• ×

04:45 صباحًا , الأحد 22 جمادي الأول 1446 / 24 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 22-10-1431هـ بعنوان هذا أبو بكرٍ الصَّديق رضي الله عنه

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله ما أجلَّ سلطانَ ربِّنا، وأعظمَ شأنَه، وأعمَّ فضلَه وأجزلَ إحسانَه،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وَعَدَ المؤمنين الْمُخلِصين بالعزَّة والكرامةِ، وتوعَّد الفاسقين الخارجينَ بالحسرةِ والنَّدامةِ، ونشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيِّنَا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه،اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى جميع الآل والأصحاب, والأتباع والأحباب، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}
أما بعد:أيُّها الناس اتقوا الله ربَّكم وأصلحوا قلوبَكم وأعمالَكم وأطيعوا الله ورسولَه إن كنتم مؤمنين.
عباد الله : هل رأيتم العظمة في ذروتِها والإيمانَ في شموخه؟! وهل سمعتم بالبطولة في أسمى معانيها؟! والإنفاقَ في سبيل الله بأحلى صوره ؟! نعم إنَّها عندنا في تأريخنا المجيد !
والتاريخُ الإنساني بعرضه وطوله لم يشهد من الصِّدقِ والتَّوثيقِ مثلَ ما كان عندنا في سير رجاله السابقين, ودعوني أشنِّفُ آذانَكم بسيرة رجلٍ عظيم القدر، رفيعِ المنزلةِ والأجر، اسمه عبدُ الله، وحقًّا كان عبدًا لله، عبد ربَّه حقَّ عبادته، وجاهد فيه حقَّ جهاده، وأنفق في سبيل الله كلَّ مالِه ، ونافح عن دين ربِّه , ونصرَ رسولَه , وصدَّقه وآمن به إذْ كذَّب به الناسُ، كان نبيلاً شريفًا تاجرا نسَّابا , وكان ذا رأيٍ ومشورة، وكان في جاهليته لا يشربُ الخمر ولا يأكلُ الربا، وذلك لِما فُطِر عليه من الخير والكمال ، لقد حاز الشَّرف كلَّه، وتملَّك السيادةَ من أطرافها، فلأجل ذلك اتَّخذه النبيُّ صديقاً وصاحباً وقال عنه : ((لو كنت متَّخِذاً أحداً خليلا لاتِّخذتُ أبا بكرٍ خليلا، ولكنْ أخي وصاحبي)). نعم، هو صدِّيقُ هذه الأمة، أبو بكرٍ رضي الله عنه وأرضاه.
هذا أبو بكرٍ الذي وُزِنَ إيمانُه بإيمان الأمة كلِّها، هو أوَّلُ الخلفاءِ الراشدين، وأوَّلُ العشرةِ المبشرين، سُئِل رسولُ الله : ((أيُّ النَّاس أحبُّ إليك؟ قال: عائشةُ، قيل: ومن الرِّجال، قال: أبوها))
هو أوَّلُ من آمن من الرِّجال بمحمدٍ وتلك والله مزيَّةٌ وأيُّ مزيَّةٍ ! فلمَّا دعاهُ النبيُّ إلى الإسلام لم يتردَّد لحظةً في تصديقهِ والإيمانِ به وفي ذلك يقول : ((ما عرضتُ هذا الأمر على أحدٍ إلا كانت منه كَبْوَةٌ وتردُّدٌ ونَظَرٌ إلا ما كان من أبي بكر، ما إنْ عرضتُ عليه الأمر حتى صدَّقني وآمن بي)).
قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ لأصحابه: ناشدتكم الله، أيُّ الرجلينِ خيرٌ: مؤمنُ آلِ فرعونَ أو أبو بكرٍ؟ فأمسكَ القومُ، فقال عليٌّ : واللهِ، ليومٌ واحدٌ من أبي بكر خيرٌ من مؤمنِ آلِ فرعونَ، ذاكَ رجلٌ كتم إيمانَه فأثنى الله عليه، وهذا بذلَ نفسَه ودمَه ومالَه .
ثم أبو بكرٍ يا كرامُ: كان يجهر بإيمانه في كلِّ مكان، فقد ثبت ففي الصحيح عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: ابتلُيَ المسلمون بمكةَ، فابتنى أبو بكرٍ مسجدا بفناءِ داره، وكان يُصلي فيه ويقرأُ القرآن، فيجتمعُ عليه نساءُ المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبونَ منه وينظرونَ إليه، وكان رجلا بكَّاء، لا يملكُ عينَه إذا قرأَ القرآنَ، وأفزعَ ذلك أشرافَ قريشٍ من المشركين، فأرسلوا إلى مَنْ أجارَه، فردَّ أبو بكرٍ جوارَه حيث قال: فإنِّي أردُّ عليك جوارَك، وأرضى بجوارِ الله عزَّ وجل.
