ حضارتِها وعُدَّةُ تقدمِها ، وأنتم فَخار آبائكم وعزُّهم ، فبكم السَّعد والمدد. بصلاحكم يمتدُّ البِرُّ والإحسانُ ، وفى الحديث: ((أو ولدٍ صالح يدعو له)).وصدقَ الله تعالى: المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا
وإنَّنا من هذا المنبر لنأسى لأبناءٍ لنا ضَلُّوا السبيلَ الأقوم ! وتخبَّطوا في الظُّلم ! عن الصَّلاة ساهون , ولها مُضيِّعونَ !وربُّنا جل وعلا يقول: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وِالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ فاحذروا فاللهُ يقول : وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ صدقت يا رسول الله والله إنَّك لا تنطقُ عن الهوى إنْ أنت إلا وحيٌ يوحى! كيف بك لو رأيتَ أبناءً لنا وقد حذو . حذو الكفار شِبرا بشرٍ وذراعاً بذراعٍ ؟! قلَّدوا الكفَّارَ وتشبهوا بِهم بدعوى الحضارة، فتراهم في ترف وميوعةٍ وغرامٍ وآهات وأغانٍ ماجناتٍ سَبَحَت بِهم في غياهب الظُّلمات ! ولا عجبٌ أنَّ النساءَ ترجَّلت ولكنَّ تأنيث الرجالِ عُجاب
ورسولُنا يقول : ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء )) وتجدُ من شبابنا من انسعر خلف الفضائياتِ والشَّبكات والمحادثات ونسي الواجبات وتعدَّى على المحرَّمات والله تعالى يقول: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ
وتزداد الحسْرةُ عندما نرى شبَابَنَا يجوبون الشوارعَ بسياراتِهم عبثا،ويعرِّضونَ أنفسَهم والناسَ خطرا ,ويمشون في الأرض مَرَحا ،.بل وَصَلَ الأمرُ إلى العبثِ والتَّخريبِ والاعتداء على الناس والممتلكات وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ فيا شبابَنَا، رسالتنا لكم من الأعماق، ممزوجةٌ بالحبِّ والإشفاق, تذكَّروا أنَّكُم أنتم أملُ الوالدَينِ، وقُرَّتُ العينينِ ,فلا تبيعوا دينكم من أجلِ شهوة عابرة، ولذَّةٍ آثمةٍ ! معاشر الشبابِ: تحلَّوا الحياءِ,فالحياءُ كلُّه خير، وحقيقتُه أن تحفظَ الرأس وما وعى والبطنَ وما حوى وأنْ تذكر الموتَ والبِلى !
يعيش المرءُ ما استحيى بخيرٍ ويبقى العودُ ما بقي اللِّحاءُ
فمرحلتكَ فرصةٌ عظيمةٌ فاغتنمها بما ينفع دينك ودنياك ، فالأوقاتُ محدودةٌ والأنفاسُ معدودةٌ. ولسوف تسأل أيُّها الشابُ عن أوقاتك في أيِّ شيءٍ قضيتَها ؟وعن عمرك فيما أفنيته ؟وعن شبابك فيما أبليته ؟ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون .
اللهم أصلح شباب المسلمين ونور قلوبَهم واهدهم سبل السلام وقهم شرَّ الشيطانِ وشركَه يا أرحم الراحمين.. ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ، ربنا وتقبَّل دعاء
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. وأذلَّ الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين وأهلك اليهود والنصارى والرَّافضة المعتدين. اللهم وآمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يُعزُّ فيه أهل طاعتك ويُذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر
اللهمَّ أصلح لنا نياتِنا وذرياتِنا، اللهمَّ اجعلهم هداة مهتدين ، و اكفهم شرَّ الأشرار. اللهمَّ حبب إليهم الإيمان وزينهُ في قلوبهم وكرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان.
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}
0
0
15.8K
05-24-1433 01:42 صباحًا