أيُّها الكرام، تجدون في سيرة أبي بكر رضي الله عنه هِمَّةَ الداعيةَ الصَّادقَ ،فقد جعل إسلامَه طريقا لإسلام الآخرين ، فأثَّر فيمن يجالِسُه فألفوه بطيبِ أخلاقِه وحسنِ دعوتِه، إذْ أسلمَ على يديه فضلاءُ الصحابة رضي الله عنهم، منهم عثمانُ بنُ عفانَ والزبيرُ بنُ العوَّامِ وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ وعبدُ الرحمنِ بنِ عوفٍ وطلحةُ بنُ عبيدِ الله رضي الله عنهم وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ لُقِّبَ بالصِّدِّيقِ لسرعةِ إيمانه وتصديقه بما يقولُه رسول الله ،فعلى سبيل المثال , لَمَّا أُسريَ بالنبيِّ وكذَّبته قريشٌ وذهبوا إلى أبي بكر شامتينَ مستهزئينَ فما كان من أبي بكر إلا أنْ قال: (إنْ كان قال فقد صدق، إنِّا نصدِّقه في الخبر يأتيه من السماء، أفلا نصدقه فيما دون ذلك ؟) وكان رسولُ الله يلقِّبُهُ بالعتيقِ، فقد قالت عائشةُ رضي الله : نظرَ رسولُ الله إليه وقال: ((هذا عتيقُ الله من النار)) ولُقِّبَ بالأوَّاه؛ لرحمته ورأفته رضي الله عنه وأرضاه، يكفيه شرفاً وفخرا أنَّ أنزلَ اللهُ فيه قرآناً يُتلى إلى يوم القيامةِ , فقد وصفه , ربُّه بالتقوى والإخلاص وبين سبحانه أنَّه عنه راضٍ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى.وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى . إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى .وَلَسَوْفَ يَرْضَى لقد أجمع المفسرون أنَّها نزلت في أبي بكرٍ حين مرَّ رسولُ الله ببلالٍ وهو يُعذَّبُ ويقول: أحدٌ أحد، فقال: لأبي بكر: ((يا أبا بكر إنَّ بلالاً يُعذَّبُ في الله )) فانْصَرَفَ إلى منزلِه فأخذَ رِطلاً من ذهبٍ، ومضى به إلى أميةَ بنَ خلفٍ، فقال: أتبيعُني بلالاً؟ فقال: نعم، فاشتراه فأعتقه، رضي الله عن صِدِّيق الأمَّة وأرضاه , وجمعنا به مع محمدٍ في جنَّة الخلد ودار الكرامة
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رفعَ قدرَ أولي الأقدارِ ، أحمده سبحانه وأشكره على فضله المدرارِ ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحدُ القهارُ ، وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدا عبدُ الله ورسولُه المصطفى المختار ، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابِه المهاجرين والأنصار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومَ القرار .
أما بعد: فاتقوا الله رحمكم الله ،واعلموا ياأهل السُّنَّةِ والجماعةِ : أنَّهُ كلما ذُكرتِ الهجرةُ تبادرَ إلى الأذهانِ قولُ الباري: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا نعم الله ُمعهما معيَّةً خاصَّةً يحفظهم ويرعاهم , قال عليُّ بنُ أبى طالبٍ لرجل: ويلك! إنَّ الله ذمَّ الناسَ ومدحَ أبا بكرٍ في هذه الآية .
أيُّها الكرام، كان لأبي بكرٍ رضي الله عنه نفسٌ تواقَةٌ وعزيمةٌ صادقةٌ في الخير، ثبت في الصحيحين أنَّ النبيَّ قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة ، فمن كان من أهل الصلاة دُعيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة))، قال أبو بكر: يا رسول الله، هل يُدعي أحدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟ قال : ((نعم، وأرجو أن تكون أنت منهم)). قال عمرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: ما سابقتُ أبا بكرٍ إلى خيرٍ إلا سبقني إليه. وما ترك غزوةً غزاها النبيُّ إلا خرجَ فيها بنفسه وماله مجاهداً في سبيل الله صابرا ومحتسبا. قال عنه رسول الله : ((إنَّ أمنَّ الناسِ عليَّ في صحبته وماله أبو بكر)) وقال رسولُ الله : ((ما لأحدٍ عندي يدٌ إلا كافأتُه بِها, إلا ما كان من أبي بكر فإنَّ له عندي يداً، والله يكافِئُه بها، ما نفعني مالُ أحدٍ قطُّ ما نفعني مالُ أبي بكر)) بيتُه بيتُ علمٍ إيمان، أسلم أبوه وأمُّه وأولادُه وأولادُ أولادِه, وأدركوا النبيَّ , ومن هذا البيت خرجت الصدِّيقةُ حبيبةُ رسول الله ! أبو بكرٍ رجلٌ أسيفٌ, إذا قرأ القرآن لم يملك دمع عينه, شبَّهَهُ الرسول بإبراهيمَ وعيسى في لينهما في جنب الله, وأوَّلُ من يدخلُ الجنةَ من هذه الأمة بعد نبيها أبو بكرٍ, وأبو بكرٍ وعمرُ سيِّدا كهولِ أهل ِالجنة من الأولين والآخرين إلا النبيينَ والمرسلينَ.
أيُّها المؤمنون : يا أهل السُّنَّةِ والجماعةِ:ولا يعرف الفضلَ لأهله إلا الشُّرفاءُ, فلقد أحبَّ الصحابةُ أبا بكرٍ وأجلُّوه, فلا يعدلون به أحدا, فيا الله، ما أروعها من سيرة وأعظمها من مسيرة !
واعلموا يا كرامَ: أنَّ التأريخ الإسلاميَّ ليس مجردَ أحداثٍ مُدوَّنةٍ، ولكنَّه عقيدةُ الأمة ودينها , وميزانُها وعظمتها واعتبارها. والأمةُ التي لا تُحسن فِقه تاريْخَها ولا تحفَظُ حقَّ رجالها أمةٌ ضعيفةٌ هزيلةٌ , مُضيعة لمعالم طريقها.يتطاول عليها السُّفهاء والرِّعاعُ ,وساقطو الفكر وأراذلُ القومِ, ونحن في حديثنا عن صِدِّيق أمَّتنا, لم نقصد التعريف بمجهولٍ ولا الرَّفعَ لمخفوضٍ, فهو أرفعُ مكانًا وأجلُّ شأنًا. إلاَّ أنَّ المقام يستدعي التحذيرَ من مسلك الضالين المخالفين لسبيل المؤمنين, ألئك الرَّوافضَ الهالكين, ممن ناصبوا أبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ ورجالاتِ الإسلام رضي الله عنهم العداءَ والبغضاء , فمن سبَّ الصحابةَ أو انتقصهم فقد تحرَّرَ من ربقةِ الإسلام, كيف لا والقدحُ فيهم قدحٌ في الشريعة الإلهية الغرَّاءُ ؟! إذ هم حملةُ الآثار ورواةُ الأخبار, ومن ثمار هذا الصَّلفِ والافتراءِ الرافضي أنْ ظهر مكنونهم وما تخفيه عمائمهم البيضاءُ والسوداءُ من حقد دفين , وكذبٍ وافتراء, كان الله لهم بالمرصاد
عباد الله :لقد عشنا لحظاتٍ مع سيرةِ أبي بكر وإيمانه بالله، فلنتخذ من هذا الإيمان مِشْعَلاً، ولنستفد من مناقبه دروسًا في حبِّ الله ورسوله ، ودروسًا في التقوى، من سيرته نأخذ الصَّبر والثَّبات، والحلم والأناة، سيرتُه درسٌ في الاهتمام بأمر المسلمين وخدمة الدين. فرضي الله عن أبي بكر وأرضاه، وطاب ذكره حيًّا وميتِّا ورضي الله عن الصحابة أجمعين . هذا وصلُّوا رحمكم الله على البشير النذير، كما أمركم الله بقوله: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً
اللهم صل على محمدٍ وعلى آله الطيبين وأصحابه أجمعين وسلِّ م تسليمًا كثيرًا،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى و هيئ له بطانة صالحة تعينهم على البر والتقوى الخير، اللهم عليك بالرافضة الظالمين الذين يبغضون صحابة رسولك ويلعنون المؤمنين
اللهم انتقم للمسلمين منهم , واجعل بأسهم بينهم شديدا , وافضحهم على رؤوس الأشهاد ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة المحيا والممات.عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

بواسطة : admincp
 0  0  2.1K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 04:45 صباحًا الأحد 22 جمادي الأول 1446 / 24 نوفمبر 2024.